تشمل كلمة تعدين metallurgy العمليات التي تجرى على فلزات المعادن بدءاً من استخراجها من المناجم حتى الحصول على منتجات معدنية جاهزة للاستخدام، ويمكن تصنيف هذه العمليات من حيث تسلسلها الزمني إلى مجموعات على النحو الآتي:
- تحضير الفلزات: إن الفلزات المستخرجة من المناجم غالباً ما تكون على شكل كتل صخرية أو حجارة مختلفة الحجوم تحتاج إلى التكسير والطحن، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي تحتوي - إضافة إلى مركبات المعدن المراد استخلاصه - على مركبات لعناصر أخرى أكثرها شوائب يجب التخلص من أكبر قدر ممكن منها، الأمر الذي يتم بطرائق مختلفة باختلاف نوع الفلز وما يحتويه من هذه الشوائب، وكل هذه الطرائق تعتمد على الاختلاف في الخواص الفيزيائية والكيميائية بين هذه الشوائب وبين المركب الأساس، مثل الوزن النوعي وقابلية الذوبان في الماء وقابلية التبلل بالماء، والخواص المغنطيسية ودرجة حرارة الانصهار وتأثرها بالحموض والقلويات وغيرها. بعد الحصول على الفلز المكثف يعاد تكتيله بحجوم وأشكال تتلاءم وطبيعة العمليات اللاحقة ويصبح جاهزاً لعمليات الاستخلاص.
- استخلاص المعدن: غالباً ما يتم استخلاص المعدن باختزاله من مركباته الفلزية بالتفاعلات الكيميائية، ولكن بطرائق وأوساط ومراحل مختلفة باختلاف نوع المعدن ونوع المركب الحاوي عليه، فمنها ما يتم بتفاعلات كيميائية في درجات حرارة مرتفعة بما يسمى بالتعدين الحراري pyrometallurgy كاستخلاص الحديد[ر]، ومنها ما يتم بإذابة الفلز في محاليل مائية بعد أن يكون قد عولج بالتعدين الحراري ليصبح قابلاً للذوبان في الماء إذا لم يكن كذلك، ليتم بعدئذٍ ترسيب المعدن بالتفاعلات الكيميائية المائية hydrometallurgy كالتوتياء، أو بالتحليل الكهربائي electrometallurgy سواء من محلول مائي كالتوتياء، أم من ملح أم مركب معدني مصهور كالألمنيوم، وغالباً ما تشترك أكثر من واحدة من الطرائق السابقة في استخلاص معدن ما وتنقيته.
- تحضير المنتجات نصف الجاهزة: بعد الحصول على المعدن النقي يعاد صهره (إذا لم يكن قد تم الحصول عليه مصهوراً) حيث تضاف إليه العناصر الإضافية (إذا كان المطلوب تحضير خليطة معدنية)، ثم يصب في قوالب كبيرة على شكل جلاميد ingots أو قضبان billets لتصبح جاهزة لعمليات التشكيل المختلفة كالدرفلة على شكل صفائح أو قضبان، أو السحب على شكل أسلاك.
- صناعة القطع والأدوات الجاهزة للاستخدام: تتم صناعة القطع والأدوات المعدنية المختلفة من المنتجات نصف الجاهزة إما بإعادة صهرها وسكبها في قوالب رملية أو معدنية، وإما بتشكيلها بالتطريق أو الكبس أو البثق أو السحب، وإما بتشغيلها على آلات التشغيل المختلفة.
على الرغم من أن الحرارة تستخدم في جميع المراحل السابقة وتكون أساسية في بعضها، فإن تسمية المعالجة أو المعالجات الحرارية heat-treatment لا تطلق إلاّ على تلك العمليات من تسخين إلى درجات حرارة معينة (تتعلق بنوع المعالجة) والإبقاء في هذه الدرجة فترة محددة ثم التبريد بسرعة يحددها نوع المعالجة، وهي تجرى غالباً على المنتجات المعدنية الجاهزة أو نصف الجاهزة بهدف تحسين بعض خواصها التقنية كقابليتها للتشكيل، أو التحكم بخواصها الميكانيكية والفيزيائية والكيميائية بما يتلاءم وطبيعة استخدامها. وبما أن هذه الخواص تتعلق بنوعية البنية البلّورية وتركيبها الطوري فإن التحكم بهذه الخواص يتم من خلال التحكم بالبنية البلّورية. هذا الجانب من علم المواد الذي يهتم بالتحليل الحراري للمعادن والخلائط المعدنية ودراسة مخططات اتزانها وبنيتها البلورية وكيفية تشكل هذه البنية وعلاقتها بالخواص المختلفة يسميه بعضهم بالتعدين الفيزيائيphysical metallurgy.
المعالجة الحرارية لخلائط الحديد
ما يزال الحديد يعدّ المعدن الإنشائي الأول، وخلائطه تعد الأساس في تسليح المباني وإقامة مختلف المنشآت الهندسية والإنشاءات المعدنية، وفي صناعة قطع وعناصر الآلات والآليات على اختلاف أنواعها وحجومها وظروف عملها. لذلك فإن الأهمية الأكبر تعطى للمعالجات الحرارية التي تجرى على خلائط الحديد وخصوصاً الفولاذية منها، سواء كانت من الفولاذ الفحمي أم الفولاذ السبائكي، والمعالجات التي تجرى على هذه الخلائط كثيرة متنوعة أهمها:
1ـ معالجات تحسين الخواص من دون تغيير نوعية البنية:
أ ـ إزالة الإجهادات: تجرى عادة على القطع المشكلة بطريقة السكب، وخصوصاً إذا كانت مختلفة السماكة حيث تبرد الأجزاء ذات السماكات الصغيرة بسرعة أكبر من الأجزاء الأكثر سماكة؛ ما يجعل أماكن التقاء هذه الأجزاء مناطق مجهدة نتيجة التقلص الحراري غير المتزامن. كما تجرى عملية إزالة الإجهادات على القطع التي تعرضت كلياً أو جزئياً لنسبة محدودة من التشكيل على البارد، إذ تتشوه الأجزاء التي تعرضت للتشكيل وتصبح مجهدة. وتتم إزالة الإجهادات بتسخين القطعة إلى درجة حرارة أدنى من درجة حرارة بدء التحولات الطورية وإبقائها فترة من الزمن ثم تبريدها ببطء حتى درجة الحرارة العادية.
ب ـ إعادة التبلور: التشكيل اللدن - وخصوصاً إذا كان على البارد- يشوه البنية البلّورية، إذ تستطيل البلّورات في المستوي العمودي على اتجاه قوى التشكيل ويتصدع بعضها، فتفقد القطعة لدونتها، وتصبح هشة غير قابلة لأي تشكيل لاحق أو للتحميل بقوى خارجية. لإصلاح خواص القطعة تعالج بما يسمى بالإحماء التبلوري أو إعادة التبلور، فتسخن إلى درجة حرارة تختلف باختلاف مقدار التشكيل، وتستعيد البنية تبلورها حول أنوية تبلور تنشأ على أطراف البلورات المشوهة والمتصدعة، وتستعيد البنية تجانسها (الشكل 1) وتستعيد القطعة خواصها الميكانيكية.
ج ـ يحتوي الفولاذ في بنيته على البرليت الذي تختلف نسبته باختلاف نسبة الفحم في الفولاذ. والبرليت يتكون عادة من صفائح متداخلة من الفريت (الحديد) والسمنتيت (كربيد الحديد)، وصفائح السمنتيت غالباً ما تكون رقيقة حادة الأطراف تعمل على تركيز الإجهادات عند تعريض الفولاذ للتشكيل؛ ما يجعل الفولاذ الحاوي على نسبة كبيرة من البرليت قليل القابلية للتشكيل وعرضة للتصدع. لتحسين هذه القابلية يسخن الفولاذ إلى درجة حرارة قريبة من درجة بدء التحولات الطورية وتركه فترة من الزمن بحيث تتاح الفرصة أمام صفائح السمنتيت أن تتجزأ وتتكور أطرافها فتخفف من ظاهرة تركيز الإجهادات. وعندما يراد أن تكون البنية فائقة القابلية للتشكيل خصوصاً عندما تكون نسبة الفحم في الفولاذ كبيرة وتحتوي البنية على السمنتيت الثانوي، يعمد إلى التطرية التكويريةspheroidizing ، حيث يُلجأ إلى تقسية الفولاذ لتحويل البنية إلى مارتنسيت ثم يعاد تسخينها إلى درجة حرارة قريبة من درجة بدء التحول (A1) وتركها المدة الكافية ليتفكك المارتنسيت ويتحول إلى برليت حبيبي (أرضية من الفريت وحبيبات كروية من السمنتيت)، (الشكل2).
الشكل (2)تحسين قابلية الفولاذ للتشكل
د ـ المجانسة normalizing: عند تبلور الفولاذ المصبوب في قوالب ليتجمد على شكل جلاميد أو قضبان تكون البنية البلورية على السطح ناعمة ومتجانسة في حين تكون في داخل القطعة خشنة ومتطاولة، كما أن العناصر السبائكية المضافة إلى الفولاذ السبائكي تكون نسبها في البلورات الأولية عند السطح أقل منها في الأجزاء التي تأخر تبلورها (داخل القطعة). لإعادة التجانس البلوري في هذه المصبوبات أو لتوزيع العناصر السبائكية بشكل متوازن في جميع أجزاء القطعة يعاد تسخينها بحيث تتحول البنية إلى أوستنيت، وتترك في هذه الدرجة الفترة الكافية للحصول على التجانس المطلوب ثم تبرّد ببطء إلى درجة الحرارة العادية، يبين الشكل 3 درجات الحرارة لبعض المعالجات الحرارية والعمليات التقنية للفولاذ.
2ـ المعالجات التي تغير نوعية البنية: وأهمها عملية التقسية بشقيها الشاملة والسطحية وما يعقبها من إرجاع، ولأهميتها فقد أفرد لها بحث خاص في هذه الموسوعة [ر. تقسية المعادن].
3ـ المعالجات الكيميا حرارية: وهي معالجات لسطوح بعض القطع الفولاذية بشكل مشابه للكربنة أو النتردة [ر: تقسية المعادن]، ولكن ليس بهدف تقسية سطح القطعة وإنما لإكسابه بعض الخواص الفيزيائية أو الكيميائية، مثل المقاومة للحرارة بمعالجته بالألمنيوم أو المقاومة الكيميائية بمعالجته بالكروم أو السيليسيوم وغير ذلك من المعالجات التي تكسب سطح القطعة نسبة من معدن ما تجعل السطح يتصف بخواص الفولاذ السبائكي مع المحافظة على الخواص الميكانيكية للب القطعة. وتتم أغلب هذه العمليات بوضع القطعة في صندوق فولاذي حيث تغمر بمسحوق المعدن المراد إضافته أو مسحوق إحدى خلائطه، وقد تضاف أحياناً بعض المواد المساعدة، ثم يغلق الصندوق ويوضع في فرن درجة حرارته تتعلق بنوع الفولاذ ونوع المعدن المراد إضافته، ويترك فترة تتعلق بسماكة الطبقة المراد إشابتها ثم يرفع الصندوق من الفرن ويترك ليبرد.
المعالجة الحرارية لخلائط الحديد الصب
الشكل (3) درجات الحرارة لبعض المعالجات الحرارية للفولاذ
أ ـ خلائط الحديد الصب الرمادي [ر. الحديد والحديد الصب]: التي يتبلور فيها الفحم في جميع مراحل التبريد والتحولات الثانوية على شكل غرافيت - بما فيها ذات الغرافيت الكروي - لا تستجيب لأي معالجة حرارية فيما عدا إزالة الإجهادات. أما إذا اقتصر انفصال الغرافيت على مراحل التبلور والتبريد الأولى ثم تابع انفصاله على شكل سمنتيت فإن البنية ستكون محتوية على البرليت وبالتالي يمكن نظرياً أن تجرى عليها جميع المعالجات الحرارية التي تجرى على الفولاذ مثل التطرية وإعادة التبلور والتقسية وغيرها، لكن عملياً نادراً ما تخضع لأكثر من إزالة الإجهادات أو التطرية لسوء ناقلية هذه الخلائط للحرارة .
ب ـ خلائط الحديد الصب الأبيض: وهي الخلائط التي يتبلور فيها الفحم في مراحل التبريد كلها على شكل سمنتيت، وهي عالية القساوة وغير قابلة للتشكيل، وتصنع إما للاستفادة من قساوتها العالية في صناعة بعض القطع التي تتطلب ذلك - فلا تعالج حرارياً إلا بإزالة الإجهادات - وإما من أجل تحويلها إلى ما يسمى بالحديد الصب الطروق malleable cast iron، حيث تسخن إلى درجة حرارة عالية لإتاحة الفرصة أمام السمنتيت كي يتفكك ويتحول الفحم الناتج من تفككه إلى حبيبات ناعمة من الغرافيت الكروي موزعة في جميع أجزاء البنية، ويسمى بالحديد ذي اللب الأسود. ويمكن إجراء هذه المعالجة في جو مؤكسد حيث يترافق تفكك السمنتيت مع احتراق ذرات الفحم المنفصلة عند سطح القطعة لتبدأ ذرات الفحم المنفصلة في الداخل بالانتشار باتجاه السطح والاحتراق، وبهذا يتم التخلص من الفحم قبل أن يتم تشكل حبيبات الغرافيت ليتم الحصول على ما يسمى بالحديد الصب الطروق ذي اللب الأبيض.
المعالجة الحرارية للمعادن والخلائط المعدنية الأخرى
إن عمليتي إزالة الإجهادات وإعادة التبلور السالفتي الذكر يمكن إجراؤهما على جميع المعادن والخلائط المعدنية مع الاختيار المناسب لدرجات حرارة التسخين. أما المعالجات الأخرى التي تجرى على الخلائط المعدنية الشائعة الاستخدام مثل خلائط النحاس وخلائط الألمنيوم فهي تعتمد على خصائص المحاليل الصلبة التي تتكون في هذه الخلائط، إذ إن غالبية هذه المحاليل تكون من النوع الذي تنخفض قدرته على إذابة العنصر المذاب مع انخفاض درجة الحرارة، ما يؤدي إلى انفصال العنصر المذاب من المحلول الصلب أثناء التبريد آخذاً معه ما يستطيع إذابته أو ربطه من العنصر المذيب؛ ليترسب على أطراف بلورات المحلول الصلب على شكل صفائح أو قشور من طور جديد لمحلول صلب آخر أو مركب معدني، إن انفصال الطور الصلب الجديد غالباً ما يسيء إلى الخواص الميكانيكية للقطعة، لذلك فإن أغلب المعالجات لمثل هذه الخلائط تتوجه لتحسين خواصها الميكانيكية من خلال التحكم بكيفية حدوث الانفصالات عن المحاليل المعدنية الصلبة، فعلى سبيل المثال: عند انتهاء التبلور في أي خليطة من خلائط الألمنيوم والنحاس سوف تحتوي البنية الصلبة لهذه الخليطة على محلول معدني صلب من الألمنيوم مذابة فيه نسبة من النحاس عند درجة الحرارة 548 مئوية تقارب 6%، وبالوصول إلى درجة الحرارة العادية تنخفض قابلية الذوبان إلى 2.0% (الشكل 4)، والفرق بين النسبتين يكون قد انفصل على شكل طور مستقل من مركب معدني (Al2Cu) يترسب على حدود بلورات المحلول الصلب. فإذا أعيد تسخين الخليطة إلى الدرجة 548 يعود المركب المنفصل ليذوب في المحلول الصلب، وبالتبريد السريع من هذه الدرجة حتى درجة الحرارة العادية يعرقل الانفصال ويبقى النحاس مذاباً في المحلول الصلب الذي يصبح مفرطاً في الإشباع ومجهداً؛ لذلك يسخن من جديد إلى درجة حرارة لا تتجاوز 100 درجة مئوية لتتاح الفرصة من جديد لانفصال جزئي للمركب السابق ولكن على شكل حبيبات ناعمة ومشتتة، ويبقى المحلول الصلب حاوياً على نسبة من النحاس أكبر من 2،0% مما يزيد من قساوته ومتانة الخليطة ويحسن جميع خواصها الميكانيكية.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث