في الأحوال الطبيعية يمكن أن تتحول الأطعمة الصحية إلى سموم (توكسينات) للجسم إذا لم يتم هضمها أو امتصاصها بشكل جيد. فلقد خلق الله أجسامنا على أساس أن نهضم طعامنا إلى أن يصبح جزيئات بسيطة يمكنها أن تمر بسهولة ويسر من خلال جدر القناة الهضمية (الأمعاء) حتى تصل إلى مجرى الدم. ولكن إذا لم يتمكن شخص ما من هضم طعامه بشكل جيد، أو إذا صار جدار الأمعاء متسرباً (أي راشح)، فإن الأطعمة غير المهضومة يمكن أن تدخل إلى الدم. وهناك من المرجح أن تنبه الخلايا المناعية الجوالة التي تعاملها على أنها من الغزاة الدخلاء، مما يثير حدوث تفاعل تحسسي. وهذه المعركة الدائرة تنتج عنها تركيبة من الكيميائيات التي تعتبر في حد ذاتها سامة وتحتاج إلى تطهير.
لذا، فإن سلامة تكوين جدر الأمعاء يعتبر أمراً مهماً وحاسماً لصحتنا، وتبذل أجسامنا قصارى جهدها لتحافظ على نفاذية جدر الأمعاء في حدودها السليمة، فلا تزيد أكثر مما يجب، وذلك في مواجهة “اعتداءات” شرسة تتعرض لها بصفة يومية. ومن المتعارف عليه اليوم أن هذه النفاذية permeability، وإن كانت معقدة بدرجة ملحوظة، إلا أنها هشة ضعيفة ومعرضة للتغيير، وذلك تبعاً لدرجة سلامة ومتانة جدر الأمعاء والمواد التي تتعرض لها. وزيادة هذه النفاذية بغض النظر عن كونها تعزز انتقال العناصر الغذائية، فإنها بكل أسف، تسمح بدخول السموم (التوكسينات) ودقائق الطعام التي لم يتم هضمها بعد مما يمكن أن يؤدي إلى عدد من المشكلات الصحية المصاحبة لتلك الحالة المرضية المسماة “متلازمة الأمعاء المتسربة (أو الراشحة)”.
الأعراض والحالات المرتبطة بمتلازمة الأمعاء المتسربة:
•    حب الشباب
•    عدوى فيروس الإيدز
•    الالتهاب المفصلي
•    (العظمي والروماتويدي)
•    التوحد (الأوتيزم)
•    فرط النشاط عند الأطفال
•    متلازمة الإعياء المزمن
•    الالتهاب الكبدي المزمن
•    الالتهاب البنكرياسي المزمن
•    المرض الجوفي
•    التليف التكيسي
•    الاكتئاب، والتقلبات المزاجية
•    الإسهال/الإمساك
•    الإكزيما
•    الإعياء
•    حالات الحساسية للأطعمة/للكيميائيات
•    مرض الأمعاء الملتهبة (مرض كرون، والتهاب القولون التقرحي)
•    متلازمة الأمعاء المتهيجة
•    الصدفية، والالتهاب الجلدي
•    الأرتيكاريا (الشرى)
•    العدوى الفيروسية أو البكتيرية أو الخميرية
إن بطانة القناة الهضمية هي بمثابة جلد معقد التكوين بدرجة ملحوظة، وتؤدي وظائف لا حصر لها؛ إذ تعمل على هضم الأطعمة، وامتصاصها، وتحريك الطعام في الاتجاه السليم، وتوفير الحماية المناعية… إلخ. وتقوم ثنياتها المبطنة بالخملات بمهمة قد تبدو في ظاهرها أنها متعارضة، وهي ليست كذلك، فهي تعمل كحاجز أمام السموم ودقائق الطعام الكبيرة (غير المهضومة) وفي نفس الوقت تعمل كبوابة انتقائية في اتجاه واحد لمرور العناصر الغذائية. وهذا التوازن الدقيق المحكم يواجه كل يوم مجموعة من السموم (التوكسينات) ومسببات الحساسية (الأليرجينات)، والتي لا تمثل خطراً على الجسم بشرط توافر عوامل الصحة المثلى للأغشية المخاطية للقناة الهضمية والسلامة لكل من النفاذية المعوية والمناعة ووظائف الكبد والكائنات المعوية. ولكن إذا تدهور أي من هذه العوامل، يمكن أن يؤدي هذا إلى تدهور الصحة.
ونظراً لأن درجة النفاذية الانتقائية العالية للأمعاء هذه تجعلها شديدة الحساسية والحرج إزاء العادات الغذائية السيئة وحالات عدم التوازن البكتيري، فقد خلق الله لها العديد من آليات الوقاية المعقدة.
فالعناصر الغذائية يتم نقلها عبر بطانة الأمعاء بأحد طريقين: إما من خلال الخلايا نفسها (نقل عبر خلوي)، وإما من خلال الثغرات الضيقة التي بين الخلايا (نقل بين خلوي) كما هو مبين في الشكل 13. فإذا أصيب أي من هاتين الآليتين أو كلتاهما بالضرر، فإن الأمعاء تتزايد درجة نفاذيتها (أي تسريبها أو ارتشاحها) باطراد، مما يسمح للمواد غير المرغوبة بالمرور عبر جدار الأمعاء. وتتوفر الحماية لجدار الأمعاء من قبل الإفرازات المعوية التي تتكون من عدة مواد من أهمها المخاط الواقي، والخلايا المناعية التي تعمل عمل قوة من رجال الشرطة الشرفاء، والأجسام المضادة الإفرازية من نوع IgA؛ وهي من الجلوبيولينات المناعية التي تعمل عمل المراقبين أو “الناضورجية” العاملين في المطاعم والنوادي الليلية! فكل جزيء من الـ IgA يمكنه تذكر ما يجب وما لا يجب مروره إلى الجسم. فإذا لمح أحد الدخلاء، فإنه يسرع بإطلاق صفارة إلى الخلايا المناعية لتقوم بدورها في التخلص منه. ولو انخفضت مستويات الـ IgA كثيراً لضاعت هذه الوقاية الطبيعية.
ما الذي يسبب زيادة النفاذية؟
يمكن أن تصبح القناة الهضمية متسربة لعدد من الأسباب. فإذا ضعف جهاز المناعة في شخص ما مع ما يتبع ذلك من انخفاض في مستويات الـ IgA الإفرازي (وهو عامل شائع في حالات التوتر طويل الأمد)، فهذا يمكن أن يمهد لهذه الحالة. ومهيجات بطانة الأمعاء هي الجلوتين الذي في القمح، والكحوليات، والقهوة، والشاي، وأطعمة أخرى كثيرة مثيرة للحساسية. وأي نقص في العناصر الغذائية التي تعمل على بناء الخلايا، مثل فيتامين أ، والزنك، والجلوتامين، والدهون الضرورية، يمكن أن يسبب ضعفاً في بنية جدار الأمعاء. كما أن فرط نمو وتكاثر البكتريا الضارة أو الفطريات المرضية مثل الكانديدا ألبيكانس أو أي طفيلي آخر يمكن أن يشجعها على مهاجمة جدار الأمعاء والتوغل فيه وتهييجه، والتسبب في زيادة نفاذيته. وحتى الانتفاخ (أو الامتلاء) البطني إما نتيجة لتراكم الغازات وإما بسبب الإفراط في الأكل، يمكن أن يفرض توتراً زائداً على جدار الأمعاء. وأخيراً، فإن المضادات الحيوية والأسبرين وغيره من العقاقير المضادة للالتهاب بصفة خاصة تسبب تلفاً للقناة الهضمية.
الأسباب الشائعة لمتلازمة الأمعاء المتسربة
•    الكحول
•    المضادات الحيوية
•    العقاقير المضادة للالتهاب (مثل الأسبرين)
•    العلاج الكيميائي/العلاج الإشعاعي
•    الديسبيوزيس (خلل التوازن البكتيري)
•    حالات الحساسية للأطعمة
•    أمراض الجهاز الهضمي
•    حالات العدوى (بكتريا، أو فيروسات، أو فطريات خميرية، أو طفيليات)
•    مرض الأمعاء الملتهبة
•    التوتر طويل الأمد
•    الغذاء قليل الألياف
•    حالات النقص الغذائي (مثل فيتامين أ، أو الزنك، أو الجلوتامين، أو الدهون الضرورية من الأوميجا 3، إلخ)
•    سوء الهضم
•    نقص الـ IgA الإفرازي
وكما رأينا، فإن زيادة النفاذية لا تزيد امتصاص العناصر الغذائية. بل إن هذا الامتصاص يحتمل أن يقل. إذ إن أنشطة تلك البطانة المعوية تقل بتأثير ما أصابها من تلف والتهاب. فإذا ما زادت نفاذية الأمعاء، فقد تبدأ دائرة مفرغة، في حين أن مرور السموم ودقائق الطعام غير المهضوم إلى الجسم يخلق ظروفاً قد تزيد الموقف سوءاً وتدهوراً وهي: زيادة العبء على الكبد، وسوء الامتصاص، وفرط الحساسية، والديسبيوزيس.
التسرب المعوي: عواقبه هي أسبابه!
مما يثير السخرية أو الأسف أن الكبد حينما يصير مثقلاً -بشكل متزايد- بعبء السموم، فإن الكيميائيات السامة يمكن أن يتم إخراجها عن طريق الصفراء، لتعود مرة أخرى إلى القناة الهضمية، ومن ثم تسبب المزيد من التلف المعوي، وهي أيضاً تمتص لتصل إلى الكبد مرة أخرى… وهكذا. كما أن الالتهاب الزائد للقناة الهضمية في الحقيقة يوقف قدرة الجسم على امتصاص العناصر الغذائية المعززة للصحة؛ والتي يحتاجها الكبد ويحتاجها الجسم لإنتاج الإنزيمات الهاضمة. إنها دائرة مفرغة حيث تخلق متلازمة الأمعاء المتسربة الظروف اللازمة لمزيد من تلك المتلازمة… وهكذا.
وتشكل الرابطة بين حالات الحساسية والأمعاء المتسربة موقفاً آخر من نوع “البيضة أولاً أم الدجاجة”، حيث يمكن أن يؤدي كل منهما إلى الأخرى. فحالات الحساسية قد تكشف عن نفسها بطرق شتى، وتشمل الإكزيما والإعياء… إلخ. ويفترض بعض العلماء أن حالات الحساسية للأطعمة تسهم في متلازمة الأمعاء المتسربة لدى مرضى الربو بسبب زيادة عبء الحساسية الذي يغلب جهاز المناعة المعوي. ويفترض دكتور ليو جالاند مؤلف كتاب Power of Healing أن الكيميائيات، مثل الهيستامين، التي تنطلق كرد فعل للأليرجينات تزيد النفاذية. وقد أظهر عدد من الدراسات أن الذين يعانون من حالات الحساسية لديهم زيادة في النفاذية حتى وهم في حالة صيام، وهذه الزيادة في النفاذية يمكن أن تتفاقم إذا أكلوا الأطعمة المسببة للحساسية.
والديسبيوزيس (اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء) هو أيضاً سبب محتمل وعاقبة في نفس الوقت لمتلازمة الأمعاء المتسربة. وقلة الحمض المعدي يمكن أن تسهم في ذلك، إذ إن هذا الحمض في الأحوال العادية يقضي على الكائنات الدقيقة التي يمكن أن تزيد ما يلحق بالقناة الهضمية من إتلاف. ويبدو أن زيادة النفاذية يمكن حتى أن تجعل جهاز المناعة المعوي يتفاعل بشكل زائد ضد البكتريا الطبيعية داخل الأمعاء فضلاً عن الكائنات المرضية، مما يزيد النفاذية أكثر وأكثر.
تقييم النفاذية المعوية
في ضوء الحقيقة القائلة إن الأمعاء المتسربة قد اتهمت بضلوعها في عديد من المشكلات الصحية، فإن استعادة حالة البطانة المعوية قد تكون عاملاً أساسياً في تحسين الصحة الهضمية. فإذا كان لديك أي من المشكلات الصحية والأعراض الموجودة في القائمة الواردة في بداية الموضوع والتي لم تستجب للعلاج، أو إذا كانت درجاتك عالية فيما يتعلق بقائمة الأسباب الشائعة السابق ذكرها، فالأمر يستحق أن تتحرى الأمر لتعرف إن كانت لديك زيادة في النفاذية المعوية.
وهناك اختبارات يمكنها أن تعطي دلالة واضحة عن درجة نفاذية (أو تسرب) بطانة الأمعاء. ويتم إجراء الاختبار بشرب كيميائيات معينة لا تهضم في جسم الإنسان، ثم تؤخذ عينة من البول لتعيين مدى سهولة مرورها خلال جدر الأمعاء. فالجزيئات الصغيرة (مثل المانيتول) تنتشر بسهولة خلال الخلايا، بينما لا تمر الجزيئات الأكبر حجماً (مثل ذلك السكر الثنائي المسمى باللكتيولوز) في الأحوال الطبيعية عبر جدر الأمعاء. لذا فإن المانيتول يمكن استخدامه لقياس الامتصاص من خلال الخلايا بينما يعمل المانيتول كعلامة تدل على سلامة الفراغات أو الثغرات التي بين الخلايا، والتي تحكمها ما يسمى “بالوصلات المحكمة”. وهكذا فإن اختبار النفاذية المعوية يشمل ابتلاع كميات معينة من هذين النوعين من الجزيئات في صورة محلول. ثم يجري فحص للبول الذي يجمع على مدى الساعات الست التالية للكشف عن مستويات المانيتول واللكتيولوز ويقارن بعينة سابقة على الاختبار.
ويظهر ارتفاع مستويات اللكتيولوز في عينة البول التي يتم جمعها أن هناك زيادة في النفاذية المعوية (أو التسرب المعوي) بينما تشير المستويات المنخفضة من المانيتول إلى وجود سوء امتصاص للعناصر الغذائية. ويستطيع أخصائي التغذية الإكلينيكية أن يرتب لإجراء هذا الاختبار وأن يقيم نتائجه.
علاج التسرب المعوي
يشمل علاج التسرب المعوي ثلاث خطوات:
1. التخلص من السبب.
2. تحسين الكائنات المعوية والوظائف المعوية.
3. إصلاح الأمعاء.
ولكي يتسنى التخلص من سبب التسرب المعوي يجب أن يتم اكتشافه أولاً. والعوامل التي يجب وضعها في الاعتبار هي: العقاقير (مثل الـ NSAIDs)، أو الكحوليات، أو الكافيين، أو الأطعمة المثيرة للحساسية، أو UFOs، أو فرط نمو الكانديدا، أو الديسبيوزيس. ولا يتوقع حدوث أي تحسن في الصحة المعوية في ظل استمرار تلك العوامل. وفي نفس الوقت، من الضروري أن تزود الأمعاء بمدد كافٍ من العناصر الغذائية اللازمة للصحة والتجديد مثل فيتامين أ، والزنك، والجلوتامين، والأحماض الدهنية الضرورية، ومضادات الأكسدة، وإن-أسيتيل جلوكوزامين، والألياف.
كما أن وجود البكتريا الصديقة بكميات كافية هو أمر مهم لسلامة الأمعاء وصيانتها. والمكملات من المنشطات للحيوية المحتوية على تشكيلة من البكتريا والتي تشمل الأنواع المختلفة من اللكتوباسيلس والبيفيدس يمكن أن تفيد في هذا الأمر، لاسيما حينما تعطى جنباً إلى جنب مع الـ FOS (أي الفركتو-أوليجوسكريات). ومن المهم ضمان الهضم الجيد: بدءاً من المضغ السليم وإنتاج كميات كافية من الحمض المعدي وحتى إنتاج كميات كافية من الإنزيمات الهاضمة. وكل من تلك المواد يمكن الحصول عليها في صورة مكملات. وفي نفس الوقت يجب أن تتجنب الأليرجينات المشتبه بها (وغالباً ما تكون هي القمح والجلوتين ومنتجات الألبان)، والسكر، والكربوهيدرات المكررة، والدهون المشبعة، واللحوم؛ وأن تحصل على وفرة من الماء والألياف والأطعمة الكاملة الغنية بالعناصر الغذائية.
 

المراجع

موقع طبيب

التصانيف

طبيب  العلوم التطبيقية  الطبي