بطل قصتنا شاب تونسي، عبد من عباد الله البسطاء، ولذلك سأسميه عبدالله للتدليل على أن كل منا يمكن أن يكون مكانه والنسج على منواله لووضع في نفس الاطار، يعيش عبدالله في مدينة سوسة وهذه لمن لا يعرفها تنعت بجوهرة الساحل بتونس، وهي جوهرة بحق على جميع المستويات، فما فيها يغني عن الوصف، المهم ولد معز وترعرع في سوسة وانقطع عن الدراسة في بداية شبابه والتحق للعمل بالميدان السياحي ومدينتة قبلة للسياح الأجانب والأروبيين خصوصا، وركبه هوس أغلب شباب المغرب العربي وهذا الهوس يتمثل في السفر الى أي بلد أروبي، وذلك لتحسين العيش أولا وللسياحة ثانيا، وهذا الهوس بلغ عند البعض مبلغا مشطا دفعهم للقيام برحلات بحرية مجنونة باتجاه ايطاليا أواسبانيا والدخول خلسة الى البلدين وتسوية الوضعية بعد ذلك والعشرات بل المئات دفعت حياتها مقابل ذلك غرقا في البحر، أوفي السجون الإيطالية والإسبانية.
 
صديقنا عبدالله لم يتبع نفس الطريق ولكن آثر تكوين علاقات مع الأجانب ومحاولة كسب ثقتهم ومساعدته في عملية الهجرة، لأن الدول الأروبية لا تعارض هجرة أحد إذا كان هنالك من يستقبله في البلد ويسوي وضعيته القانونية، وتمكن بطلنا في النهاية من ربط علاقة قوية مع كارلوالإيطالي وزوجته، ووصل الأمر الى صداقة حميمة تربط العائلتين، عائلة كارلووعائلة عبدالله ، وعندما اقترح عليه مساعدته في الهجرة الى ايطاليا لم يمانع بل ساعده في تكوين ملف الهجرة بأن زوده بعقد عمل مكنه دون طول انتظار من الحصول على التاشيرة وسافر أخيرا الى حيث كان صديقه الحميم كارلوفي انتظاره وبدأ صفحة ظنها سعيدة في بلد الطليان والمال والأعمال.
 
استقبل كارلوصديقه عبدالله بحفاوة بالغة صحبة زوجته، وأسكنه بيته معززا مكرما، ولم يمض وقت طويل حتى شاركه في عمله، وهوعمل ليس صعبا ولا شاقا على شاب نحيف مثله، كان عمله يتمثل في نقل طلبيات خاصة للزبائن عبر كل التراب الإيطالي، ومارس عمله باجتهاد وتفان خصوصا أن البضائع كانت من النوع الخفيف ولكن كارلواعلمه أنها خفيفة الوزن ولكنها باهضة الثمن جدا، لذلك حافظ على كل وديعة وكانه يحافظ على حياته، واستمر الحال لمدة سنة هكذا وتحسنت أحوال عبدالله المادية، بعدها أعلمه كارلوأن العمل الآن تحول الى الخارج وبالتحديد الى تايلندا ويجب السفر الى هذا البلد لأنه حول نشاطه الى هناك، وأبدى معز تمام الرضا والقبول فالعمل عمل ولقمة العيش تتطلب بعض التعب والتضحية، ولم يمض اسبوع الا وكانت كل أوراق السفر والحقائب جاهزة وأعلمه بكل حيثيات الرحلة ومن سيستقبله هناك.
 
فهو يجهل كل شيء عن تايلندا ولم يسمع بها الا في التلفزيون أوالجرائد، وتمت الرحلة بكل يسر واستقبله شخص باسم شركة كارلووأعلمه أنه في خدمته لحد الإطمئنان عليه في هذه الأرض الغريبة، وأركبه السيارة وأوصله الى بيت لاحظ بوضوح أنه في مكان خال من الناس وأماكن العمران المزدحمة، ولم تمض أيام قليلة حتى تجمع في البيت 19 شابا من سنه ومن جنسيات مختلفة، بعد مدة طالبوهم بأوراقهم وبجواز سفرهم لأغراض مهنية، ثم في يوم وفي الصباح الباكر، قدم وفد متكون من ثلاثة أفراد وعقدوا مع كل المجموعة اجتماعا هاما للعمل، وكان لقاءا ليس ككل اللقاءات، كان لقاء الوضوح التام حول هذا العمل الذي مارسه معز لمدة سنة وهوفرح به واحس من خلاله أن ابواب الجنة قد فتحت له، أعلمهم رئيس الوفد أن مهمتهم القادمة هي نقل كمية من المخدرات من تايلندا الى ايطاليا مباشرة، وكان هذا الإعلام كالصاعقة التي نزلت على عبدالله، الأمر اصبح خطيرا جدا ولدرجة لا تتطلب مزاحا وكل الأجواء كانت توحي بأن الأمر جديا، وأعلمهم الرئيس بأن الرفض يقابله شيء واحد ….
 
هوالقتل، فكل أوراق الهوية بحوزتهم ولا تسلم الا في آخر خطوة مطلوبة في المطار، وتأكد معز أنه لا بد من التنفيذ، فهومجهول تماما في هذه البلاد، وبلا اوراق وبالكاد تشاهد عربي هنا.
 
قضت المجموعة ثلاثة اسابيع في تدريب قاس على المهمة فالمهمة تتطلب حمل أربعة كيلوغرامات من المخدرات فوق البطن مباشرة والتدريب القاسي كان في ضرورة انقاص هذه البطن والتدرب على طريقة ادخالها حتى يكون هنالك تناسقا تاما للجسم رغم أنه يحمل 4 كلغ زائدة.
 
  جاء وقت التنفيذ وأعد كل شيء بمساعدة مختصين في الأمر وانتقلت القافلة الشبابية المحملة بالسموم الى المطار وقبل الوصول الى أعوان الجمارق، سلم معز جوازه وأوراق هويته ووصل الى أخطر 3 خطوات في المهمة برمتها، حيث سيمر أمام من يمكن أن يطالبه بالتفتيش، ووصل أخيرا أمام العون المكلف وكله اطمئنان لأن من سبقه من مجموعته تجاوز الأمر ببساطة شديدة، فكان عبدالله متماسكا رغم بعض الرهبة، بعد بعض الأسئلة الروتينية وبعض المجاملات وفي قمة اطمئنانه تغير كل شيء وبحزم غير مفهوم من بعض الأعوان الذين قدموا للتووأمروه بالتفضل معهم لغرفة التفتيش، وأحس أن وجهه المصفر زاد اصفرارا وأن رجلاه بالكاد تحملانه وأدخل عنوة للقاعة، مدشنا فصلا ثانيا من قصته التي أدعوكم لمتابعتها في بقية فصولها المثيرة والشبيهة بالخيال.

المراجع

alabkari.com

التصانيف

روايات  كتب   الآداب