قديماً قال الشاعر العربي (لا خيل عندك تهديها ولا مال.. فليسعد النطقُ إن لم تسعد الحال). ولأن حكوماتنا لا شيء عندها تقدمه للمواطن المغلوب على أمره، فعليها وهي تمدُّ يدها لرفع الأسعار بين وقت وآخر أو فرض رسوم جديدة في هذه الضائقة الاقتصادية كما يسمونها، ان تكون على الأقل حنونة بعض الشيء فيما تقدر عليه!
فالشعب الصابر على الضنك وعلى هذا الارتفاع المتوالي في الأسعار يهمه أن يشعر بالتقدير، وان وقوفه الى جانب حكومته لا يقابل بالاستهتار، وان ثمة من يقول له شكراً، لا من ينغص عليه في أشياء أخرى يمكن تجنبها!
فحين يتعامل الناس بطيبة وتفهم، ويتعاملون مع الغلاء كقضاء وقدر، ليس من الحكمة استفزازهم بفرض رسوم على سيارة الاسعاف وهو ما لم نسمع انه حدث قبل ذلك في مكان في العالم، او بإلغاء التوقيت الشتوي بحيث يخرج اطفالنا للمدرسة مع عتمة أذان الفجر، أو بالاعلان أن التوجيهي المرعب قد يصبح لسنتين متتاليتين، أو ان يفشل طلاب حصلوا على معدل 97 في التوجيهي بدخول كلية الطب، أو باختراع طرق مدفوعة يصبح المرور منها برسوم!
فالناس يمكنها تفهم الظرف العالمي، وتفهم جيداً متى تكون الحكومة مضطرة (فعلاً) للاستجابة لظرف أكبر منها، ومتى تكون مستقويةً عليه، لكن الحكومة بالمقابل غير متفهمة أبداً لحال الناس، ولا تأخد أعصابهم المنهكة ونفسياتهم المحبطة على محمل الحنان والتعاطف.. والأبوّة مثلاً!
مع ان الشعب الطيب، الفلّاح والبدوي، يمكنك أن تأخذ منه كل شيء، بالكلمة الطيبة، إن أحس انه لا يتعرض للاستغباء، وأنك فعلاً تستغيث به لمصلحة وطنية، وان بلاده تمر بظرف عصيب، وهو في حالة كهذه مستعد للبذل اكثر مما تريد الحكومات، لكنه لا يتجرع القرارات "الفانتازية" التي يحس أن منشأها الجشع، والتي لا يفكر أصحابها فيه كإنسان؛ إنما كمجرد "ثروة طبيعية" يجب "استحلابها" بكل الأشكال!
وهذا ما افتقرت له حكوماتنا دائماً، العلاقة الودية القائمة على تقدير الناس، وتقدير ما يبذلون، وما يحتملون، والرد على ذلك بـ"مشاعر" صادقة فعلاً، وليس كجزء من "الانشاء الرسمي" غير البليغ أبداً!
أن تتفهم الحكومة ظرف الناس النفسي، وأن تقف الى جانبهم، وتريحهم في التفاصيل الصغيرة التي باستطاعتها تقديمها لهم، ففكرة سيارة الاسعاف في كل العالم هي فكرة الإغاثة، النجدة، اللهفة، وليست فكرة الانتفاع من مصيبة المصاب، كما أنني كمواطن لا أفهم معنى ان تخرج بناتي الصغيرات للمدرسة في العتمة بداعي إلغاء التوقيت الشتوي لتوفير الطاقة، وفي ذات الوقت ارى طريق عمان اربد مضاءة منذ الرابعة عصراً!..
نحتاج فقط للحنان أيتها الحكومات، وأن نشعر بأننا نستحق التقدير!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد