لطريقة التي يعيش بها العربي علاقاته العاطفية هي وصفة سحرية مبدعة لإفشال العلاقة، ودفع الطرف الآخر دفعاً للهرب من هذا الحب!
ولا أقصد فقط العلاقة بين رجل وامرأة، لكن ذلك ينسحب على كل ما، ومَن، يغرم به العربي، فيجعله مِن ممتلكاته، ويصير يتصرف على هذا الأساس!
وأسوق هنا مثالاً طازجاً هو الهجمة الدائرة على نادي "برشلونة" الاسباني لإعلانه انه سيستضيف جندياً اسرائيلياً متقاعداً هو جلعاد شاليط، حيث يعاني مشجعو الفريق وأنصاره العرب من صدمة هائلة، ويشعرون تماماً بشعور من تعرض لخيانة عاطفية!!
وحتى يكون الموضوع واضحاً فأنا لستُ من مشجعي النادي أو بصدد الدفاع عنه، حيث إنني لستُ من المهتمين بأي نوع من أنواع الرياضة، ولا أميز بين قميصي "ريال مدريد" و"برشلونة" ولا اعرف لونيهما حتى هذه الساعة! لكنني أستغربُ الاندفاع العاطفي الذي يعيشه العربي دائماً من طرف واحدٍ؛ في الحب والسياسة والرياضة، حيث يصنع علاقة متخيلة في ذهنه، يجب على الطرف الآخر (الذي نقع في حبه كعرب) ان يقدسها بدوره ويلتزم بها، وأن لا يخرج عن قوانينها مهما اقتضى الأمر؛ حيث يتصرف الكثيرون الآن مع هذا الخبر وكأن النادي المذكور هو أحد اندية قطاع غزة، حتى إن البعض اندفع لتحذيره من مغبّة (الخيانة) التي سيقع فيها!
وتذكرتُ، وأنا أقرأ هذه التحذيرات، تلك اليافطة شديدة العَبَط التي رفعها متظاهر عربي وكتب عليها (يا اوباما يا جبان يا عميل الأمريكان)!
هذه العلاقة الساذجة التي نفرضها عاطفياً على أنصارنا في الغرب، تجعل الكثيرين يترددون لاحقاً في مناصرتنا، والنفور من غبائنا، لتخلف الأدوات التي نعالج بها قضايانا، ولركاكة الخطاب الذي نوجهه للآخر!
وقياساً على ذلك، لا أستبعد في الشهور المقبلة أن يخرج أحد الأذكياء بـ(فضيحة) أن انجلينا جولي صديقة المخيمات واللاجئين قد مثلت فيلماً كان مساعد المنتج فيه يهودياً، فتقوم قائمتها، ويحكم عليها بالرجم!
هذا الحب بهذه الطريقة الساذجة، والعبيطة، لا يليق بأصحاب القضايا الكبرى، فمجرد اعجابنا بنادٍ رياضي، أو إعجاب فنان أو شاعر أو حتى سياسي غربي بنا ومناصرته لقضيتنا، لا يعني أننا دخلنا في علاقة مصاهرة وطنية، أو زواج كاثوليكي لا انفضاض منه، ولا يعني أن نفرض شروطنا عليه، بل علينا أن نكون ممتنين، للحصّة التي استطعنا انتزاعها من هذا الطرف، وإن رغبنا حقاً بزيادة هذه الحصّة، أو الحصول على هذا الشخص كاملاً، فعلينا أن نضاعف جهدنا بالتعريف بنا وبقضيتنا بطريقة حضارية، تلفت انتباه هذا الشخص أو هذا النادي ولا تثير نفوره!
وأستغرب الدعوات التي تتعالى بصخب أهوج تنادي لمقاطعة النادي؛ وأتساءل بأي حق نريد أن تفرض على نادٍ اسباني وطنيةً زائدة لم نستطع فرضها على كثيرين من أبناء القضية نفسها، ولماذا يتعامل البعض مع الأمر على أساس انه بحضوره بضع مباريات للنادي صار شريكاً ومساهماً فيه!
لا أدافع عن النادي، ولستُ معنيّاً به وبمن يستقبل، بقدر ما تستوقفني هذه السذاجات التي لا تتوقف في الشارع العربي، التي تتلخص دائماً في أننا نشتري أنصارنا ونحجر عليهم، بمبالغةٍ مقيتةٍ، كأنَّ المعزين فعلاً مطالبون- كما يقول المَثل العربي- بما لا يطالب به أهل الميت، الصابرون .. كما نعرفُ جميعاً!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد