يعد القمح أكثر المهيجات المعوية شيوعاً. فالقمح غني ببروتين يسمى الجلوتين gluten يحتوي على مادة “الجليادين” المعروفة بأنها تهيج الأمعاء. ولو تم تناول منتجات القمح بكميات قليلة، فهذه يمكن تحملها. ولكن كثيراً من الناس يستهلكون القمح في صورة بسكويت وتوست وخبز وأغذية نشوية وكعك وفطائر ومكرونة ثلاث مرات على الأقل يومياً.
وجدير بالذكر أن منتجات القمح، لاسيما المخبوزات قد صارت في عصرنا هذا أكثر غنى بالجلوتين، ومن ثم بالجليادين. وهذا يرجع إلى أن الجلوتين، الذي يعتبر ضاراً بالهضم، يعتبر في الوقت نفسه مفيداً لصناعة المخبوزات. وقد دأب كثير من المخابز وصانعي المخبوزات على إضافة الجلوتين (بالإضافة إلى بعض السكر) إلى دقيق القمح أو إلى عجينته ويعتبرون الجلوتين مادة محسنة للخبز. فحينما تتغذى الخميرة (التي تضاف لعجينة الخبز) على السكر، فإنها تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي وجود بروتين الجلوتين اللزج، يزداد تكون فقاعات الغاز وضوحاً مما يجعل أرغفة الخبز أخف وزناً. وهذا أيضاً يجعل المخبوزات تبدو أكبر حجماً ويزداد الإقبال على شرائها. وهذا النوع من الخبيز يزيد كمية الجلوتين التي يتاح لها أن تتفاعل مع جدار الأمعاء.
المرض الجوفي (اعتلال الجوف)
إذا كان الغذاء الغني بالجلوتين ضاراً بكل الناس (إذ إن ذلك البروتين اللزج يمكن أن يسد القناة الهضمية ويهيجها)، فإن بعض الناس يكونون أكثر حساسية لهذا الجلوتين من غيرهم مما يصيبهم بحالة مرضية تسمى المرض الجوفي أو اعتلال الجوف Coeliac disease وفيه يحدث تآكل للخملات المعوية (وهي تلك البروزات الدقيقة التي تشكل السطح الداخلي للأمعاء الدقيقة وتبرز منه). وهذا يؤدي بدوره إلى الأعراض المختلفة ومشكلات سوء الامتصاص، وما يتبع ذلك من نقص في الوزن.
وغالباً لا يتم تشخيص المرض الجوفي كسبب لتشكيلة متنوعة من المشكلات الصحية وتشمل بطء النمو في الصغار والإعياء في الكبار. وقد أجريت دراسة شملت 5000 من طلبة المدارس الثانوية في وسط إيطاليا ووجدت أن معدل انتشار المرض الجوفي كان مقارباً لنسبة واحد من كل 200 طالب، مع وجود خمس من كل ست حالات لم يتم تشخيصها. والمرض الجوفي يؤدي إلى حالة شديدة من سوء امتصاص العناصر الغذائية، ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات شديدة فيما بعد، مثل عدم الإنجاب والاضطرابات النفسية وهشاشة العظام والسرطان. ولا يكون هذا المرض في كل حالاته مصاحباً بأعراضه التقليدية المميزة (والتي تشمل أنيميا نقص الحديد وقصر القامة)، مما يجعل حالات كثيرة من المرضى تترك دون تشخيص.
المشكلات الهضمية والقمح
رغم ما ذكرناه، فليس من الضروري أن تكون مصاباً بالمرض الجوفي لكي تفيد من اتباع نظام غذائي خال من القمح. فقد أجريت دراسة في معهد التغذية المثالية بحثت آثار حذف القمح من النظام الغذائي لـ 66 شخصاً كانوا يعانون مشكلات هضمية. وقبلها كانت تعتريهم جميعاً حالة من التوق للمخبوزات؛ ونتيجة لهذا التهموا كميات كبيرة منها، غير مدركين أن القمح ربما كان هو المسبب لمشكلاتهم الهضمية. وأثناء هذه الدراسة توقفوا عن تناول القمح لمدة ستة أسابيع للتقصي عن احتمال وجود حالة من الحساسية للطعام (أو عدم تحمله).
وقد وجدت نسبة إجمالية تعادل 90% من أولئك الأشخاص تحسناً في جميع الأعراض الهضمية، وشعر 6% بتحسن يتراوح من 75% إلى 100% في جميع أعراضهم. وقد تحسنت ستة أعراض بقوة وبدرجة كبيرة، وهي الإمساك والتطبل والانتفاخ والتوق للأطعمة ونقص الطاقة والتقلبات المزاجية. لذا فمن المنطقي أن نفترض أن أولئك الأشخاص كانوا بالفعل يعانون عدم تحمل للقمح. وأكثر أعراض الحساسية للقمح شيوعاً هي الإمساك والإسهال والانتفاخ البطني أو الألم البطني. ومع ذلك، فكثير من الأعراض الأخرى قد لوحظت فيمن وجدت لديهم حساسية للقمح. وهي تشمل:
•    الغثيان
•    التقلصات البطنية
•    التطبل
•    الإعياء
•    متاعب بالحلق
•    العرق
•    الطفح الجلدي
•    حب الشباب والدمامل
•    الصداع النصفي
•    التبلد والارتباك
•    الاكتئاب
•    القلق وجنون الارتياب
سوء هضم أم حساسية للجلوتين أم حساسية للقمح؟
ليس من السهل معرفة سبب حدوث هذه التفاعلات. فحيث إن الجلوتين يصعب هضمه، يفترض أنه ضار بأي شخص. ومن ثم يجب على كل شخص أن يقلل من تناول الأطعمة الغنية بالجلوتين، مما يعني بالضرورة الإقلال من منتجات القمح ولاسيما خبز القمح.
ومع ذلك يبدو على بعض الناس أنهم يتفاعلون بشكل أكثر حساسية، إما تجاه القمح، وإما تجاه جميع الحبوب المحتوية على الجلوتين. فإذا ظهر أنك تتفاعل ضد القمح ولو بكميات قليلة أو تصاب بأعراض غير هضمية (مثل الشعور بالرغبة في النوم أو بالقلق أو الاكتئاب أو الصداع)، فقد تكون مصاباً بالحساسية (أو التحسس) للقمح أو للجلوتين.
وإذا كنت حساساً للقمح، فمن المحتمل أيضاً أنك صرت حساساً لكل الحبوب الجلوتينية. وهذا يحدث في أغلب من يتم تشخيص حالاتهم بأنها المرض الجوفي حيث يمكن تحقيق أفضل النتائج بتجنب جميع مصادر الجلوتين. وإذا كنت تعرف أنك حساس للقمح، فقد يفضل أيضاً أن تتجنب حبوب العلس Spelt وهي نوع من القمح وإن كان أكثر بدائية منه. (ورغم أنه يحتوي على جلوتين أقل فلا زال من المحتمل أن يسبب بعض الحساسية). والحبوب التي تحتوي على الجلوتين (حيث يكون القمح هو المصدر الأكثر غنى به) موضحة بأسفل:


الحبوب المحتوية على الجلوتين الحبوب الخالية من الجلوتين
القمح

 

الجاودار

الشوفان

العلس

الشعير

الذرة

 

الأرز

الكينوا

الحنطة السوداء

دقيق الحمص أو العدس


وغالباً، كجزء من البرنامج العلاجي الهضمي يكون من الحكمة أن تستمر في اتباع نظام غذائي خالٍ من القمح ومقلل للجلوتين لمدى شهر كامل. ولحسن الحظ أن هناك كثيراً من الاختيارات الخالية من القمح والخالية من الجلوتين لتختار منها وتجدها لدى محال الأغذية الصحية ومحال السوبر ماركت في الوقت الحاضر، وهي:
•    أنواع من الخبز: خبز الجاودار، وخبز الذرة، وأقراص (كعكات) الأرز، وأقراص الشوفان.
•    أنواع من المكرونة: اسباجيتي الحنطة السوداء، ونودل السوبا (من الحنطة السوداء)، ونودل الأرز، ومكرونة الكينوا، ومكرونة الذرة، والبولنتا (من الذرة).
•    أغذية نشوية: كورن فليكس، ودقيق الشوفان، ودقيق الأرز، وفليكس الدخن.
مشكلة الفيتات
إذا لم تكن لديك حساسية للقمح أو الجلوتين وليست لديك مشكلة هضمية، فلا ضرر من أكل الحبوب. ففي الواقع إنها مصدر جيد للكربوهيدرات المعقدة والألياف وعناصر غذائية أخرى. ومع ذلك، فلو كان جزء كبير من غذائك يعتمد على الحبوب (مثل أنواع الخبز والأغذية النشوية والمكرونة والكعك والبسكويت… إلخ)، فمن المرجح أنك بهذا تأكل الكثير من الفيتات Phytates أو حمض الفيتيك. والغذاء الغني بالفيتات (التي تعتبر من المكونات الشائعة لأغذية نشوية مختلفة) يعوق امتصاص كثير من المعادن (مضادات التغذية) بما فيها الكالسيوم.
وقد أظهرت دراسة حديثة أن هذا النقص في الامتصاص قد يكون له تأثير كبير على كثافة العظام. فقد تم إلزام 14 مريضاً تم حديثاً تشخيص حالة إصابتهم بالمرض الجوفي بنظام غذائي خالٍ من الجلوتين. مما يعني أنهم حذفوا القمح والجاودار والشوفان والشعير من نظامهم الغذائي. وبعد 12 شهراً من الحد من الجلوتين تبين حدوث ارتفاع شامل في كثافة العظام بنسبة 5% في منطقة الفقرات القطنية وبنسبة 5% في الهيكل العظمي ككل. ومع ذلك، فقد تحقق لدى 11 من الـ 14 شخصاً الذين كانوا أشد التزاماً بالحد من الجلوتين زيادة أكبر في كثافة العظام؛ وكانت بنسبة 8.4% في الفقرات القطنية. وهذه الدراسة تظهر أن الإفراط في تناول الحبوب ليس أمراً جيداً لأي شخص.
بصفة عامة، لكي تتجنب هذه المشكلات:
•    لا تأكل القمح كل يوم، واختر الحبوب الخالية من الجلوتين أو قليلة الجلوتين بدلاً منه.
•    حينما تأكل الخبز، اختر الأرغفة الأثقل وزناً والأقل في محتواها من الجلوتين.
•    غير أنواع الحبوب التي تأكلها بالتبادل، فتناول الجاودار والشوفان والأرز والشعير والحنطة السوداء والكينوا والذرة.
•    اجعل كمية ما تتناوله من الحبوب لا تزيد عن ربع ما تتناوله من الطعام يومياً.
•    إذا كنت تعاني مشكلة هضمية أو مشكلة معوية التهابية، فتحرَ عما إذا كانت لديك حساسية للقمح أو للجلوتين.

المراجع

موقع طبيب

التصانيف

طبيب  العلوم التطبيقية  الطبي