القنوت سنَّة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوتر والنازلة، وقد فعلها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ونقلها الصحابة عنه نقلاً لا يحتمل الشكَّ أو الإنكار، ولأننا مأمورون بالاقتداء برسول الله؛ قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))؛ متفق عليه؛ ولهذا لا بد من بيان سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت؛ ليقتدي بها من يريد الاقتداء به، فيتبع سنته، ويترك البدع والأهواء، ويبتعد عن الأقوال والآراء، فأقول: يظن الكثيرون أن القنوت واحد في الوتر والنازلة، والحق أن لكل واحد منهما آدابًا وأحكامًا، فهناك فرق بين الاثنين، وهدي نبوي يميز بينهما، وإليك البيان، القنوت في الوتر ثابتٌ عن الرسول الكريم يقينًا، ودعاء القنوت خاص به، كما جاء عن الحسن بن على - رضي الله عنهما - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أخبرني الحسن بن علي - رضي الله عنه - قال: علَّمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاء القنوت في الوتر: ((اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافِنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن تولَّيت، وبارِكْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يَذِلُّ مَن واليت، تباركت وتعاليت))؛ المعجم الكبير للطبراني، ولكن لم يكن مِن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - المداومة على القنوت في الوتر، فكان يقنت أحيانًا: "قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: إنه يقنت أحيانًا، قال: وإنما قلت: إنه يقنُتُ أحيانًا؛ لأنه لم يأتِ القنوت إلا عن أبي بن كعب، ولم يأتِ عن أحد من الصحابة، ولو أنه كان يداوم على ذلك، لجاء ذِكره عن الصحابة، أو عن بعض الصحابة، فكونه جاء عن أُبيٍّ وحده يدلُّ على أنه لم تكن هناك مداومة عليه، وأنه كان يترك في بعض الأحيان، وثبت رفعُ اليدين عن بعض الصحابة، فذكر البخاري في جزء رفع اليدين من طريق أبي عثمان، قال: كان عمر يرفع يديه في القنوت، وقال الألباني في إرواء الغليل: "ورفع اليدين في قنوت النازلة ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ... وثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر"، وقال الألباني: "ولا بأسَ مِن جعلِ القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان؛ لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر - رضي الله عنه - فقد جاء في آخرِ حديث عبدالرحمن بن عبد القارئ: "وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتِلِ الكفرةَ الذين يصدون عن سبيلِك، ويكذِّبون رسلَك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالِفْ بين كلمتِهم، وألقِ في قلوبهم الرعبَ، وألق عليهم رِجْزَك وعذابَك إلهَ الحق، ثم يصلي على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين، قال: وكان يقول إذا فرَغ من لعنه الكفرةَ وصلاتِه على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبُد ولك نصلِّي ونسجُد، وإليك نسعى ونحفِد، ونرجو رحمتَك ربنا، ونخاف عذابَك الجِد، إن عذابَك لمن عاديت ملحق، ثم يكبِّرُ ويهوي ساجدًا"؛ قيام رمضان للألباني، وكان يجعل القنوتَ قبل الركوع؛ كما جاء في الحديث عن أبيِّ بن كعب، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر فيقنُتُ قبل الركوع؛ سنن ابن ماجه، وكان لا يزيدُ على دعاء القنوت الذي علَّمه للحسن - رضي الله عنه - ولهذا فالزيادةُ التي يفعلها الكثير من الناس في دعاء القنوت بدعةٌ منكرة، لم يفعلها الرسولُ الكريم ولا أحد من الصحابة الكرام، ومن العجيب أن أحدهم يزيد على الدعاء زيادة فاحشة جدًّا، فيجعل الدعاء البدعي أطول من الدعاء الثابت بالسنَّة، بل وبعضهم يجعله أطولَ من صلاة الوتر كلها، وبعض الجهلاء يبالغ في الإطالةِ بحجة شدِّ الناس وكسبهم، فيجعَل الدعاءَ أطول من صلاة القيام كلها، وهذا أمر منكَرٌ وبدعة فاحشة، فمن لم يتَّعظ بالقرآن والسنَّة، فلا يمكن أن يتعظ بغيرهما، ولا يستغرب أحد من هذا، فقد صلينا خلف أئمة يقيمون كل ركعتين بسورة قصيرة، فأحدهم صلى ركعتين بسورة الإخلاص وحدها، وأما قنوت النازلة فهو دعاء عام، ويقام عند وقوع المصائب على المسلمين، ويكون في جميع الصلوات المفروضة، ولا يخصص بصلاة دون غيرها، وترفع فيه الأيدي، كما في حديث أنس: "فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الغداة رفع يديه، فدعا عليهم، وفي رواية: "يدعو عليهم"؛ أخرجه أحمد، وقد ثبتت مشروعية دعاء النازلة من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون محله بعد الركوع، كما جاء في الحديث الشريف: "فقنَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرًا يدعو عليهم"، والسنَّة أن يدعو الإمام، ويؤمِّن من خلفه، كما ثبت في الحديث: "قنَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح إذا قال: سمِع اللهُ لمن حمده، مِن الركعة الآخرة يدعو على أحياءٍ من بني سليم: على رِعْلٍ وذكوانَ وعصيَّةَ، ويؤمِّن من خلفه"؛ مشكاة المصابيح، علمًا أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعده في الوتر والنازلة، ولكن السنَّة كما ذكرنا في التفصيل السابق، ومن تمام الفائدة: فمن السنة رفعُ اليد عند الدعاء إلا في مواطن العبادات التي لم يثبت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رفع اليد فيها؛ كرفع اليد بعد الصلاة عند الدعاء، وعندما يدعو الخطيب وهو على المنبر يوم الجمعة، وكذلك لا يرفع الخطيب يديه، وإنما يشير بإصبعه السبابة، كما ثبت عن النبي الكريم: وعن عمارة بن رويبة: أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه، فقال: قبَّح الله هاتين اليدين، لقد رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يزيد على أن يقولَ بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبِّحة؛ رواه مسلم؛ لأن العبادات توقيفية، وتُفعَل كما جاءت في القرآن والسنَّة، كما بيَّن ذلك العلماء؛ كابن تيمية وغيره، والله أعلم.
المراجع
شبكة الألوكة
التصانيف
أبحاث