التحليل النفسي
 
 
 
التحليل النفسي psychoanalysis أحد الاتجاهات في علم النفس المرضي والعلاج النفسي أسسه الطبيب العصبي والنفسي النمسوي سيغموند فرويد [ر] (1856-1939) في نهايات القرن التاسع عشر، وطّور من خلال إسهامات تلامذته وأتباعه بهدف تفسير وفهم الحدث النفسي ونشوء الاضطرابات النفسية ومعالجتها. وقد استخدم فرويد مصطلح التحليل أول مرة في عام 1894 أما مفهوم التحليل النفسي فقد استخدمه في 1896. وأهم ما يميز نظرية التحليل النفسي المقولات الآتية:
 
ـ يتميز الحدث النفسي بخصوصية فردية، أي إن الأفراد يدركون الأحداث المتشابهة بطرائق مختلفة. ويتعلق هذا الإدراك بالمرتبة الأولى بالخبرات الماضية للفرد.
 
ـ يغلب أن تظل الدوافع الأساسية للسلوك كامنة في اللاشعور نتيجة لآليات الدفاع النفسي[ر]، غير أنها تتجلى في السلوك والتفكير والأحلام والهوامات fantasies.
 
ـ هناك دافعان أساسيان مؤثران في الفرد، الأول هو الدافع الجنسي (الليبدو libido) والثاني هو دافع التهديم أو الموت.
 
ـ تسير العمليات النفسية وفق مبدأ اللذة ويمكنها أن تكون شعورية أو ما قبل شعورية أو لا شعورية.
 
ـ يشكل الجهاز النفسي أساس العمليات النفسية الذي يتكون من بنى أو طبقات تطلق عليها تسمية الهو the id والأنا the ego  والأنا الأعلى the super-ego.
 
وقد حدد فرويد أهمية التحليل النفسي في النقاط الثلاث التالية:
 
ـ التحليل النفسي طريقة لدراسة الحوادث النفسية التي يصعب دراستها بوساطة الطرق الأخرى.
 
ـ أسلوب قائم على أساس هذه الطريقة لعلاج الاضطرابات النفسية العصابية.
 
ـ مجموعة من وجهات النظر العلمية النفسية المكتسبة تتحول بالتدريج لنظام علمي جديد. وبناء على ذلك يعرّف كل من لابلانش وبونتاليس Lablanche and Pontalis وهما من المحللين النفسيين الجدد التحليل النفسي على أنه:
 
طريقة دراسة تقوم على كشف المعنى اللاشعوري لكلام وتصرفات الفرد وتصوراته التخيلية، أي الأحلام والهوامات والتصورات الهذيانية delusion. وتقوم هذه الطريقة أساساً على التداعي الحر الذي يستخدم من أجل التفسير، غير أن التحليل النفسي يمكن كذلك أن يمتد ليشتمل على المنتجات الإنسانية التي لا يستحضرها الإنسان بطريقة التداعي الحر. ويساعد هذا الأسلوب في كشف المعنى اللاشعوري وتوضيحه لتصرفات الفرد وأحلامه وأفكاره وتصوراته وتعابيره.
 
طريقة علاجية نفسية تقوم على أساس هذه الدراسة، وتتميز بالتفسير المضبوط للمقاومة والنقل والرغبات. واستناداً إلى هذا الإطار يقوم مصطلح المعالجة النفسية التحليلية الذي يستخدم مرادفاً لمصطلح التحليل النفسي. وهنا تُرجع الخبرات المكبوتة في اللاشعور إلى الشعور وإتاحة الفرصة لها كي تُتمثّل وتُفهم بصورة مناسبة. والوسيلة المساعدة هنا هي تفسير الرغبات اللاشعورية والمقاومة التي يبديها المتعالج من أجل الحفاظ على الخبرات المكبوتة كامنة في اللاشعور، والنقل الذي يتجلى في نقل الرغبات والمشاعر التي يحملها المتعالج تجاه نفسه وتجاه المحيطين به إلى شخص المعالج. فيتصرف المتعالج مع المعالج بالطريقة نفسها التي يتصرف بها مع أشخاص محيطه.
 

خصائص التحليل النفسي

 
1ـ يقدم التحليل النفسي نظرية في بناء الشخصية المتمثل في الأنا والهو والأنا الأعلى حيث تمثل هذه البناءات الثلاثة النموذج البنيوي في نظرية التحليل النفسي للشخصية. ويعزو السلوك إلى الدوافع في مستوياتها الشعورية وما قبل الشعورية واللاشعورية، ويركز على غلبة المستويات اللاشعورية فيه. ويطرح مبادىء التنظيم الداخلي والتنظيم الخارجي، حيث تتمثل وظيفة التنظيم الداخلي في الاقتصاد النفسي للطاقة وآليات الدفاع النفسي[ر] والعلاقة بين الرغبات والمشاعر والتفكير، وتمثل الصراعات والنتائج، ويعنى التنظيم الخارجي، ببناء الأنا والأنا الأعلى ومبدأ الواقع مقابل مبدأ اللذة واجتياف introjection النماذج الوالدية، ويربط بين الأساس الجسدي للدوافع والتعبير عن الصراع النفسي من خلال «لغة العضو»، التي تظهر في عرض جسدي مثل الهستيريا.
 
وقد عولجت هذه الموضوعات من خلال الملاحظات النفسية المرضية التي أجريت على مرضى نفسيين بحيث يمكن الاستشهاد بمسائل مطابقة لذلك في التحليل النفسي، مثل التناقض الراهن والمألوف لبنية الشخصية والحتمية الدافعية أو التصعيد الفاشل وعلاقة الهفوات أو السقطات parapraxis وهي الأخطاء الصادرة عن النسيان والسهو لا عن الجهل بالموضوع، والاضطرابات النفسية الأخرى بالرغبات اللاشعورية أو بالرغبات التي كُبتت فيه، والقلق والقسر والتفكير المُحَرَّف وغيرها نتيجة لكبت الصراعات ولاسيما صراعات الدوافع واضطرابات في إدراك الإطار الواقعي كما هو الحال في الذهانات وتجسيد المشكلات غير المحلولة كما هي الحال في الهستيريا التحويلية والنفسي والجسدي.
 
2ـ يقدم التحليل النفسي مقولات نمائية نفسية تتمثل في تسلسل الأطوار وتمايز خبرة اللذة وتطور الأنا، في مراحل يسميها المرحلة الفموية فالشرجية فالقضيبية، ويقدم مقولات تتعلق بظهور الصراعات الخاصة المميزة لكل طور من الأطوار التي تظهر عند الشخص في أثناء تعامله مع أشخاص في بيئته مثل الوالدين أو من يقوم مقامهما وتتشكل منها عقدة نفسية مثل عقدة أوديب للذكر وإلكترا للأنثى. وتتطور هذه العقد عن طريق التثبيت على مرحلة نمائية معينة أو النكوص إلى هذه المرحلة في سن الرشد والتصرف بشكل صبياني طفولي.
 
3ـ ويقدم التحليل النفسي رؤى نفسية ـ اجتماعية، وذلك حول علاقات الفرد في الطفولة بشكل خاص وحول الصراعات البين شخصية interpersonal ونقل الخبرات الاجتماعية  إلى الأشخاص الآخرين كالنقل إلى المعالج النفسي أو إلى أفراد المجموعة العلاجية مثلاً. والموضوعات النفسية المرضية الواقعة ضمن هذا المجال هي الصدمنة البين شخصية traumatize أي الخبرات الشخصية المترافقة بأحداث مرهقة وضاغطة والتي تتجاوز حدود قدرة الفرد على التحمل وإمكانات الدفاع النفسي على التعامل معها، والعصبنة neurotization والذهننة psychotization ذلك النوع من عدم الاستقرار الانفعالي الذي يجعل من ردود فعل الفرد عصابية أو ذهانية عند التعرض لأزمات ومواقف حياتية ضاغطة ومرهقة، والإسقاط[ر] والارتباط بين الإحباط والعدوان ومتلازمة الحرمان hospitalism التي تظهر على شكل أعراض جسدية ونفسية نتيجة حرمان الإنسان ولاسيما الأطفال من الدفء العاطفي والتفاعل الإنساني من خلال الإقامة الطويلة في المستشفيات أو دور الأيتام أو المسنين وغير ذلك.
 
4ـ وأسهم التحليل النفسي في التشخيص النفسي من خلال استخدامه لمركبات الحلم والتداعي الحر والتذكر والتفسير بهدف التعرف على الخبرات الكامنة واتجاهات الفرد، إضافة إلى طرح التحليل النفسي لتصور خاص به حول تصنيف الاضطرابات النفسية، المتمثل في أشكال العصابات، والذي ظل سائداً في التصنيفات العالمية لمدة زمنية طويلة. وتعد إسهامات التحليل النفسي في فهم الأحلام وآلية عملها واستخدامها في العلاج النفسي والتشخيص من الإسهامات الرائدة التي جعلت الأحلام ودراستها واحدة من مجالات علم النفس.
 
5 ـ وقدم التحليل النفسي إسهامات مهمة في تعديل السلوك والشخصية يمكن وصفها من خلال مصطلحات الموقف التحليلي والنقل والنقل المعاكس والتفسير والكشف والمقاومة وتحليل الحلم والمحادثة العلاجية.
 
6ـ قدم التحليل النفسي من خلال فرويد بشكل خاص ومعاصريه من التحليليين إسهامات يغلب عليها الطابع التأملي حول الظواهر الاجتماعية كالأسرة والتاريخ والأخلاق والدين والفن والثقافات الأخرى والطب والعلوم والحرب.
 
7ـ ويتميز تاريخ التحليل النفسي بصورة كبيرة بمواصلة التطوير وإعادة النظر الجذرية بنظرية التحليل النفسي من قبل فرويد نفسه إضافة إلى أعمال تلامذته وتابعيه. فبدأ الانشقاق عند آدلر الذي أنشأ علم النفس الفردي وليفين Lewin الذي فسر السلوك وفق مفاهيم علم النفس الاجتماعي ويونغ Jung وفق مفهومات علم النفس التحليلي. وطور التحليل النفسي الجديد كل من فروم Fromm وهورني Horney وشولتز ـ هينكه Schultz-Hencke وسوليفان Sullivan وهارتمان Hartman بحيث يأخذ التأثيرات الاجتماعية في الحسبان.
 
وتطورت أشكال جديدة من المعالجة النفسية كالتحليل التمركزي focalanalysis لبالينت Balint الذي يستغرق بين 20-30 جلسة مع الاقتصار على مشكلة مركزية أو أساسية، والتحليل القدري fate analysis لسوندي Sondi والعلاج النفسي الديناميكي لدورسن Duehrsen والمبادىء العلاجية المختلفة للأطفال لآنا فرويد وكلاين Klein وفينيكوت Winnicott وعدد كبير من أشكال العلاج الأسري والعلاج في المجموعة.
 
وقد واجه التحليل النفسي وما زال، انتقادات مختلفة وشديدة من الأطباء النفسيين والمتخصصين النفسيين تناولت منهجية التحليل النفسي وتطبيقاته. مثل عدم إمكانية البرهان التجريبي للفرضيات التحليلية النفسية والمبادىء العلاجية القائمة على أساس التحليل النفسي. ومن الانتقادات الأخرى التي وجهت إلى التحليل النفسي أن تصور الإنسان الذي تقوم عليه نظرية التحليل النفسي يحتوي على مركبات آلية وبيولوجية وميثولوجيا غريزية. وهو يحتم على الفرد أن ينظر إلى تطوره من منظور الجنسانية sexuality الطفولية المبكرة. كما وأن نظرية التحليل النفسي أكثر تمركزاً حول الفرد ولا تراعي كثيراً العلاقات بين الفرد ومحيطه. وبغض النظر عن الاعتراضات الموجهة للتحليل النفسي والتباطؤ الحاصل في تقبل استراتيجيات البحث الحديثة من قبل أتباع التحليل النفسي، فإن كثيراً من أتباع فرويد مقصرون فيما يتعلق بدمج النتائج العلمية الحديثة والموثوقة المكتسبة من قبل علم النفس التجريبي والإمبيريقي وعلم نفس التعلم ضمن إطار النظرية التحليلية وأخذها في الحسبان.
 
ولعل أهم ما يميز التحليل النفسي اليوم فيما يتعلق بإسهاماته العلاجية أنه لم يعد يوجد ما يسمى بالتحليل النفسي أو العلاج التحليلي النفسي بالمعنى الأساسي الذي حدده فرويد وسار فيه. وما يوجد اليوم عبارة عن عدد كبير من الرؤى والتقاليد المختلفة يمكن تسميتها الاتجاهات المدرسية القائمة على أساس المبادىء النفسية التحليلية والعلاجية التحليلية، التي تطلق عليها تسميات مختلفة كالمعالجة النفسية المختصرة والعلاج النفسي التحليلي، والعلاج النفسي التحليلي في المجموعة العلاج النفسي التحليلي للأطفال واليافعين والعلاج النفسي الفردي المبني على أساس علم نفس الأعماق. ولعل مستقبل التحليل النفسي مرهون بالبرهان الإمبيريقي لكثير من فرضياته والانفتاح على الاتجاهات النفسية الأخرى كالاتجاهات السلوكية المعرفية والمعالجة النقدية لما يُبرهن تجريبياً وإخضاع العلاج النفسي التحليلي طويل الأمد لدراسات الجدوى.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث