الدورة الزراعية rotation des cultures هي نظام تعاقب المحاصيل الزراعية فوق قطعة محدودة من الأرض في مدة زمنية معينة، وتسمى الدورة الزراعية عموماً باسم محصولها الرئيسي، وتقدر مدتها بعدد السنين التي تمضي لحين إعادة زراعة المحصول الرئيسي مرة أخرى في القطعة نفسها من الأرض.
 
لمحة تاريخية
 
عرفت إيجابيات اتباع الدورة  الزراعية لدى المزارعين الأوائل الراغبين في معرفة تأثير زراعة المحصول نفسه عدة سنوات في الأرض نفسها، وتبادل الأنواع النباتية فيها، وضرورة إراحتها، أو تبويرها مدة محدودة من الزمن.
 
اتبعت في بادئ الأمر الدورة الزراعية الثنائية التي يبادل فيها المحصول النجيلي مع البور، وقد سادت هذه الدورة في الزراعة حتى نهاية القرن الثامن عشر، ثم ظهرت الدورة الثلاثية التي تتبادل فيها محاصيل الحبوب الخريفية (قمح أو شيلم أو خليط منهما) مع محاصيل الحبوب الربيعية (شعير أو شوفان) ومع البور في السنة الثالثة. وأسهمت الدورة الثلاثية في زيادة الإنتاج، والحد من المجاعة، وفي إتاحة فرص أفضل للمزارع في اختيار محاصيله، وتوزيع أعماله على مدار السنة.
 
وتغيرت نظرة المزارعين للدورة الثلاثية بعد أن عرفت أهمية البقوليات في تحسين خصوبة التربة، وإمكانية استبدال البور بمحصول البطاطا، أو محصول بقولي كالبرسيم. وظهرت بعدها دورات رباعية وخماسية، ومفاهيم جديدة مثل تعاقب الزروع assolement des cultures، وذلك بتقسيم الأرض المستثمرة إلى عدة قطع تتعاقب فيها الأنواع الرئيسية للمحاصيل وفق نظام الدورة الزراعية المعتمدة. وقد ساعد هذا المفهوم على إيجاد نوع من التوازن بين الإنتاجين النباتي والحيواني وذلك بتخصيص مساحات للرعي، وأخرى لزراعة الأعلاف، وعلى الإفادة من بقايا المحاصيل ومخلفات الحيوان لرفع سوية المادة العضوية في التربة، وهناك مفهوم النظم الزراعية systèmes des cultures التي يميز فيها بين نظام الزراعة الطبيعية (غابات ومراعٍ) ونظام يتدخل فيه الإنسان لمساعدة الطبيعة، وذلك بتحميل المحاصيل الزراعية  لعدة سنوات بين الأشجار، أو بزراعة محاصيل بعد حرق النباتات الطبيعية، ومن ثم يستعاد نظام الزراعة الطبيعية على الأرض نفسها.
 
وأُدخل حديثاً مفهوم النظام الاقتصادي أو الإنتاجي système de production الذي يصنف الأنظمة المزرعية بحسب رأس المال الموظف، أو بحسب المساحة المزروعة، أو بحسب المحصول الرئيسي ونوعيته.
 
الأسباب الداعية للدورة الزراعية وأهميتها
 
تحقق الدورة الزراعية التكامل بين الإنتاجين الحيواني والنباتي وتحافظ على توازن الوسط البيئي، وعلى بنية التربة وخصوبتها وخصائصها الفيزيائية والكيمياوية، فيزداد الإنتاج وتتحسن نوعيته. كما تحد من استخدام المبيدات الزراعية ومن أثرها المتبقي مما يساعد على الوصول إلى المنتج البيولوجي وجعل عملية الإنتاج أكثر ريعية واقتصادية. وتسهم عمليات الخدمة الزراعية المقدمة للمحاصيل في منع تكوين طبقات صماء في التربة بين طبقاتها المختلفة، وفي تحسين نفاذ الماء والهواء، وتأمين الاحتياجات الغذائية اللازمة والمتوازنة للمحاصيل المزروعة.
 
وتؤدي الدورة الزراعية دوراً مهماً في الحد من تعرية التربة، وإفقارها غذائياً، إذ تشكل جذور النباتات المختلفة غطاء واقياً ضد عوامل التعرية والانجراف. وقد تبيّن من التجارب على المحاصيل الحقلية أن عدم اتباع دورة زراعية أفقد التربة نحو 70% من مادتها العضوية بدلاً من 30% عند اتباعها. وللمادة العضوية دور مهم في تنشيط بعض الأحياء الدقيقة النافعة، وإنتاج الدبال [ر] الذي ازداد معدل تراكمه بنحو 50% عند اتباع الدورة بدلاً من 23% عند عدم اتباعها.
 
يؤدي إدخال البقوليات في الدورة الزراعية إلى زيادة محتوى التربة من العناصر الغذائية وخاصة الآزوت (نحو 75% عند إدخال محصول البرسيم فيها)، كما تعدل من قلوية التربة وتحد من تأثير الكلس، وتخفض درجة حموضته (pH).
 
تساعد الدورة الزراعية على خفض سوية المواد الفينولية والحد من آثارها السامة في التربة، وعلى مكافحة الأعشاب الضارة كالهالوك في حقول الفول، والشوفان في حقول القمح. وقد ساعد إدخال محصولي اللفت والبرسيم في الدورة على خفض عدد النباتات العشبية من 192 نباتاً/م2 إلى 43 نباتاً/م2. كما تساعد الدورة على الحد من انتشار الحشرات، مثل ثاقبات الذرة، وديدان القطن، والديدان الضارة على الشوندر السكري، وانتشار الأمراض مثل تفحم القمح، وذبول الكتان وغيرها.
 
الأهمية الاقتصادية لتعاقب الزروع
 
تساعد الدورة الزراعية على التخلص من احتمالات إخفاق زراعة المحصول الواحد، وتمنح مجالاً أوسع في تعامل هذا المحصول مع قوانين العرض والطلب، ومتطلبات السوق والمستهلكين. كما تساعد على توزيع العمالة على مدار السنة، وتخفيض الحاجة من العمالة الموسمية، والتنوع في مصادر دخلها. ويؤدي تبادل الأنواع وحسن تعاقبها إلى الحد من نمو الطفيليات المختلفة وانتشارها وتوظيف المال لمكافحتها. وتسهم المراعي والأعلاف عند إدخالها في الدورة في الحد من أضرار الآليات الزراعية وتأمين احتياج الإنتاج الحيواني منها.
 
وقد يضطر المزارع أحياناً إلى عدم اتباع الدورة الزراعية المناسبة عند زراعة محاصيل متحملة للملوحة أو للقلوية، أو التخلص من عشبة الهالوك، أو عند امتلاكه لقطعان من الماشية، وأحياناً لأسباب تتعلق بطبوغرافية الأرض، أو لحماية المحصول من السرقة.
 
أسس تطبيق الدورات الزراعية وأنواعها
 
عند تصميم الدورة الزراعية ينبغي اعتماد الأسس المهمة الآتية:
 
1 ـ تنويع المحاصيل بإدخال نباتات نجيلية وبقولية أو أي محصول يسهم في الحد من انتشار الأعشاب. ومن المفيد إضافة محصول علفي بغية تحقيق التكامل بين الإنتاجين النباتي والحيواني.
 
2 ـ تخصيص أكبر مساحة من الأرض للمحصول الرئيسي مع ضرورة المحافظة على خصوبة التربة وإنتاجيتها.
 
3 ـ ثبات المساحة المخصصة لكل محصول في سنوات الدورة.
 
4 ـ دراسة الآثار الناجمة عن المحصول السابق في المحصول اللاحق والتي قد تنشأ من البقايا السامة، أو المواد الضارة، أو نسـبة الكربون إلى الآزوت (C/N)، أو نسبة الرطوبة في التربة، أو من الأثر المتبقي للمبيدات الذي يُضعف نمو الكائنات الحية ونشاطها.
 
5 ـ توافق الدورة مع احتياجات السوق ومع الخطة الزراعية المعتمدة في المنطقة المحددة.
 
6 ـ السماح للمزارع بتوزيع العمل واستخدام التقانات الحديثة وإدخال محصول ريعي.
 
وتتنوع الدورات الزراعية وتختلف بحسب النظم الزراعية والخطة الزراعية، فثمة دورات للمحاصيل، وثانية للخضراوات، وثالثة للأشجار المثمرة، ودورات للمناطق البيئية المتباينة، ودورات ثنائية وثلاثية ورباعية وغيرها. ويمكن استعراض بعض الأمثلة للدورات الزراعية المتبعة في سورية:
 
ـ في مجال الزراعة الواسعة للمحاصيل الحقلية في مناطق الاستقرار الثانية البعلية: تسود الدورة الثنائية: شعير/شعير أو شعير/بور أو شعير/بيقية.
 
ـ وتسود الدورة الثنائية: قمح/عدس أو قمح/حمّص أو قمح/بقوليات علفية في المناطق التي يزيد الهطل المطري السنوي فيها على 300ملم.
 
ـ وتنتشر الدورة الثلاثية: قمح/بطيخ/عدس أو بيقية/قمح/بطيخ في المناطق التي يكون الهطل المطري السنوي فيها نحو 400ملم. والدورة عدس/قمح/عصفر أو عدس/قمح/عباد شمس أو حمّص/قمح/حبة البركة أو عدس/قمح/قطن في المناطق التي يراوح الهطل المطري السنوي فيها بين 400 و500ملم، أما في المناطق الأكثر استقراراً ويراوح الهطل المطري السنوي فيها بين 500 و800ملم فتتبع الدورة شوندر سكري/فول/قمح أو فول/قمح/سمسم وغيرها.
 
 وتتبع في المناطق المروية الدورات الآتية: قطن/قمح، أو قمح/ذرة/بقول، أو قمح ثم ذرة/شوندر سكري/بطاطا وغيرها.
 
ـ وتتبع في مجال زراعة الخضراوات الدورة الثنائية: بطاطا أبو بطيخ مع فول أو خيار مع فاصولياء/باذنجان، أو ملفوف مع خيار/شوندر مع بندورة أو زهرة مع كوسا/باذنجان مع جزر.
 
وتعتمد دورات زراعية محدودة في مجال زراعة الأشجار المثمرة المعمرة في الأرض نفسها بحسب مدة حياة كل نوع أو صنف من كل فصيلة شجرية وعلى التوالي وفق الآتي:
 
1 ـ اللوزيات. 2 ـ التفاحيات. 3 ـ الكرمة. 4 ـ الحمضيات. ومن الضروري جداً، عند المرور من فصيلة إلى أخرى، تبوير الأرض أو زراعتها بنباتات حولية بقولية لمدة فاصلة لا تقل عن 3 سنوات وبحسب الموقع وطبيعة التربة وبيئتهما.
 
ـ أما بالنسبة لإنتاج الفريز فيوصى بإدخال نباتاته في دورات زراعية سباعية أو ثمانية أو تساعية. وعلى سبيل المثال لدورة ثمانية:
 
السنة 1: بازلاء أو فاصولياء
 
السنة 2: ذرة أو شوندر
 
السنة 3: بطاطا مبكرة
 
السنوات 4 و5 و6 و7 و8: زراعة الفريز في أرض البطاطا بعد اقتلاعها ولمدة خمس سنوات لاحقة.
 
وما يتصل بالدورات الزراعية المتبعة إلزامياً في عدة حقول في مشاتل إكثار غراس الأشجار المثمرة، فيمكن إيجاز بعض أمثلتها في الجدول 1.
 
ويجب الانطلاق، في أثناء تحديد الدورة الزراعية في المشتل، من الخطة الموضوعة لإنتاج الكمية المطلوبة من الغراس، ومن الشروط البيئية، ومن النظام المقترح لتعاقب النباتات في المشتل. على ألا تعاد زراعة النوع المحدد في الحقل نفسه قبل مرور 2-3 سنوات في قسم الإكثار البذري، و4-5 سنوات في قسم التربية. أما في بساتين التكثيف الزراعي لإنتاج الفواكه فلا تتبع عادة أي دورة زراعية. وقد يضطر المزارع إلى تحميل بعض المحاصيل أو الخضراوات بين الأشجار المثمرة في البساتين التقليدية غير الكثيفة في بعض المناطق المروية وذلك في السنوات الثلاث الأولى فقط وبدءاً من تاريخ إنشاء البستان.
 
حامد كيا

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث