يعتقد أكثر العلماء أن الإنسان وجد على الأرض منذ أكثر من مليوني سنة، أما عصور ماقبل التاريخ prehistoric periods فتشمل أولئك الذين عاشوا في المرحلة السابقة لاختراع الكتابة، أي قبل نحو 5500سنة. وقد وفرت الكتابة للبشرية إمكانية تسجيل المعطيات التي رغبوا في تدوينها، بما فيها وصف أحداث حياتهم. ولهذا يعد اختراع الكتابة بداية التاريخ، مثلما يعد نشوء الزراعة نحو 9000سنة ق م بداية الحضارة الإنسانية، وذلك حين اكتشف بعضهم أن النباتات يمكن أن تنبت من البذور، وأن بعض الحيوانات يمكن أن يُستأنس ويعيش في الأسر، فكان ذلك أول الأعمال المهمة التي أدت إلى تدجين النبات والحيوان [ر. التدجين].
عاش بشر ماقبل التاريخ مئات آلاف السنين يتنقلون من مكان إلى آخر بحثاً عن حيوانات برية يسعون لاصطيادها، وثمار يقطفونها، أو محاصيل برية يجمعونها، ليتغذوا عليها، وإذا نفد الغذاء من منطقة ما هاجروا إلى سواها. ولقد أدت الأعمال الزراعية الأولى كزراعة القمح والشوفان والشعير وتدجين الحيوانات المختلفة، في مناطق وأزمنة مختلفة، إلى إحداث تطورات كبيرة في حياة الإنسان، فبدأ أناس ماقبل التاريخ بسببها يتحولون من حياة التنقل الشبيهة بالبداوة إلى نوع من الاستقرار والاستيطان في أماكن معينة ومناسبة لمعيشتهم، وتطور بعضها تدريجياً إلى قرى ثم إلى مدن صغيرة، وأدت هذه التطورات إلى نشوء الحضارات الإنسانية الأولى.
ما قبل التاريخ
لم يكن هناك اتصال بين الحضارات الأولى، واعتمدت النجاحات التي حققتها كل حضارة على الموارد المتاحة لها وعلى نشاطات سكانها. ومالبثت مع مرور الزمن أن تطورت تلك الحضارات وانتشرت، وأخذ عدد سكان العالم في الازدياد، كما بدأ الناس في الاتصال وتبادل الخبرات، وبدأ تكوّن التاريخ وتطوره في أماكن عدة من العالم، وما التاريخ في معظمه سوى قصص طرائق تفاعل الحضارات المختلفة معاً.
يعتقد العلماء أن عصور الزراعة بدأت منذ اكتشف أناس ماقبل التاريخ أن بذور بعض النباتات البرية التي كانوا يأكلونها يمكن إنباتها بزرعها في التربة في أوقات مناسبة، وأن النباتات الناتجة منها أعطت بذوراً صالحة لغذائهم، وكان ذلك اكتشافاً بالغ الأهمية مكَّنهم من توفير غذاء يجنّبهم عناء البحث عنه من مكان إلى آخر، ويقيهم أخطار الجوع أو المجاعة.
كانت طرائق الزراعة بدائية جداً في العصور القديمة، وكانت البذور تزرع في حفر صغيرة تعمل في التربة بوساطة قطع خشبية أوحجرية حادة، وكانت الحبوب تحصد بأدوات بسيطة ، أوتقلع بكاملها. وكانت النساء يمارسن الأعمال الحقلية، في حين يهتم الرجال بالصيد ورعي الحيوانات التي دجَّنوها والدفاع عن مستوطناتهم وقراهم.
بدأت زراعة القمح والشعير في الألفية الثامنة ق م في بلاد الشام والعراق، والدخن millet والأرز في الصين وجنوب شرقي آسيا، والقرع في المكسيك نحو 8000سنة ق م، ووجدت البقوليات في منطقة تيسالياThessaly في اليونان ومقدونيا منذ نحو 6000ق م، وقد كان لاكتشاف إمكانية استخدام بعض أنواع الحيوان في الحمل والجر أثر مهم في تطور الزراعة، فاستخدم بعضها في جر المحاريث البدائية التي كان الإنسان يجرها، وتمكّن بها من زراعة مساحات أكبر بجهد أقل ومردود أفضل. وفي الألفية الثالثة قبل الميلاد كانت تزرع في أور Ur (العراق اليوم) عدة أنواع من الخضار والفواكه، بما فيها البطيخ والبصل والخيار. وقد كانت التمور والعنب مصدراً مهماً للسكر في مايعرف اليوم بالمشرق العربي، وكان التفاح والدراق وأنواع من توت السياج تزرع في منطقة البحر المتوسط.
لايعرف بالضبط متى نشأت الزراعة، ولكن عدة آثار أوضحت أن أقدم الزراعات، نشأت في عدد من المناطق في العصر النيوليتي Neolithic period. ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، اهتم علماء الآثار والبيولوجيون باستقصاء الأدلة على مراحل التحول من حياة الصيد وجمع الغذاء النباتي إلى الزراعة، وتكثَّفت جهودهم في أواخر القرن العشرين باستخدام تقانات جديدة، من أهمها الكربون 14 المشع والفسفور32 المشع وغيرهما، واستخدموا التحاليل الوراثية لتتبع تاريخ المحاصيل النباتية والحيوانات.
يمكن الإشارة، على نحو خاص، إلى أهم مناطق نشوء الزراعة ومراكزها في العالم كما يأتي:
1ـ وادي نهر النيل وشرق المتوسط:
كان العلماء يعتقدون أن منطقة شرق المتوسط كانت الموقع الوحيد لنشوء الزراعة، ولكن الدراسات اللاحقة أكدت عدم صحة ذلك، وأن الزراعة لم تنشأ في مكان واحد. وعلى أية حال، فقد نشأت أول حضارتين عظيمتين في منطقتين من الشرق الأوسط هما وادي نهر النيل ومنطقة الهلال الخصيب أو بلاد الرافدينMesopotamia التي تضم المناطق الواقعة حول نهري الفرات ودجلة وبينهما. وقد أدى ترسب الطمي من فيضانات الأنهار الثلاثة إلى تكوين أراض خصبة. واستعمل مزارعو هذه المناطق مياه الأنهار الجارية في مناطقهم لري مزروعاتهم، ولاسيما أن معدلات الأمطار فيها كانت قليلة. فأنشؤوا أول أنظمة واسعة للري. وابتكر المزارعون كذلك محراثاً تجره الثيران لحراثة التربة ، بعد أن كانوا يجرُّون المحاريث البدائية التي صنعوها، وأمكنهم، من ثم، إنتاج كميات أوفر من المحاصيل المختلفة، وانتقل بعضهم إلى القرى ثم إلى المدن، فساعد ذلك على نشوء طبقات جديدة من العمال والتجار والصناع والكهنة.
لايعرف متى نشأت القرى على وجه التحديد، ولكن من المعلوم أن القرى والمدن وُجدت في بلاد الرافدين في الجزء الأخير من الألفية الخامسة ق. م. وفي الربع الأول من الألفية المذكورة وُجدت في قرى الفيوم في مصر أغنام وماعز وخنازير، وزُرع في أراضيها القمح والشعير والقطن، وعُثر على كتان نُسجت أليافه، وعلى جثث حيوانات محنطة وملفوفة بنسيج كتاني.
وقد تطورت الكتابة تطوراً ملحوظاً في تلك المناطق، وساعد ذلك كله على نشوء الحضارتين العظيمتين اللتين ميَّزتا مصر القديمة، ومناطق الرافدين في بلاد الشام والعراق.
2ـ تاريخ زراعي قديم في سورية: تل أبي هريرة Abu Hureyra
أبو هريرة تل أثري في شمال شرقي سورية، على نهر الفرات، عثر علماء الآثار فيه على أدلة توضح التحولات الزراعية القديمة، وتثبت أن مستوطني هذا الموقع كانوا أول من مارس الزراعة في العالم بأسره. وقد وجدت آثار وفيرة مطمورة في أحد المواقع التي غمرتها فيما بعد مياه سد الفرات، وكانت الحكومة السورية قد دعت في أوائل السبعينيات من القرن العشرين فريقاً دولياً من علماء الآثار للتنقيب في ذلك الموقع قبل أن تغمره مياه السد. وقضى العلماء نحو عشرين سنة من انتهاء مهمتهم في تحليل ماحصلوا عليه، ونشرت نتائج بحوثهم في التسعينيات من القرن العشرين.
أظهرت النتائج أن التل المذكور كان قرية للصيادين وجامعي الغذاء النباتي قبل نحو 11500سنة، وكان غنياً بموارده المتنوعة من النبات والحيوان، وعاش سكانه في مساكن محفورة في التربة، واستخدموا عيداناً من خشب الحور لدعم الجدران، في حين صُنعت الأسقف من القصب وربما من جلود غزلان المنطقة. وبعد 500سنة من استقرارهم فيها بدؤوا بزراعة الشوفان وحصاده، ولكنهم استمروا في ممارسة أنشطتهم السابقة لتوفير غذائهم.
ولأسباب لم يستطع الباحثون تفسيرها، بدأ عدد سكان المنطقة يتناقص قبل نحو 10000سنة، وأقيمت قرية جديدة على حواف القرية القديمة، كانت أكبر من سابقتها. وأقام سكانها بيوتاً جديدة مربعة الشكل من الطين، واستمروا في صيد الغزلان لأكل لحومها. وقبل نحو 8300سنة، أضحت المنطقة مركزاً زراعياً نشيطاً لعدة محاصيل، منها الشوفان وحبوب أخرى، والعدس، إلى جانب رعي الأغنام والماعز. وراوح عدد سكان المنطقة آنذاك بين 5000و7000نسمة
ابتدأ السكان في التخصص في أعمال متنوعة، فقد استمر بعضهم في ممارسة الصيد، وتخصص أخرون في زراعة المحاصيل وحصادها، وعمل آخرون في بناء المساكن، أو في رعي الحيوانات، أو صنع الأدوات، وعملت النساء في حياكة الملابس وصنع السلال. وعمل بعض السكان في دفن الموتى. وهكذا كانت تلك المنطقة أساساً مهماً لبناء مجتمعات حضرية لاحقة.
3ـ الامبراطورية الرومانية:
بدأت هذه الامبراطورية قبل عام 500ق م في بلاد يقطنها مزارعون من الأتروسكيين في شبه الجزيرة الإيطالية. وفي نحو 300ق.م غزا الرومان بلاداً كثيرة من أوربا والشرق الأوسط والشاطئ الإفريقي للبحر المتوسط وأسسوا امبراطورية عظيمة الشأن. ومع توسع حدود تلك الامبراطورية، توسعت مزارعها أيضاً وأصبحت أكثر تخصصاً، وتوجه معظمها إلى إنتاج القمح لكونه الغذاء الأساس، ولكن قسماً كبيراً من أراضي إيطاليا، وأراضي اليونان، جبلي لايصلح للزراعة الواسعة، وبعد أن غزا الرومان مصر، كان بالإمكان استيراد القمح منها لتغذية مليون نسمة في العاصمة روما.
ابتدأت أعمال التربية الاصطفائية selective breeding للحيوانات والنباتات في أوربا في زمن الامبراطورية الرومانية، وكان منها، على سبيل المثال عرق أبقار الفريزيان Friesian الذي نشأ نحو عام 100ق م في البلاد المعروفة اليوم بهولندا (الأراضي المنخفضة Netherlands).
نقل الرومان الطرائق الزراعية المتقدمة من مناطق المشرق العربي إلى أوربا، وكان من بينها استخدام المحراث وطرائق الري. وترك نصف الأراضي الزراعية بوراً للراحة كل عام، فوفر ذلك إنتاجاً زراعياً أفضل في السنة اللاحقة. كما استخدموا نماذج من الدورات الزراعية، وأدخلوا زراعة البقوليات فيها. وقد أُسست زراعات المحاصيل وتدجين الحيوانات على نحو جيد في أوربا الغربية في العصر الروماني، وكانت غالبية المحاصيل المعروفة اليوم في شواطئ البحر المتوسط، مثل القمح والشعير والدخن والبقوليات، منتشرة في ذلك العصر. أنشأ الرومان مدرجات لزراعة الزيتون والعنب وفواكه كثيرة في مناطق الهضاب والجبال المطلة على البحر المتوسط، وبنوا قنوات طويلة لنقل المياه من الأنهار إلى مناطق زراعية بعيدة [ر. جر المياه]، ومخازن كبيرة للحبوب. وكانوا يستخدمون العبيد المنقولين من البلدان التي غزوها في الأعمال الحقلية. وقد عرف الرومان أن الأراضي الزراعية ستنهك إذا لم تتلق مخصبات، فكانوا من أوائل من استخدم التسميد العضوي للحقول بروث حيواناتهم، ومع ذلك فقد انخفضت إنتاجيتها بسبب استخدامها المكثف في الزراعة.
4 ـ مناطق أخرى:
يعد وادي نهر إندوس Indus مكان ميلاد الحضارة الهندية، ويقع فيما يعرف اليوم بباكستان. ويبدو أن المزارعين البدائيين كانوا نحو 4000سنة ق.م يزرعون الخضروات ومحاصيل الحبوب ويربون الماشية على ضفاف النهر، وكانت المحاصيل التي تزرع في الوادي مشابهة لمحاصيل المناطق التي تتعرض لأعاصير الرياح الموسمية (المونسون monsoon). ويعتقد أن معدلات أمطار تلك الأماكن كانت تفوق ما هي عليه اليوم، مما يشير إلى حدوث تغيرات مناخية ملموسة في تلك المنطقة على مر الزمن. وهنالك أدلة على أن بعض التجار من منطقة الرافدين كانوا يصلون إلى الوادي المذكور. وقد شارك الهنود ما قام به السومريون في بعض التطورات الزراعية آنذاك، مثل نظم الري والصرف، وطوّروا نظماً ثقافية وزراعية خاصة بهم.
بدأ التدجين في جنوبي الصين قبل نحو 8500سنة، وقد بني هذا الاعتقاد على اكتشاف حبوب أرز يقدر عمرها بين 7600و8500سنة، وكان ذلك في مستوطنة في حوض هوبي Hupei من نهر يانغ تسي Yangtze قرب مدينة إيشانغ Yichang. وعلى بعد 600كم من الحوض المذكور، بالقرب من مدينة خيان Xian، اكتشف موقع آخر تطورت فيه الزراعة مستقلة عن الحوض السابق، ويراوح عمرها بين 6500و8500سنة. واكتشفت مناطق أخرى كثيرة تعود إلى عصور ماقبل التاريخ.
أجريت دراسات كثيرة حول أصل الإنسان في إفريقيا، ولم تنفذ سوى بحوث أثرية قليلة للكشف عن أصول الزراعة الإفريقية، ويشير بعض العلماء إلى أن بعض القرى التي اعتمدت على الزراعة وجدت في شمالي القارة قبل نحو 6500 سنة. وقد أُدخل الشعير والغنم والماعز والأبقار إليها، ولربما كان مصدرها مناطق الهلال الخصيب. وقبل نحو 5000سنة، امتدت رعاية الماشية إلى المناطق الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى. وكانت الشروط المناخية آنذاك في تلك المناطق مختلفة عما هي عليه اليوم. وساعد المطر الغزير فيها على نمو أعشاب وفيرة لرعي الحيوانات، وتكوين بحيرات وفرت المياه للإنسان والحيوان.
وفي القارة الأمريكية بينت الدراسات أن أقدم المواقع التي مورست فيها الزراعة البدائية ثم تحولت إلى أشكال أكثر تقدماً كانت في أواسط المكسيك وجنوبيها. ووجدت أكثر الأدلة في كهوف جافة، منها بذور وأدوات توضح أن تلك الكهوف كان يقطنها أناس مارسوا الصيد وجمع النباتات البرية. وفي عام 1997م وجد أحد الباحثين أن القرع كان قد دُجن في جنوبي المكسيك قبل نحو 10000 سنة. وقد زرعت الذرة في المنطقة ذاتها قبل نحو 6500سنة. وتطورت الزراعة أيضاً في مناطق أخرى في منطقة جبال الأنديز Andes في المناطق التي تؤلف اليوم جزءاً من تشيلي والبيرو وبوليفيا. ويعتقد أن البطاطا دجنت في تلك المناطق الجبلية، فقد وجد الباحثون بقايا بطاطا مدجَّنة في البيرو، وقُدِّر عمرها بنحو 3200 إلى 4000سنة.
ازداد حجم مستوطنات الصيادين وجامعي الثمار والنباتات البرية وصارت أكثر استقراراً في منطقة واسعة تمتد من منتصف ولاية إيلينوي إلى شمالي ولاية ميسيسيبي قبل نحو 6000و7500سنة. وعُثر على بذور ومخلفات أخرى في تلك الأماكن تشير إلى أن أولئك الناس الذين بدؤوا قبل 4500و5000سنة يتحولون إلى تدجين نباتات عدة كان منها نباتات عباد الشمس والقرع
الزراعة عند العرب[ر]
العصور الوسطى والحديثة
انتهى عصر الإمبراطورية الرومانية في نهاية القرن الخامس الميلادي بسقوطها في أيدي القبائل البربرية، وبدأ بعدها ألف عام تعرف بالعصور الوسطى (600ـ1600م) Middle Ages . وقد طرأت في هذه المدة تغيرات زراعية كبيرة في أوربا، بعد أن كانت الزراعة بدائية إلى حد كبير، ومعظم أعمالها تنفذ من قبل عمال سخرة يتحكم بهم مالكو الأراضي. كان من أبرزالتغيرات استخدام المحاريث الكبيرة التي تجرها الثيران أو الخيول مما جعل العمل الزراعي أسهل والإنتاج أوفر. وتلا ذلك تدريجياً الاهتمام باختيار أفضل النباتات والحيوانات. ونجح استخدام الدورات الزراعية الثلاثية في زيادة معدلات الإنتاج من الحبوب، فأدى ذلك، إضافة إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، إلى تشجيع كثير من المزارعين على ترك الزراعة الإفرادية الصغيرة إلى مزارع مشتركة كبيرة الحجم.
أدت الثورة الصناعية في إنكلترا إلى تطور زراعي كبير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وأسهم في تحقيق ذلك أناس كان منهم المزارع جيثرو تَل Jethro Tell الذي اخترع آلة بذر (بذَّارة) تجرها الخيول، لزراعة المحاصيل، واستورد محاصيل درنية وبرسيماً من البلدان الأوربية الأخرى لإدخالها في الدورة الزراعية، واستعمل شارل فيسكونت تاونشيند Charles Viscount Townshend دورة زراعية رباعية، وطوّر روبيرت بيكويل Robert Backewell تربية الأغنام والماشية. وفي أواخر القرن التاسع عشر أصبحت إنكلترا نموذجاً زراعياً مميزاً اقتدى به المزارعون في أوربا والعالم الجديد (الولايات المتحدة وكندا)، حيث استعملت أنواع عدة من الآليات الزراعية .
والأسمدة والدورات الزراعية وحاصلات وأعلاف جديدة ومهمة. وُطورت عروق جديدة كثيرة من الأغنام والماعز وأبقار الحليب وأبقار اللحم والخيل والدواجن والخنازير وغيرها من عروق، وفرت منتجات حيوانية مفيدة لتغذية الإنسان ولباسه. وعاد الأوربيون من العالم الجديد مصطحبين محاصيل لم تكن معروفة في أوربا، مثل البطاطا والذرة والياقطين والبندورة.
بدأت الزراعة الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن الثامن عشر، وشجع بنجامين فرانكلين على استعمال الكلس لإصلاح الأراضي الحامضية، وبوشر بتنفيذ بحوث زراعية، وفي تبادل الخبرات مع الأوربيين، وأُسست مراكز مهمة للبحوث الزراعية في القرن التاسع عشر، إضافة إلى كليات الزراعة الكثيرة المدعومة بأراض من الدولة لإجراء البحوث على النباتات والحيوانات وما يرتبط بها، وكان لمراكز البحوث وكليات الزراعة شأن كبير في تطور الزراعة الأمريكية. واستعملت كيماويات متنوعة مخصِّبات للتربة الزراعية بتكاليف قليلة، فزادت الإنتاج الزراعي حتى في الأراضي الفقيرة. واخترعت آليات جديدة، مثل آليات نثر السماد وزراعة البذور وحصاد المحاصيل ودرسها، لفصل الحبوب وقطف القطن والمكافحة الواسعة، وأجهزة وآليات حقلية ومخبرية وتصنيعية كثيرة، وغيرها، إلى جانب استعمال الطاقة البخارية وبعدها المحروقات المستخرجة من النفط، ما أدى إلى التوسع في الأعمال الزراعية وزيادة منتجاتها بتكاليف معقولة.
الزراعة الحديثة
محراث قلاب
محراث قرصي
بذارة
حصادة درّاسة
اعتمد المزارعون الغربيون والأمريكيون في القرن العشرين على ثلاثة اتجاهات مهمة لتطوير الزراعة، وهي استعمال طرائق التربية breeding الحديثة وعلوم الكيمياء والتقانات الحديثة، فتمكنوا من تحقيق زيادات ملموسة في منتجاتهم الزراعية النباتية والحيوانية. وقد اهتموا بتطبيقات علم الوراثة، ومايرتبط به من علوم، وبالإدارة الجيدة لخصوبة التربة، وإبادة الأعشاب، ومقاومة الآفات النباتية والحيوانية، إلى جانب التطورات في طرائق نقل المنتجات الزراعية المختلفة وحفظها وتسويقها في البلاد التي أُنتجت فيها، وتصدير مايفيض منها إلى بلدان أخرى باستخدام وسائل النقل الحديثة التي ابتدأت بالسفن وانتهت بالطائرات، كل ذلك بأفضل الشروط والأسعار لتحقيق أفضل الأرباح. وقد أدى استخدام المكننة الحديثة، على نطاق واسع، إلى إنقاص الحاجة إلى الأيدي العاملة في الزراعة. ولكن الدول النامية ماتزال قاصرة عن تحقيق الزيادات الإنتاجية التي يحتاج إليها سكانها الذين تتزايد أعدادهم باطراد، ويعود ذلك إلى أسباب عدة من أهمها تفشي الجهل بين المزارعين، وضعف إمكاناتهم المادية، واستمرار كثير منهم في ممارسة الزراعة التقليدية، وعدم إمكانهم الاستفادة من التقانات الحديثة، وضعف مستويات البحث العلمي في بلدانهم، إضافة إلى المشكلات الطبيعية في كثير منها، مثل التربة الرديئة والشروط المناخية السيئة وتفشي الآفات الزراعية المختلفة (حشائش، حشرات، أمراض وغيرها) وعدم توافر إمكانات الري المناسب، بسبب الجفاف المتكرر واستنزاف المياه الجوفية، وغيرها.
تعتمد الزراعة الحديثة على التقانات الحيوية الحديثة وعلى العلوم البيولوجية. ويتوقف نجاحها وتطورها على المكننة الزراعية الحديثة، وكان في مقدمتها المحراث الحديث الذي طوّره جون دير John Deere في ثلاثينات القرن التاسع عشر. وفي تسعينيات القرن المذكور، استُخدِم الجرار البخاري، ثم ظهرت الجرارات التي تستعمل المحروقات، وازداد إنتاجها واستعمالها في الربع الأول من القرن العشرين، مع إنتاج نماذج رخيصة الثمن ومتعددة الأغراض، وتطوير صناعة الإطارات المطاطية المنخفضة الضغط عام 1932. وقد تطورت مشاريع الري والصرف وحفظ موارد التربة وتحسينها، وحسن تغذية الماشية والدواجن ورعايتها، وتصنيف المنتجات وتسويقها بأسعار مناسبة، وصُنعت آليات زراعية متنوعة أخرى، فحققت دخلاً جيداً للمزراعين .
وساعد ذلك الاعتماد على تنفيذ نتائج البحوث العلمية وتوفير الإمكانات المناسبة لذلك، وفي مقدمتها تعليم المزارعين وتدريبهم، وتخريج أجيال من المختصين الزراعيين ومساعديهم للعمل في مجالات البحوث العلمية والتنمية والإرشاد الزراعي.
تطورت الزراعة في بلدان كثيرة على نحو مذهل في القرن العشرين، ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى استخدام تطبيقات علم الوراثة، فقد تسارعت بحوث تربية النبات والحيوان، وأدت إلى زيادة إنتاجيات المحاصيل الحقلية والخضروات والفاكهة ونباتات الزينة والغابات والحيوانات والدواجن بأنواعها المختلفة، وإلى تحسين كبير في نوعياتها. وساعدت هذه البحوث في زيادة خصوبة التربة والمكننة ومقاومة الآفات وتغذية الحيوانات والدواجن ووقايتها من الأمراض ومعالجتها، إضافة إلى تطوير مجالات تجميد المنتجات ونقلها وحفظها لتوفيرها في الأسواق على نحو جيد وبأسعار مقبولة. وتجدر الإشارة إلى التقدم العلمي العظيم في القرن الماضي ضمن المجالات المتعددة والمتنوعة للموضوعين الآتيين:
أطلق اسم الثورة الخضراء green revolution للإشارة إلى استخدام مجموعة من التقانات الزراعية الحديثة وسلالات محسنة من القمح (من المكسيك) والأرز (من الفيليبين)، ذات إنتاجية كبيرة و قدرة كبيرة على الاستجابة الجيدة للتسميد المكثف والري المنتظم الجيد، في عدة أقطار نامية مثل الهند والباكستان، اللتين استطاعتا أن تنتجا احتياجاتهما كافة من القمح منذ مطلع ثمانينات القرن العشرين، وماليزيا وتركيا وغيرها في ستينات القرن العشرين، مما أدى إلى تحقيق زيادات إنتاجية كبيرة فيها، فتضاعف الإنتاج العالمي من الحبوب بين عامي 1960و1990. وقد نشأ مشروع القمح المحسن من دراسات بوشر بتنفيذها في المكسيك في أربعينات القرن العشرين، وأشرف عليها نورمان بورلوغ Norman Borlaug الذي منح جائزة نوبل للسلام عام 1970 لأعماله في المشروع المذكور وتطبيقه في بلدان أخرى. ومن جهة أخرى فقد أجرى المعهد الدولي لأبحاث الأرز (International Rice Research Institute (IRRI في الفيليبين بحوثاً مكثفة لإنتاج سلالات ممتازة من الأرز، وأنتجت في بلدان آسيا الإستوائية سلالات مميزة من الأرز الوفير الغلة والمقاوم للأمراض.
التقانات الحيوية والهندسة الوراثية
التقانات الحيوية[ر] biotechnologies هي مجموعة من التقانات الزراعية والطبية والصناعية المفيدة، وتشمل الهندسة الوراثية genetic engineering التي تستخدم الكائنات الحية أو أجزاء منها، لتوفير منتجات وخدمات جديدة. وقد انتشرت أبحاث التقانات المذكورة بدءاً من سبعينات القرن العشرين، وازدادت بحوث الهندسة الوراثية وتنوعت على نحو مذهل، وأدى تطور تحكم الباحثين بالمورثات والهندسة الوراثية إلى تمكينهم من تغيير العديد من الصفات الوراثية، وإنتاج أصناف وسلالات محوّرة وراثياً من النبات والحيوان، تتصف بإنتاج أفضل صنفاً وكماً، وقدرة جيدة على تحمل شروط بيئية غير مناسبة، أو على مقاومة آفات زراعية خطيرة. وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة التي تحققها الهندسة الوراثية، فإن ثمة اعتراضات كثيرة عليها في بلاد متعددة، إذ يخشى كثير من العلماء من احتمال حدوث مشكلات صحية في المستقبل نتيجة استخدامها في إنتاج الغذاء والعلف، أو إضرار بالبيئة في المناطق التي تُزرع فيها النباتات المحوَّرة وراثياً.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث