يجرى زرع الكلية renal transplantation للمصابين بالقصور الكلوي النهائي غير القابل للعودة والمثبت بشتى الاستقصاءات السريرية والمخبرية والشعاعية، ويُعدّ الزرع معالجة معيضة لتأمين الوظيفة الكلوية للمصاب.
ويمتاز زرع الكلية من غيره من زروع الأعضاء بأن المريض المصاب بالقصور الكلوي النهائي يمكن المحافظة على حياته بوضعه على الديال (التحالّ) dialysis الدموي أو الصفاقي انتظاراً لإجراء زرع الكلية.
وفيما يلي المستلزمات والضوابط التي تتصل بزرع الكلية:
1- استطبابات الزرع ومضاداتها: الاستطباب الأساسي هو الإصابة بالقصور الكلوي المؤدي للإفلاس الكلوي مع ارتفاع الفضلات الآزوتية وبدء الاضطراب الشاردي وخاصة ارتفاع بوتاسيوم الدم، ويفضل الزرع في تدبير هؤلاء المرضى عن الديال المزمن خاصة إذا توافر المتبرع القريب، أو توافرت الكلية الملائمة من الجثث، ويجب في حال تقرير إجراء الزرع عدم الانتظار حتى حدوث التبدلات الجهازية التالية لإصابة المريض بالقصور الكلوي. كما يفضل وضع المريض المرشح للزرع على الديال لجعله بحالة توازن عضوي وشاردي جيد قبل إجراء العملية.
أما مضادات الزرع فهي: وجود آفات خمجية فعالة عند المريض، والسن الفيزيولوجي المرتفع، وأمراض الأجهزة الحياتية المؤدية لنقص في معدل الحياة، مثل إصابات الدماغ والقلب الوعائية المنشأ، والأمراض الخبيثة غير الشافية والتي لم يمض على معالجتها أكثر من سنتين، والإصابة بداء الحماض وبعض أمراض الكلية الطبية التي تنكس في الكلية المزروعة، وثمة مضادات استطباب نسبية كالعامل الأسترالي الإيجابي وقرحة العفج وغيرهما.
2- مصادر الطعم الكلوي وطريقة حفظه:
أ - المعطي الحي القريب قرابة مباشرة (من الدرجة الأولى)، ويجب أن تتوافر فيه الشروط الآتية: أن يكون عمره أقل من 50 سنة، وأن تكون وظيفة كليتيه جيدة، واختبار تصفية الكرياتينين طبيعية، وألا يكون مصاباً بآفة كلوية أو بولية خلقية أو كسبية، وأن يكون متمتعاً بصحة جيدة خاصة بالنسبة للأجهزة الحياتية الرئيسية، وألا يكون مصاباً بأمراض مزمنة أو بفرط الضغط الشرياني، وأن يتمتع بحالة نفسية جيدة، وأن يكون راغباً كل الرغبة بالتبرع بكليته.
ويفضّل أخذ الكلية اليسرى من المتبرع كما يفضل دوماً أخذ الكلية الأقل حجماً. ويجب إجراء كافة الفحوص السريرية والشعاعية والمخبرية والاستشارات الطبية المختلفة لتأكيد الشروط المذكورة سابقاً.
ب - المعطي الحيّ غير القريب: لا يفضل هذا المصدر لأخذ الكلية؛ لأن التلاؤم النسيجي بين المعطي والآخذ في هذه الحالة غير محقق غالباً. وبالرغم من أن كابتات المناعة الجديدة قد مكنت حالياً من تجاوز هذه النقطة، فإن نسبة تحمل الكلية الغريبة من قبل المتلقي أقل من تحمل الكلية المأخوذة من قريب مباشر. ويجب أن يقتصر استعمال هذا المصدر على المتبرع القريب اجتماعياً كالزوجين من بعضهما بعضاً مثلاً، كما يجب التأكد دوماً قبل نقل كلية من متبرع غير قريب من عدم وجود دافع مادي لذلك.
ج - المعطي الميت: لا يمكن أخذ أي عضو من الميت إلا بوجود موافقة منه أقرَّ بها قبل وفاته أو بوجود موافقة من أهله المباشرين (الأبناء أو الزوجة) ولهذا المعطي شكلان:
ـ الجثة حديثة الوفاة مع قلب نابض: أي أن صاحبها مصاب بموت الدماغ brain death ويجب التحقق من ذلك بإجراء الفحوص والاختبارات التامة من قبل مجموعة من الأختصاصيّين في الأمراض والجراحة العصبية لا علاقة لأفرادها بموضوع الزرع. وبعد ثبوت موت الدماغ يوضع المصاب على المنفسة، ويعطى السوائل بكثرة وريدياً والمدرات والدوبامين لتأمين صبيب بوليّ عال وللمحافظة على وظيفة الكليتين، كما يعطى الستيروئيدات القشرية، ويعطى بعضهم أيضاً السيكلوسبورين في الوريد ريثما يتمّ التحضير لأخذ الأعضاء من الجثة لزرعها في المحتاجين إليها.
ـ الجثة حديثة الوفاة مع قلب متوقف: يجب أخذ الكلية منها في أقصر مدة ممكنة من توقف القلب عبر فتح البطن.
حفظ الكلية: تحفظ الكلية بوضعها بسائل مبرد حتى +4 بعد غسلها، ويمكن حفظها بهذه الطريقة مدة 48 ساعة. كما تحفظ أيضاً بوضعها على جهاز يؤمن حقنها بالبلاسما المبردة المعاملة بشكل متقطع، وتؤمن هذه الطريقة حفظ الكلية مدة 72 ساعة، كما تساعد على نقلها من مركز لآخر.
انتقاء الآخذ وتحضيره: يجب أن تكون حالة الآخذ جيدة ما أمكن، وقد أجريت له جلسة ديال في اليوم السابق للعملية، وأن يكون غير مصاب بخمج أو حالة مرضية حادة، وتجرى له فحوص دموية عامة وصور شعاعية للمعدة؛ والمثانة للتأكد من سلامة وظيفتها، كما تدرس المرارة بفائق الصوت (الأمواج فوق الصوتية)، والجهاز التناسلي إذا كانت المريضة أنثى.
3- الاختبارات المجراة قبل زرع الكلية:
ـ تحديد الزمرة الدموية للآخذ والمعطي إذ يجب أن تكون متماثلة تماماً بينهما.
ـ يجرى تفاعل التصالب بين كريات المعطي البيضاء ومصل الآخذ، ويجب أن يكون سلبياً.
ـ يجرى تحري الأضداد السامة للخلايا عند الآخذ ويجب أن تكون سلبية.
ـ ينتقى المعطي الحي من بين الأقرباء المباشرين الراغبين بالتبرع بناءً على ارتفاع نسبة التوافق النسيجي بين الآخذ والمعطي.
4- لمحة عن العمل الجراحي: يجرى العمل الجراحي في وقت واحد إذا كان المعطي حياً. تستأصل الكلية بتقنية خاصة للمحافظة عليها وعلى أوعيتها وحالبها وتغسل بسائل شاردي مبرد، ثم تنقل؛ لتزرع عند المتلقي في الحفرة الحرقفية المقابلة لجهة الكلية المأخوذة أي تزرع الكلية اليسرى للمتبرع في الحفرة الحرقفية اليمنى للآخذ.
أما إذا كان مصدر الكلية من الجثث فيتم زرعها مباشرة للمريض حسب الطريقة السابقة.
عواقب العمل الجراحي: يخضع المريض الذي زرعت له كلية إلى مراقبة حثيثة يتم فيها مراقبة الصبيب البوليّ، كما يعطى كابتات المناعة؛ وأكثر ما يستعمل منها هو الآزوثيوبرين والبردنيزون بطريق الوريد حسب برنامج يضعه الطبيب المشرف عليه. كما يراقب المريض في الأيام التالية للزرع بإجراء فحوص مخبرية كلما دعت الحاجة للتأكد من الوظيفة الكلوية وحصول التوازن الشاردي الطبيعي عند المريض.
كما تراقب الكلية المزروعة يومياً بدراستها بوساطة الأمواج فوق الصوتيّة وبالنظائر المشعة.
5- المضاعفات:
أ - مضاعفات الزرع المباشرة: وهي إما:
ـ مضاعفات تتصل بالتقنية الجراحية، مثل النزف من المفاغرات الوعائية وإما انسدادها وإما انفتال الطعم وتسرب البول من المفاغرة الحالبية المثانية.
ـ الخمج المنقول للمريض عبر الكلية المزروعة أو الناتج عن عدم التطبيق الصارم لقواعد التعقيم.
ب - المضاعفات الناجمة عن خلل في وظيفة الطعم: إن عدم إفراز البول من الكلية المزروعة قد ينتج عن الأمور الآتية:
ـ إصابة الكلية بالنخر الأنبوبي الحاد بسبب رضّها في أثناء الاستئصال أو تعرضها فترة طويلة من انقطاع التروية الدموية وهي الفترة الزمنية المنقضية بين استئصال الكلية وزرعها.
ـ إصابة الكلية المزروعة بالرفض فوق الحاد الذي يؤدي لازرقاقها وتمزقها الفوري بعد زرعها مباشرة.
ـ إصابة الكلية المزروعة بالرفض الحادّ، ويمكن السيطرة عليه بحقن الستيروئيدات القشرية بالوريد بمقادير كبيرة.
ـ قد تتوقف الكلية عن العمل بسبب انسمامها بالسيكلوسبورين أو ببعض الصادّات السامة إذا لم يراعَ في حساب مقدارها مقدار الوظيفة الكلوية.
ـ إن حدوث الخثار الشرياني أو الوريدي بالرغم من ندرته يمكن أن يؤدي لتوقف وظيفة الكلية المزروعة.
ج - المضاعفات المتأخرة، وهي:
ـ تنخر الحالب الذي يحدث بعد فترة وجيزة من الزرع أو تضيقه الذي يحدث متأخراً.
ـ حدوث نوب الرفض المزمن، وتدلّ على عدم تحمل الجسم للطعم منخفض الشدّة، ويتظاهر بتدن بطيء وتدريجي بوظيفة الكلية المزروعة.
ـ تضيق المفاغرة الشريانية المتأخر، وهو مناعي المنشأ غالباً، ويتظاهر بتدن بطيء وتدريجي في وظيفة الكلية.
ـ توقّف الكلية عن العمل بسبب عدم التزام المريض بأخذ كابتات المناعة.
ـ تكوّن القيلة اللمفاويّة حول الكلية المزروعة.
ـ إصابة المريض بالأخماج الانتهازية وخاصة الفطرية والفيروسية بسبب تدنّي حالته المناعية.
ـ إصابة المريض ببعض الأورام الخبيثة كسرطان الجلد أو ورم كابوزي.
ـ وأخيراً هناك مضاعفات ناجمة عن استعمال كابتات المناعة وخاصة الكورتيزون، منها نخرة العظام الجافة وفرط نشاط الدرق ونقص النمو الذي يلاحظ خاصة عند الأطفال بعد الزرع؛ مما دعا أكثر المراكز إلى عدم استعمال الكورتيزون والاستعاضة عنه بإعطاء السيكلوسبورين فقط.
قيمة زرع الكلية ومقارنتها بالبديل العلاجي وهو الديال المزمن
يمكن معالجة المصاب بالقصور الكلوي المزمن بكلتا الطريقتين إذ تؤمن كلتاهما حياة شبه طبيعية للمصاب. ولكن زرع الكلية المجرى على أسس صحيحة وبمراقبة طبية جيدة يؤمن حياة أفضل للمصاب؛ لأنه لا يعتمد في حياته على جهاز الديلزة كما لا تتطلب حالته حمية غذائية شديدة كما هو الأمر حين المعالجة بالديال.
أما من الناحية المادية فالأمر مختلف بحسب الدول التي يعيش بها المريض، وعموماً يكلّف مريض زرع الكلية أكثر من مريض الديال في السنة الأولى التالية للزرع، وتخفّ الكلفة في السنوات التالية؛ لتصبح أقل من كلفة الديلزة، وفي بعض الدول تكون كلفة الطريقتين متعادلة.
أدبيات الزرع
المصاب بالقصور الكلوي الزمن مريض بحاجة للعناية المستمرة والمساعدة؛ لأنه كثير التعرض للإشكالات الطبية المهددة لحياته.
ويجب على كل من يعمل في مجال زرع الكلية التأكد من تحضير الآخذ والمعطي تحضيراً جيداً، والتأكد من تطبيق الشروط الواجبة لهذا التحضير وخاصة ما يتصل بسلامة المتبرع ورغبته في التبرع دون وجود حافز مادي أو خضوعه لضغط معنوي.
هذا ويحمل من يجري زرع الكلية مسؤولية أدبية وطبية في متابعة المريض عن قرب بإخضاعه لزيارات طبية دورية وبالاستجابة لمواجهة أي طارئ طبي يتعرض له والقيام بالمعالجة اللازمة لذلك باكراً ما أمكن
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث