يهدف علم الأحياء الدقيقة في التربة soil microbiology إلى الكشف عن التحولات المرتبطة بنشاطات هذه الأحياء ونتائجها المتبادلة من جهة وإلى دراسة تأثيراتها في النباتات والوسط الذي تعيش فيه من جهة أخرى.
تحتوي التربة على أعداد كبيرة من الكائنات الحية المتباينة في حجمها الذي يراوح بين خلايا مجهرية مفردة يقل قطرها عن ميكرون واحد، وحيوانات صغيرة، كما تختلف هذه الأحياء في أشكالها وأنواعها وتبعيتها التصنيفية، ويحوي المتر المكعب الواحد من تربة خصبة نحو1210 كائن حي.
أهمية أحياء التربة
تقوم أحياء التربة بتفكيك المواد العضوية الطبيعية جميعها، وتحسين خصوبة التربة بتحطيم أنسجة النباتات والحيوانات فيها، ودمج النواتج والمعادن المحررة مع التربة، كما أن لبعض أنواعها قدرة على حلّ بعض المنتوجات المصنعة من الإنسان. تحوِّل أحياء التربة بشقيها الفلورا النباتية والفونا الحيوانية المواد المتحللة إلى معقد عضوي مهم في التربة يسمى الدبالhumus يتركب من نحو60٪ كربون ونحو6٪ من الآزوت إضافة إلى مركبات فينولية وفسفاتية عضوية وسكريات معقدة وغيرها.تمزج حيوانات التربة بحركتها الدبال مع التربة، مما يساعد على تحسين خواص التربة بتفتيت حبيباتها وتهويتها وحركة الماء فيها وتجعل الدبال المتكون في متناول الأحياء الدقيقة.
تقوم الأحياء الدقيقة بهدم الدبال وحلّه، ويتم هذا التحلل بصورة بطيئة محررة منه المغذيات النباتية بعد موت هذه الأحياء.
العوامل المؤثرة في أنواع الأحياء الدقيقة وتوزعها في التربة
1ـ نوع التربة: تختلف أحياء التربة وأشكالها وأعدادها بحسب تركيب التربة الميكانيكي، وتكون الترب المتوسطة القوام أغنى بالأحياء الدقيقة من الترب الرملية أو الطينية الثقيلة.
2ـ الضوء: يفضل معظم أحياء التربة الابتعاد عن الضوء ماعدا بعض الطحالب والأشنيات التي تفضل العيش على سطح التربة أو قربه.
3 ـ التهوية: معظم أحياء التربة من الأنواع الهوائية التي لا تنمو إلا بوجود الهواء aerobic وبعضها لاهوائي anaerobic يتوقف نموه بتوافر الهواء، وبعضها الآخر اختياري ينمو بوجود الهواء أو غيابه. وتختلف أعداد هذه الأحياء وأشكالها وتوزعها في الترب تبعاً لدرجة تهويتها.
4 ـ الرطوبة: يعد وجود الرطوبة ضرورياً لأحياء التربة، إلا أنها تختلف في مدى تحملها للجفاف. وتوجد علاقة وطيدة بين رطوبة التربة ودرجة تهويتها وتأثيرهما المشترك في الأحياء جميعاً.
5ـ الحرارة: توجد أحياء التربة وخاصة الدقيقة منها في جميع ترب العالم، ويعد معظمها محباً للحرارة المنخفضة أو المتوسطة إلا أن الأنواع المحبة للحرارة العالية متوافرة في بعض الترب الغنية بالمواد العضوية، ويزداد دورها الفعّال بعد التعقيم الحراري الجزئي للترب.
6 ـ درجة الحموضة: إن الترب ذات pH (الباهاء) المتعادل هي الأغنى بالأحياء من حيث العدد والتنوع. وتختلف أنواع الأحياء الدقيقة في التربة بحسب درجة حموضتها.
7 ـ نوع المغذيات وكميتها: تكون أحياء التربة إما مفترسة وإما متطفلة وإما رمّية ومتعايشة. وتوجد أنواع تكون تغذيتها الذاتية ضوئية أو كيمياوية أو متباينة الضوئية وترتبط كثافتها بمدى توافر غذائها الخاص بها.
تأثير إضافة المخصبات المعدنية أو العضوية:
تؤثر هذه الإضافة في أعداد أحياء التربة وتوزعها وتنوعها كما أن التسميد العضوي بحد ذاته يضيف أعداداً جديدة من الأحياء إلى التربة، كما يؤثر استعمال المبيدات الحشرية أو العشبية أو الفطرية أو المعقمات الكيمياوية تأثيراً سلبياً وبدرجات متفاوتة في أحياء التربة، إضافة إلى تأثير إفرازات جذور النباتات المختلفة تبعاً لمراحل نموها وكذلك طبيعة الخدمات الزراعية للتربة.
أشكال الأحياء الدقيقة وتوزعها في التربة:
1ـ الأوليات Protists: كائنات أولية ميكرونية الحجم تتميز بانخفاض مستوى التعضّي والتميّز فيها، تؤدي دوراً رئيسياً في التحولات البيوكيمياوية وتسهم في تحطيم المواد العضوية وإعادة العناصر المعدنية.
2ـ طلائعيات النوى Procaryotes: نواتها غير محاطة بغشاء نووي تشمل البكتريا وهي الكائنات الأصغر حجماً والأكثر عدداً وتنوعاً من بين أحياء التربة، وتتكاثر رئيسياً بالانشطار، خلاياها مكورة أو عصوية أو حلزونية تعيش منفردة أو متجمعة.
3ـ الفيروسات Virus: تنتشر الفيروسات في التربة ولكنها سرعان ما تفقد قدرتها على الحياة بسبب توافر شروط غير مناسبة لها في التربة كغياب المضيف وكونها إجبارية التطفل.
4ـ حقيقيات النوى Eucaryotes: تكون نواتها محاطة بغشاء نووي وهي وحيدة الخلية أو خيطية متعددة الخلايا واسعة الانتشار في التربة. وتشمل الفطريات Fungi والطحالب Algae والأوليات الحيوانية Protozoa والفطريات رمية أو متطفلة. أما الطحالب فتوجد في التربة على شكل خلايا مفردة أو مستعمرات أو تكون خيطية الشكل، وهي إما متحركة أو غير متحركة تحوي صبغات التمثيل الضوئي، وهي أكثر انتشاراً قرب سطح التربة. ويمكنها أن تعيش رمية عند توافر الطاقة المناسبة. أما الأوليات الحيوانية فهي وحيدة خلية تعيش حرة أو متطفلة أو رمية على المادة العضوية المتحللة أو مفترسة للبكتريا أو الأحياء الدقيقة الأخرى.
5ـ الفونا الدقيقة Microfauna: حيوانات صغيرة مجهرية تشمل الأوليات الحيوانية وبعض الديدان الخيطية Nematoda الصغيرة والديدان المسطحة الصغيرة الحجم والدوارات، ويتغذى معظم أفرادها على الأحياء الدقيقة وبعضها رمّي.
وفي التربة أيضاً بعض الحيوانات الصغيرة والكبيرة من اللافقاريات مثال ديدان الأرض وكثيرات الأرجل (أم الأربع والأربعين) والحلزون وبعض الحشرات ومن الفقاريات مثال بعض الأفاعي والعظايا والخلد والفئران وغيرها.
التوزع في التربة: يشمل التوزعين الرأسي والأفقي
1 ـ التوزع الرأسي: تتوزع أحياء التربة بصورة غير متجانسة في قطاع التربة الرأسي نحو الأعلى والأسفل، إذ يتركز معظمها في طبقة البقايا العضوية، وهي السنتمترات الخمسة العلوية في أراضي الغابات أو الطبقة التي تلي السطح مباشرة في الأراضي الأخرى. وقد قدر أن نحو 90٪ منها تنتشر في الطبقة العلوية.
2 ـ التوزع الأفقي: يختلف هذا التوزع تبعاً لاختلاف محتوى التربة من المواد العضوية ولمستوى جفاف الأرض أو غمرها بالماء كما يؤثر وجود النبات أو المحصول في أعداد الأحياء وأنواعها المنتشرة في المحيط الجذري rizosphere.
دور الأحياء الدقيقة في التربة
التأثيرات النافعة: تحطم الأحياء الدقيقة البقايا العضوية النباتية والحيوانية وتساعد على تحلّلها وتحويلها إلى الصيغة المفيدة في تغذية النباتات. تكون هذه الأحياء الدقيقة أكثر عدداً ونشاطاً في ترب الغابات منها في ترب المروج والترب المفلوحة. وعموماً تتحقق الأدوار المفيدة للأحياء الدقيقة في التربة عن طريق الدورات البيوجيوكيمياوية: دورة الكربون ودورة الآزوت تثبيته من الجو ودورة الكبريت والفسفور والحديد وغيرها.
التأثيرات الضارة للأحياء الدقيقة في التربة: في التربة بعض الأحياء الدقيقة التي يمكن أن تسبب أمراضاً للإنسان والحيوان، وتصل الجراثيم إلى التربة عن طريق مياه الري أو جثث الحيوانات المصابة، ومن أمثلتها البكتريا المسببة لمرض الجمرة الخبيثة والكزاز وغيرهما، ويسبب بعضها الآخر الأمراض النباتية، ومن أمثلتها البكتريا المسببة للتدرن التاجي Agrobacterium tumefaciens وجرب البطاطا Streptomyces scabis وعدد كبير من الفطريات التي تسبب تعفن الجذور وتتبع أجناس Fusarium وRhizoctonia pythium وغيرهما. كما يمكن أن تقوم أحياء بقضم جذور النباتات أو بالتطفل على جذور النباتات مسببة أضراراً كبيرة للمحصول. وقد يفرز بعضها الآخر بعض المواد السامة للنباتات أو لأحياء أخرى، وتظهر أهمية هذه الإفرازات في الظروف غير الهوائية ومن أمثلة هذه المواد الميثان وكبريت الهدروجين وغيرهما.
العلاقات المشتركة بين أحياء التربة
1ـ افتراس حيوانات التربة بعضها بعضاً وافتراس جذور النبات، وافتراس الحشرات لحيوانات التربة ولبعضها بعضاً وافتراسها لجذور النبات وافتراس الأوليات للبكتريا وغيرها.
2ـ تطفل الفطريات بعضها على بعض وعلى جذور النباتات كما تتطفل الأوليات والبكتريا والفطريات على حيوانات التربة.
3ـ تعايش تكافلي لبعض الأحياء الدقيقة مع بعضها الآخر أو مع جذور النبات في المحيط الجذري مكونة العقد الجذرية على البقوليات، وتعايش تكافلي لفطريات الميكوريزا Micorrhizae مع جذور الأشجار المختلفة والنباتات الحولية، وكذلك تعايش الأوليات في أمعاء النمل، وتعايش سرخس فيرن Fern والبكتريا الخضراء المزرقة Anabaena.
التطبيقات في الزراعة
1ـ التلقيح بالبكتريا المتعايشة المثبتة للآزوت، تستعمل أنواع البكتريا التابعة إلى الجنسين ريزوبيوم Rhizobium وBradyrhizobium بعد تنميتها في أجهزة خاصة (مخمرات fermenters) وتحميلها على مواد عضوية مناسبة لتلقيح النباتات البقولية المتوافقة مع هذه الأنواع بهدف زيادة كمية الآزوت المثبت وخصب الترب.
2ـ التلقيح بالأحياء المثبتة الآزوت على نحو حر: يعود الفضل في محافظة أراضي الصين وجنوب شرق آسيا على خصبها إلى نمو الأحياء الدقيقة في الوسط المائي الذي يغمر به الأرز أو على سطح تربته، وتتميز هذه الأحياء بقدرتها على تثبيت الآزوت الجوي على نحو حر معوضة الفاقد من التربة.
إن تشجيع انتشار هذه البكتريا ونموها أو التلقيح بها أوبـ Azolla له أثر بيئي مهم في توفير الآزوت ورفع خصوبة التربة.
كما إن إضافة بعض أشكال البكتريا المثبتة للآزوت بصورة حرة غير ذاتية التغذية مثل Azospirillum وBeijerinckia وAzotomon وAzotobacter قد أعطت نتائج إيجابية في كثير من الحالات وخاصة في الترب التي تتميز بنقص الآزوت وارتفاع نسبة الكاربوهدرات فيها.
3 ـ التلقيح بالبكتريا المحلّة للفسفات: تمتاز بعض أنواع البكتريا الموجودة في التربة بالقدرة على تحويل الفسفات الثلاثية غير المتيسرة للنبات إلى فسفات ثنائية أو أحادية، وترتبط معظم التحولات الجرثومية للفسفات بالتحول من الصيغة غير الذائبة إلى الذائبة المتحركة. والصيغة الأكثر شيوعاً للفسفات هي فسفات الكالسيوم الثلاثية التي تستطيع بعض الأحياء إذابتها لتمثيلها أو لجعلها صالحة للاستعمال من أحياء أخرى، وتعتمد آلية الإذابة على إنتاج الكائن الحي لأحماض عضوية أو معدنية.
4 ـ التلقيح بفطريات الميكوريزا: تجني النباتات الفائدة نتيجة تعايش هذه الفطريات على جذورها وبخاصة في مجال التغذية الفسفورية وتحمّل الجفاف وغيرها. وتحتل هذه العملية أهمية خاصة في مناطق التحريج الصنعي الجديد.
5 ـ استعمال خلائط جرثومية وعضوية لإخصاب التربة وتحليل المخلفات: تصنع بعض الشركات أو المؤسسات خلائط من جرثوميات التربة النافعة المختلفة وتحمّل هذه الجرثوميات على مواد عضوية نصف متحللة للمحافظة على حيويتها أثناء التخزين والنقل، وتستعمل هذه الخلائط في الإنتاج الزراعي المكثف للنباتات لارتفاع كلفته.
6 ـ استعمال التقانات الحديثة المتطورة في الهندسة الوراثية للحصول على سلالات جرثومية لأغراض معينة مثل زيادة قدرة السلالات على تثبيت الآزوت الجوي أو تحطيم الخشب وتطوير سلالات منافسة للسلالات المرضية من الجرثوميات أو تحليل المبيدات وبقاياها أو التخلص من ملوثات التربة.
نجم الدين الشرابي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث