داء المفاصل الرثياني arthritis rheumatoid مرض التهابي مزمن يتناول المفاصل الزليلية synovial joints وله أعراض خارج المفصلية extra-articular في الأجهزة. وهو مرض مجهول السبب يصنف ضمن أمراض المناعة الذاتية لوجود دلائل مخبرية وتشريحية على تفاعلات مناعية ذاتية. فعلامته المخبرية الرئيسة هي العامل الرثياني rheumatoid factor وهو ضد من نوع IgM لمادة طبيعية في الجسم هي IgG. يتصف بالتهاب مفاصل عديد ومتناظر ومُتَرَقٍ progressive. وتدل الصفة الأخيرة على استمرار زمني ينتهي بالتخريب. وهو أكثر التهابات المفاصل المزمنة انتشاراً إذ يصيب 1% من الناس. تترافق الهجمة الالتهابية بانصباب صفته التهابية (مختلف عن الانصباب اللاالتهابي في الداء التنكسي) يحوي نسبة عالية من الكريات البيض وخمائر حالة للبروتين شديدة الفتك في الغضروف. ويبدي الغشاء الزليلي تكاثراً proliferation في طبقاته وتتخذ خلاياه صفات التهابية مفرزة للسيتوكينات cytokines المناوئة للالتهاب فتُحدث جذباً كيماوياً chemotaxis للكريات البيض إلى الساحة المفصلية. وينتهي الأمر بعد مدة بالتآكلات erosions الغضروفية والعظمية. وفي مرحلة لاحقة يحدث القسط ankylosis وهو تحدد نهائي لحركة المفصل بشكل جزئي أو كامل بسبب التصاق السطوح المفصلية بعضها ببعض بنسيج ليفي ثم بنسيج عظمي. كما أن التآكل يتناول الأوتار المحيطة بالمفصل مما يسبب الخلع الجزئي في المفصل.
 
 
 
 
 

الأعراض:

تبدأ 85% من الحالات في سن الكهولة و15% قبل سن 16 حيث يعرّف بالداء الرثياني الشّبابي. نسبة إصابة النساء إلى الرجال 1 إلى 3. قد يبدأ بشكل حاد أو بشكل بطيء خفي وقد يتناول مفصلاً أو أكثر. لكنه يشمل مفاصل عديدة خلال أشهر عادة. أكثر المفاصل إصابة إحصائياً هي: المشطية السلامية لليد فالمعصم فالمفاصل بين السلامية الدانية. تليها المشطية السلامية للقدمين أو الركبتان وبعدها المفاصل الأخرى (الكاحل، المرفق، الكتف، الورك، الفكي الصدغي، بين السلامية القاصية، الأطلسي المحوري في الرقبة) (الشكل -2). يبدي المفصل علامات التهابية صريحة هي انتباج وحرارة موضعية وتحدد حركة وأحياناً احمرار خفيف. وتأخذ الأصابع المنتبجة شكلاً مغزلياً وصفياً (الصورة -1). ويشكو المريض تيبساً صباحياً يدوم أكثر من ساعة. سير المرض شديد الاختلاف وغير قابل للتنبؤ. فشدّة الهجمات ومدّتها لا تتبعان قاعدة سوى أن تكرار الهجمات في مفصل ما يؤول في النهاية إلى تخريب محتّم. وفي المفاصل الكبيرة ولاسيما الركبة، تُحدث الهجمة انصبابا التهابياً.
 
 
وهناك سمات خاصة للداء الرثياني الشبابي في بدايته. فقد يبدأ ويبقى بشكل قليل المفاصل oligoarticular أي أقل من أربعة مفاصل ملتهبة. كما أن له شكلاً حرارياً يدعى داء ستيل Still ترتفع الحرارة فيه إلى ما فوق 40 درجة مع طفح بقعي عابر rash evanescent معمم في الجلد وغير حاك.
 

المضاعفات المفصلية

 
تتبع درجة التخريب في الغضروف والعظم والأوتار. فيحدث تحت الخلع sub-luxation (الخلع الجزئي) في المعصم والمفاصل المشطية السلامية في اليد، مع انحراف زندي نموذجي. وإن التكاثر الالتهابي في المعصم قد يضغط على العصب المتوسط median nerve في نفق الرسغ محدثاً متلازمة نفق الرسغ carpal tunnel syndrome وقد ينتهي التهاب غمد الوتر بانقطاع تام في الوتر. ويحدث عدم ثبات في الركبة والكتف بتخريب الأوتار والأربطة. أما في القدم فتنخلع رؤوس الأمشاط للأسفل وتنحرف الأصابع للأعلى بشكل أصابع المطرقة hammer toes ويحدث الإبهام الأفحج ويزداد عرض القدم وتهبط قُبَّتها (القدم المسطحة المَرَضيّة). ومن المضاعفات المفصلية الخطيرة تحت الخلع بين الفقرتين الرقبيّتين الأولى والثانية فتنزلقان، وقد يضغط الناتئ السني odontoid على النخاع الشوكي مهدداً بشلل الأطراف الأربعة. وإصابة مفصل الورك أكثر شيوعاً لدى الأطفال وكثيراً ما يحدث القسط فيه مسبباً إعاقة شديدة.
 

الإصابات والمضاعفات خارج المفصلية

 
ـ العقيدات تحت الجلد subcutaneous nodules: هي عقيدات غير مؤلمة ترى في أماكن الاحتكاك والضغط كالسطح الباسط للذراع وخلف العقب وسرج الأنف (احتكاك النظارات). وهي ترافق الداء الرثياني شديد الوطأة، على أنها غير مؤذية.
 
ـ متلازمة فيلتي Felty: نادرة. تصيب النساء المصابات بالرثياني بعد سن الخمسين. ويضخم فيها الطحال وتنقص الكريات البيض.
 
ـ الإصابات القلبية: نادرة وأكثرها شيوعاً التهاب التامور. وقد يحدث التهاب في عضلة القلب أو في الشغاف.
 
ـ الإصابات الرئوية: نادرة. أكثرها شيوعاً التهاب الجنب. وقد يحدث تليف خلالي في الرئة أو عقيدات شبيهة بالعقيدات تحت الجلد. وأندر النادر التهاب الرئة الخلالي الخطير.
 
ـ متلازمة الجفاف Sicca أو متلازمة شوغرن Sjögren: شائعة في 15 إلى 25% من الداء الرثياني. فيقل إفراز الغدد الدمعية واللعابية مما يعرّض لأخماج فموية ومضاعفات عينية عديدة.
 
ـ الإصابات العينية: لدى الكهول يحدث التهاب ظاهر الصلبة episcleritis أو التهاب الصلبة scleritis وهو الأخطر على النظر. أما الأطفال فيصابون بالتهاب القميص الوعائي الأمامي المزمن للعين (العنبية) chronic anterior uveitis ولا ينتبه له لبدئه الخفي. لذلك لابد من فرض الفحص الدوري للعينين لدى الصغار.
 
ـ التهاب الأوعية vasculitis: وهو أخطر المضاعفات على الحياة. يحدث في إطار داء رثياني شديد مشوه مع إيجابية العامل الرثياني. تصاب الأوعية بأنواعها وتتبع الأعراض الوعاء المصاب. فترى تقرحات في الجلد وخاصة رؤوس الأصابع. وقد يصاب أي حشى بأوعيته (القلب أو الرئة أو الأمعاء). ومن الإصابات الخاصة التهاب الأوعية المغذية لعصب ما أو أكثر ويعرف ذلك بالتهاب العصب المفرد المتعدد mononeuritis multiplex. وهناك علامات مخبرية تنبئ بإنذار سيء في التهاب الأوعية الرثياني: ارتفاع شديد في الكريات البيض، وانخفاض المتممة، وإيجابية العامل المضاد للنوى antinuclear antbodies (ANA).
 
ـ الداء النشواني amyloidosis: هو اندخال الأنسجة بمادة نشوانية amyloid مما يعطل وظيفتها. والداء النشواني نوعان: أولي وثانوي. والثانوي يتبع الأخماج والالتهابات المزمنة كما في الرثياني. يحدث الداء النشواني بعد سنتين إلى 16 سنة من المرض. ويرتقب الموت لدى 50% من النشوانيين خلال 10 سنوات بقصور الكليتين أو الإصابة القلبية أو النزف الهضمي.
 

الفحوص المخبرية والشعاعية

 
ترتفع سرعة التثفل وغيرها من متفاعلات الطور الحاد دلالةً على الحالة الالتهابية. ويبقى تعداد الكريات البيض سوياً عدا في الشكل الحراري داء ستيل Still وفي التهاب الأوعية. ويحدث فقر دم متناسب مع فوعة المرض وقدمه. أما العامل الرثياني فيكون إيجابياً لدى 80% من الكبار و20% فقط من الصغار. ومن اللافت أن العامل المضاد للنوى ANA إيجابي لدى 20 إلى 70% من الصغار. ويبدي السائل الزليلي الصفات الالتهابية كارتفاع البيض وانخفاض السكر والمتممة فيه. أما خزعة الغشاء الزليلي فتبدي التهاب الزليلي التكاثري الزغابي النموذجي. أما الصور الشعاعية فتتدرج فيها العلامات المرضية من ترقق عظام جوار المفصل إلى انقراص المسافة المفصلية فالتآكلات الهامشية ثم غير الهامشية. وفي مراحل متأخرة ترى الخلوع والانحرافات ثم القسط العظمي.
 
إنذاره: يجب أن يُنظر في الداء الرثياني إلى الإنذار الوظيفي للمفاصل وإلى الإنذار الحياتي. فالإنذار المفصلي قاتم إذا أهمل العلاج وتحسَّن كثيراً في السنوات العشر الماضية بتحسن الرعاية الطبية. أما الإنذار الحياتي فيتبع أمرين: حدوث المضاعفات الجهازية ومجمل الرعاية الطبية. فمُرتقب حياة المريض الرثياني أقل بعشر سنوات من المعدل العام، وتحسُّن هذا الأمر منوط بالعناية الطبية المتكاملة.
 

المعالجة

 
لما كان سبب الداء الرثياني مجهولاً فالمعالجة النوعية غير ممكنة. إلا أن تقدماً ملموساً قد أحرز في السنوات الماضية في فهم الآليات الإمراضية لهذا الداء وسمح بتصميم علاجات ناجعة. أهداف العلاج إزالة العلامات الالتهابية لإراحة المريض والحفاظ على استقلاليته، ومنع عملية التخريب التي تهدد بالإعاقة الدائمة ومعالجة المضاعفات الجهازية بسرعة لخطرها على الحياة.
 
1- مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية Non-steroidal anti-inflammatory (NSAID) drugs: وهي تحقق الهدف الأول وتريح المريض بسرعة. إلا أنها لا تمنع التآكلات وما يليها من تخريب غير عكوس. وتدعى بأدوية الخط الأول أو الأدوية السريعة ولابد من إشراكها بالأدوية التالية.
 
2- معدلات سير المرض disease modifying anti-rheumatic drugs (DMARDS): أو أدوية الخط الثاني، أو الأدوية البطيئة: هي أدوية يُنتظر أن تمنع أو تقلل من حدوث التآكلات دون برهان قاطع، ويبدأ تأثيرها بعد تعاطيها المستمر بشهرين إلى ستة أشهر. وكل منها يعمل بشكل مختلف على أكثر من نقطة من سلسلة التفاعلات الالتهابية. ومعظمها يفيد أقل من 70% ممن يتناولونها. منها:
 
أ - أملاح الذهب: وهي تستخدم منذ ستين عاماً ونيفاً حقناً عضلياً، ثم صُمّم منها شكل يؤخذ عن طريق الفم بفائدة أقل. لها تأثيرات مثبطة على تكاثر الكريات البيض ووظائفها، وعلى المتممة، وعلى فاعلية خمائر الجسيمات الحالة، وعلى الخمائر الحالة للبروتينات. من أعراضها الجانبية: طفح جلدي حاك سليم قد يتطور إلى التهاب الجلد التوسفي الخطير، إصابة كلوية تحسسية تتراجع بإيقاف العلاج، تثبيط النقي بأحد عناصره الثلاثة وأخطرها فقر الدم اللامصنع وهو نادر.
 
ب - البنيسيلامين penicillamine: وهو من مشتقات حمض أميني هو السستئين cysteine. وهو ينقص تركيب الغلوبولينات المناعية immunoglobulins وتناثر الغلوبولينات الكبيرة macroglobulin depolymerization (ومنها العامل الرثياني) وينقص المعقدات المناعية الجوالة ويثبط بعض الخمائر الحالة للبروتين. ومن أعراضه الجانبية: طفح جلدي شبيه بالفقاع، رخاوة الجلد، زوال حس الذوق، آفات رئوية منها العكوس ومنها القاتل، آفات كلوية منها التهاب الكلية بالمعقدات المناعية وهي عكوسة ومنها متلازمة غود باستر Goodpasture الخطيرة وهي التهاب كبيبات الكلى مع نزف رئوي، تثبيط النقي بأحد عناصره الثلاثة، الذئبة الدوائية، الآفات العضلية المناعية.
 
ج - مضادات البرداء (الملاريا): هدروكسي الكلوروكين hydroxychloroquine والكلوروكين chloroquine تثبط وظيفة الدنا DNA فيبطؤ تكاثر الخلايا ويُثبَّط تركيب البروتين. كما أنها تثبط انقسام الخلايا وتحوّلها وانجذابها الكيمياوي. وهي من أسلم المركبات. من أعراضها الجانبية اعتلال عضلي سليم واضطرابات هضمية عابرة. أهم مشكلاتها اعتلال شبكية العين وهو مرتبط بالمقدار اليومي لا كما كان يعتقد بالمقدار التراكمي. لذلك يعطى فقط 4ملغ/كغ يومياً من الكلوروكين أو 5ملغ/كغ من هدروكسي الكلوروكين وتراقب العين كل ستة أشهر.
 
د - سلفاسلازين sulfasalazine وسالازوبيرين salazopyrine: ويستخدم في علاج التهاب القولون القرحي أيضاً. ويثبط إنزيم الأكسيجيناز الشحمية lipoxygenase في الكريات البيض ويقلل امتصاص واستقلاب الفولات. من أعراضه الجانبية التهاب الكبد والرئة، والتهاب الأوعية والذئبة الدوائية ونقص عناصر الدم والتهاب الجلد التوسفي.
 
3- مثبطات المناعة: تفيد في الداء الرثياني إذ يعد من أمراض المناعة الذاتية. منها:
 
أ - الميثوتريكسات (MTX) methotrexate: أصبح اليوم الخيار الأول الذي حل محل معدلات سير المرض DMARDS. وهو يثبط استقلاب حمض الفولي مما يثبط تركيب البيريميدين pyrimidine والدنا DNA الضرورية لتكاثر الخلايا المناعية. تبدو فائدة الميثوتريكسات خلال شهر وتتضح بعد 6 أشهر. وهو يقلل من التآكلات المفصلية. أهم أعراضه الجانبية السمية الكبدية وهي تابعة للمقدار الأسبوعي والتراكمي وتستدعي مراقبة الخمائر الكبدية باستمرار. كما يسبب اضطرابات هضمية عرضية وتثبيطاً لعناصر الدم وفقر الدم بعوز حمض الفولي. ومن أخطر العوارض التحسسية الارتشاحات الرئوية الخلالية مع تأذي الأسناخ.
 
ب - الآزاثيوبرين azathioprine: وهو مشتق من البورين ويثبط تركيب الأدنين adenine والغوانين guanine. يقلل التآكلات المفصلية بالاستعمال المديد. يحد من استعماله تثبيطه عناصر الدم وتأهيبه للخباث اللمفاوي وللأخماج ولاسيما بفيروسات الحلأ herpes.
 
ج - السايكلوفوسفاميد cyclophosphamide: وهو مادة سامة للخلية من مشتقات الخردل الآزوتي. يثبط كلتا المناعتين الخلوية والخلطية بشدة. وله أعراض جانبية شديدة كالأخماج والخباث والتهاب المثانة النزفي والعقم (وقد يكون عكوساً) وتثبيط النقي. ويقتصر استعماله على الحالات المهددة للحياة كالتهاب الأوعية.
 
د - الكلورامبوسيل chlorambucil: ينتمي إلى عائلة السابق. ويحد من استعماله العقم غير العكوس لدى الذكور. تكمن فائدته في التهاب القزحية العنيد وفي الداء النشواني.
 
4- المعالجات البيولوجية: هي مثبطات السيتوكينات cytokines ومعدلات المناعة immunomodulators وأهمها مضادات عامل النخر الورمي (TNF) tumor necrosis factor وما زالت تستعمل على نطاق ضيق بسبب ثمنها الباهظ. وأهم مشكلاتها الأخماج. وهناك مضادات الأنترلوكين-1 interleukin-1 كمركبات الأكسيندول oxindoles، ومادة السكلوسبورين cyclosporin التي تثبط الأنترلوكين-2 interleukin-2 وغيرها، ومادة لفلونوميد leflunomide المثبطة لتكاثر الخلايا البائية ولعدة أنترلوكينات. وهناك أضداد وحيدة الذرّية monoclonal antibodies نوعية ضد مستقبلات الأنترلوكين-1 interleukin-1 أو ضد CD-4 وهو من العلامات السطحية للخلايا التائية المساعدة وما تزال في حيز الأبحاث.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث