لم يمر جيل بما مرَّ به، أو عاصره، أو شهده جيلنا، أقصد المولودين أول ستينيات القرن الماضي.

ولا أعرف إن كان يصحُّ أن نقول بأنَّنا كنا جيلاً محظوظاً، فذلك وصف ملتبس حين تقول إن فلاناً كان شاهد عيان على جريمة قتل!

حيث لا يمكن الفصل بين فرصته كشاهد واعتباره "محظوظاً" حين تصادف وجوده في مكان وزمان الجريمة، وحجم الآثار السلبية التي أصابت روحه بأضرار بعيدة المدى، جراء ذلك.

نحن الذين شهدنا "النكسة"، ورأينا الناس يهجرون بلادهم حفاة تحت صهيل طائرات تتعقب خطاهم، رأيناهم أو استقبلناهم أو كنّا، للحقيقة، بعضهم!

ثم رأينا الرايات السود تعلو البيوت حين فقد العرب "جمال عبدالناصر"، وتهاوت آمالهم القومية مثل ورقٍ محروق طيَّره الهواء.

 

عشنا "حصار بيروت"، والتراجيديا التي صنعها في التاريخ حتى لو أشاح التاريخ بوجهه أحياناً غير راضٍ، وحروب بيروت الأهلية، وانفجاراتها الحقيقية والمجازية في وجوه أهلها وسكّانها، انفجارات خلَّفت دخاناً وقتلى، وأخرى خلَّفت تركيبات مذهبية واصطفافات سياسية وعرقية وحاراتية، وإقليمية أيضاً.

 

رأينا كيف في ساعة غضب أوشكت دولة عربية أن تبتلع دولةً أخرى، وكيف اصطفت ثلاثون من دول العالم في حربٍ كونية ضد العراق، وكيف حوصر العراقيون سنوات طوالا، وكنا قد شهدنا حرباً أخرى عليهم استمرت ما يقرب عقداً من الزمان خلفت نحو مليون قتيل، وكانت أطول حروب القرن العشرين قاطبة.

 

شهدنا قيام الحكم الحالي في إيران، وكيف بدأت إرهاصاته، وإلى ماذا انتهت. وكنا شهدنا تلك العقود الطوال بين استلام صدام حسين الحكم، وبين إعدامه الذي شكَّل ذروة تراجيدية لكل حكايات المنطقة، كلٌّ حسب روايته!

 

وشهدنا إعدام ذو الفقار علي بوتو، على شاشة التلفزيون، ومطاردة تشاوشيسكو وإعدامه وزوجته، وهدم جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفيتي الذي للمفارقة لم يزعج العالم ولم يلفت انتباهه أكثر من أي حادث سير!

 

رأينا كيف موَّلت أميركا حرب بن لادن ضد موسكو، ودعمته بالمال والرجال والخطط، ثم بعد ذلك ألقت به في البحر!

 

رأينا الانتفاضة، تلك التي جعلت العالم ينتبه أن ثمة شعبا أخيرا لم ينل حريته بعد، ولم ينل دولته.
رأينا على الهواء كيف سقط السادات عن المنصَّة، وكيف تسبَّب مصور صحفي بمقتل الأميرة ديانا، وشهدنا عددا غير معروف من الانقلابات في موريتانيا!

 

عاصرنا "اختراع الإيدز" و"انفلونزا الطيور" وانتهاء عصر "الفاكس" مع بزوغ عصر "الإيميل"، وانقراض شبكة التلفزيون وكيف قتل "القذافي"!

 

عشنا في عصر كان موجوداً فيه "ماركيز" و"إدوارد سعيد" و"فيروز"، وشهدنا كيف يحاكم رؤساء الدول في دولهم على شاشات التلفزيون على الهواء مباشرة!

 

كيف نشب "الربيع" وكيف تم إطفاؤه، ومن سرقه، أو احتال عليه، ومن مات فيه أو مات بسببه.
رأينا "مانديلا" و"ياسر عرفات" و"الشيخ إمام" ولم يخبرنا أحدٌ عنهم، رأيناهم رؤي العين!
ونحن الذين نرى الآن جحيم الشام.

 

بقلم: إبراهيم جابر إبراهيم.​

 

 


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد   الآداب