في حديث من القلب إلى القلب، وفي لقاء سادته الصراحة والوضوح، وضع جلالة الملك النقاط على الحروف، وأجاب على كل ما يدور على الساحة الأردنية، وما يتم الهمس به أحياناً، والجهر أحياناً أخرى.

الموضوع الذي يؤرق الأردنيين هو حجم المديونية العالية، وبالرغم من أن توضيحات هذا الأمر يجب أن تتم من قبل الحكومة ورؤساء الوزارات المتعاقبين، إلا أن الملك أعلن بأن سبب ذلك هو النفط، إذ أننا كنا نحصل على النفط من العراق بثلاثين دولاراً فقط حتى عام 2003، والآن نشتري البرميل الواحد بمائة دولار، وان توفير هذه المادة كان من أولى أولويات الحكومات، لأن كل شيء يرتبط بالوقود وفي مقدمة ذلك ضخ المياه للمواطنين، وتوفير أنواع المحروقات للمواطنين ولكافة الاستعمالات.

الأمر الآخر، وهو الاستحقاق الدستوري الذي يتعلق بالانتخابات النيابية القادمة، فقد أسهب جلالته بالتأكيد على أن البرلمان المقبل هو بوابة العبور إلى الإصلاح الشامل، وأن على الأحزاب السياسية تنظيم نفسها وتبني برامج انتخابية لأربع سنوات، وأن حجم المشاركة في الانتخابات النيابية يحدد حجم التغيير، ومن هنا تأتي دعوة جلالة الملك للجميع للمشاركة في الانتخابات القادمة، بما في ذلك المعارضة مشيراً إلى أنه لكل فئات المجتمع سواء في الحراك أو المعارضة، أو الأغلبية الصامتة، وهم جميعاً في خدمة الوطن، وأن صوت المواطن في الانتخابات سيحدد تركيبة البرلمان، والحكومة التي ستنبثق عنه؛ وأن الذين يتحدثون عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والمديونية، والإصلاح الضريبي، وتطوير النظام الانتخابي، وتحديات الطاقة والمياه والخدمات الأخرى، قادرون على التأثير المباشر في هذه الأمور من خلال المشاركة في الانتخابات والحديث من تحت قبة البرلمان.

لقد وضع جلالة الملك يده على الجرح عندما تحدث بصراحة عن قضايا الفساد، والجهود التي تبذل لاجتثاثها حيث ما زالت عشرات القضايا بين يدي القضاء وهيئة مكافحة الفساد لكن هناك جزءا من الشعارات يقوم على التجريح والشخصنة، والتشهير، واستباق العدالة، وتحويل الموضوع إلى محاكمات شعبية على حساب العدالة.

لقد وضع جلالة الملك بعض المسؤولين السابقين أمام حقيقة مرة، حيث كان لهم دور رئيسي في صناعة القرارات والسياسات والبرامج والقوانين المؤقتة، والتي ما زلنا نعاني من بعضها حتى الآن، نراهم اليوم ينتقدون هذه السياسات والقرارات، ويدافعون عن تجربتهم وأدائهم مع أنهم هم من وضع هذه السياسات، وهذه البرامج، وهذه القوانين بكامل حريتهم، وأنه باختصار شديد، يعني «لما يكونوا في موقع المسؤولية كل شيء صحيح وعال العال، ولما يكونوا خارج مواقع المسؤولية كل شيء غلط، والدنيا خربانة».

لم يغفل جلالته بعض الشعارات التي رفعها عدد قليل من المتظاهرين وهي «إسقاط النظام» حيث شرح جلالته مفهوم النظام وهو الدولة بكل مؤسساتها ودوائرها تحت مظلة الدستور، حيث وقف الحضور يستنكرون مثل هذا الطرح مؤكداً جلالته أن هذا البلد يملكه رجالاته، وقد تحدى المستحيل بتضحيات لا تنسى وهذه الدولة الأردنية ليست إنجازاً لشخص أو طرف واحد، وإنما هو إنجاز تراكمي لكل الأردنيين من جيل إلى جيل.

حديث أبي الحسين إلى أبناء الوطن يحتاج إلى دراسة معمقة، فقد أعلنها جلالته وبصراحته أن الملك ليس مغنما وإنما مسؤولية.

لقد نذر جلالة الملك نفسه لخدمة هذا الوطن والذي يستحق من كل واحد منا أن يخدمه بأهداب العيون، وأنه يتشرف بأن يكون مواطناً أردنياً يشارك هذا الشعب النبيل والأصيل مواقفه وتضحياته الجسيمة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   أحمد جميل شاكر   جريدة الدستور