التعلم learning هو تغير في السلوك، وانطلاقاً من ذلك، فإن الحيوانات، من أدناها مرتبة، إلى أرفعها مكانة أي «من وحيدات الخلية إلى الإنسان» قادرة على التعلم، بغية التكيف مع شروط الوسط الذي توجد فيه. بيد أن عملية التعلم لدى الإنسان، تحتاج إلى قدرات، ومهارات متنوعة، تشمل الشخصية من جميع جوانبها، الجسدية، والنفسية، والمعرفية، والانفعالية، والاجتماعية وغيرها.
 
والتعلم عملية مستمرة، تمتد على امتداد حياة الإنسان، وتضفي عليها الحيوية، والقدرة على التجدد والارتقاء. 
 
وتتأثر عملية التعلم، بعوامل عدة، داخلية وخارجية، مادية ومعنوية، تكوينية وبيئية. وقد تناولها علماء نفس كثيرون، كل من زاوية اهتمامه واختصاصه، أو النظرية التي ينتمي إليها، فكثرت التعريفات وتعددت.
 
فقد عرفته ليندا دافيدوف L.Davidov «بأنه تغير دائم نسبياً في السلوك يحدث نتيجة الخبرة». وعرفه ماك كونل MC Connell «بأنه التغير المطرد في السلوك الذي يرتبط بالمواقف المتغيرة التي يوجد فيها الفرد، وبمحاولات الفرد المستمرة للاستجابة لها بنجاح».
 
أما غيتس Gates فعرَّف التعلم «بأنه عملية اكتساب الوسائل المساعدة على إشباع الدوافع، وتحقيق الأهداف، وهو يتخذ في الغالب صورة حل المشكلات». والتعريف المبسط له هو أي تغير في السلوك ناشىء عن الخبرة والمران.
 

نظريات التعلم ومدارسه الرئيسة

 
تصنف نظريات التعلم في فئات ثلاث هي: النظريات الارتباطية والسلوكية، والمعرفية، والإنسانية.
 
1ـ النظريات الارتباطية والسلوكية connectionism and  behaviourism: تمتد جذور الارتباطية إلى أرسطو الذي تصور أن الأفكار تصير مترابطة بوساطة قوة الاقتران contiguity والتشابه similarity والتناقض contrast. ثم تطورت هذه الأفكار، على يد الفلاسفة البريطانيين الأمبريقيين أمثال: جون لوك[ر]، وجيمس ميل، وباركلي، وهيوم وغيرهم. إضافة إلى إسهامات ابنغهاوس Ebbinghaus الذي رأى أن الربط محدد أساسي للتذكر والتعلم.
 
وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أخذت الربطية أبعاداً جديدة وبخاصة من الناحية المنهجية، على يد مجموعة من العلماء مثل: ثورندايك[ر] E.Thorindike وبافلوف[ر] I.Pavlov، وواطسن J.Watson، وسكنر[ر] B.F.Skinner.
 
آ ـ ربطية ثورندايك: تسمى أيضاً التعلم بالمحاولة والخطأ. وبعد أن أجرى ثورندايك تجاربه في التعلم على القطط، والكلاب، والأسماك، والإنسان، توصل إلى مجموعة من القوانين الرئيسة مثل: قانون الأثر وقانون الاستعداد، وقانون التكرار أو التدريب.
 
ب ـ نظرية بافلوف في الإشراط الكلاسيكي: إن التعلم الإشراطي من حيث الجوهر هو تكون الفعل المنعكس الشرطي، الذي يتعلم فيه الكائن الحي أن يستجيب بطريقة محددة، لأي مثير بيئي محايد، لم يكن قادراً على استدعاء هذه الاستجابة من قبل. وأهم قوانين الإشراط التي كشفها بافلوف من تجاربه على الكلاب هي: قوانين الاقتران والتعزيز، والانطفاء، والتعميم، والتمييز، والاسترجاع التلقائي. وطُبقت هذه القوانين في تدريب الحيوانات، وتعليم الأطفال، وتدريب العمال في المصانع، وفي التدريب والعلاج في القوات المسلحة، وفي العلاج النفسي، وفي النشاط الانفعالي للإنسان.
 
ج ـ نظرية سكنر في الإشراط الإجرائي: اشتهر سكنر بتجاربه على الحيوانات والطيور، ومن خلالها صاغ نظريته في التعلم الإجرائي، إذ يقوم المتعلم في هذا النوع من التعلم بعمل إجرائي، ويتلقى إثر قيامه بالإجراء الصحيح تعزيزاً، وهذا التعزيز يُعد الشرط الأهم لحدوث عملية التعلم. ومن شروطه في بداية التعلم أن يعطى فوراُ بعد العمل أو الإجراء الصحيح. وبوساطته يمكن تشكيل سلوك الكائن خطوة، خطوة، باستخدام التعزيز الافتقائي، ثم يثبت التعلم بجداول التعزيز، أو تأجيل إعطاء التعزيز زمناً، أو بعد عدد من الإجراءات والأعمال.
 
وقد طبق سكنر نظريته في التعلم الإجرائي في التدريب السلوكي، والتدريب العسكري السلوكي، وفي العلاج النفسي السلوكي، وخاصة في تقنية التعلم الذاتي المبرمج التي انتشرت في الستينات والسبعينات، ثم عادت بأشكال مختلفة في التعلم بوساطة الحاسوب.
 
2ـ النظريات المعرفية: ترى أن التعلم شكل من أشكال المعرفة، والمعرفة هي القدرة على معالجة المعلومات، وجهاز المعالجة لدى الإنسان هو مجموعة العمليات العقلية المعرفية مثل: الإدراك، والانتباه، والتذكر، والتفكير إلى جانب الحاجات والدوافع والانفعالات وإرادة التعلم.
 
وينتمي إلى المدرسة المعرفية كل من أصحاب نظرية الغشتالت وبياجيه وبرونر وغيرهم.
 
آـ نظرية الغشتالت: وضع أسس نظرية الغشتالت علماء ألمان هم: ورتايمر كوفكا، وكوهلر[ر]، وكودت لوين صاحب نظرية المجال، ثم انتشرت في العالم.
 
اهتم الغشتالتيون بالإدراك أكثر من اهتمامهم بالتعلم، لكن التجارب التي أجراها كوهلر على القردة (الشمبانزي)، والنتائج التي توصل إليها، أرست قواعد أساسية في علم النفس بصفة عامة، وفي علم نفس التعلم المعرفي بصفة خاصة. كما اهتم الغشتالتيون بالعلاقة بين الشكل والخلفية، والتأثير المتبادل بينهما في عمليتي الإدراك والتعلم.
 
ووضع الغشتالتيون مبادىء في الإدراك والتعلم منها: أن الكل أسبق في الوجود، وأنه أكبر من مجموع الأجزاء التي يتكون منها، وأن التعلم يتم عن طريق الاستبصار insight الذي يؤدي إلى إدراك العلاقة أو العلاقات وإلى حل المشكلة.
 
أما قوانين التنظيم إلإدراكي التي توصل إليها علماء الغشتالت فكان من أهمها: قانون التنظيم وإعادة التنظيم، وقانون الشكل الحسن، وقانون الإغلاق.
 
وقد تطورت نظرية الغشتالت إلى نظرية النظم، وصارت تطبق في مجالات متعددة في العلوم الإنسانية والطبيعية معاً بما فيها علوم المعلوماتية، والحاسوب والعلوم الشاملة.
 
ب ـ جان بياجيه] J.Piaget: يُعد بياجيه أحد أعلام المدرسة المعرفية البارزين، ويستمد مفهومه للتعلم من نظريته في النمو العقلي. فالتعلم عند حالة خاصة من حالات النمو، وعملية تنظيم ذاتية، والتأمل والتروي، أحد الشروط المهمة لحدوثه. ومن مبادىء بياجيه في التعلم: أن كل مفهوم مكتسب ينطوي على استدلال ما، وأن التعلم القائم على الفهم يتطلب تنظيماً ذاتياً نشطاً، والتعلم عملية خلف عضوية وليست عملية تراكم آلية.
 
استخدم بياجيه مصطلحات علمية خاصة به، استقدمها من علم البيولوجيا مثل: التكيف [ر]، والتوازن، والتمثل، والمطابقة [ر] وسار على نسقه في تطبيق مبادىء التعلم المعرفي كل من جيروم برونر، وهيلدا تابا، وسيمور بابرت.
 
ج ـ جيروم برونر J.Bruner (التعلم المعرفي بالاكتشاف): يحدث التعلم من وجهة نظر برونر، حين تقدم المادة التعليمية للمتعلمين ناقصة غير مكتملة، ويشجعون على تنظيمها وإكمالها، وتعتمد على اكتشاف العلاقات بين المعلومات. وعلى ذلك يدعو برونر إلى ترك المتعلم يكشف المعنى بنفسه. ولذلك ركز في نظريته على تعلم المفهومات. أما أهم أفكار برونر التي طبقت في مجال التربية والتعليم هي أفكاره عن الإدراك والتصنيف وتكوين المفهومات وأساليب عرض المادة التعليمية من المعلم.
 
وبحث في التعليم المعرفي علماء نفس آخرون مثل: أوزوبل D.P.Ausubel صاحب طريقتي التعلم بالاستقبال والشرح، وغانييه R.M.Gagne الذي اهتم بالتعلم التراكمي، وحاول أن يجمع فيه ما بين السلوكيين والمعرفيين في تعلم المهارات العقلية المعقدة.
 
3ـ النظريات الإنسانية: يولي الإنسانيون عناية كبيرة للأهداف التربوية، وتعلم المواقف المتمركزة حول المتعلم، ويهتمون بمشاعر المتعلم وإدراكاته، ويوحدون بين نوعي التعلم المتمثلين في اكتساب المعلومات الجديدة، والاستدخال الذاتي لهذه المعلومات، ومن ثم يجمعون بين مفاهيم المدرسة السلوكية والمعرفية.
 
تركز المدرسة الإنسانية على الخبرات العقلية أكثر من تركيزها على التجارب المخبرية، وترى أن الهدف النهائي للفرد هو تحقيق ذاته.
 
ومن أبرز علماء النظرية الإنسانية: ماسلو، وروجرز.
 
آ ـ أبراهام ماسلو A.H.Maslow: افترض ماسلو وجود قوى إيجابية في داخلنا تعمل من أجل تحقيق النمو، وأخرى سلبية تقاومه، إذ يعمل النوع الأول من القوى من أجل حمايتنا وإبعادنا عن الخوف، ويدفعنا إلى التعبير عن ذاتنا، في حين يدفعنا النوع الثاني إلى النكوص نحو الوراء والتعلق بالماضي، والخوف من الحاضر.
 
وقد رتب ماسلو الحاجات الإنسانية في هرم متدرج بحسب أهميتها من وجهة نظره مثل: الحاجات الفيزيولوجية، وحاجات الأمن، ثم التقدير، وتحقيق الذات والحاجة إلى المعرفة والفهم، وأخيراً الحاجات الجمالية. وتسهم هذه الحاجات إسهاماً كبيراً في الحفز على التعلم.
 
ب ـ كارل روجرز C.R.Rogers: كان لإسهامات روجرز تأثير كبير في المدرسة الإنسانية، ولاسيما بعد صدور كتابه «حرية التعلم والتعليم»، ومن أهم المبادىء التي شدد عليها في التعلم: الرغبة في التعلم والتعليم المعنوي والتعلم من دون تهديد، والتعلم القائم على المبادرة الذاتية.
 
طبقت مبادىء المدرسة الإنسانية في المؤسسات التربوية تحت اسم: التربية المتمركزة حول الفرد. التي تتم وفق استراتيجيات اقترحها روجرز مثل: استراتيجية تزويد المتعلمين بمصادر متنوعة تدعم خبراتهم التعليمية وتوجهها، استراتيجية التعلم المزدوج التي تقوم على تبادل الأدوار بين المتعلمين، بحيث يكون أحدهم معلماً، والآخر متعلماً، ويتم تبادل الأدوار بينهما بالتناوب، بالإضافة إلى توكيد الاستفادة من ذوي الخبرة ممن يرغبون ويستطيعون تقديم العون والمساعدة إلى المتعلمين. وأسهمت مدرسة روجرز في التعلم الذاتي والتوجيه الذاتي.
 

أهم الاتجاهات الحديثة في التعلم والتعليم

 
1ـ المعالجة الذاتية للمعلومات: تعد المعالجة الذاتية للمعلومات، المستمدة من مدخل النظم وتطبيقاته في علم المعلومات من أهم الاتجاهات الحديثة في التعلم والتعليم، وتتطلب عملية المعالجة، سلسلة من الجهود الهادفة والمتكاملة، يقوم بها المتعلم، بقصد معالجة موضوع ما، لإدخاله بصورة تدريجية إلى الذاكرة الطويلة الأمد، والاحتفاظ به، من أجل استرجاعه مستقبلاً، عن طريق ترميزه، بوساطة منظومات رمزية مختلفة، ومتعددة المعايير.
 
وتتم عملية معالجة المعلومات من خلال مراحل أساسية ثلاث هي: تجميع المعلومات، وتوحيد المعلومات وتركيبها، وأخيراً ترميز المعلومات encoding.
 
وطُبقت معالجة المعلومات في علم الحاسوب، عن طريق برامج تعمل بطريقة تماثل الطريقة التي يعمل بها العقل البشري. وهذا يعني أن الانتباه موجه إلى الطرائق التي يعمل الحاسوب وفقاً لها، أي إلى برامجه وليس للجهاز. وبذلك تكمن أهمية الحاسوب في علم نفس التعلم في تقديم نموذج ديناميكي قوي، للطريقة التي يمكن أن تعمل العمليات العقلية الراقية بموجبها.
 
ويتعلم المتعلم من الحاسوب، إذا توافرت لديه بعض الكفايات الأساسية مثل: تعليم أبجديات الحاسوب، وتشغيله، وصيانته، وبرمجته. ويستخدم الحاسوب كآلة تعلم وتعليم متكاملة لأنه يقدم المعلومات، ويمكن من العمل بها، وتقويم العمل فوراً ومتابعة التعلم من البرنامج التعليمي.
 
ويمكن أن يعد التعلم بتقنيات متعددة شفاهية وسمعية، وبصرية كتابية وبالصور الثابتة والمتحركة، من اتجاهات التعلم الحديث الملائم لتطور التقنيات والموافق لحاجات المتعلم الذاتية. ويمكن للنظريات السابقة أن تتحسن وتعدّ وفق معطيات الذكاء الاصطناعي، وهو العلم الحديث المستخدم في الحاسوب من أجل التعلم وتحسين مهاراته وكفاياته.
 
 
 
أمل الأحمد

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث