دخلتُ متجراً شعبياً للخضار والفاكهة، وصدمني مشهدُ بسطة التفاح، التفاح الذي تجعَّد جلده، وصار لونه بنّياً غامقاً، وطريّاً ومعطوباً تماماً، ولا يصلح حتى للرسم، وكان سعره دينارا وخمسة وثمانين قرشاً للكيلو الواحد!
كان واضحاً أن الشمس والغبار والريح والرطوبة مرّت كلّها لعدة أيام على هذا التفاح دون أن تُقلّبه يد واحدٍ من الزبائن، وكان محسوماً انه سينتهي لمكب النفايات، فتساءلت: لو انه باعه بنصف دينار حين صار هكذا بدل ان يرميه، لربح ربحاً قليلاً وأشبع فقراء جوعى يتمنون التفاح! لكنني على الأرجح لا أفهم في الاقتصاد!
في الطريق من المطار للبيت قالت لي زوجتي لا تسرع، المرة الماضية تركت لنا السيارة وعليها مخالفة "رادار"، قلت لها "ليه ؟ كم كانت سرعتي" فقالت ( 72 والسرعة عندنا على طريق المطار 60). ذهلت فعلا! السرعة على طريق المطار 60 رأيتُ اللافتة بعيني! كم هي في وسط البلد إذاً؟! قلت لنفسي ربما انا لا أفهم في المطارات!
قرأتُ بعض الصحف التي وقعت عليها يدي فوجدتُ كثيراً من التذمر من اللاجئين الجدد، وسمعتُ هذا من المارّة، ومن أقاربي، ومن الحلّاق، ومن عامل البنزين، ومن الحاجّة التي كانت تشتري دواء للسعال وعلّقت متذاكية (شكلو الهوا بطّل نظيف زي زمان !!). فقلتُ لحالي: ربما انا لا أفهمُ في اللاجئين!
قال لي صديقي سراً: كل شيء ارتفع سعره؛ الشقق، اللوحات الفنية، مواد البناء، طناجر الضغط، البنزين، شاي الغزالين، قطع السيارات، قماش الموسلين، الباذنجان الصغير الذي يصلح للمقدوس، كل شيء ارتفع، (ثم مال علَيَّ كأنه خائف من آذان الحيطان) حبتين الفلافل صاروا بشلن! قلتُ لحالي: ربما انا أتسرع في اختيار الأصدقاء!
هل تذكر فلان؟ صار وزيراً! ذلك الذي كان يشتم الحكومات كلها، وليس معه ثمن سجائره او أجرة التاكسي؟!، "آه يا سيدي صار وزير"، " كيف طيب؟!"، فيشرح لي صديقي العارف "طلعوا فاهمينو غلط، كاين الرجل عاتب مو زعلان وانتهت القصة،" قلتُ لحالي: ربما أنا لم اكن أفهم "القصّة"!
تعال نذهب للرابطة؛ قال صديقي، وأكمَل: لتستعيد ذكرياتك وكواليس الانتخابات ولياليها الطويلة، واجتماعاتكم، وو.. فقلت: "رأيت صورة فلان مع بشار الأسد؟" فقال صاحبي "نعم، المصيبة انها كانت يوم مجزرة القصير، وكان المثقف العضوي اليساري الاشتراكي العمّالي الأحمر جداً يلبس بدلة غالية وربطة عنق فاخرة ويتصوّر مع القاتل ضاحكاً"، قلت له "لا تظلمه، ليست فاخرة جداً"، ربما أنت يا صاحبي أو أنا لا نفهم في القتل أو ربطات العنق!
قال لي ابن عمي ونحن نجلس متجهمين في بيت عزاء "سمعت اسرائيل بتحكي انه فيديو محمد الدرة طلع ملفق وانه الدرة لسه عايش، شفت الفيديو تبع الجنود المصريين وفيديو اللي جلدوا السوري لأنه زوج بنته بالعدّة وفيديو اللي اكل قلب الجندي وفيديو اللي انضربوا في المركز الثقافي وفيديو اللي حلقوا شعره بغزة و.."، قلتُ لابن عمي: "ابتسم للكاميرا التي هناك"!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد