بين الحين والآخر يحتم على كل مسلم يريد النجاة ويطلب السلامة ويطمع في الفوز أن يراجع نفسه في كل حاله فدائما ما نقرأ ونسمع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ) [رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وابن ماجة والبيهقي، وإسناد الحديث كل رجاله ثقات ماعدا أبي بكر ابن أبي مريم فيه ضعف]. وفي مصنف ابن أبي شيبة "عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ " . ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه، كما يحاسب شريكه، من أين مطعمه وملبسه؟



والمراجعة تكون في أمرين :

أولهما: النظر فيما نقوم به من أعمال بغرض التحسين والتجويد والتخليص ويساعد على ذلك استشعار هول الحساب وقيمة الجائزة.

استشعار هول الحساب وقت الوقوف على ميزان الأعمال هذا الميزان الذي يزن الخير والشر قل أو كبر { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } .

فهذا الأمر يخيف النفوس فالكثير من الناس يعملون ولكن القليل الذي يجود ويصدق في عمله ويكون خالصا من كل شائبة.

ففي التجويد والتحسين: الناس يصلون وقليل منهم من يخشع في صلاته ويتخلق بأخلاقها فدوام الإخلاص والخشوع والتخلق من التجويد والتحسين، ويتصدقون ولكن القليل من يتصدق في الضراء ومن يخلص في صدقته والقليل من يعطي من حرمه فالإخلاص والتصدق في الضراء وفي السر وعلى المخالف المحتاج كما في الحديث" عن عقبة بن عامر قال لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي: يا عقبة بن عامر: صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك. رواه أحمد وإسناده حسن " فهذا من التجويد والتحسين، وكذلك يدعون إلى الله ولكن قل من يجهد نفسه ويقدم الدعوة على مطالبه الدنيوية وإن تعارضت قدَّم الدعوة على مطالبه الدنيوية.

الأمر يحتاج إلى مراجعة لنجود في الصلاة والصدقة والدعوة وغيرهم.

وفي التخليص: تخليص العمل من شائبة رياء وإن كانت يسيرة وعدم إضاعته بارتكاب السيئات فهناك من النصوص في القرآن والسنة من يجعل المسلم خائفا حذراً مستيقظا عند كل عمل

ففي سور الفرقان : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } فكل يأتي بأعمال ولكن هناك أعمال خفيفة لا وزن لها فمصيرها أنها لا تنفع صاحبها وإن تعلق بها .

وفي السنة فقد روى الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر خرج إلى المسجد يوما فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: يبكيني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم: يقول: اليسير من الرياء شرك و من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا و إن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة "قال الحاكم هذا حديث صحيح و لم يخرج في الصحيحين وقال الذهبي في التلخيص: صحيح ولا علة له.

وفي الأدب المفرد للبخاري عن أبي مجلز قال: إن معاوية خرج، وعبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير قعود، فقام ابن عامر، وقعد ابن الزبير- وكان أرزنهما(يعني أرجحهما)- قال معاوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يمثل له عباد الله قياماً، فليتبوأ بيتا من النار ) .

وفي سنن ابن ماجة عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ! جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ! قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) .

مثل هذه النصوص تجعل المسلم على يقين بأن الأمر لا يقتصر على حدود مجاهدة النفس في القيام بالعمل أو إتمامه إنما الأمر يحتاج إلى مجاهدة أكبر في تخليص العمل من شوائبه والحفاظ عليه مما يضيعه أو يذهب أثره.

ثانيهما: البحث فيما يفوتنا من خير بغرض البحث والتنقيب وسبل التيسير والتذليل

كثير منا يقصر في أداء كثير من العبادات حتى وإن كانت من السنن فالتفريط الدائم فيها والركون إلى أنها من السنن التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها أمر من الخطورة بمكان فالأعمال هي سهام نطلقها نرجو من الله أن تصيب الهدف وهو الجنة فقد تصح عبادة وتخلص لله فيكون فيها القبول وتكون بها المغفرة ففي صحيح البخاري "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ (وهي البئر) كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ) فقد يصيب المسلم عملا من العبادات الغير نمطية كرحمة بحيوان أو شفقة بيتيم أو قضاء مصلحة لآخر فيفتح الله بها أبواب التوبة والهداية والطاعة.

ورب باب من أبواب الطاعة لم نطرقه ويكون فيه الفلاح ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدكَ خَيْرٌ فَأَرِنِي مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي فَانْطَلَقَا بِي فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي لَنْ تُرَاعَ إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَانْطَلَقَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ فَأَخَذَا بِي ذَاتَ الْيَمِينِ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّيْلِ ) قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّيْلِ.

ويساعد على ذلك استشعار خطورة وهول الموقف من حساب وميزان وما يتبع ذلك من فوز أو خسران "قبل أن تحاسبوا….قبل أن توزن عليكم " عظم الأجر ، فالجنة هي الثمن فتحتاج منا إلى دوام مراجعة حالنا كله ، ما نقوم به من أعمال بغرض التحسين والتجويد والحفاظ والتنقية والتجويد ، وما نحن مقصرون فيه بغرض البحث عن سبل التيسير والتذليل للقيام به قبل فوات الأوان.
 


المراجع

quran-radio.com

التصانيف

أدب  مجتمع