تطبيقات تجفيد المواد الغذائية
يُطبق مبدأ تقانة التجفيد على المواد الغذائية عموماً بتحويل جزيئات الماء المجمدة فيها، في جو مفرّغ، إلى الحالة الغازية وطردها منها مباشرة من دون المرور بالحالة السائلة، أما المواد الغذائية السائلة فتحول إلى الحالة الجامدة بالتجميد ثم تجفف في جو مفرّغ لتحويل مائها إلى الحالة الغازية وخروج هذه المواد جافة، وتعد طريقة التجفيف بالتجميد المتبعة في خزن الكثير من المواد الغذائية من أحدث التقانات التي ظهرت مؤخراً على هذا المستوى منذ عام 1940، مثال صناعة تجفيف القهوة بتجميدها وتجفيف عصير الفواكه المختلفة وغيرها.
وتختلف هذه التقانة عن تقانتي التجميد أو التجفيف بما يلي: صغر حجم الفراغات المتكونة في المادة الغذائية وعدم حدوث تغير في نكهة المادة وفي قيمتها الغذائية ولونها، كما تبقى بمعزل عن الغبار والتلوث والحشرات والطيور والقوارض، وتتطلب مساحة صغيرة لاستيعاب المصنع وملحقاته، وتستخدم بنجاح تام في تجفيف اللحوم الطازجة والمطهوة، وتلائم جميع أنواع الأغذية، وتكون مدة الإماهة قصيرة وتامة، إلاّ أن تكاليفها تعادل أربعة أضعاف تكاليف الطرائق الأخرى، وتعد هذه الطريقة ذات مستقبل كبير، وأي تقدم تقني في هذا المجال يزيد من إمكانية تعميم استخدامها.
طرائق تجفيد المواد الغذائية
توجد طريقتان أساسيتان هما: التجفيد على دفعات والتجفيد المستمر، وفي كلتا الحالتين تنقل الأغذية على سطوح مسخنة داخل المجفف قي جو مفرّغ، حيث تعمل مضخة على التخلص من بخار الماء المتصاعد من الأغذية وفي غياب تيار الهواء (الشكل-3).
أ ـ التجفيد على دفعات: تتألف أجهزة هذه الطريقة من الأقسام الأربعة الآتية: قسم التجفيف، وقسم التجميد، وقسم التفريغ وقسم آليات التبريد. وتتم عملية التبخر بالطاقة الحرارية الناتجة عن تسخين كلور الايتلين الثلاثي، وتنظيم درجات حرارة مختلف الأقسام أتماتياً، وتكون الرفوف المعدنية في قسم التفريغ غير قابلة للصدأ وفيه أجهزة خاصة تعمل على دفع المواد الغذائية إلى داخل الجهاز العام وأخرى لنقلها إلى خارجه (الشكل-4) ويصمم قسم التجفيف حسب سمك طبقة المنتوج ومحتواه من الرطوبة ودرجة حرارة الهواء وسرعته واتجاهه. وينبغي أن تكون درجة الحرارة منخفضة (-43.4ْم) لتضمن استمرار تجمد المادة الغذائية عند تجفيفها في مدة تراوح بين 12ـ24 ساعة. ويمكن تسريع التجفيف باستعمال التسخين بالموجات الميكروية.
ب ـ التجفيد المستمر: تطبق في هذه الطريقة مجففات الأنفاق الأكثر استعمالاً، وتتكون عادة من إسطوانة ذات قطر واسع مجهزة بصفائح ذات أبعاد وبنية ثابتة. وتوضع المادة الغذائية في أطباق محملة على عربات خاصة تدخل النفق المفرّغ والمبرد، وتخرج منه مجففة تماماً، وتتم العمليات كلها أتماتياً. استعملت هذه الطريقة في تجفيف السوائل أولاً، ثم طورت لتستعمل في تجفيف اللحوم والأسماك والخضار والفاكهة والحليب والشاي والقهوة والبهارات ورب البندورة وغيرها، وسوف تصبح المنافس الأكبر لصناعة حفظ الأغذية بالتعليب أو بالتجميد و لصناعة التجفيف الصنعي أيضاً.
تحضير المنتجات الغذائية للتجفيد
أـ الخضار والفواكه الناضجة: يشتمل تحضير هذه المواد للتجفيد على المراحل الآتية:
1ـ استلام المادة الغذائية: يجب أن تكون المادة الغذائية في مرحلة النضج الكامل في الثمار، وأن تكون غضة طرية في الخضار، مطابقة للصنف نظيفة ومتجانسة الشكل والحجم واللون ومميزة بعطرها وطعمها وخالية من الخدش والكدم ومن الأوساخ والشوائب، معبأة في صناديق أو عبوات مناسبة لا تسبب لها خدوشاً وفيها فتحات جانبية للتهوية ومزودة بمقابض للحمل وقابلة للتنضيد، وأن يكون أساس محتوى المادة الغذائية من المواد الصلبة.
2ـ الغسل: ويتم غسل المادة الغذائية بالنقع الأولي في أحواض مغمورة بالماء لتطرية الأتربة العالقة بها، وقد يستعمل الماء الساخن لتسريع إزالة الأتربة والشوائب الأخرى عنها، ومن ثم تجري عملية الغسل في أحواض كبيرة واسعة بتعريض الثمار إلى تيار ماء قوي أو بدفع الهواء في الحوض أو بإرسال الماء بوساطة مضخة عبر شبك من السلك، أو باستعمال أسطوانة معدنية كبيرة ومجهزة بحلزون داخلي ناقل قابلة للدوران في حوض مائي يتم فيه تمرير الماء باستمرار أو على دفعات ويمكن أن تجري عملية الغسل كذلك بنقل الثمار بين عدة خزانات متتالية يحتوي الخزان الأول منها على محلول قلوي والثاني على الماء الساخن والثالث على الماء البارد. ومن الطرائق الأخرى المستعملة والمفضلة في غسل الثمار والخضار بالرذاذ بعد نقعها في الماء، وتعتمد كفاية الغسل على سرعة مرور المادة في الحوض وحجم الماء المستعمل ودرجة حرارته والمسافة الفاصلة بين المرذاذات والثمار وسمك الأخيرة.
3ـ العمليات التحضيرية الأخرى: فيما يتصل بالخضار تفرز الخضار بحسب الحجم والنضج والسلامة، ثم تقشر بحسب نوعها يدوياً أو بالاحتكاك بسطح خشن أو بالمحاليل القلوية الساخنة أو الكاوية، ثم تعادل بالحمض لتفادي الفقد بالحجم، أو تقشر بالبخار تحت ضغط مرتفع، أو بالآلات الحادة الميكانيكية قشطاً، وثم تجزأ إلى مكعبات أو شرائح أو شرائط أو حلقات في حالة الخضار الدرنية والجذور، أما الورقية منها فيتم تقطيعها حسب الطلب أو تترك على حجمها مثل رؤوس الملفوف الصغيرة (بروكولي) والجزر الصغير والأبصال المخللّة، وينبغي تجميد البازلاء بعد القطاف والتقشير مباشرة لكونها سريعة الذبول، وأما رؤوس الملفوف فيجب تجميدها في مدى بضع ساعات من قطافها، وأما البطاطا فيمكن تجميدها بعد عدة شهور من التخزين النظامي، وفي الأحوال كافة ينبغي إزالة حبيبات النشاء الناتجة من الخلايا المقطعة بالغسل للاحتفاظ بجودتها النهائية. وقد تسلق معظم الخضراوات المقطعة لتثبيط فاعلية الأنظيمات فيها لدى تعريضها للهواء، وتتم هذه العملية بالبخار أو الماء الساخن، ويفضل استخدام البخار لأنه يقلل من فقد المادة الصلبة، وتساعد هذه العملية أيضاً على تقليل مدة التجفيف وطرد الهواء من الفراغات البينية في الأنسجة وتأخير تغير الرائحة والنكهة وتقليل الفقد من الفيتامين ج و آ وتحسين قوام المادة الغذائية المجففة عند إعادتها إلى حالتها الأصلية، وتستغرق هذه العملية مدة دقيقتين إلى عشر دقائق في البخار، وينبغي عدم تبيض الأبصال والكرات، ذلك أن وجود بعض التأثير الأنظيمي فيها يساعد على الاحتفاظ الكامل بالرائحة والنكهة المميزة فيها، ويجري تبريد الخضار بعد السلق في الهواء الطلق لأن استخدام الماء البارد في التبريد يتطلب عملية إضافية لتصفية الماء من المادة الغذائية ولتسهيل خروج الرطوبة من المادة الغذائية المغطاة بطبقة شمعية تغمس ثمارها قي محلول كربونات الصوديوم أو هيدروكسيد الصوديوم تركيزه نحو 0.5٪ أو أقل، ودرجة حرارته200-210ْ فهرنايت، فتزول الطبقة الشمعية وتتشقق القشرة قليلاً، وقد تغمس مدة قصيرة في مستحلب زيت الزيتون ومحلول كربونات الصوديوم بقصد المحافظة على لون الثمار بإيقاف فاعلية أنظيم البيركسيداز.
وما يتصل بعملية الكبرتة فيمكن إجراؤها بوضع الخضار في محلول الكبريتيت أو برشها برذاذ محلول أوكسيد الكبريت SO2 تركيزه نحو 1000 -3000 جزء بالمليون حسب النوع والصنف، ويتوقف ذلك على درجة الحرارة ودرجة نضج المادة، وتفيد هذه العملية في الحصول على لون فاتح للبازلاء مثلاً والاحتفاظ بفيتامين ج وطرد الحشرات وقتل عدد كبير من الأحياء الدقيقة والتخزين في درجات حرارة عادية أو عالية من دون أن تتأثر المادة الغذائية.
أما ما يتصل بثمار الفاكهة التي ستخضع لعملية التجفيد فينبغي أن يكون محتواها من المادة الجافة مرتفعاً ومتميزة بلونها وطعمها ورائحتها، فتغسل ثمار التفاح والكمثرى بعد الفرز وتقشر ثم يستخرج القلب البذري منها، أما الثمار ذات النواة الصلبة كالمشمش والكرز والخوخ والدراق فتفلق وتفصل البذور عنها، ثم تقطع الثمار إلى مكعبات أو شرائح حسب المطلوب تسويقياً، وتغمس في محلول سلفات الصوديوم تركيزه نحو0.1٪ لتفادي التكون البني بفعل الخمائر قبل التجميد. وأما الفريز (الفراولة) وفاكهة الثمار الصغيرة مثل عنب الثعلب و«الفراميواز» فيجري فرزها ثم غسلها وتخليصها من ماء الغسيل وقد يتطلب الأمر في بعض الحالات أن تشقق الثمار سطحياً لزيادة سرعة تجفيفها، وأما عنب الريباس (عنب الثعلب الأسود) فيستحسن تجميده وثم قشط القشرة عن ثماره ثم تقطيعه حسب المطلوب. كما يمكن معاملة ثمار الكمثرى قبل تجميدها بمحلول فيتامين ج تركيزه 0.5٪ للحيلولة دون تلونها باللون البني الأنظيمي، وكذلك الأمر للموز، ويفضل استعمال محلول ثاني ميركابتو بينزول تيازول الصوديوم بتركيز0.25٪ في حالة تجفيد الموز والكمثرى.
أما ما يتصل بخطوات تحضير اللحوم والأسماك لتجفيدها فلابد قبل ذلك من فصل العظام والغضاريف وكذلك الأنسجة الدهنية عنها، ثم تقطع إلى مكعبات لا يتجاوز حجمها سنتمترات أو إلى شرائح رقيقة ثخانتها 10-15سم لتسهيل تبخر مائها عند إجراء التجفيد اللازم، ولدى تجفيد الأرانب والخنازير والعجول تستخدم مادة الأدرينالين حقناً في اللحم، إذ إنها تساعد على زيادة قدرة اللحم على الاحتفاظ بنسبة رطوبته.
ب ـ المواد السائلة: تتصف المواد السائلة بارتفاع نسبة الماء فيها بلا حدود، وتتحول إلى مساحيق قابلة للإماهة عند تخليصها من محتواها المائي. وتقسم هذه المواد إلى فئتين هما: المنتجات الطبيعية والمستخلصات، وتضم المنتجات الطبيعية الحليب (اللبن) وبياض البيض وصفاره وغيرها، وأما المستخلصات فتضم عصير الفواكه وشرابات القهوة والشاي وغيرها، ويختلف تركيزها وتركيبها اختلافاً كبيراً، فعلى سبيل المثال يكون محتوى عصير الفواكه من المواد الصلبة منخفضاً ومن السكريات المرجعة مرتفعاً على خلاف مستخلص القهوة.
وأما البيض فيكون التركيز فيه وسطياً والمحتوى الكاربوهيدراتي منخفضاً جداً وفي مستخلص الشاي يكون المحتوى العفصي مرتفعاً.
وتمر في أثناء تجفيدها بالمراحل نفسها التي تخضع لها الخضار والفواكه الناضجة.
الاستخدامات
تمكن هذه التقانة من خزن المواد الغذائية السريعة التلف مدة طويلة ومن دون فسادها، ويتم استخدامها في الوقت الحاضر في خزن المنتجات الغذائية المجفّدة من دون اتخاذ أي تدبير احتياطي لتغيرات درجات الحرارة المحيطة بالمادة وتداولها بأخفض وزن ممكن لها خلاف طريقة التجميد المفرط السريع surgelation للمادة الغذائية. وتحافظ هذه التقانة على نسب من الفيتامينات (آ، ب، ج) قريبة جداً لما هي في المادة الطازجة بعد مرور عدة شهور على خزنها. وتستخدم إما مباشرة على بعض الخضار وشرابات الثمار والقهوة والحليب والسوائل عموماً، وإما غير مباشر بعد تحضير المواد الغذائية بتقطيعها أو تقشيرها مثل الثمار الكبيرة الحجم واللحوم والأسماك، ويستحسن استخدام القطع القليلة الثخن والكبيرة السطح. ويمكن خزن بعض المواد الغذائية بهذه الطريقة خزناً جيداً مدة لامتناهية عملياً مثل عصير الفواكه والخضار والحليب والقهوة، أما الأنواع الأخرى مثل الأسماك الطازجة الغنية بالدهون فيمكن أن يسمر لونها بفعل الأنظيمات ولا يمكن خزنها مدة تزيد على 6-8 أشهر. كما يمكن بهذه التقنية المحافظة على سلامة المادة الطازجة ونوعيتها وصفاتها من حيث الطعم وفائدتها الغذائية كاملة.
وتعد هذه التقنية عملية ضرورية جداً في مجال الطب البيطري لأن الوسائل الوقائية والعلاجية أكثر أهمية ودقة وتنوعاً في هذا المجال منه في الطب البشري خاصة لتنوع الحيوانات التي يتم تلقيحها بلقاحات حية (بكتيريا أو فيروس) أو بالخلايا المنوية عند التلقيح الاصطناعي أو بلقاحات المناعة عند الحيوانات المختلفة.
هشام قطنا
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث