ربما لم يتعرض الإسلام كديانة الى أبشع وأقسى حرب كالتي يتعرض لها هذه السنوات ممن يقدمون أنفسهم كأتباع مخلصين! وهم الذين يمكن أن يوصفوا بالصديق الجاهل الذي خيرٌ منه عدوٌ عالم.
والكثير من هؤلاء، إن لم يكن كلهم، أهل نوايا طيبة، وصادقة، يريدون نصرة الإسلام بأي طريقة، لكن سذاجاتهم وقلة عقلهم، تقودهم الى تسطيح الإسلام والإساءة له، وتقديمه للناس على نحوٍ منفّر. الأمر الذي يُخلّفُ ندوباً وتشوهات عميقة في صورته العامّة.
ينقسمُ هؤلاء الى قسمين: الأول يقدمُ نفسه كنخبة من العلماء والفقهاء، والآخر يضم شعبويين وطلاب مدارس وشبابا وصبايا "يتمتعون" بمستوى متواضعٍ وفقيرٍ جداً من التفكير.
القسم الأول يخرج على الناس بفتاوى تتعارض حُكماً مع العقل والمنطق، ولا تحمل أي وجاهةٍ تجعلك حتى مستعداً لسماعها فضلاً عن نقاشها، إذ تبدو على نحوٍ من الضحالة يجعلها لا تحتمل رأيين، من قبيل إرضاع زميل العمل ليصير الجلوس إليه حلالاً، ومضاجعة الزوجة الميتة على سبيل الوداع، ومنع جلوس الرجل على كرسي تتركه المرأة في الباص إلا بعد خمس دقائق كي يبرد من الاثارة (ربما يُرفع عدد الدقائق تلقائياً كلما زادت إثارة المرأة وتبرّجها)، وفتوى زواج الممثلين في الأفلام، ثم فتوى منع المرأة عن أكل الخيار أو شرائه، ثم أخيراً فتوى أن الزواج يبطل شرعاً إن خلع أحد الزوجين ملابسه كاملة خلال "العلاقة الزوجية"!!
القسم الثاني ويضم في صفوفه عشرات الأنواع من الذين يهرعون في كل موقف لإلصاق مواقف مضحكة وطريفة بالاسلام، فيسيئون له من حيث يعتقدون أنهم يدافعون عنه او ينتصرون له، وأنشطهم هم الذي ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، على الانترنت، كل ساعة صورة عن اسم الجلالة داخل حبة بندورة، او شجرة تشكلت أغصانها على هيئة رجل يصلي، أو غيمة على شكل امرأةٍ حامل، أو حبة باذنجان تحمل جوّاها اسم الرسول عليه الصلاة والسلام، ويطلب اليك أن تنشرها والا فإنك ستبوء بعذاب ماحقٍ وخسرانٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة!
وهؤلاء أنفسهم المغرمون بنظرية المؤامرة، إذ يكتشفون كل عشر دقائق مكيدة جديدة تحاك ضد الاسلام، حيث يشغلون أنفسهم بتحليل عبارة على قميص لاعب كرة فرنسي، أو بشكل بناء برج ايفل، أو بتصميم بناء الغرف داخل مجلس الشعب الصيني، ويدعونك للتكبير استنكاراً، وتهليلاً باكتشافهم العظيم، .. وآخر المكائد المنتشرة بكثافة الآن، أن كتابة اسم مسلسل "عمر" بهذا البنط أو النوع من الحرف لو قرأتها بـ"تمعن" و"تبصر" لوجدتها تشير الى ثلاثة حروف بالانجليزية "منظمة اليهودية العالمية" !!
ولا أظن هذا المحلل العبقري الذي خرج بهذا الاكتشاف المهول، قد شاهد حلقة واحدة من المسلسل ليتبصر فيه تاريخياً ودينياً، وربما كان أمّياً؛ كذلك الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ وفي التحقيق معه اعترف بأنه لم يقرأ له حرفاً واحداً، وانه ببساطة لا يقرأ ولا يكتب، وانهم قالوا له بأنه رجل يسيء للاسلام فادخل به الجنّة !
* *
فمن يحمي الاسلام ومن ينتصر له، ومن يدافع عنه، ولماذا لا تشكل الحكومات العربية والمسلمة جهات رسمية صارمة تقنن الفتاوى وتحصرها، مثل تلك التي تحصر عمل الباحثين والاطباء والمهندسين والكُتّاب وتلزمهم بتسجيل اختراعاتهم ومكتشفاتهم وكتبهم قبل الاعلان عنها،.. لماذا وحدهم رجال الدين يتركون بلا جهة تعقلن اندفاعهم وحماستهم؟!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد