يسمى ميكانيك التربة soil mechanics بالجيوتكنيك، ويمكن تعريفه بأنه فرع من فروع المعرفة في علوم الهندسة، الذي يدرس نظرياً وعملياً الترب التي يبني المهندسون بها أو عليها منشآتهم، ويدرس نظرياً وتجريبياً تأثير القوى في توازن وسلوك التربة تحت تأثير الماء والحرارة، ويدرس التأثير المتبادل بين المنشأة والتربة، ويطبق قوانين الميكانيك والهيدروليك على المسائل الهندسية، لتراكمات الجزيئات الصلبة الناتجة من الترسبات والتفكك الميكانيكي والكيمياوي للصخور، وهو أيضاً العلم الهندسي الذي يتعامل مع خواص وسلوك وأداء التربة كمادة إنشاء. وتدعى الممارسة الهندسية التي تطبق مبادئ ميكانيك التربة على تصميم المنشآت الهندسية بهندسة التربة.
تشمل خواص التربة التي تعد ذات أهمية هندسية ما يأتي:
ـ وسائط القوة (معامل الإجهاد والتشوه، نسبة بواسون، التماسك وزاوية الاحتكاك الداخلي).
ـ دلائل الانضغاطية (من أجل تقدير التشوه والهبوط).
ـ قابلية المياه للنفوذ.
ـ المعطيات الوزنية والحجمية (الوزن الحجمي, الوزن النوعي, نسبة الفراغ, احتواء الرطوبة وغير ذلك)
إن بعض المعرفة حول هذه الخواص الهندسية للتربة يسمح بتقدير ما يأتي:
ـ قدرة تحمل تربة التأسيس.
ـ الهبوطات في التربة، بما في ذلك مقدارها ومعدلها.
ـ ضغوط التربة (الشاقولية والجانبية).
ـ الضغوط المسامية وكميات نزح المياه dewatering.
إن غاية علم ميكانيك التربة هي الوصول إلى طرائق لحساب وتصميم وتنفيذ جزء المنشأة ذي التماس المباشر مع الأرض، مع تحقيق شروط المتانة والاقتصاد والجودة لتحقيق شروط الاستثمار، ويهتم ميكانيك التربة بما يأتي:
ـ تحديد الخواص الميكانيكية للتربة، مثل الانضغاط والرشح والاحتكاك الداخلي والتماسك والتشوه.
ـ بحث حالة الإجهاد ـ التشوه في القاعدة الترابية من تأثير الحمولات الخارجية وتحديد متانة التربة وقدرة تحملها وتوازن الكتل الترابية والمنحدرات وضغط التربة على الحواجز، وطرق حساب هبوط القواعد الترابية وتطور هذا الهبوط مع الزمن.
إن أهم المسائل التي تعالج في ميكانيك التربة هي:
ـ عمق سبور استكشاف التربة.
ـ الخواص الميكانيكية (احتكاك وتماسك) التي تضمن استقرار أساس أو منحدر.
ـ الحمل الآمن على التربة وشدة الإجهادات المحرضة منه وتوزيعها في التربة، ومن ثم قدرة تحمل التربة على أعماق مختلفة.
ـ مشاكل هبوط التربة المسببة من وزن المنشآت، أو من تخفيض منسوب المياه الجوفية أو من الاهتزازات أو من فتح الأنفاق أو من حفر المناجم.
ـ الوزن المضاد لمقاومة الحركة الجانبية لكتل التربة.
ـ عمق اختراق الصقيع والرفع والذوبان الناتجين منه.
ـ مقدار انتفاخ التربة أو تقلصها بتأثير المياه والمعالجة.
التربة والصخور
إن التعريف المناسب للتربة هو «جسم طبيعي غير متجانس، ينتج من تفتت الصخور الطبيعية في القشرة الخارجية للأرض, وهي إما مفككة أو مترابطة بقوى تماسك، متانتها أقل بكثير من متانة الجزء المعدني منها»، وتوجد التربة متوضعة في الطبقات العليا من القشرة الأرضية، ويدخل في تركيبها المعقد الحالات الثلاث للمادة: الصلبة والسائلة والغازية، وتتوقف متانتها وشروط عملها على الجزء الصلب والتأثير المتبادل بينه وبين الجزأين المائي والغازي.
تعرف الصخور بأنها «كتل حجرية ضخمة (اندفاعية أو استحالية أو رسوبية) متلاصقة بقوة، وتملك مقاومة عالية للضغط البسيط.
مقاومة التربة للإجهادات الكلية والفعالة
يمكن القول إن التربة قد انهارت، إذا انضغطت أو انتفخت لمقدار يسبب أضراراً للمنشأة، وبمقياس مقاومة المواد فإن انهيار تربة يعني أن حالة الإجهاد فيها قد وصلت إلى درجة التغلب على مقاومة القص، وأن انتقالاً نسبياً مهماً قد حدث بين جزئين منها. إذا أمكن قياس مقاومة القص shear resistance أو قوة القص shear strength للتربة، أو أمكن التنبؤ بها فسيكون المهندس قادراً على دراسة مسائل استقرار كتل التربة، وتقدير عوامل الأمان من حدوث انهيار بالقص ضمنها.
يصعب تحديد قوة القص في الترب بدقة لأنها مواد غير مثالية، تحدث التغيرات فيها بانزلاق slippage جزيئاتها المفردة، ونتيجة لذلك فإن علاقة الحمولة ـ التغيرات تنحرف عن الوضع المثالي، كما هو مبين في الشكل 1؛ يبين الشكل 1ـ أ المنحني لمادة مثالية مرنة ـ لدنة، ويمثل الشكل 1ـ ب المنحني لمادة صلبة ـ لدنة، ويمثل الشكل 1ـ ج منحنياً ذا ذروة لتربة رملية ومنحنياً متصاعداً تدريجياً لتربة غضارية.
حين يحدث الانزلاق بين جزيئات التربة، فقد يكون ذلك من طبيعة عامة تحت قاعدة مثلاً، أو قد تكون التغيرات موضعية على طول سطح في نطاق محدود، مثلاً حالة انهيار منحدر. وحين دراسة عنصر من سطح انزلاق لتربة, فإن مستوي الانهيار failure plane يكون كما في الشكل 2 وإن معدل إجهاد القص على مستوي الانهيار عندما يحدث الانهيار هو مقاومة القص.
قوة القص هي أكبر إجهاد قص يمكن أن تتحمله التربة، إذ تنهار بعد ذلك، وتعطى سطح انزلاق واضحاً. إن أحد الأهداف الرئيسية لميكانيك التربة هو حماية المنشآت من الانهيار بسبب الهبوط المفرط في التربة أو بسبب وضع حمولة كبيرة جداً فوق الأرض الساندة للمنشأ.
يختلف قياس قوة القص تبعاً للطبيعة المعقدة لتشكيلات التربة من طبقة إلى آخرى, ويختلف في أي مكان مع اتجاه قياس القوة. إن نسيج الطبقات fabric of lamination أو الشقوق fissures أو أية عيوب أخرى، هي التي تقرر سلوك الترب، ومن الضروري اختبار كتل كبيرة بغية الحصول على قيمة ممثلة للقوة، ويجب التفريق بين نوعين من الانهيار الأول هش brittle للتربة الرملية والثاني مطاوع للتربة الغضارية كما في الشكل 3، وخاصة حين نتعامل مع ترب متطبقة layered soils حيث تمر سطوح الانزلاق عبر الطبقات الإفرادية. وللطبقات خواص حمولة ـ تشوه مختلفة, ومن ثمّ فقد تظهر مشاكل بخصوص تحديد متى سيحدث الانهيار.
تتضمن التربة تجمعات أو تكتلات مختلفة، ولذلك فإن الإجهادات في نقطة لا يمكن تحديدها، وغالباً ما يجرى الحساب على مساحات محدودة ودراسة معدل الإجهادات المطبقة عليها. إن السطوح المتعامدة التي تكون عليها قيمة إجهادات القص مساوية للصفر تعرف بأنها السطوح الرئيسية، والإجهادات الناظمية عليها، وهي متعامدة أيضاً، هي الإجهادات الرئيسية، وتعد في مصطلحات ميكانيك التربة هذه الإجهادات موجبة إذا كانت ضاغطة، وأكبر هذه الإجهادات هو الإجهاد الرئيسي الأعظمي، وأصغرها هو الإجهاد الرئيسي الأصغري، وللتبسيط يمكن معالجة كثير من المسائل بصورة مستوية.
الإجهاد الناظمي هو إجهاد مباشر (قوة على وحدة السطح) يعمل ناظمياً (ضاغطاً) على أي مستو معطى، وإجهاد القص هو القوة في واحدة السطح التي تعمل مماسية على مستو معطى في اتجاه محدد.
لمعرفة قوة قص تربة تحت منشأة، يجب دراسة الآلية المحتملة للانهيار ضمن كتلة التربة، إضافة إلى دراسة خصائص هذه التربة، إذ تنهار التربة تحت قاعدة بناء على شكل إسفين بمقطع مثلثي يسبب دفع أو إزاحة موشور على شكل منحن إلى سطح الأرض , ويمكن أن تنهار التربة خلف جدار استنادي بانفصال موشور مثلثي يدفع الجدار إلى الجهة الأخرى. كما يمكن أن تنهار كتلة مرتفعة من التربة على شكل منحدر بأن ينفصل جزء منها باتجاه الجهة المنخفضة، مما يعني أن آليات الانهيار النموذجية تشمل دوماً فعل قص بين سطحين في منطقة الانزلاق، كما يبين ذلك الشكل 4.
إن الإجهادات الكلية المطبقة على التربة من الحمولات الخارجية يمكن حسابها على أنها حاصل جمع مركبة الإجهادات الفعالة، وهي الإجهادات المنقولة من الحمولة إلى الحبيبات الصلبة، ومركبة الضغط في الماء المسامي.
هبوط التربة الكلي والتفاضلي
إن تقويم هبوط الأساسات تحت تأثير الحمولات، بدلالة تربة التأسيس، من أهم أهداف ميكانيك التربة، ويمكن في الترب الغضارية تمييز أنواع من الهبوط:
ـ الهبوط المباشر immediate settlement: ويحدث في أثناء إشادة البناء، وزيادة الحمولات على التربة، وينتج من تشوه مرن ومن آخر متبق للتربة.
ـ الهبوط في مرحلة الانضغاط مع الزمن أو التشديد consolidation: ويتولد من انضغاط حجم الفراغات المتواجدة في التربة، مما يؤدي إلى زيادة وزنها الحجمي الجاف.
ـ الهبوط الكلي total settlement: وهو مجموع الهبوط المباشر والانضغاط، وإذا هبطت قواعد الأساسات بالمقدار ذاته فيسمى الهبوط منتظماً ولا يؤثر في العملية الإنشائية.
ـ الهبوط التفاضلي differential settlement: إذا تفاوتت قيم هبوط أساسين متجاورين، فإنه يحدث توزيع جديد للإجهادات في العناصر الإنشائية لمنشأة مما يولد تشققات فيها.
من الضروري معرفة أنه عند تنفيذ حفريات التأسيس تتعرض التربة إلى انتفاخ، ينتج من إزالة حمولة كتلة التربة المحفورة.
توزع الإجهادات في التربة
يفترض في البداية أن الحمولة المؤثرة في مساحة معينة من سطح التربة تتوزع مع العمق، ضمن جذع هرم مقطوع قاعدته العليا قاعدة الأساس (سطح تماس الحمولة) وتميل أضلاعه بزاوية تراوح بين 20 و45 درجة، وقد افترض توزع منتظم للإجهادات بالاتجاه الأفقي، في حين تتناقص شدتها مع العمق.
ظهر فيما بعد أن هذا المفهوم غير صحيح، إذ تبين أن الضغط يتوزع داخل التربة في الاتجاهات جميعها، على نحو غير منتظم، كما هو مبين في الشكل 5 وتبين أن الضغط الشاقولي يتوزع بشكل منحن، وأن مقدار الضغط تحت مركز الحمولة أعلى منه في أية نقطة من النقاط الأخرى الواقعة في مستو أفقي واحد، أي إنه يتناقص من المركز باتجاه الجوانب، كما أن الضغط باتجاه العمق يتناقص كلما ابتعدنا عن نعل الحمولة, وتؤثر أيضا صلابة قاعدة الأساس أو مرونتها في توزيع الإجهادات في التربة تحتها، إضافة إلى تأثير عدم تجانس هذه التربة وتغير معامل تشوه الطبقات المختلفة المشكلة للقاعدة الترابية.
قدرة تحمل التربة
إن تصميم أساسات أية منشأة يجب أن يحقق الشروط العامة الآتية:
ـ سلامتها العامة.
ـ إمكانية استثمارها واستخدامها.
ـ النواحي الاقتصادية.
كما يجب أن يحقق التصميم ذاته الاشتراطات الهندسية الآتية:
آ ـ عمق تأسيس كاف: إذ أن لعمق التأسيس تأثيراً كبيراً في ثبيت قواعد الأساسات في التربة وخاصة في الترب الرملية.
ب ـ السلامة من الانهيار: إن ما يؤدي إلى تعرض المنشآت للانهيار يرتبط بموضوعين أساسيين يتعلقان بالتصميم وهما انهيار إنشاءات التأسيس و انهيار تربة التأسيس.
وتتأثر قدرة تحمل التربة بالعوامل الآتية:
ـ المياه الجوفية، وخاصة عندما يرتفع منسوبها إلى عمق يعادل عرض الأساس أو أقل، تحت منسوب التأسيس، عندئذ يجب حسبان الوزن الحجمي المغمور بدلا من الوزن الحجمي الرطب عند تقدير قدرة تحمل التربة.
ـ انضغاطية التربة، إذ يفترض في الحالة العامة أن التربة غير قابلة للانضغاط، وأن الانهيار فيها يحدث بالقص العام , ولكن من أجل حالات الانهيار بالقص الموضعي فيجب تخفيض قيمة وسائط متانة التربة بنسبة الثلث.
ـ نعومة نعل الأساس.
ـ توضع الأساسات المجاورة.
ـ حالة تجانس أو عدم تجانس طبقات تربة التأسيس بالاتجاه الشاقولي، وحالة عدم التجانس بالاتجاه الأفقي.
ـ سرعة تطبيق الحمولة وتكرار تطبيقها.
ضغط التربة على الحواجز وعلى الجدران الاستنادية والدفع الجانبي للتربة
تستخدم الجدران الاستنادية عندما تحتاج المنحدرات والقطوع الترابية إلى دعم أو لحماية التربة من العوامل المختلفة المؤثرة فيها، وقبل تنفيذ هذه المنشآت يجب تحديد شدة وتوزع الإجهادات المنقولة إليها من التربة، ومما يشبه هذه الحالة، تعرض بعض قواعد أساسات المنشآت العادية إلى قوى أفقية تنقلها إلى تربة التأسيس، ويجب حمايتها من تأثير هذه القوى. تعتمد قيمة محصلة الضغط خلف الجدار على خواص التربة الفيزيائية والميكانيكية، ويعتمد توزع الإجهادات في التربة على نوع وشكل تشوه الجدار، وتُعتمد للتحليل حالةُ التوازن الحدي في التربة، بسبب تعقيد المسألة. وبصورة عامة، إن محصلة الضغط على المنشآت الحاجزة مؤلفة من المركبات الثلاث الآتية:
ـ محصلة الضغوط الناتجة من الحمولات الخارجية.
ـ محصلة الضغط المسامي المائي في حال وجود المياه الجوفية.
ـ محصلة الوزن الذاتي للتربة، ويسمى الضغط الطبيعي للتربة.
توازن المنحدرات
تؤثر في المنحدرات الشروط المناخية والهيدرولوجية التي تؤدي إلى حالة الإشباع بالمياه لهذه المنحدرات أو عدمه، كما تؤثر فيها الشروط التكنولوجية المرتبطة بفاعلية الإنسان بالقرب من المنحدر، مثل الحفريات تحت سطح الأرض القريبة من الموقع. وتحدث انهيارات المنحدرات نتيجة عدم توازنها. تحدث معظم انهيارات المنحدرات الصخرية على فواصل عدم الاستمرار أو على مستويات الضعف الأخرى مثل الفوالق أو مناطق القص. يمكن استخدام براغي الشد أو المشدات في المنحدرات الطبيعية أو الصناعية لمنع الكتل الصخرية من السقوط والانفصال عن الكتلة الرئيسية المعزولة بالفواصل أو الفوالق، حيث تنتقل القوة المثبتة إلى داخل الأجزاء السليمة من الصخر أو غير المعرضة للانهيار وذلك عبر الفواصل. كما يمكن المحافظة على منحدرات الصخر غير المتوازنة بوساطة الجدران الاستنادية مع استعمال مشدات تربط هذه الجدران بطبقات سليمة من الصخر. دلت البحوث على وجود تكثف كبير في الإجهادات في قاعدة المنحدر، ربما بسبب الوزن الكبير للصخر قرب هذه القاعدة، أو بسبب الإجهادات التكتونية المتبقية في الصخر، ويمكن أن تؤدي هذه الإجهادات إلى تصدع صخري أو إلى شكل آخر من الانهيار.
محمد شحرور، عبد العزيز حجار