02 مارس, 2011 - 27 ربيع الأول 1432هـ
خاص - هديُ الإسلام
 
عندما تذكُر اسمه لا يتبادر إلى ذهنك شيءٌ واحدٌ بل مجموعةٌ من الأشياء؛ فهو مُؤسَّسةُ متكاملةُ في مجال العمل الإسلاميِّ؛ فهو أولاً أحد رواد العمل الخيريِّ الإسلاميِّ، وهو أيضًا أحد روَّاد مدرسة التَّحديث والتَّجديد في مجال الفكر الإسلاميِّ، ودخل بأفكاره إلى العديد من المجالات المُهمَّة التي تُعتبر جزءًا من قضايا الإسلام خارج أرضه، مثل الإسلام والفضاء الاجتماعيِّ للإنسان، وكذلك أهمِّيَّة تطوير العلوم الإسلاميَّة، وكيفيَّة تطوير التعليم الدِّينيِّ، لكي يتواءم مع مُتطلَّبات العصر الحديث.
 
كما أنَّه من مُطالعة سيرته الذَّاتيَّة، يُدرك المرء أنَّه أمام تجربةً فريدةً من نوعها في مجال العلم والتَّأهيل الذَّاتي، تمامًا مثل علماء المسلمين الأوائل؛ فهو متخصِّصٌ في العلوم الإسلاميَّة، ولاسيما علوم القرآن الكريم والحديث النَّبويِّ الشَّريف، بالإضافة إلى أنَّه حاصلٌ على العديد من الدَّرجات العلميَّة في مجالات علم النَّفس والاجتماع والعلوم الإداريَّة.. إنَّه الشَّيخ الدُّكتور علي بن عمر بادحدح، الذي أصبح اسمه مرادفًا للتَّجديد والإصلاح في الفكر الإسلاميِّ في العقدَيْن الأخيرَيْن.
 
وُلِدَ شيخنا الجليل في الحادي عشر من يوليو من العام 1961م، الموافق الثَّامن والعشرين من شهر المحرَّم من العام 1381 للهجرة، في مدينة جدة السَّعوديَّة، وهو إمام وخطيب جامع سعيد بن جبير بجدة سابقًا، وجامع العموديِّ بحي الخالديَّة حاليًا، وعضو تدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ومشرف موقع "إسلاميَّات" الإلكترونيِّ الرَّائد.
 
تربَّى الدكتور بادحدح في أجواءٍ ساعدت على رسم شخصيَّته ونشاطه في مجال البر والعمل الخيريِّ والدَّعويِّ؛ حيث هو الابن الثَّالث لرجل البر والعمل الإسلاميِّ السَّعوديِّ المعروف الشَّيخ عمر بادحدح. الشَّيخ عليٌّ مُتزوجٌ وله سبعةٌ من الأبناء؛ ثلاثةٌ من الذُّكور، وهم: الحسن والحسين وحسَّان، وأربعةٌ من البنات، هنَّ: صفيَّة ولبنى ويُسرى وزلفى.
 
ومن خلال ما ناله من شهاداتٍ علميَّةٍ، فإنَّنا نجد أنفسنا أمام تجربةٍ فريدةٍ من نوعها لإحياء تجارُب علماء المسلمين القُدامى الذي كان الواحد منهم بمثابة "جامعةٍ كاملةٍ" من التَّخصُّصات؛ حيث كان منهم من تخصَّص في الأدب والفلسفة والفلك وعلوم الطَّبيعة والطِّب معها.
 
وفي هذا الإطار؛ درس الدُّكتور علي بادحدح في كُلِّيَّة الدَّعوة وأصول الدِّين- قسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى، وفي العام 1983م، حصل على درجة الماجستير من القسم الذي درس فيه، وحصل منه على درجة البكالوريوس، وكانت رسالته بعنوان "الإمام البغويُّ ومنهجه في شرح السُّنَّة"، وفي العام 1986م، نال درجة الدُّكتوراه من نفس القسم بتقدير امتيازٍ, وكانت رسالته بعنوان "الأحاديث الواقعة في كتاب الكشَّاف للزمخشريِّ من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة المائدة.. دراسة وتحقيق". 
 
بالإضافة إلى ذلك أُجيز الشيخ بادحدح في القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم بالسَّند المتصل في العام 1985م، كما نال دبلومة عُليا خاصَّة في مجال الهندسة النَّفسيَّة أو ما يُعْرَف بـال"NLP" في العام 1998م، ودبلومةً أخرى في مجال التَّخطيط واختبار قياس الكفاءات الإداريَّة.
 
وخلال عمله في جامعة الملك عبد العزيز وغيرها من الجامعات، قام بتدريس مختلف العلوم الإسلاميَّة تقريبًا؛ حيث قام بتدريس علوم القرآن الكريم، والتَّفسير، والحديث الشَّريف، وفقه العبادات، والسِّيرة النَّبويَّة الشَّريفة، والَّثقافة الإسلاميَّة، وغيرها من العلوم الإسلاميَّة.
 
إلا أنَّ أنشطته العلميَّة لم تتوقَّف عن حدِّ العلوم الشَّرعيَّة البحتة؛ حيث إنَّ له العديد من المشاركات في مجالات العلوم الاجتماعيَّة والإداريَّة؛ حيث حاضر في مجال الصِّحَّة النَّفسيَّة في مستشفى الملك فيصل التَّخصُّصيِّ بجدَّة، وأعطى العديد من الدورات أمام مركز النُّبلاء للتنمية الشَّاملة، ومركز جدَّة لتنمية الموارد البشريَّة في مجال الثَّقافة الإداريَّة، والرؤية الشَّرعيَّة للانضباط الإداريِّ، وكذلك دورات حول أخلاقيَّات المُعلِّم، وفي العلاقات العامَّة، والعمل التَّطوعيِّ، والسُّلوك الحضاريِّ للإنسان المسلم، وكيفيَّة معاملة الأطفال وتربيتهم.
 
كما اهتم بشكلٍ كبيرٍ في نشاطه الدَّعويِّ والعلميِّ بالشَّباب المسلم، وألقى في هذا الإطار مجموعةً من المحاضرات من خلال النَّدوة العالميَّة للشباب الإسلاميِّ عن الشَّباب المسلم ومشكلاته، وكيف يتعامل معها، كما نشط في قضايا الأُمَّة السِّياسيَّة؛ حيث لم يكن بعيدًا عن قضيَّة فلسطين في نشاطه العلميِّ خارج المملكة، وكان تناول للقضيَّة الفلسطينيَّة من خلال محاضراته المرئيَّة والمسموعة شاملاً؛ حيث تناول إسلاميَّة القضيَّة، والمقاومة وضروراتها لتحرير الأرض، والجوانب الشَّرعيَّة المختلفة لهذه المسألة.
 
وشملت أنشطته أنحاء العالم الواسعة؛ حيث زار الولايات المتحدة والصِّين والسويد، وألقى العديد من المحاضرات والدورات في مجال التَّواصُل الحضاريِّ، وإعداد الدُّعاة والخطباء ومُعلِّمي الُّلغة العربيَّة، سواءً من خلال جامعة الملك عبد العزيز أو النَّدوة العالميَّة للشَّباب الإسلاميِّ، أو من خلال المُؤسَّسات الإسلاميَّة في البلدان التي يزورها. 
 
ومن بين الكُتُب التي ألَّفها "المدخل لشرح السُّنَّة" و "فقه السُّجود" و "مُقوِّمات الدَّاعية النَّاجح"، وهو من أهم كُتُبِه، و "الحج حكم وأحكام" و "رمضان.. نفحاتٌ إيمانيَّةٌ" و "رمضان.. لفحاتٌ اجتماعيَّةٌ" و "الغنائم أيُّها النَّائم" و "روح الأرواح".
 
ومن بين أهم المهام التي يقوم بها في بلاده وفي العالم الإسلاميِّ والخارجيِّ، منصب الأمين العام لمشروع "سهم النُّور" الوقفيِّ، والأمين العام المساعد لمنظمة النُّصرة العالميَّة التي تأسَّست بعد زيادة وتيرة الهجوم على الرَّسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، كما أنَّه عضوٌ في مجلس إدارة مُؤسَّسة "مصحف أفريقيا"، ومقرُّها العاصمة السُّودانيَّة الخرطوم، وعضو مجلس إدارة الأكاديميَّة الأوروبيَّة للدِّراسات الإسلاميَّة بلندن، بالإضافة إلى عضويَّتِه في المجلس التَّأسيسيِّ للجامعة الأمريكيَّة المفتوحة.
 

المُجدِّد الوسطيُّ

ولعلَّ أبرز معالم مشروع الشيخ بادحدح العلميِّ هو فكره الوسطيِّ، والدَّاعي إلى التَّحديث والتَّجديد في مختلف المجالات أمام المسلمين، ويُعتبر في هذا السِّياق أحد تلاميذ الدَّاعية المُجدِّد الدُّكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالميِّ لعلماء المسلمين، والابن البار لمشروعه التَّجديديِّ التَّحديثيِّ.
 
ومن بين أهم معالم مشروع التَّجديد الحضاريِّ الذي يدعو إليه بادحدح، والتي استقيناها من خلال كتاباته وبرامجه على بعض الفضائيَّات، ومن بينها قناة "إقرأ":
 
أولاً: الوسطيَّة والاعتدال؛ حيث الإسلام دينٌ وسطيٌّ، ودينُ يسرٍ لا عُسرٍ، ولا يدعو إلى الغلو والتَّطرُّف. 
 
ثانيًا: التَّسامُح والابتعاد عن العنف والإرهاب؛ حيث الإسلام دينُ السَّماحة والدَّعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، مع قبول الآخر أيًّا كانت هويَّته الدِّينيَّة أو المذهبيَّة أو العرقيَّة.. قال تعالى:" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل: 125].
 
بل إنَّ الله تعالى دعا المسلمين إلى الصَّبر على الظُّلمِ أفضل من معاقبة ظالميهم؛ حيث قال - عزَّ وجلَّ - في محكم تنزيله:" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ " [النحل: 126 - 128].
 
ثالثًا: الجمع ما بين السَّلفيَّة والتَّجديد؛ بحيث لا ينفصل المسلم عن ثوابت دينه كما حددتها فترة البعثة النَّبويَّة وفترة الخلافة الرَّاشدة، وما تلاها حتى القرنَيْن الثَّالث والرَّابع الهجريَّيْن، ولا ينفصل في الوقت ذاته عن اسحقاقات العصر الحديث، وكيفيَّة استخدام أدواته في تطوير الدَّعوة الإسلاميَّة، وتحسين أوضاع المجتمعات المسلمة داخل وخارج ديار الإسلام.
 
رابعًا: ضرورة الاهتمام بالنَّشء والشَّباب، وتنميتهم على أُسسِ الإسلام الصَّحيحة؛ حتى تنشأ مجتمعاتٌ مسلمةٌ صحيحة تصعد السُّلَّم الحضاريِّ، وتستخدم كامل طاقاتها من أجل خدمة الإسلام، وتطبيق شريعة الله تعالى في الأرض، وتحقيق رسالة استخلاف الله - عزَّ وجلَّ - للإنسان في الأرض كما وردت في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة.
 
خامسًا: ضرورة الاهتمام بالعلم بمختلف صنوفه، الشَّرعيِّ والمدنيِّ الحديث؛ حيث لا نهضةً للأُمَّة إلا من خلال الجمع بين العلم الشرعيِّ والحديث في بوتقةٍ تعليميَّةٍ وعلميَّة واحدةٍ، ومن ثمَّ اهتم الشَّيخ بادحدح بالدَّعوة إلى تطوير التَّعليم، بمختلف ألوانه في المجتمعات المسلمة. 
 
سادسًا: الإيمان بقيمة الحوار الذي يُعطي طرفَيْه القيمة الحضاريَّة اللازمة، ويساعدهما على التَّفاعُل الإنسانيِّ بالشَّكل الذي حدده الله تعالى في كتابه الحكيم بكلمة "لتعارفوا"؛ حيث قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات: 13].
 
وفي النهاية نُشير إلى أنَّ الشَّيخ علي بادحدح من علماء المسلمين القلائل في العصر الحديث الذين استطاعوا - من خلال أنشطتهم المختلفة، العلميَّة والإعلاميَّة والأكاديميَّة - أنْ يحولوا جهودهم في مجال الدَّعوة والعمل الخيريِّ إلى طابعٍ مُؤسَّسيٍّ قائمٌ على أُسسٍ علميَّةٍ سليمةٍ تضمن لهذه الجهود الاستمرار والإثمار.

المراجع

موسوعة اسلاميات

التصانيف

عقيدة