الزراعة المائية hydroponics هي زراعة النباتات من دون تربة عادية على سطوح مائية أو صلبة (حصوية أو رملية أو من البيرليت والفيرميكوليت وغيرها) لدعم الجذور والنباتات، وريّها بالمحاليل الغذائية اللازمة لنموها وإنتاجها.
لمحة تاريخية
تعود معرفة الزراعة المائية إلى ما قبل الميلاد، ولكن التطبيق العملي لاستخدامها بدأ في أوائل القرن العشرين (1929ـ1934) من قبل العالم الفرنسي نيكولا دي سوسور Nicolas de Saussure، بغية تحديد العناصر الضرورية لنمو النبات. ثم أجرى العالم غيريك Gerik في جامعة كاليفورنيا تجارب على استعمال المحاليل المغذية والمزارع المائية لإنتاج بعض محاصيل الخضراوات.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية، وتفشي الأمراض الناتجة من تغذية الجنود بخضر مسمدة بمخلفات بشرية، وتزايد الطلب على إنتاج الخضر الطازجة في المعسكرات التي تقع في مناطق لا تصلح تربتها للإنتاج الزراعي (بعض الجزر المعزولة والقاحلة في المحيطين الهادي والأطلسي). تطورت الزراعة المائية واتسع نطاق استخدامها وصارت موضوعاً لعلم قائم بذاته.
واليوم ينحصر الإنتاج الاقتصادي لمحاصيل الخضر في المزارع المائية في بعض دول أوربا الغربية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وتعد هولندا في مقدمة هذه الدول، إذ تزيد المساحة المشغولة بهذه المزارع على 3000هكتار. وتجري الأبحاث العلمية المتصلة بها في وحدات صغيرة منتشرة على نطاق ضيق في كثير من دول العالم.
أنواع المزارع المائية
تصنف هذه المزارع بحسب وجود المادة الصلبة المستخدمة في الزراعة المائية كما يأتي:
1ـ الزراعة المائية في أوساط صلبة تساعد على دعم نمو الجذور. يستخدم فيها الرمل أو الحصى، أو البيت ــ موس، أو الخث[ر] أو الفيرميكوليت، أو البيرليت، أو القش المضغوط، أو الصوف الصخري، أو قشور المخروطيات. تستخدم أيضاً خلطات مكوّنة من الخث أو بيت-موس ومواد أخرى مضافة إليها في مزارع الحلقات ring cultures ومزارع الأكياس bag cultures ومزارع الأعمدة column cultures والمزارع المعلّقة المدلاة sac cultures.
2ـ الزراعة المائية في المحاليل المغذية حيث تبقى جذور النباتات فيها محاطة على نحو مستمر بالمحلول المغذي وتثبت في مكانها بوسائل خاصة، وتشتمل على مزارع المحاليل المغذية nutrient solution cultures ، والمزارع المائية الهوائية aeroponics ، وعلى تقنية الغشاء المغذيnutrient film culture .
كما تصنف المزارع المائية بحسب استعمال المحلول المغذي، في الأنظمة الآتية:
1ـ مزارع النظام المفتوح open system: يستعمل فيها المحلول المغذي مرة واحدة فقط. وتضم جميع الزراعات المائية التي تستخدم مزارع الأوساط الصلبة لتثبيت الجذور ماعدا مزارع الحصى.
2ـ مزارع النظام المغلق closed system: يستعمل فيها المحلول المغذي عدة مرات، ويعدّل تركيز عناصره المغذية كلما دعت الضرورة، وتشتمل هذه المزارع على جميع الزراعات المائية خارج التربة وعلى مزارع الحصى.
خصائص الزراعة المائية وعيوبها
تتصف هذه الزراعة بما يأتي:
ـ تسريع نمو النباتات وزيادة مردودها والتبكير في النضج الثمري وتحسين النوعية، إضافة إلى استخدام أراضٍ لا تصلح للزراعة.
ـ عدم وجود مشكلات تتعلق بطبيعة التربة، وقوامها، أو عدم تجانسها.
ـ التحكم الدقيق في محتوى المحلول المستعمل من العناصر المغذية وتجنب تلوث مستوى الماء الأرضي بالمركبات الآزوتية خاصة.
ـ زيادة مدة تسويق المنتجات الزراعية.
ـ التوفير في نفقات التدفئة شتاءً، إذ يكون تسخين المحلول المغذي أسهل وأقل تكلفة من تدفئة جو الدفيئات وتربتها، بسبب تسرب الحرارة التي تفقد من المحلول المغذي إلى جو الدفيئات.
ـ توافر وسائل متعددة لمكافحة الأمراض يصعب تطبيقها في الترب العادية، كترشيح المحاليل المغذية للتخلص من مسببات الأمراض والملوحة، وتعقيمها بالأشعة فوق البنفسجية أو بالموجات فوق الصوتية، أو إضافة المبيدات أو الكائنات الحية المستعملة في المكافحة البيولوجية إلى هذه المحاليل.
ـ التأثير في النمو النباتي وتحسين القيمة الغذائية للخضر المنتجة، بإضافة مركبات معينة إلى المحلول المغذي، وبحسب مراحل نمو النباتات وتطورها، ولا حاجة إلى الحراثة ومكافحة الأعشاب الضارة.
يعاب على هذه الزراعة ارتفاع تكلفتها الإنشائية وزيادة تكلفة الإنتاج فيها، كما أنها لا تحوي كائنات مضادة أو منافسة للكائنات الدقيقة المسببة للأمراض، بخلاف ما هو في الترب الزراعية، علاوة على إمكانية انتقال عدد من الفيروسات إلى النباتات بوساطة المحاليل المغذية الملوثة.
تركيب المحاليل المغذية وشروط إعدادها
يجب أن يحتوي المحلول المغذي المستعمل في الزراعة المائية على العناصر الغذائية الأساسية والنادرة بنسب متوازنة وقابلة للامتصاص. ويختلف التركيب الكيمياوي للمحاليل، وتركيز عناصرها المغذية بحسب نوع المحصول المزروع والغرض من زراعته كما هو مبين في الجداول 1 و2 و3:
شروط إعداد المحاليل المغذية
تشتمل على نوعية الماء المستعمل وتركيز العناصر المختلفة، ودرجة الحموضة pH، ودرجة التوصيل الكهربائي EC والضغط التناضحي osmotic وغيرها.
1ـ نوعية الماء: يجب تحليل الماء المستعمل في تحضير المحلول المغذي لتحديد درجة حموضته ودرجة توصيله الكهربائي ومايحتويه من الأملاح. كما يجب أن يكون هذا الماء قليل الملوحة، ولا تزيد درجة توصيله الكهربائي على 750 ميكروموز أو 0.75 ملليموز/سم، وخفيف الحموضة (pH بين 6ـ6.5)، وألا تزيد كمية العناصر المعدنية في الليتر الواحد على 30مغ من الصوديوم Na، و 50 مغ من الكلور Cl، و10مغ من الأمونيوم NH4، و10مغ من الكلسيوم Ca، و1مغ من الحديد Fe، و0.5مغ من كل من البورون B والزنك Zn والمنغنيز Mn، و442مغ من البيكربونات HCO3.
يمكن استعمال مياه الشرب في تحضير المحاليل المغذية، أو مياه البحر بعد تحليتها، أو المياه الجوفية المتملحة، على ألا تزيد درجة توصيلها الكهربائي على 1500ميكروموز.
2ـ التركيز الكلي للأملاح الذائبة: يجب أن يراوح التركيز الكلي للأملاح في المحلول المغذي بين 1.2و2.2غ/ل، أي ما يعادل 1.5ـ2.5ملليموز/سم. ويتوقف هذا التركيز على درجة الحرارة السائدة. ويفضل أن يكون الضغط التناضحي (الاسخوري) للمحلول منخفضاً صيفاً (نحو 0.5ضغط جوي، أو ما يعادل 1غ/ل)، ومرتفعاً شتاءً (نحو 1 ضغط جوي أو ما يعادل 2غ/ل)، بسبب زيادة النتح صيفاً. ويقل عموماً الضغط التناضحي للمحلول في المناطق المدارية وشبه المدارية عنه في المناطق الباردة.
3ـ التركيز المناسب من مختلف العناصر في المحلول المغذي: يجب أن يحتوي المحلول المغذي على جميع العناصر الغذائية، بالتركيز المناسب للنمو النباتي، على أن تكون العناصر المغذية الكبرى في حالة توازن أيوني فيما بينها، على أساس أن مجموع نسب الأنيونات (الصواعد) anions (النترات والفوسفات والكبريتات وغيرها) يساوي مجموع نسب الكاتيونات (الهوابط) cations (البوتاسيوم والكلسيوم والمغنيزيوم وغيرها).
ويتأثر التركيز المناسب من العناصر الضرورية للنبات في المحلول المغذي بدرجة الحرارة السائدة وشدة الإضاءة، إذ تفضل زيادة تركيز الآزوت في الجو الحار في شروط الإضاءة القوية عنه في الجو البارد وفي شروط الإضاءة الضعيفة، كما تفضل زيادة تركيز البوتاسيوم في الجو الملبد بالغيوم ومضاعفته في حال استمراره مدة طويلة، كما يتأثر هذا التركيز بنوع المزرعة المائية، وطبيعة وسطها المستعمل (رمل، حصى، صوف صخري وغيرها)، وبنوع المحصول الزراعي (ثمري، ورقي، جذري)، وبمراحل النمو النباتي (بعد التشتيل، أو في أثناء النمو الخضري، أو في أثناء الإزهار، أو العقد وتكوين الثمار).
أنواع نباتات المزارع المائية وخصائصها الحيوية
1ـ المحاصيل الثمرية وأهمها:
ـ البندورة: نبات عشبي حولي، بطيء النمو، يزرع شتولاً. وتراوح درجة الحرارة المناسبة لنموه النباتي بين 25 و30 ْ م نهاراً و13 و15 ْم ليلاً. وحرارة الوسط الزراعي بين 20 و24 ْم. ورطوبة الهواء النسبية بحدود 06 ±5%.
ـ الفليفلة: نبات عشبي حولي، أكثر تحملاً للحرارة المنخفضة من البندورة في أثناء العقد، درجة الحرارة المناسبة لنموها بين 25و30 ْم نهاراً في الجو المشمس وبين 22و ْ42م في الجو الغائم وبين 16وº18م ليلاً، وحرارة الوسط الزراعي بين 20و24 ْم، ورطوبة الهواء النسبية بين 60و70%. نبات بطيء النمو، يزرع شتولاً، ويتوقف نموه وعقد ثماره في درجة حرارة جوية 10 ْم.
ـ الباذنجان: نبات المناطق الاستوائية الرطبة، ومن أكثر الخضر حساسية للبرودة. تراوح درجة الحرارة المناسبة لنموه النباتي بين 30و35 ْم نهاراً وبين 20و25 ْم ليلاً، وحرارة الوسط الزراعي بين 25 و26 ْم. يتوقف نموه في درجة حرارة تقل عن 20 ْم، ويضعف عقد ثماره في درجة حرارة تقل عن 15 ْم. حساس جداً لانخفاض الرطوبة الجوية (70ـ80%). يتحمل ارتفاع تركيز الأملاح في المحلول المغذي (5ـ8ملليموز/سم). بطيء النمو ويزرع شتولاً.
ـ الخيار: من نباتات المناطق الدافئة الرطبة. تراوح درجة الحرارة المناسبة لنموه النباتي بين 25و30 ْم نهاراً وبين 15و18 ْم ليلاً، وحرارة الوسط الزراعي بين 20 و24 ْم. حساس جداً للإضاءة الشديدة، ولتركيز الأملاح في المحلول المغذي (1ـ2 ملليموز/سم) والجو الجاف. يتطلب رطوبة جوية لا تقل عن 60%. يزرع بذوراً أو شتولاً، وهو سريع النمو مقارنة بغيره من الخضر الثمرية.
ـ الفريز: نبات معمر تتجدد زراعته سنوياً. يتكاثر تجارياً بالخلائف أو المدادات الزاحفة (طرود النمو الخضري) التي تستعمل في إنتاج الشتول. يناسب نموه الخضري وتكوين مداداته الجو الدافئ (20 ـ 25 ْم) والرطب (70ـ75%) والنهار الطويل (12ـ14ساعة)، في حين أن تكوين براعمه الزهرية تناسبه الحرارة المنخفضة (15ـ20 ْم) ويتطلب النهار القصير (أقل من 10ساعات). تناسبه درجة حرارة الوسط الزراعي التي تراوح بين 12و15 ْم. يلزم معظم أصنافه نهار قصير وحرارة منخفضة شتاءً حتى تتهيأ للإزهار. تستخدم في إنتاجه أنواع مختلفة من المزارع المائية منها: مزارع الأعمدة والمزارع المدلاة على العوارض ومزارع الأنابيب.
2 ـ المحاصيل الورقية وأهمها:
ـ الخس: نبات حولي، تجود زراعته في المناطق ذات المناخ الرطب (80 ـ85%) المعتدل نهاراً والمائل للبرودة ليلاً (10ـ-20 ْم). وفي شروط النهار القصير (10ـ12ساعة). بطيء النمو. يزرع شتولاً. حساس جداً لارتفاع تركيز الأملاح في المحلول المغذي (1ـ2 ملليموز/سم). تناسب زراعته المزارع الهوائية وفي الأنابيب، إذْ توفر أكبر مساحة ممكنة لإنتاجه في الدفيئات المحمية .
3 ـ أزهار القطف وأهمها:
ـ الورد: نبات شجيري معمر تتجدد زراعته سنوياً. تختلف أصنافه في متطلباتها الحرارية والغذائية. تعد درجة حرارة 16 ْم الأفضل للنمو النباتي. معظم أصنافه حساسة لارتفاع تركيز الأملاح في المحلول المغذي (2 ـ2.5ملليموز/سم) وحساسة أيضاً للرطوبة الجوية المرتفعة.
ـ القرنفل: نبات عشبي معمر. تتطلب أزهاره حرارة منخفضة ليلاً (10ـ13 ْم) وحرارة أعلى بنحو 3ـ5 درجات نهاراً مع مدة ضوئية طويلة. وإن تعرض النباتات في مرحلة تطور البراعم الزهرية إلى حرارة منخفضة (4ـ10 ْم) مدة أسبوعين أو أكثر، أو إلى تباين حراري كبير بين الليل والنهار يؤدي إلى انفجار كأس الزهرة وإنتاج أزهار مشوهةـ كما تتبع اليوم الزراعة المائية لبعض نباتات الصالون، وعلى نطاق ضيق، في بعض المشاتل الزراعية.
العوامل المؤثرة في الإنتاج
يتأثر الإنتاج في المزارع المائية بنوع المادة الصلبة المستعملة في تثبيت الجذور ودعمها، وبطبيعة الوسط المستعمل، (لاسيما في المزارع الصلبة للرمل، أو للحصى، أو الفيرماكوليت، أو البيرليت، أو الصوف الصخري وغيرها)، وبمدى توافر العناصر الضرورية اللازمة للنمو النباتي، وتركيزاتها المناسبة وبدرجة حرارة المحلول المغذي. إضافة إلى ضرورة توافر الأوكسجين الكافي لنمو الجذور في أثناء مدة الزراعة، كما يتأثر الإنتاج بالخصائص الحيوية لنوع المحصول، والتركيب الوراثي لصنفه، وبشروط الوسط الخارجي المناسبة للنمو النباتي، وخاصة درجة حرارة الهواء ورطوبته النسبية وشدة الإضاءة وطول المدة الضوئية.
الأهمية الاقتصادية والآفاق المستقبلية
لا يعد الإنتاج الزراعي في المزارع المائية اقتصادياً في المناطق التي تكون أراضيها صالحة للزراعة، ولابد من تحديد المحاصيل الزراعية الأكثر صلاحية واقتصاداً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج في هذه الزراعة، وتشير الدراسات المختلفة في هذا الإطار إلى أن نباتات البندورة والخيار والفليفلة والفريز والخس هي أكثر المحاصيل إنتاجاً في المزارع المائية.
وتنتشر اليوم في أنحاء عدة من العالم تقانة الغشاء المغذي أو تقانة المحلول المغذي المتدفق. وتعد هذه التقانة أقل تعقيداً وأرخص كلفة، ومن أنسب أنواع المزارع المائية للوطن العربي، وذلك بسبب ضرورة التوفير في المياه، وملاءمتها لكثير من المحاصيل، فضلاً عن إنتاجيتها المرتفعة وانخفاض تكلفتها، علاوة على سهولة التحكم في شروط بيئة نمو الجذور (درجة حرارة المحلول المغذي، ودرجة توصيله الكهربائي EC والتدفق المنتظم للمحلول المغذي) .
وتجدر الإشارة إلى أن التطور المتميز والسريع لتقانات الزراعة المائية سيؤدي إلى تزايد كبير في مزارعها في المستقبل القريب بسبب انخفاض التكلفة والبساطة وسهولة التشغيل.
متيادي بوراس
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث