لمحة تشريحية 
 
يتألف جهاز التنفس من الأنف والبلعوم والحنجرة والرغامى والقصبات والرئتين. تغلف كل رئة بوساطة وريقتي الجنب، وريقة الجنب الحشوية التي تغطي سطح الرئتين، ووريقة الجنب الجدارية التي تبطن جدار الصدر والحجاب الحاجز والمنصف. ما بين وريقتي الجنب يوجد جوف الجنب الذي يحوي كمية قليلة من السائل نحو 0.1-0.2 مل/كغ من الوزن تساعد في سهولة الانزلاق. 
 
تحوي الرئتان تفرعات الشجرة القصبية التي تقسم إلى الطرق الناقلة (وهي تمتد من جوف الأنف حتى القصيبات الانتهائية) ومنطقة المبادلات التنفسية التي تتألف من القصيبات التنفسية والأقنية السنخية والمحافظ السنخية والأسناخ.
 
 يتألف جدار الأسناخ من غشاء ظهاري بسيط يتشكل غالبيته من الخلايا نموذج I، إضافة إلى عدد قليل من الخلايا نموذج II، أو الخلايا الرئوية pneumocytes II التي تفرز مادة السرفاكتن surfactant، أو فعَال السطح وهي سائل يغطي السطح الباطن للأسناخ الرئوية.
 
يتألف الغشاء التنفسي respiratory membrane من الغشاء الظهاري البسيط الذي يبطن الأسناخ والغشاء البطاني المطبق الذي يبطن الأوعية الشعرية والغشاء القاعدي لكل منهما الذي يتحد في بعض المناطق. تبلغ ثخانة الغشاء التنفسي نحو 0.5 ميكرون.
 
الغشاء المخاطي الظهاري للطرق الهوائية الناقلة هو غشاء أسطواني مطبق كاذب. يمكن تمييز نمطين من الخلايا في الغشاء الظهاري القصبي: الخلايا المهدبة والخلايا غير المهدبة.
 
ـ الخلايا المهدبة: تحوي كل خلية نحو 200 هدب تتحرك نحو 17-25 حركة/ثانية باتجاه الرغامى.
 
ـ الخلايا غير المهدبة: تشمل عدداً من الخلايا: الخلايا المخاطية المفرزة للمخاط، الخلايا العصبية المفرزة (خلايا كولشيتسكي Kulchitsky) التي قد تفرز السيروتونين والكالسيتونين والبمبيزينbombesine، خلايا كلارا Clara  التي تشاهد في القصيبات الانتهائية والقصيبات التنفسية وهي تفرز مادة فعال السطح، والخلايا القاعدية.
 
يغطي الغشاء الظهاري التنفسي طبقة رقيقة من المخاط الذي يتألف من ماء (95٪) وبروتينات سكرية وغلوبولينات مناعية ومادة فعال السطح. هذه الطبقة المخاطية تشكل بساطاً يتحرك بفعل الأهداب باتجاه الفم بسرعة تراوح ما بين 2-3ملم/د في القصيبات الانتهائية، و10-15ملم/د في القصبات الكبيرة تساعد في كنس وطرح الأغبرة والجراثيم العالقة كي تبقى الطرق الهوائية نظيفة وعقيمة.

لمحة فيزيولوجية

 
التنفس هو تبادل الهواء بين الرئتين والوسط الخارجي. يتم التنفس بانتقال الهواء من  الرئتين وإليهما، وذلك بحسب تبدلات الضغط في الأسناخ الرئوية، فعندما ينخفض الضغط في الأسناخ الرئوية عن الضغط الجوي ينتقل الهواء من الوسط الخارجي إلى الأسناخ الرئوية، والعكس صحيح.
 
إن ضغط غاز في وعاء يتناسب عكساً مع حجم ذلك الوعاء (Boyle’s Low)، فزيادة الحجم تنقص الضغط والعكس صحيح.
 
في الشهيق الهادئ تتقلص العضلات الشهيقية أي عضلة الحجاب الحاجز والعضلات بين الأضلاع الشهيقية (في الشهيق العميق تشارك عضلات العنق) فيزداد الحجم داخل الصدر فينخفض الضغط داخل الأسناخ الرئوية فينتقل الهواء من الوسط الخارجي إلى الأسناخ الرئوية.  
 
أما الزفير الهادئ فهو عبارة عن حركة منفعلة تنجم عن استرخاء العضلات الشهيقية (في الزفير القسري تشارك العضلات بين الأضلاع الزفيرية وعضلات البطن الزفيرية) فتنكمش الرئة بفعل ذلك بالإضافة إلى مرونة الرئة وفعل التوتر السطحي للأسناخ التي تعمل على خمص الرئة وانكماشها، مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل الأسناخ الرئوية فينتقل الهواء من الأسناخ الرئوية إلى الوسط الخارجي.
 
 يكون الضغط داخل الصدر (الضغط داخل الأسناخ) مساوياً للضغط الجوي في نهاية الشهيق والزفير، في حين ينخفض في الشهيق ويصبح سلبياً ويرتفع في الزفير ويصبح إيجابياً أي أعلى من الضغط الجوي.  
 
أما الضغط في جوف الجنب فيكون سلبياً دائماً كي يحافظ على الرئتين بحالة انتفاخ في الشهيق يزداد الضغط في جوف الجنب سلبية (-7ملم زئبق) وفي الزفير تنقص سلبية الضغط في جوف الجنب (-4ملم زئبق). ينجم الضغط السلبي في جوف الجنب عن ميل الرئة للانكماش بفعل مرونة المتن الرئوي (البرنشيم) وقوة التوتر السطحي للأسناخ من جهة، ومن جهة أخرى عن القوة المعاكسة لجدار الصدر الذي يحول دون حدوث الانخماص الرئوي وتبقي الصدر والرئتين بحالة تمدد. 
 
هناك عاملان آخران يؤثران في التهوية الرئوية هما المطاوعة الرئوية ومقاومة الطرق الهوائية التي تنجم عن اصطدام الهواء بجدر الطرق الهوائية، وهذه المقاومة تزداد كلما صغر قطر الطرق الهوائية.   
 
ـ حجم الرئتين وقدرتهما: تحوي الرئتان نحو 300 مليون سنخ. يبلغ حجم الرئتين في نهاية الزفير نحو 2.5 لتر، بينما يصل في نهاية الشهيق إلى 6 لتر، لذلك تملك الرئتان قدرة كبيرة على التمدد. يبلغ حجم التهوية السنخية  نحو 6-10 ل/د في التنفس الهادئ وقد ترتفع إلى10-15 ضعفاً في حالات الجهد الشديد. تتلقى الرئتان مجمل النتاج الدموي القلبي الذي يبلغ حوالي 6 ل/د في حالة الراحة، وفي حالات الجهد الشديد قد يصل إلى 40 ل/د. 10٪ من الأوعية الشعرية فقط تكون وظيفية في حالة الراحة، لذلك عندما يزداد الصبيب الدموي الرئوي في حالات الجهد الشديد لا يحدث ارتفاع في الضغط الشرياني الرئوي بسبب القابلية الكبيرة للأوعية الرئوية على التمدد والاستيعاب.
 
ـ التبادل الغازي: يسمى التبادل الغازي الذي يحدث على مستوى الحاجز السنخي الشعري بالتنفس الخارجي external respiration، والذي يحدث على مستوى الأنسجة بالتنفس الداخلي internal respiration.
 
في التنفس الخارجي ينتقل الأكسجين من الأسناخ الرئوية إلى الأوعية الشعرية الرئوية، وينتقل غاز ثاني أكسيد الكربون بالاتجاه المعاكس. في التنفس الداخلي ينتقل الأكسجين من الأوعية الشعرية الجهازية إلى خلايا الأنسجة وينتقل غاز ثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الأوعية الشعرية.
 
يعتمد التنفس الخارجي على ثلاثة عوامل:
 
ـ سطح المبادلات الغازية (الغشاء التنفسي)، وتبلغ مساحته نحو 145م2 لدى الكهل. 
 
ـ مدروج gradient الضغط الجزئي للغازات على جانبي الغشاء التنفسي. يبلغ تركيز الأكسجين السنخي PO2 = 104 mm Hg وغاز ثاني أكسيد الكربون PCO2 = 40 mm Hg . بينما يبلغ تركيز أكسجين الدم الوريدي PO2 = 40 mm Hg وغاز ثاني أكسيد الكربون PCO2 = 46 mm Hg. لذلك ينتقل الأكسجين من الأسناخ إلى الأوعية الشعرية وينتقل غاز ثاني أكسيد الكربون من الأوعية الشعرية إلى الأسناخ الرئوية.
 
ـ توافق التهوية السنخية مع الجريان الدموي الشعري ventilation-perfusion بصورة مناسبة إذ يسبب نقص الأكسجين في الأسناخ الرئوية تقبضاً وعائياً فيتحول الصبيب الدموي إلى المناطق الأفضل تهوية ويسبب ارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون في الأسناخ الرئوية توسعاً في الطرق الهوائية كي يساعد على التخلص من هذا الغاز. 
 
تزداد التهوية الخارجية طرداً مع مساحة الغشاء التنفسي والتهوية السنخية والصبيب الدموي الشعري، وعكساً مع سماكة الغشاء التنفسي.
 
ينقل الأكسجين في الدم  بشكل رئيسي متحداً بالخضاب 98.5٪ على شكل خضاب مؤكسج أو بشكل منحل 1.5٪. كما ينقل غاز ثاني أكسيد الكربون في الدم إما بشكل منحل في البلاسما 7٪ أو بشكل رئيسي بوساطة الكريات الحمر 93٪، إذ ينقل على شكلين، شكل متحد مع الخضاب 23٪ والقسم الباقي ينقل على شكل بيكاربونات 70٪.  
 
ـ التنفس والتوازن الحمضي القاعدي: إن تنظيم باهاء الدم pH والمحافظة عليها قريبة من الطبيعي أي نحو 7.4 ميلي مكافئ/ل مهم جداً من أجل الحفاظ على وظيفة خلوية طبيعية. يتم تنظيم باهاء الدم عن طريق ضبط غاز ثاني أكسيد الكربون والبيكربونات بحسب معادلة أندرسون هسلباخ Henderson Hasselbalch.
 
  (pH = pk +Log HCO3/CO). 
 
تنظم الرئتان غاز ثاني أكسيد الكربون بينما تنظم الكليتان البيكربونات. إن أي تبدل في باهاء الدم يترافق مع تبدل في غاز الكربون والبيكربونات مسبباً بذلك أربعة نماذج مرضية:
 
1ـ حماض استقلابي metabolic acidosis: يحدث انخفاض بدئي في باهاء الدم ناجم عن نقص بيكربونات الدم  تعاوض الرئتان بإحداثها فرط تهوية رئوية ونقص غاز ثاني أكسيد الكربون كي تعدل من شدة الحماض.
 
2ـ قلاء استقلابي metabolic alcalosis: يحدث ازدياد بدئي في باهاء الدم ناجم عن زيادة بيكربونات الدم. تعاوض الرئتان بإحداثها نقصاً في التهوية الرئوية وارتفاعاً في غاز ثاني أكسيد الكربون كي تعدل من شدة القلاء.
 
3ـ حماض تنفسي respiratory acidosis: يحدث نقص بدئي في باهاء الدم ناجم عن زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون بسبب نقص التهوية الرئوية. تعاوض الكليتان بإحداثها ارتفاعاً في بيكربونات الدم كي تعدل من شدة الحماض.
 
4ـ قلاء تنفسي respiratory alcalosis: يحدث ارتفاع بدئي في باهاء الدم ناجم عن نقص غاز ثاني أكسيد الكربون بسبب فرط في التهوية الرئوية. تعاوض الكليتان بإحداثها نقصاً في بيكربونات الدم كي تعدل من شدة القلاء. 
 
لذلك نجد أن الرئتين لهما أثر مهم في المحافظة على باهاء الدم قريبة من الطبيعي عندما تضطرب بأسباب استقلابية بطرح غاز ثاني أكسيد الكربون، وذلك بإحداثها فرطاً في التهوية الرئوية أو نقصاً فيها.
 
وفي حالات القلاء التنفسي والحماض التنفسي البدئي حيث تكون الرئة هي السبب في حدوث اضطراب في باهاء الدم فإن الكليتين تعملان على تعديل هذا الاضطراب.
 
ـ تنظيم التنفس: يتم تنظيم التنفس بوساطة المراكز التنفسية الموجودة في جذع الدماغ، وتشمل مركز الشهيق الذي يعد المنظم الأساسي للتنفس، ومركز الزفير الذي يتدخل فقط في الزفير القسري بتنبيه العضلات بين الأضلاع الزفيرية وعضلات البطن.
 
تتأثر المراكز التنفسية بتبدل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون والأكسجين وباهاء الدم الشرياني، وذلك بتأثيرها في المستقبلات الكيمياوية chemoreceptors التي تشمل المستقبلات المركزية في البصلة السيسائية، والمستقبلات المحيطية التي تتألف من الأجسام السباتية التي تعد الأكثر أهمية (تشارك بنسبة 15٪ في مركز تنظيم التنفس في حالات التنفس الهادئ وبنسبة30٪ استجابةً لفرط غاز ثاني أكسيد الكربون) والأجسام الأبهرية في قوس الأبهر. تتأثر المستقبلات المركزية بتبدلات غاز ثاني أكسيد الكربون وباهاء السائل الدماغي الشوكي في البطين الرابع. تتنبه المستقبلات المحيطية بوساطة غاز ثاني أكسيد الكربون والأكسجين وباهاء الدم الشرياني. يعد غاز ثاني أكسيد الكربون الأكثر أهمية في تنظيم عمق  التنفس وتواتره. ينبه الأكسجين المستقبلات المحيطية فقط عندما ينخفض أقل من 60ملم زئبق في الدم الشرياني. 
 
إن ارتفاع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون وانخفاض تركيز الأكسجين وانخفاض باهاء الدم الشرياني يؤدي إلى تنبيه المستقبلات الكيمياوية المركزية والمحيطية التي تنبه مراكز التنفس والتي تنبه العضلات التنفسية محدثة بذلك فرط تهوية. 
 
هناك عوامل أخرى تؤثر في التنفس، مثل التدخل الإرادي، والألم والعاطفة كالضحك والبكاء، وتخريش الطرق الهوائية، وفرط التمدد الرئوي. 
 
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث