تكلفت شركات الانتاج الفني لمسلسلات وبرامج رمضان مبالغ ضخمة لتوفير هذه الكميات الكبيرة من المشروبات الروحية التي لم يخلُ منها مسلسل واحد، حتى بدا الأمر مقززاً ومبالغاً فيه حتى لغير المتدينين؛ خصوصاً أن مئات المشاهد التي قدمت حتى الآن للبارات وزجاجات المشروب لم يجر توظيفها في سياق فني أو درامي أبداً، تماماً كما هي الألفاظ والكلمات البذيئة التي استخدمت في هذه الأعمال، هذه السنة تحديداً، بشكل يستفز المشاهد حتى لو لم يكن مصلّياً أو صائماً!
وكان ملفتاً أن تتجاور هذه المسلسلات مع برامج دينية لدعاة جدد؛ استمراراً لظاهرة التجارة بالدين، والتي أصبحت بضاعة مربحة للفضائيات التي صنعت من خطباء الجوامع نجوماً كنجوم الدراما، وبنفس درجة التمثيل، حتى أننا شاهدنا هذه السنة دعاة لم يتجاوزوا ربما العشرين من العمر، وربما لم ينهوا دراستهم الجامعية بعد!
وهكذا كانت خيارات المشاهد محدودة جداً بين ثلاث شاشات: المسلسل المليء بالعنف والصراخ وطاولات الخمر، او الداعية الولد الذي جرى تلبيسه وتزويقه كأي ممثل شاب، أو برامج الطبخ التي يعدّها طباخون مهرة وتقدمها أمام الكاميرات سيدات لا يتقن صناعة شوربة الدجاج!
وبدا لي أن أغلب هذه الأعمال، المصرية تحديداً، والتي انتجت في "عام العسر"، قد حاول منتجوها وكتابها وممثلوها، اختبار سقف الرقابة في ظل "حكم الإخوان"، أو تحديها، لكن ذلك تم للأسف على نحوٍ سيئ وخائب فنيّاً! وفي ظل كل ذلك، ظهر الفنان إياد نصار بطل مسلسل "موجة حارّة" كنجم مبدع إلى حدّ الإبهار، رغم أنها ليست تجربته الأولى في الدراما المصرية، لكنك لا تستطيع خلال كل مشهد في المسلسل إلا أن تشعر بالفخر وأنت تقول هذا الفنان لنا، ومنّا، وها هو يتفوق على نجوم كبار وتقليديين على الشاشة المصرية، ما يثبت أن المشهد هنا في الأردن ليس فقيراً، ولا تنقصه الخبرات والقدرات، لكن ينقصه الإيمان بنا، وتقديرنا، وعدم الانجرار دائماً وراء فكرة أن كل ما هو محلي هو سطحي، وتنقصه الموهبة!
إياد نصار، مثل كل مبدع في الأردن احتاج ان يذهب خارج البلد ليحصل على شهادة الجدارة، الشهادة التي تمنح في الأردن بالواسطة والمحسوبية والعشائرية والكلام الفارغ وتمنع عن المبدعين الحقيقيين. ماذا ينقصنا في الأردن: النص؟ الممثل؟ المخرج؟ لا أعرف ولا أستطيع ان أفهم؛ في ظل وجود ممثلين وكُتّاب ومخرجين عباقرة وأسماء مبهرة خرجت من هنا، وأخذت فرصتها في الخارج. ربما ينقصنا فقط الاحتكام الى الخبرات والكفاءة ووضع "المعايير الأخرى" المشوهة جانباً؛ فهي لا تصنع مبدعاً ولا مجتمعاً عفيّاً، ولا تنتج غير مجتمعات النميمة والتربص والكراهية!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد