خلال سنوات قليلة استطاع ديوان المظالم أن يثبت حضوره، ويصبح في مقدمة المؤسسات التي تعمل على إنصاف المواطن، وتعزيز مبدأ العدل والنزاهة والشفافية، وأن الديوان وبإمكانياته المحدودة استطاع أن يقوم بحل 78 بالمئة من الشكاوى التي قدمت له وثبت فيها خطأ الإدارة.

في التقرير السنوي الذي تلقيناه من رئيس ديوان المظالم عبدالإله الكردي يتبين أن مسألة التعامل مع الشكوى سواءً من قبل المشتكي او المشتكى عليه هي ثقافة راقية وحضارية وأن الديوان استطاع تجذير ونشر ثقافة الشكاوى، بحيث يدرك المشتكي كيف ومتى ولمن يشتكي، وبحيث تدرك الإدارة أن الشكوى الموجهة ضدها لا تعني أنها مخطئة أو مقصرة أو أنها تستهدف شخصاً بعينه، بل قراراً أو إجراءً يجب تصويبه، أو ممارسة يجب الحد منها وأن الشكوى ليست طلب مساعدة أو إحسانا بل هي حق في إطار العلاقة مع الدولة، وهذا الحق يجب تنظيمه بما يتيح لكل شخص التمتع به على الوجه الأكمل، وفي أي وقت يتم فيه التعرض لأي من حقوقه المكفولة وهو أمر يرتقي بالعلاقة ما بين المواطن والدولة من الرعاية المجردة الى المسؤولية المتبادلة والمشتركة.

من هذا المنطلق قام الديوان بحملات توعية استهدفت جميع الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والجامعات الحكومية والإدارات المحلية ليكونوا على بينة من مهام وواجبات ديوان المظالم وأهمية التجاوب مع كل شكوى تصل اليهم وأن الهدف هو عودة الحق لصاحبه وليس تسجيل الأخطاء والهفوات.

لقد كان ديوان المظالم في غاية الوضوح ودون أن يجامل أية جهة، أن يكون سنداً للحق حيث تبين له لدى دراسة الشكاوى المقدمة على وزارة الداخلية مثلاً عدم وضوح أسباب سحب الأرقام الوطنية وهذه قضية أرقت عدداً كبيراً من المواطنين وفتحت الباب واسعاً أمام منظمات حقوق الإنسان الدولية للنيل من هذه الإجراءات وأن ديوان المظالم أكد دون أي لبس عدم وجود تعليمات شفافة ومعايير واضحة تمكن من الرقابة على قرار السحب ومدى إنسجامه مع المعايير المتبقية وأن ذلك يعتبر بمثابة سحب للجنسية وأنه مخالف لقانون الجنسية الذي تمنح بموجبه الجنسية بقرار مجلس الوزراء ولا يجوز سحبها إلا بقرار من مجلس الوزراء.

ديوان المظالم ومن خلال الشكاوى التي تلقاها وإتصالاته مع مختلف الجهات الرسمية استطاع أن يضع يده على العديد من القضايا والظواهر التي تستوجب المعالجة وفي مقدمتها ملاحظاته على عمل لجان التأديب وضعف ضمانات التحقيق وقضايا نقل الموظفين كعقوبة تأديبية مقنعة وغياب شبه كامل لمعايير المقابلات الشخصية بهدف الترشيح للتعيين في مختلف الوظائف والضبابية في قضايا العلاوات.

ديوان المظالم وضع يده على قضية في غاية الأهمية وهي أن معظم الإدارات الحكومية تتخذ قراراتها السلبية كالإمتناع عن اتخاذ قرار أو الرفض الشفوي وتعمد الى عدم إصدارها خطياً إما لضعف أو إفتقار القرار لأسباب جدية أو متفقة مع الأصول القانونية وهذا ما نراه واضحاً في قضايا التراخيص الصادرة عن أمانة عمان والبلديات وحتى وزارة الداخلية والحكام الإداريين.

تقرير الديوان يحتاج الى قراءة متأنية لأنه يضع الأمور في نصابها ويقف شامخاً من أجل الوطن ومصلحة المواطن دون الأخذ بأية إعتبارات أخرى.

ديوان المظالم يحتاج الى المزيد من الدعم، ليتمكن من القيام بواجباته وذلك عن طريق زيادة مخصصاته المالية، وإصدار نظام خاص بموظفيه ورفده بالكوادر البشرية المؤهلة، والأهم من ذلك التأكيد المستمر على الإدارات الحكومية بضرورة المزيد من التفاعل والتجاوب الإيجابي مع عمل الديوان.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   أحمد جميل شاكر   جريدة الدستور