إذا كان الهدف من مسيرة حركة الإخوان المسلمين يوم الجمعة القادم والتي أطلق عليها «الزحف المقدس»، إظهار العضلات وقوة الحركة في الشارع، فإن هذا الأمر محسوم، وأن أحداً لا ينكر أنهم شريحة واسعة ومنظمة من نسيج المجتمع الأردني، وأنهم على الدوام كانوا يؤثرون المصلحة العامة على أية مصلحة ضيقة ومحدودة.

إن مجرد إطلاق عبارة «الزحف المقدس» على هذه المسيرة أمر يثير القلق وكأن هذه المسيرة في طريقها لتحرير بيت المقدس، أو الأقصى الأسير أو نجدة الإخوة الشعب السوري الذي يتعرض لأبشع صنوف الأذى والعذاب والقتل والتشريد على يد الطبقة الفاسدة من حكامه الذين لم يراعوا حرمة دين، أو إنسانية.

إذا كانت حركة الإخوان المسلمين تعتقد بأن هذه المسيرة من شأنها التسريع بوتيرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ما تم اتخاذه حتى الآن من خطوات من حيث تعديل الدستور، ليصبح دستوراً جديداً، ومن حيث إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، وتأسيس المحكمة الدستورية، وغير ذلك يعتبر بداية طيبة، لكن الجزء الأكبر من الاصلاحات التي ينشدها الإخوة في الحركة وفي الأحزاب الأخرى، تكمن في انتخاب مجلس نيابي قادر على مواجهة المرحلة القادمة بما فيها من صعوبات، وتعقيدات، وأوضاع إقليمية ملتهبة، وأن هذا المجلس باستطاعته أن يقوم بأية تعديلات دستورية جديدة، أو يضع تصورات وخططا للانقاذ الاقتصادي، وأن يقوم بمراجعة كل التشريعات الموجودة، وأن الدستور الأردني يسمح لعشرة نواب بأن يضعوا مسودة تشريع، أو يطالبوا الحكومة بوضع تشريع بعينه.

لقد قامت في الأردن، وفي كل مدينة وقرية على مدار العام الحالي، والماضي آلاف المسيرات وأن الأمور وصلت إلى حد غير معقول أو مألوف حتى أن الطالب الذي كان يكره معلمه يقوم مع أصحابه بالاعتصام، والمطالبة بنقله، وأن الذين يطالبون بإنشاء بلدية، أو عيادة طبية، أو يتعرض موسمهم الزراعي للخسارة، كانوا يغلقون الطرق الرئيسة، ويشعلون إطارات السيارات، حتى أن المواطنين، وأمام الاستهتار الذي حدث في بعض الجامعات، كانوا يطالبون بالقبضة القوية والأمن الخشن، لأننا في هذا البلد ننعم والحمدلله بالأمن والاستقرار منذ تأسيس الدولة، وأن أحداً لا يعرف قيمة ذلك إلا إذا رأى ما يحدث في أماكن أخرى.

إننا نطالب الإخوة في جبهة العمل الإسلامي، أن يعيدوا النظر بهذه المسيرة، لأننا نخشى أن تكون بداية لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وأن تكون فرصة لدخول عناصر غريبة عليها، ممن لها أجندات خاصة، وأن ألف مسيرة لا تحدث تغييراً، كما يحدث مجلس النواب من حيث تغيير تشريع، أو عدم منح الثقة للحكومة أو سحبها وأن الطريق إلى الحكومة البرلمانية والتي تطالب بها الحركة وغيرها من الأحزاب ستصبح ممهدة بعد إجراء الانتخابات النيابية.

إن مصلحة الوطن العليا، تقتضي تغليب العقل على العاطفة وأن الجميع سيقدرون لحزب جبهة العمل الإسلامي إي إجراء بإلغاء مسيرة الجمعة القادمة، لأنها ستجنب البلد أي انقسام أو تفرقة أو تمزيق للجسد الأردني الواحد، وأن درء المفاسد خير من جلب المنافع وأن باب الحوار سيبقى مفتوحاً، وأن الملك يرحب به، ويجسده من خلال زياراته للمدن والقرى، ولقاءاته مع النخبة من كل أطياف المجتمع الأردني، والتي يتم الحديث فيها بكل الصراحة والحرية والوضوح، وبكل المواضيع التي يتحدث عنها الناس في مجالسهم الخاصة أو تلك التي تطالب بها مختلف الحراكات، والأحزاب بما في ذلك جبهة العمل الإسلامي.

التأزيم ليس من مصلحة أحد، وأن استخدام الشارع في بلدنا بالذات لن يخدم مسيرة الإصلاح أو الأجندة الوطنية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   أحمد جميل شاكر   جريدة الدستور