شبكة توزيع المياه water distribution network مجموعة كبيرة من الأنابيب المتشعبة، تبدأ عند طرفها العلوي (طرف المنبع) upstream من خزان تجميع المياه الرئيسي أو محطة التنقية، وتنتهي عند طرفها السفلي downstream بنقاط الاستهلاك التي هي وصلات خدمة المشتركين (المستهلكين) في حالة شبكات توزيع مياه المدن، أو المناهل الحقلية في حالة شبكات الري.
 
تتألف شبكة توزيع المياه في المدن عموماً من ثلاثة أنواع من الأنابيب وفق وظيفتها: خطوط النقل أو الجر transmission lines التي تنقل المياه من خزانات التجميع الرئيسية (أو محطة التنقية) إلى منظومة التوزيع، وأنابيب التوزيع الرئيسية distribution mains التي تنقل المياه عبر أنابيب النقل وتوزعها في أنحاء المدينة، وأنابيب الخدمة service pipes المتشعبة عن أنابيب التوزيع وتنقل المياه منها إلى مواقع الاستهلاك من مبان ومنشآت صناعية وغيرها.
 
لمحة تاريخية
 
إن تاريخ إمداد المياه وتوزيعها قديم قدم تاريخ الحضارة الإنسانية. فقد نشأت الحضارات المبكرة كلها على ضفاف الأنهار، كنهر الفرات ونهر دجلة ونهر النيل. كذلك نشأت منذ القدم وسائل لنقل المياه وتوزيعها لأغراض الإمداد بمياه الشرب ولأغراض الري. وعرف عن سكان بلاد الرافدين والمصريين القدماء قبل نحو 2000 عام من الميلاد، تنفيذ مشروعات لجر المياه وتوزيعها، وخاصة لأغراض الري، وإنشاء نظم من السدود والقنوات لتخزين مياه الفيضانات واستخدامها في مواسم الجفاف. أنشئت كذلك منذ القدم نواقل صناعية لنقل المياه إلى مناطق بعيدة عن مصادرها. ومازالت هناك بقايا منظومات قنوات مائية رائعة بناها الفينيقيون في سورية تتضمن أنفاقاً في الصخور ونواقل فوق الوديان. وقد زودت مدينة القدس بالمياه منذ أكثر  من 3000 عام بوساطة قناتين، يتجاوز طول أحداهما 30 كيلومتراً وتقطع وادي حنون فوق قناطر. وفي تدمر شبكة توزيع مياه في أنابيب من الفخار أو الحجارة المحفورة، وكذلك كان يجري توزيع المياه في دمشق القديمة في أقنية تدخل كل بيت من بيوتها وحماماتها.
 
ومنذ أكثر من 2000 عام، كان لمدينة روما نظام إمداد متطور بالمياه. وكانت المياه تجمع من مصادر عديدة في خزان كبير، ثم تنقل عبر قنوات أو نواقل تحت الضغط إلى خزانات توزيع، مُدّت فيها منظومة توزيع شاملة على الطرقات تتضمن سبلاناً (ج سبيل) fountains عديدة. وقد استخدم في بناء منظومة التوزيع ضمن المدينة نواقل ضغط مصنوعة من مواد مختلفة، وذلك وفقاً للضغوط التي توجب على النواقل تحملها. وكان الرصاص والغضار أكثر المواد شيوعاً، غير أنه استخدمت كذلك أنابيب من النحاس والبرونز والحجر المحفور أيضاً.
 
وينسب لمدينة بوسطن في ولاية ماساشوسيتس الأمريكية أول منظومة عامة مسجلة عام 1652 لتوزيع مياه الشرب. ومع حلول عام 1800 كان هناك فقط ست عشرة منظومة عامة لتوزيع المياه في الولايات المتحدة. وكان معظمها يقع في منطقة نيو إنغلند أو في المدن الكبيرة المحاذية للمحيط الأطلسي.
 
وظيفة شبكة توزيع المياه في المناطق الحضرية
 
تهدف شبكة توزيع المياه في المدينة إلى نقل المياه الصالحة للشرب من خزان التجميع أو محطة التنقية، وتوزيعها في أنحاء المدينة تحت ضغط كافٍ لاستخدامها في الأغراض المختلفة، كالاستعمالات المنزلية من شرب وطهو وغسيل واستحمام، أو الاستعمالات الصناعية أو مقاومة الحرائق. وتصمم شبكة الأنابيب بحيث توفر كميات كافية من  المياه في حالات الاستخدام الاعتيادية وفي الحالات الاستثنائية الطارئة، كحدوث حريق أو أكثر في المدينة، على سبيل المثال. كما يجب أن تحقق الشبكة متطلبات تقلبات الاستهلاك اليومية والموسمية. 
 
أنواع الشبكات
 
تصنف شبكات توزيع المياه وفق طريقة تخطيطها صنفين: شبكات شجرية tree network وشبكات حلقية loop network. ويكون لشبكات توزيع المياه الشجرية الشكل العام المبين في (الشكل 1)، وتتألف عادة من أنبوب جر رئيسي يخرج من خزان التجميع ويتناقص قطره كلما ابتعد عن الأصل، وتتفرع عنه أنابيب التوزيع التي تمتد في شوارع المدينة. ولا تشكل الأنابيب في هذا النوع من الشبكات فيما بينها أية حلقة مغلقة. والشبكات الشجرية نادرة الاستعمال في المناطق الحضرية على الرغم من كلفتها القليلة نسبياً، باستثناء بعض القرى الصغيرة، لما لها من مساوئ عديدة، وأهمها حرمان المدينة بأكملها من المياه عند حدوث كسر في أجزاء متقدمة من الشبكة، وكذلك وجود العديد من الأنابيب ذات النهايات الميتة، الأمر الذي يؤدي إلى ركود المياه فيها وتردي نوعيتها. وتستخدم الشبكات الشجرية على نطاق واسع في أعمال الري.
 
 
 
الشكل (1) شبكة مياه شجرية
 
 
 
أما الشبكات الحلقية (الشكل 2)، فتتألف عادة من أنابيب رئيسية تحيط بالمدينة، وتخترق شوارعها الكبيرة مشكلة فيما بينها حلقات مغلقة. تتشعب عن هذه الأنابيب أنابيب فرعية تمتد في شوارع المدينة الثانوية مشكلة أيضاً حلقات مغلقة. ويتميز هذا النوع من الشبكات من الشبكات الشجرية على الرغم من كلفته العالية نسبياً بأنه أكثر وثوقية، فهي توفر أضمن الطرائق لإمداد المدينة بالمياه دون توقف أو انقطاع.  
 
الحمل المطبق على الشبكة
 
يطلق على كمية المياه التي يتوجب على الشبكة توفيرها، تحت ضغط كاف عند نقطة ما من نقاط الاستهلاك، بالحمل المطبق على الشبكة عند هذه النقطة. وعند تصميم شبكة توزيع المياه في المدينة واختيار أقطار أنابيبها، يقدر الحمل المطبق على الشبكة وفقاً لطبيعة المستهلكين فيها وتوزعهم وعددهم. ففيما يتعلق بالاستعمالات المنزلية للشرب والغسيل والاستحمام وغيرها، يقدر الحمل المطبق على الشبكة عند نقطة الاستهلاك وفقاً لعدد الأفراد الواجب تخديمهم عند هذه النقطة، والاستهلاك الوسطي للفرد. ويراوح الاستهلاك الوسطي العالمي للفرد عادة في المناطق الحضرية من 75 إلى 300 لتر في اليوم، وذلك وفقاً للشروط المعيشية والبيئية للمستهلك. أما الاستعمالات التجارية والصناعية فتقدر وفقاً لطبيعة المنشأة المخدَّمة.
 
لا يبقى الحمل المطبق على الشبكة ثابتاً طول الوقت، وإنما يتقلب من ساعة إلى أخرى في اليوم، ومن يوم إلى آخر في الأسبوع، ومن شهر إلى آخر في السنة. وفيما يتصل بالاستعمالات المنزلية، تحدث ساعات الذروة في الصباح وفي وقت ما بعد الظهر، وقد تصل إلى ضعف الاستهلاك الوسطي اليومي، ويكون الاستهلاك في أدنى مستوى له عند منتصف الليل تقريباً. كذلك قد يزيد الاستهلاك في موسم الحر على الاستهلاك الوسطي بمقدار 20%. 
 
أنواع الأنابيب المستخدمة في شبكات توزيع المياه
 
تستخدم في شبكات توزيع المياه في المدن أنابيب مصنوعة من مواد مختلفة، كالحديد الزهر (الفونت) والحديد الصب والفولاذ والأسبستوس (الأمينت) والبلاستيك وغيرها. وتعد الأنابيب المصنعة من الفونت أكثر الأنابيب استعمالاً في شبكات توزيع المياه في المدن لمتانتها وطول مدة استعمالها. أما الأنابيب الفولاذية فتمتاز من غيرها من الأنابيب بسهولة النقل والتركيب وتحملها لضغوط داخلية عالية، غير أن مساوئها الرئيسية تكمن في عدم قدرتها على تحمل ضغوط خارجية كبيرة وضعف مقاومتها للتآكل بفعل التربة والماء. تصنع أنابيب الأسبستوس من الإسمنت البورتلاندي وألياف الأسبستوس، وتتميز بمقاومتها للتآكل ونعومة ملمسها وتحملها لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، وسهولة قطعها ووصلها. وعلى الرغم من القلق الذي أبدي مؤخراً من مخاطر استخدام الأسبستوس في أنظمة توزيع المياه العامة، فما زال هناك ما يزيد على مليوني كيلومتر من هذه الأنابيب مستخدماً في أنحاء عديدة من العالم. وقد انتشر مؤخراً في شبكات توزيع المياه في المدن استخدام الأنابيب البلاستيكية، ومنها الأنابيب المصنوعة من الـ (polyvinyl chloride PVC) والتي تتميز بسهولة تمديدها ورخص ثمنها مقارنة بالأنواع الأخرى من الأنابيب. غير أن أداءها على المدى البعيد ما زال غير مؤكد.    
 
الملحقات والتجهيزات التي تتضمنها شبكة توزيع المياه
 
تتضمن شبكات توزيع المياه في المدن، إضافة إلى الأنابيب، العديد من الملحقات، كالأكواع التي تركب على الأنابيب لدى تغيير اتجاهها، والتفريعات التي تركب على الأنابيب، ووصلات التمدد التي توفر للأنابيب حماية من عوامل التمدد والتقلص. كذلك تحتوي الشبكة على العديد من التجهيزات، كصمامات العزل التي تتحكم في سير المياه في الشبكة وقطع المياه عن المناطق التي يجرى إصلاحها، وصمامات عدم الرجوع التي تسمح بالجريان باتجاه واحد فقط، وصمامات الهواء التي تؤمن طرد الهواء المتجمع عند النقاط المرتفعة من الشبكة. وتوضع في الشبكة صمامات تخفيف الضغط التي تخفض الضغط في المواقع المنخفضة من الشبكة، فلا يشكل ارتفاع الضغط فيها خطراً على الأنابيب ووصلاتها، وصمامات الغسل التي توضع في المناطق المنخفضة من الشبكة لتفريغ الأنابيب وتنظيفها عند الحاجة، وفوهات الحريق التي توضع في الشبكة على مسافات معينة تحسباً لوقوع الحرائق، وعدادات المياه لقياس كمية المياه الجارية سواء في الأنابيب الرئيسية أو الفرعية أو عند الوصلات المنزلية للمستهلكين.
 
مبدأ حساب شبكات توزيع المياه
 
يقوم مبدأ حساب شبكات توزيع المياه (تحت حمل معين) على تطبيق معادلتين أساسيتين من معادلات علم ميكانيك السوائل، وهما معادلة الاستمرار المبنية على مبدأ انحفاظ الكتلة، ومعادلة الطاقة. ويكون ناتج حساب الشبكة مقدار الغزارة الجارية في كل أنبوب من أنابيبها ومقدار الضغط عند كل نقطة من نقاطها الرئيسية. ولما كان تطبيق معادلة الاستمرار عند كل نقطة رئيسية من نقاط الشبكة، وتطبيق معادلة الطاقة في كل أنبوب من أنابيبها سيؤدي إلى الحصول على عدد كبير جداً من المعادلات التي يتوجب حلها آنياً، فإنه يتعذر القيام بحساب شبكات الأنابيب يدوياً إلا للشبكات الصغيرة التي تتضمن عدداً قليلاً من الأنابيب. ولابد، من استخدام الحواسيب عند تصميم شبكات توزيع المياه الكبيرة. ويجب ألا يقتصر حساب شبكات توزيع المياه على الحالة الساكنة أو الستاتيكية فقط، وإنما يجب أن يتعداه ليشمل الحالة الديناميكية أيضاً، التي تدخل في حسابها تقلبات الاستهلاك اليومية، والشروط التشغيلية التي يمكن أن تطرأ في اليوم، كإقلاع المضخات وتوقفها، أو دخول مصادر جديدة في إمداد الشبكة بالمياه أو خروجها وغيرها.
 
وقد أصبح من الشائع مؤخراً دراسة المتغيرات النوعية للمياه في الشبكة، لا دراسة الكمية فقط. وتهدف دراسة نوعية المياه في الشبكة إلى تحديد تركيز كل عنصر من العناصر المنحلة في المياه في جميع أنحاء الشبكة، وتغير هذا التركيز بدلالة الزمن. كما تهدف إلى تحديد مواقع الشبكة التي تتغذى من كل مصدر مائي من مصادر تغذية الشبكة ونسبة تغذيتها من هذا المصدر. وكذلك حساب عمر المياه في مختلف أنحاء الشبكة للتعرف على مناطق الشبكة التي تبقى المياه فيها مدة طويلة (مياه راكدة) والتي يمكن أن تتردى فيها نوعيتها.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث