الكزاز tetanus مرض انسمامي حاد يتصف بتشنج عضلي معمم وفرط نشاط المنعكسات وضزز trismus (تشنج العضلات الماضغة) وتقوس الظهر. ويثير الضجيجُ والتنبيهُ الخفيفُ نوبات التشنج. وغالباً ما يحدث تشنّج في عضلات الجهاز التنفسي بما فيه المزمار. سبب هذا المرض ذيفان عصبي يفرزه جرثوم لا هوائي يدعى المطثية الكزازية clostridium tetani. تبدأ أعراض الكزاز بالظهور- في أغلب الحالات- بعد أسبوع إلى أسبوعين من تلوث جرح في البدن بالشكل المبوغ spori form للجرثوم.
العامل الخامج
هو المطثية الكزازية؛ وهي جرثومة لا هوائية مجبرة، عصوية الشكل، تتلوّن بالغرام gram لا محفظة لها، تشكّل بوغاً (بذيرة spore) في نهايتها مما يجعلها تأخذ شكل مضرب الطبل. توجد المطثيات في برازات أنواع حيوانية يأتي على رأسها روث البقر والخيل، ويندر أن تشاهد في البرازات البشرية. تتبوغ الجراثيم بعد طرحها، لتعيش في التربة سنوات عدة ولاسيما في الأماكن التي لا تتعرض للشمس، وتتصف بمقاومتها لعوامل عديدة. وقد توجد في غبار المنازل والمياه المالحة.
تفرز المطثية الكزازية ذيفانين toxins عصبيين؛ هما المشنج الكزازي tetanospasmin والحال الكزازي tetanolysin.
الحدوث
يحدث الكزاز في جميع أنحاء العالم، ويصيب جميع الأعمار والعروق، وترجح إصابة الذكور على الإناث بنسبة 5.2 إلى 1٪، ويساوي خطر إصابة الولدان إصابات الداء في الأعمار الأخرى. يحدث الخمج للذين لم يلقّحوا، أو تلقّوا تلقيحاً جزئياً.
تتصف المطثية الكزازية بأنها جرثوم غير مجتاح، ولا يحدث الكزاز إلا إذا انقلب البوغ إلى شكله المنتش العيوش؛ وفيه يأخذ بإفراز الذيفان. ويكون طريق دخول الأبواغ عادة جرح واخز أو جرح متهتك في أي من نواحي البدن. ويمكن أن يحدث الخمج بالكزاز بعد عملية جراحية أو حرق، أو التهاب الأذن الوسطى، أو أن يتلو خمجاً آخر أو عملية إجهاض غير عقيمة.
أكثر ما تشاهد المطثيات الكزازية في المناطق كثيفة السكان والأقاليم الحارة الرطبة والتربة الغنية بالمواد العضوية. تبلغ نسبة الوفيات 45٪. يكثر حدوث الكزاز عند الذين يتناولون المخدرات؛ وذلك بسبب خلط الهيرويين بالكينين الذي يخفض القدرة التأكسدية في منطقة الزرق مما ينشط نمو المطثيات الكزازية.
يحدث كزاز الوليد بسبب تلوث السرّة بالأربطة والضمادات غير العقيمة، أو بذرّ بعض المواد الملوثة عليها، كما يحدث في المناطق التي تفتقر لبرامج تمنيع الحوامل، وسوء الظروف الصحية التي تتم بها الولادة.
تعزى أعراض الكزاز وعلاماته إلى تأثيرات الذيفان العصبي المعروف بالمشنج الكزازي، الذي ينتشر على طول الأعصاب؛ ليصل إلى الجملة العصبية المركزية متجاوزاً المشابك النخاعية. وينشأ الصمل rigidity العضلي المعمم من وصول المنبه إلى الجملة العصبية المركزية. أما الذيفان الآخر وهو الذيفان الحال الكزازي؛ فدوره في المرض ضئيل، ولعل ما يحدث من تخرب نسجي موضعي في الجرح يعزى إلى تأثيره.
الأعراض السريرية
تظهر أعراض الكزاز وعلاماته بعد الإصابة بجرح ملوث بأسبوع إلى أسبوعين في 80٪ من الحالات، وقد تراوح هذه الفترة التي تعرف بفترة الحضانة بين 2-65 يوماً. تشتد الأعراض، ويسوء الإنذار كلما قصرت هذه الفترة حتى إن نسبة الوفاة قد تبلغ 100٪ إن اقتصرت فترة الحضانة على يومين أو ثلاثة أيام.
قد تبدو على المصاب في بعض الأحيان أعراض عامة، مثل الضجر والتململ وسرعة الاستثارة والصداع، ولكن الغالب أن يبدأ الداء على شكل ألم وتيبس يصيب الخدين أو البطن أو الظهر مع عسرة البلع. ومع ترقي الإصابة يحل الصمل محل التيبس. وغالباً ما يشتكي المصاب من صعوبة فتح الفم؛ ويعرف هذا بالضزز trismus، وهو أكثر تظاهرات الكزاز مشاهدة. ومع تقدم الإصابة يتعمم الصمل العضلي. ويؤدي تقلص عضلات الوجه إلى حدوث سحنة وصفية تعرف بالسحنة الساردونية risus sardonicus.
تحدث تشنجات انعكاسية سببها الزيادة المفاجئة في المنبهات المحيطية التي تزيد الصلابة، وتسبب تشنجات عضلية شديدة ومتتالية قد تنتهي بتقوّس الظهر. وربما توقف التنفس بتشنج الحنجرة أو تقلص العضلات التنفسية.
يكون وعي المريض طبيعياً في البدء، وربما ارتفعت درجة حرارته قليلاً، وعانى من تعرق شديد، واشتداد المنعكسات.
الكزاز داء مديد يستمرّ أسابيع عدة أو أشهراً عدة مما يؤثر في مقدرة المريض على التحمل، يتعرض المصاب في أثنائها لمضاعفات، مثل الخمج الرئوي الذي ينجم عن الارتشاف، وخشكريشات eschars الاضطجاع وتجرثم الدم. ويمكن أن يؤدي التشنج العضلي إلى كسور عظمية وتمزقات عضلية.
يصاب الوليد بالكزاز، ويعد سبباً رئيساً لوفيات الرضع في البلدان النامية. تحدث إصابة الوليد بين اليومين الثالث والعاشر بعد الولادة. وهو متعمّم الشكل، وأول علاماته صعوبة الرضاعة والبكاء الشديد. وسرعان ما يحدث الضزز، ويضطرب البلع. وقد يؤدي التنبيه إلى اتخاذ الرضيع وضعية وصفية (تقوّس الظهر وعطف الساعدين وقبض اليدين وبسط الساقين وعطف أصابع القدمين).
الوقاية
إن التلقيح وسيلة فعالة في الوقاية، وإن كماله - وخاصة في الإناث- يقضي على كزاز الوليد لانتقال الأضداد من الأم تامة التلقيح عبر المشيمة إلى الوليد.
يُلقّح جميع الأطفال بلقاح الكزاز ضمن مكونات اللقاح الثلاثي (الشاهوق «السعال الديكي» والخناق والكزاز). يشمل التلقيح ثلاث جرعات في السنة الأولى من العمر. تعطى الأولى منها في نهاية الشهر الثاني، والثانية في نهاية الشهر الثالث، والثالثة في نهاية الشهر الرابع. وتعزز المناعة بإعطاء جرعة داعمة بعد سنة من الجرعة الثالثة. كما تعزز المناعة بجرعة من ضمن اللقاح الثنائي (الخناق والكزاز) عند دخول المدرسة. وينصح ابتغاء اكتمال التمنيع إعطاء جرعة من لقاح الكزاز كل عشر سنوات.
ليس للتلقيح تأثيرات جانبية إلا فيما ندر، وتظهر خاصة بعد الجرعات الأولى. أما التأثيرات الجانبية للجرعات الداعمة فهي الوذمة والحمامى الموضعية والحمى.
يشغل تدبير الجروح ومعالجتها مكانة مهمة في الوقاية من الكزاز، ومن غير الضروري تطبيق المناعة المنفعلة (المصل أو الغلوبولين المناعي) لامرئ تمّ تلقيحه. ويشار بإعطاء جرعة داعمة إذا مضى على آخر جرعة خمس سنوات أو عشر كما يرى بعضهم. وينصح بإعطاء جرعة داعمة إلى من تلقى جرعتين من اللقاح إذا كان الجرح صغيراً ونظيفاً، أما إذا كانت الحالة المناعية للمصاب بالجرح غير معروفة أو أنه تلّقى زرقة واحدة فقط؛ فيعطى اللقاح مع تطبيق المناعة المنفعلة بالمصل أو الغلوبولين المناعي في الوقت نفسه على أن يزرقا في مكانين مختلفين.
يمكن تحقيق الوقاية من كزاز الوليد بتحسين برامج رعاية الأمومة، والظروف الصحية للولادة، ورفع نسبة تمنيع الإناث بالتلقيح ولاسيما الحوامل منهن. وتعطى الحامل غير الممنّعة جرعتين من اللقاح وفق ما يأتي:
الأولى في أبكر وقت من الحمل، تتلوها الثانية، بعد أربعة أسابيع، على أن تكون قبل أسبوعين من الولادة. أما الزرقة الثالثة فتعطى بعد 6-12 شهراً أي في الحمل التالي، وتعطى زرقتان أخريان تفصلهما سنة إذا كان من المتيسر حصول المرأة عليهما.
إن هذه الجرعات الخمس تقي الأنثى غير الممنّعة سابقاً في أثناء فترة إخصابها. أما الأنثى التي تلقت 3-4 جرعات في طفولتها؛ فتُعطى جرعتين من اللقاح في حملها الأول.
كما يجب تلقيح الناقه من الكزاز في فترة نقاهته؛ لأن الإصابة لا تؤدي إلى وقاية تامة.
المعالجة
تشمل معالجة الكزاز إجراءات عامة وتمريضية، وإعطاء أدوية، والتهيؤ لاحتمال تدخل جراحي، مثل خزع الرغامى.
يوضع المريض في غرفة هادئة معتمة، بعيدة عن الضجيج بوضعية تساعد على تصريف المفرزات التنفسية، ويتم تجنب الإجراءات التمريضية التي تنبه المريض، وتثير نوب التشنج. وتقتصر هذه الإجراءات على مراقبة العلامات الحياتية بانتظام. ويقلب المريض بتؤدة ولطف خشية حدوث خشكريشات الاضطجاع.
يعمد إلى تنظيف الجرح، واستخراج الأجسام الغريبة منه، ويعطى البنسلين للقضاء على المطثية الكزازية الموجودة في الجرح. وقد يعمد لإعطاء صادة أخرى إن كان الجرح كبيراً. يحقن الغلوبولين المناعي دفعة واحدة بغية تعديل الذيفان الجائل في الدم ومنع تثبته على الجملة العصبية.
يعمد إلى إرخاء العضلات بإعطاء مضادات التشنج والمهدئات؛ لأن في ذلك إنقاصاً لتأثير المنبهات، ولكن يجب ألا تؤذي مقادير هذه الأدوية وطرق إعطائها الوظيفة التنفسية. ويعد الديازيبام على رأس هذه الأدوية.
قد تستدعي بعض الحالات- التي تظهر فيها الأعراض التنفسية بفعل إصابة العضلات التنفسية والحنجرة بالتشنج- إجراء خزع الرغامى اتقاء الإصابة بالاختناق ولتسهيل مصّ المفرزات. كما يولى اهتمام لتغذية المريض إذ يجب أن تكون وريدية في البدء، ثم تقلب إلى التغذية بالأنبوب الأنفي المعدي عندما تتحسن حالته.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث