ظاهرة استعمال الهاتف النقال عادت من جديد، وأصبح من النادر أن ترى سائقا لا يستعمل الهاتف أثناء القيادة، وأن العديد من حوادث السير المؤلمة وقعت نتيجة ذلك.
لقد كشفت الدراسات التي اجرتها دول الاتحاد الاوروبي عن ان نسبة احتمال وقوع الحوادث للسائق الذي يحمل الهاتف النقال في يده تفوق نسب وقوع حوادث تحت تاثير الكحول بنسبة 1 - 4، وان الحديث عبر الهاتف النقال المتحرك اثناء قيادة السيارة يمثل نسبة خطورة اكبر مما تمثله تحت تاثير الكحول وتشير الدراسة الى ان خطر وقوع الحوادث يتزايد مع حمل السائق للهاتف باليد، ويتناقص مع استخدام السماعات.
ويؤكد علماء النفس ان سائقي السيارات الذين يعانون من التوتر هم اكثر عرضة لحوداث السير، وان مستويات التوتر تزداد عند التحدث عبر الهاتف.
هذه المعلومات الموثقة تحمل امورا في غاية الخطورة، اذ ان تناول الكحول في اوروبا في غاية الخطورة، اذ ان تناول الكحول يعتبر من الامور الاعتيادية، وان استعمال الهاتف النقال اثناء القيادة يشكل اربعة اضعاف الخطورة التي تنجم عن تناول الكحول.
وقد تنبه المشرع الاردني الى هذا الامر. فنص قانون السير على ايقاع عقوبة على السائق الذي يستعمل الهاتف النقال بلغت قبل التعديل (50) دينارا، وتم تخفيضها الى 15 دينارا بعد الارتفاع الهائل باعداد المخالفين، وحجز العشرات من رخص قيادة السيارة، وحجز اعداد كبيرة من تسديد قيمة المخالفة، خاصة وان معظمهم دون سن الثانية والعشرين.
ان استعمال الهاتف النقال اثناء القيادة من شانه صرف الذهن وتشتيت التفكير، وعدم التركيز على قواعد السير الصحيحة الامر الذي يؤدي الى وقوع العديد من الحوادث المؤسفة، خاصة اذا ما كانت هناك مكالمة مزعجة، او تتطلب بعض التفكير، حتى ان بعض السائقين ودون اية ارادة يحاول ان يتناول القلم والورقة ويقوم بكتابة رقم هاتف او بعض الملاحظات الواردة اليه عبر الهاتف، وكل ذلك يتم اثناء القيادة حيث يصحو السائق بعد وقوع الحادث المروري المؤسف في المستشفى ويروي لزوارة قصة المحادثة الهاتفية الاخيرة عند وقوع حادث السير.
المزعج في الامر ان نسبة السائقين الذين يستعملون الهاتف النقال في المملكة كبيرة، واننا نشاهد سائق الباص الذي ينقل نحو خمسين مواطنا، او طالبا او سائحا وهو يقود مركبته بسرعة عالية على الطريق الصحراوي، او بين عمان وجرش او الزرقاء ويمسك مقود الباص باليمين والهاتف النقال باليسار، ولا يعرف كيف يتصرف اذا ما وقع اي طارئ. قد لا تكون لدينا دراسات دقيقة عن حوادث السير التي وقعت نتيجة استعمال الهاتف النقال اثناء قيادة السيارة، لكن مشاهداتنا اليومية، ومعرفتنا بالاصدقاء والاهل الذين يتحدثون عن الهاتف النقال الذي سبب لهم مصيبة دهس طفل او الاصطدام بسيارة اخرى تسبب بجروح بالغة، او حتى اصطدام بسيط بين سيارتين، واننا من خلال التجارب الشخصية نعرف ان الهاتف النقال يقف وراء العديد من الحوداث المرورية.
لا اعتقد ان العقوبات في قانون السير والغرامة المفروضة على السائق الذي يستعمل الهاتف النقال من شأنها ان تحد من هذه الظاهرة التي بدأت تستشري في مجتمعنا الاردني، ولكن الوعي لدى الأم التي تجلس على مقود السيارة، ومعها اطفالها على الكرسي الخلفي ومدى الخطر التي يحيق بها وباطفالها عند استعمالها للهاتف النقال وامكانية وقوع حادث مؤسف، سيكون كفيلا بان تتوقف على يمين الطريق للرد على مكالمة واردة او الاتصال بالاخرين.
من غير المعقول ان يكون وراء كل سيارة شرطي مرور، خاصة وان المئات من السائقين يستعملون الهاتف اثناء القيادة ولا يمكن ايقافهم من قبل رجال السير المنهمكين بتسيير حركة المرور، وان مخالفة اي منهم وتوقفه خلال فترة من الوقت على يمين الطريق، من شأنه التسبب بالازدحام المروري، وبالتالي عرقلة حركة السيارات، حيث يضطر شرطي المرور الى التغاضي عن مخالفتهم، تحسبا للأسوأ.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة أحمد جميل شاكر جريدة الدستور