الدهون lipids هي المواد الدسمة المعتدلة والمركبات المشابهة لها التي تدخل في بنية الخلايا والأنسجة الحيوانية والنباتية. وتتصف بأنها مواد لا تنحل في الماء ولكنها تنحل في المُحِلاّت العضوية، مثل الغول والإتير والكلوروفورم والأسيتون وغيرها.
توجد هذه الدهون عموماً على شكل معقدات مع البروتينات، ويطلق عليها اسم الدهون البروتينية (الليبوبروتينات Lipoproteins) أو بشكل دهون احتياطية تتوضع عند الإنسان والحيوان في النسج الضامة تحت الجلد أو تحيط ببعض الأعضاء كالقلب والكلى.
تكون الدهون على شكل إسترات تختلف عن بعضها بالأغوال والحموض الدهنية الداخلة في تركيبها.
الدهون الطبيعية إما أن تكون حيوانية المنشأ مثل دهن الغنم والبقر، أو نباتية المنشأ مثل زبدة جوز الهند (الفيجيتالين) وزبدة الكاكاو (من بذور الكاكاو).
الأنواع الرئيسة للدهون
الغليسريدات الثلاثية fats: هي إسترات طبيعية المنشأ للغليسرين glycerin، وعلى الرغم من أن بعض إسترات الغليسرين التي يطلق عليها اسم الغليسريدات الثلاثية triglycerides تتشكل من حموض دسمة قصيرة السلسلة معروفة، مثل تري بيوترات الغليسرين الموجودة في دسم حليب البقر، فإن الشحوم الحيوانية والزيوت النباتية تحتوي عادة على عدد كبير من الغليسريدات المعقدة لحموض دسمة مشبعة وغير مشبعة طويلة السلسلة. أما الصيغة العامة للدهون فهي:
حيث R''', R'', R'، جذور الحموض الدسمة طويلة السلسلة fatty acids.
يعد الغليسرين المكوِّن الأساسي لجميع الدهون، أما الحموض الداخلة في بنيتها فهي متنوعة جداً وعرف منها 50 حمضاً تقريباً، وهي تمتاز بأنها غير متفرعة، وتحـوي عدداً زوجياً من ذرات الكربون يراوح ما بين 4-26 ذرة كربون، وأكثرها شيوعاً تلك التي تحوي على 16-18 ذرة، أهم هذه الحموض حمض النخل (البالمتيك C16) والشمع (الستياريك C18) وهما مشبعان، وحمض الزيت (الأولئيك) وحمض بذر الكتان (اللينوليك) وحمض بذور القنب (اللينولينيك) وهي غير مشبعة، ويبلغ عدد ذرات الكربون فيها 18، وتحتوي على رابطة مزدوجة واحدة واثنتين وثلاث على الترتيب، ويصادف بدرجة أقل حمض الغار (اللوريك C12) والميريستيك C14.
تشتق التسمية الشائعة للغليسريدات بإضافة اللاحقة (ين in) إلى اسم الجذر الحمضي وإضافة السابقة التي تشير إلى عدد الزمر الهدروكسيلية المؤسترة، فتدل التسمية أوليودي ستيارين إلى ثلاثي غليسريد يحوي بقية واحدة من حمض الزيت وبقيتين من حمض الشمع.
تتألف الشحوم الطبيعية المهمة حيوياً عادة من مزائج معقدة من غليسريدات يدخل في بنائها حموض دسمة متنوعة.
الخصائص الفيزيائية
الغليسريدات التي يدخل في بنائها الحموض الدسمة المشبعة ذات قوام صلب، وهي الدهون أو الـشحوم، أما تلك التي يدخل في بنائها الحموض الدسـمة غير المشبعة فتكون سـائلة ويطلق عليها اسـم الزيـوت[ر].
لا تنحل الدهون في الماء، ولكنها تنحل جيداً في المُحِلاّت العضوية. ويستخدم في توصيف الدهون خصائص فيزيائية أخرى منها.
1- قرينة التصبُّن: وهي عدد الميليغرامات من هدروكسيد البوتاسيوم اللازمة لتصبُّن مجموع الحموض العضوية الحرة والمرتبطة على شكل إسترات في غرام واحد من الدهن.
2- العدد اليودي: هو عدد غرامات اليود التي تنضم إلى 100 غرام من الدهن، فكلما كان العدد أعلى كان عدد الروابط المزدوجة في الدهن أعلى.
الخصائص الكيميائية
1- حلمهة الدهون hydrolysis أو تصبُّنها، وهي تجري بطرائق مختلفة:
آ ـ الحلمهة بفعل الهدروكسيدات القلوية (التصبن saponification): وتؤدي إلى الأملاح القلوية للحموض الدسمة طويلة السلسلة (الصابون) والغليسرين، حيث يقوم القلوي باستحلاب الدهون وتحويلها إلى قطيرات دقيقة، فيزداد سطح تماسها مع الماء.
هيدروكسيد قلوي + دهن ¬ غليسرين + صابون
ب ـ الحلمهة بوجود حفّازات غير قلوية، مثل الحموض السلفونية الرخيصة الثمن، وتكون منتجات الحلمهة الحموض الدسمة الحرة طويلة السلسلة والغليسرين.
ج ـ الحلمهة بفعل الخمائر، وتجري داخل الكائنات الحية بفعل أنزيم الليباز الموجود في العصارات الهاضمة في أمعاء الإنسان والحيوان، ويتم ذلك بسرعة وسهولة، وتمتص الدهون في الأمعاء على هيئة غليسرين وحموض دسمة حيث يكون الوسط فيها قلوياً.
2- هدرجة hydrogenation الدهون:
تتميز الدهون الصلبة من السائلة بكونها أسهل استخداماً في الغذاء، وللصابون الناتج منها خواص تقنية قيمة، وهي مقاومة للتـزنخ، أما السائلة فتتأكسد بسهولة عند الروابط المزدوجة في الحموض الداخلة في بنيتها.
تُهدرج الدهون السائلة بضم الهدروجين إلى بقية الحموض الدسمة غير المشبعة الداخلة في بنيتها، وذلك باستخدام حفّاز من مسحوق ناعم جداً من النيكل وعند درجة حرارة 175-190 درجة مئوية، وتحت ضغط أعلى قليلاً من الضغط الجوي.
تستخدم الزيوت المهدرجة في صناعة السمن النباتي أو المرغرين، بديل الزبدة، وذلك بمزجها مع الزبدة وأحياناً مع صفار البيض ومواد أخرى تعطي للمرغرين طعماً ورائحة مقبولين.
3- التزنخ:
تكتسب الدهون عند تعرضها لأكسجين الهواء والضوء والرطوبة في أثناء تخزينها طعماً ورائحة غير مقبولين، وتدعى هذه الظاهرة المرتبطة بأكسدة الدهون وحلمهتها بالتزنخ. تتأكسد الحموض الداخلة في بنية الدهون عند الروابط المزدوجة فيها، ويعتقد أن ما يحصل هو تشكل مركبات فوق أكسيدية عند هذه الروابط، تتحطم بدورها إلى ألدهيدات وحموض قصيرة السلسلة ذات روائح غير مستحبة.
اصطناع الدهون
اصطناع الدهون مكلف اقتصادياً، وهي متوافرة بكثرة في الطبيعة، ويمكن اصطناعها بطريقتين:
1ـ تسخين مزيج من الغليسرين والحموض الدهنية الطويلة السلسلة، ولهذه الطريقة أهمية تاريخية (بارتلو 1854).
2ـ معالجة ثلاثي بروم البروبان بأملاح الفضة للحموض الدسمة (C15H31COO Ag) وهي تعطي غليسيريدات ثلاثية متناظرة.
استخدام الدهون
تعد الدهون والبروتينات ومائيات الفحم (الكربوهيدرات) من أهم المواد الغذائية وهي تمدُّ الجسم بالطاقة، فاحتراق غرام واحد من الدهن يحرّر 9.4 كيلو حريرة kilo calorie واحتراق غرام من البروتينات يحرّر 4 كيلو حريرة في حين يحرّر احتراق غرام من الكربوهيدرات 4.2 كيلو حريرة.
وقد عرف العرب صناعة السمن (السمن العربي) وهو الزبدة المسليَّة، وحضَّروها بغلي الزبدة المشتقة من حليب الأغنام فتنصهر ويتجمع ماؤها في الأسفل، أما المواد البروتينية فتتخثر وتطفو على السطح فتكشط وتفصل كلما تجمعت ويبقى السمن.
تستخدم الدهون في صناعة الصابون والدهانات، إذ تمتاز الزيوت الجفوفة (زيتا الكتان والقطن) بقدرتها على التصلب معطية طبقة مرنة ومتينة، ويمكن تسريع عملية الجفاف باستخدام حفازات مثل أملاح الرصاص والمنغنيز، وتحدث عملية الجفاف نتيجة بلمرة الحموض غير المشبعة والمكونة للزيوت الجفوفة، وبفعل الأكسدة بأكسجين الهواء.
كما تستخدم بعض الدهون في المجال الصيدلاني لصناعة المراهم (دهن الخنزير) وفي عمليات التدليك (زيت عباد الشمس).
يستخدم الكثير من الزيوت في حل المواد الدوائية التي تنفذ تحت الجلد، ويستخدم زيت السَّمك داخلياً وخارجياً.
الدهون الغليسروفوسفاتيدية phosphoglycerides
وتشتق من إسترات حمض الفوسفاتيديك، وهي غليسريدات ثلاثية يحل فيها حمض الفوسفور محل أحد الحموض الدسمة، وعادة ما تكون الحموض الفوسفاتيدية الطبيعية من النوع ألفا مع جذور مختلفة غير مشبعة:
[[ملف:ناسا54.png|تعليق]]
وينتمي إلى هذا الصنف من الشحوم فوسفاتيديل الكولين (الليسيتين) وفوسفاتيديل الإيتانول أمين وفوسفاتيديل السيرين وهي من مشتقات السيفالين وتدخل في بنية الأنسجة العصبية، واستيال فوسفاتيد (بلاسمالوجين) وإينوزيتول الفوسفاتيد، من الفوسفاتيدات التي تسهم في تركيب الأنسجة المختلفة بشكل معقدات مع البروتينات.
السفينغوليبيدات (الدهون السفينغوزينية) sphingolipids
تلعب هذه الدهون دوراً بنيوياً هاماً في الجملة العصبية، وهي دهون مشتقة من السفينغوزين.
وينتمي إلى هذه الشحوم أسيل السفينغوزين (السيراميد) ومركبات السفينغوميلين التي تدخل في بنية الألياف العصبية، والسيريبروزيدات، وهي مركبات أسيل السفينغوزين، تدخل الوظيفة الغولية فيها في رابطة أوزيدية (الشحوم السكرية)، والغانغليوزيدات وهي سيريبروزيدات معقدة.
ليبيدات أخرى
هناك أنواع أخرى من الدهون ذات أهمية حيوية، ولكنها أقل انتشاراً منها:
1ـ الشموع (السيريدات): وهي إما أن تكون حيوانية أو نباتية، وتتكون بأسترة الحموض الدسمة الطويلة السلسلة بأغوال أحادية طويلة السلسلة. من الشموع الحيوانية شمع الحوت، ويحتوي على شمعات الستيديل، وشمع عسل النحل. ومن الشموع النباتية شمع كرنوبا الذي يتشكل على أوراق النخيل البرازيلي.
2ـ الإيتوليدات: وهي مركبات متعددة التكاثف، يتجاوز وزنها الجزيئي 2000، وتتكون بأسترة متبادلة بين حموض غولية ذات سلاسل طويلة مثل الحمض الجونيبيري.
3ـ الستيريدات: وهي أسترات تتكون بين الكولسترول والحموض الدسمة،مثل بالميتات الكولسترول.
فاروق قنديل
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث