إخلاء السبيل mise en liberté هو الإفراج عن مدعى عليه موقوف بملاحقة جزائية وإنه من قبيل إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التوقيف أو من قبيل إرجاع الأمور إلى طبيعتها، أي إعادة الحق بالحرية إلى صاحبه.
 
    والحرية حق طبيعي أكدته الدساتير الحديثة ومن بينها الدستور السوري الذي ينص أن: «الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم» (المادة 25 الفقرة آ). لذا لا يجوز حجب هذا الحق ما لم تثبت إساءة استعماله في المجتمع بارتكاب فعل جرمي يعاقب عليه القانون بإحدى العقوبات المانعة للحرية كالأشغال الشاقة أو الاعتقال أو الحبس، أو بعقوبة مقيدة للحرية، أصلية كانت أو فرعية، كالإقامة الجبرية أو المنع من الإقامة، أو بإحدى التدابير الاحترازية كالحجز أو العزل أو الحرية المراقبة.
 
    والأصل أن «كل متَّهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم» وتلك قاعدة أساس دستورية نصت عليها الفقرة 1 من المادة 28 من الدستور السوري، ولذا لا يجوز الحرمان من الحرية أو تقييدها إلاّ بعقوبة، ثم لا تجوز العقوبة إلاّ من بعد المحاكمة وصدور حكم مبرم يقضي بها. وأما قبل ذلك، أي في المرحلة الفاصلة بين وقوع جريمة وصدور حكم مبرم بحق مرتكبها، فالمفروض أن يبقى المدّعى عليه حراً طليقاً. غير أن لكل قاعدة شذوذاً تفرضه مقتضيات مصلحة يغلب شأنها على المصلحة التي أملت القاعدة.
 
    ففي المرحلة الفاصلة بين وقوع جريمة وصدور الحكم المبرم بحق مرتكبها، كثيراً ما تلوح اعتبارات تتصل بالمصلحة العامة التي تتقدم بطبيعة الحال على المصالح أو الحقوق الفردية، ويكون من شأنها أن تستدعي توقيف المدعى عليه استثناء من القاعدة، ولعل من أهم تلك الاعتبارات الاحتراز من فرار المدعى عليه أو الاحتراز من تأثيره في سلامة التحقيق إذا بقي طليقاً. وقد أقر الدستور نفسه هذا الاستثناء عندما قضى بأنه: «لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون» (المادة 28، الفقرة 2) ومؤداه أن التوقيف جائز عندما يأتي موافقاً للقانون، وقد جاء قانون أصول المحاكمات الجزائية ينص على التوقيف ويبين أحكامه،وكذلك النصوص الواردة في القوانين الخاصة حول الموضوع نفسه.
 
    فالتوقيف غير العقوبة. والتوقيف يقع قبل العقوبة أو قبل الحكم، وهو تدبير احتياطي، فهو لذلك تدبير مؤقت، ولا بد من انقضائه عاجلاً أو آجلاً على أحد الأشكال التالية:
 
    ـ استرداد مذكرة التوقيف وهو أمر يملكه قاضي التحقيق أيّاً كان نوع الجريمة بشرط موافقة النيابة العامة، ويختلف عن إخلاء السبيل ولا يخضع لأي طريق من طرق المراجعة.
 
    ـ أو إطلاق سراح الموقوف سواء مع القرار بمنع محاكمته من قبل قاضي التحقيق أو من قبل قاضي الإحالة، أو مع الحكم ببراءته من قبل المحكمة.
 
    ـ أو إخلاء سبيله في مرحلة التحقيق، أو في مرحلة المحاكمة، أو أمام محكمة النقض.
 
    ولكن إخلاء السبيل في أثناء التحقيق أو المحاكمة يختلف عن إطلاق السراح بعد قرار منع المحاكمة وبعد الحكم بالبراءة أو بعدم المسؤولية. فهذا نهائي، في حين يظّل المدعى عليه المخلى السبيل تحت احتمال التوقيف مجدداً.
 
    وفي الأصل، يجوز إخلاء السبيل أيّاً كان نوع الجريمة، وفي جميع أدوار التحقيق أو المحاكمة.
 
    وتظل هذه القاعدة هي المعمول بها وهي السائدة ما لم يعترضها نص خاص يمنع من إخلاء السبيل لاعتبارات من خطورة الجريمة بنظر المشرع أو من سبق فرار المدعى عليه، مثال ذلك عدم جواز إخلاء السبيل في المحاكمة الجنائية إذا كان المتهم محكوماً غيابياً من السابق وقد قبض عليه أو سلّم نفسه، ومثله المتهم المحال بجناية من قانون العقوبات الاقتصادية. وكذلك أيضاً يمنع إخلاء السبيل بصورة مطلقة وفي كلا مرحلتي التحقيق والمحاكمة في جرائم التهريب.
 

    حالات إخلاء السبيل

 
    يكون إخلاء السبيل واجباً أو جائزاً. فإخلاء السبيل الواجب هو ما يسمى: إخلاء السبيل بحق. وقد أوجبه القانون بالشروط التالية: أن تكون الجريمة محل الملاحقة من نوع الجنحة فإن كانت مخالفة كان ذلك من باب الأَوْلى. وأن يكون الحدّ الأقصى للعقوبة التي تستوجبها الحبس سنة. وأن يكون قد مضى خمسة أيام على التوقيف. وأن يكون للمدعى عليه موطن في سورية. وأن لا يكون قد حكم عليه قبلاً بجناية ولا بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر من دون وقف التنفيذ.
 
    أما إخلاء السبيل الجائز فيطلب باستدعاء إلى المرجع واضع اليد على الدعوى وهو قاضي التحقيق، أو قاضي الإحالة، أو محكمة الموضوع أو محكمة النقض تبعاً لتحول الدعوى من مرجع إلى آخر، إلا عند تخلي قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة بقرار عدم اختصاص، فيبقى لهما النظر وبت تخلية السبيل إلى أن تفصل مسألة الاختصاص.
 
    وينظر في الطلب ويبت في غرفة المذاكرة، بعد استطلاع رأي النيابة العامة. ويقبل طلب إخلاء السبيل أو يرفض، وليس الرفض مانعاً من معاودة الكرة بتقديم طلبات جديدة مرة بعد مرة. ويكون إخلاء السبيل المقبول بكفالة أو بغير كفالة.وتكون الكفالة نقداً، أو أسناداً على الدولة أو مضمونة من الدولة، أو ضمانة مصرفية أو عقارية أو تجارية، باستثناء الكفالة أمام محكمتي الجنايات أو النقض، فيشترط فيها أن تكون نقدية أو مصرفية.
 
    وتضمن الكفالة حضور المدعى عليه إجراءات التحقيق والمحاكمة ومثوله لتنفيذ الحكم إذا صدر بحقه، كما تضمن تأدية الرسوم والنفقات للمدعي الشخصي أو المتوجبة للدولة، والغرامات.
 

    الطعن بالقرارات المتعلقة بطلبات إخلاء السبيل

 
    يختلف الأمر في هذه الحال باختلاف المرجع مصدر القرار:
 
    فالقرار الذي يصدر عن قاضي التحقيق، يقبل الطعن بطريق الاستئناف، ومرجع النظر في هذا الاستئناف هو قاضي الإحالة، فإن كان قراراً بالرفض فمن حق المدعى عليه الموقوف استئنافه، وإن كان قراراً بإخلاء السبيل، فاستئنافه عائد إلى النيابة العامة وإلى المدعي الشخصي، ولا ينفذ إلا بعد انقضاء مهلة الاستئناف والتصديق عليه من لدن قاضي الإحالة. ويحق للمدعى عليه أن يستأنف قراراً كهذا فيما يخص بدل الكفالة.
 
    ومهلة الاستئناف 24 ساعة تبدأ، بحق النائب العام، من وصول الأوراق إلى قلمه للمشاهدة. وتبدأ، بحق المدعى عليه والمدعي الشخصي، من وقوع التبليغ.
 
    ويملك قاضي الإحالة حق الفسخ أو التصديق، ويملك بالتالي تقرير إخلاء السبيل أو رفضه، كما يملك التصرف بالكفالة رفعاً أو تخفيضاً أو إلغاء كلياً.
 
    والقرار الذي يصدره قاضي الإحالة ببت الاستئناف المرفوع إليه لا يقبل الطعن بأي طريق من طرق المراجعة. ولذا فإنه ينفذ من فوره. وكذا الحال عندما يقدم طلب إخلاء السبيل إلى قاضي الإحالة حين تكون الدعوى تحت يده، فإن قراره بالرفض أو القبول هو قرار قطعي إذ ليس هو من القرارات القابلة للطعن بطريق النقض.
 
    أما القرارات التي تصدر عن قاضي التحقيق العسكري والمتعلقة بتخلية السبيل، فإن مرجع الطعن فيها هو محكمة النقض، ومهلة هذا الطعن خمسة أيام، ثم إن حق الطعن يقتصر على النيابة العامة وعلى المدعى عليه من دون المدعي الشخصي.
 
    وتقبل قرارات المحاكم الجنحية صلحية كانت أو بدائية، الطعن بطريق الاستئناف أمام محكمة استئناف الجزاء، إما من جانب المدعى عليه الموقوف إن كان قراراً بالرفض، أو من جانب كل من النيابة العامة والمدعي الشخصي إن كان قراراً بإخلاء السبيل، وذلك بالمهلة نفسها التي سبق ذكرها وفصلت أحكامها عند البحث باستئناف قرارات قاضي التحقيق.
 
    وكما أن قرارات قاضي الإحالة ببت طلب إخلاء سبيل مقدم إليه، أو ببت استئناف قرار صادر عن قاضي التحقيق مرفوع إليه، كلها قطعية، كذلك تصدر قطعيةً قرارات محكمة الاستئناف ببت طلبات إخلاء السبيل التي تقدم إليها عندما تكون الدعوى مستأنفة وتحت يدها، أو ببت استئناف قرار صادر عن محكمة الصلح أو عن محكمة البداية يرفع إليها. ذلك أن مثل هذه القرارات التي تصدرها محكمة الاستئناف بشأن إخلاء السبيل ليست من الأحكام القابلة للطعن بطريق النقض.
 
    أما القرارات التي يصدرها القاضي الفرد العسكري بشأن طلبات إخلاء السبيل فهي قطعية ولا تقبل الطعن، مع أن محكمته جنحية من جهة، وليست مرجعاً استئنافياً من جهة أخرى.
 
    تبقى قرارات محاكم الجنايات (ومنها المحاكم العسكرية) الخاصة برفض طلبات إخلاء سبيل المتهمين الذين يحاكمون أمامها أو بقبولها، قرارات قطعيةً، لأنها كذلك ليست من الأحكام الصادرة بالدرجة الأخيرة والقابلة للطعن.
 
    ومثلها أخيراً وبطبيعة الحال قرارات محكمة النقض، إذ إن هذه الأخيرة هي أعلى مرجع قضائي ولا مرجع فوقها، وهي تنظر في طلبات إخلاء السبيل التي تقدم إليها في أثناء وضع يدها على الدعوى وبتها، إما بصدد الطعن بقرار اتهام صادر عن قاضي الإحالة أو بصدد الطعن بحكم محكمة.
 

    معاودة التوقيف بعد إخلاء السبيل

 
    إن إخلاء سبيل المدعى عليه ليس نهائياً بل إن هذا الأخير يظل معرضاً لمعاودة توقيفه في الحالات التالية:
 
    ـ إذا تبينت قبل إقفال التحقيق أسباب طارئة ومهمة تستلزم تجديد التوقيف، فإن قاضي التحقيق يصدر مذكرة بذلك حتى لو كان إخلاء السبيل قد صدر عن قاضي الإحالة. على أنه يجب في هذه الحالة رفع الأوراق بلا إبطاء إلى قاضي الإحالة لتثبيت مذكرة التوقيف أو لإلغائها.
 
    ـ إذا صدر قرار اتهام جنائي بحق المدعى عليه فيحال المتهم على محكمة الجنايات موقوفاً بموجب مذكرة قبض ولو كان مخلى السبيل بالكفالة.
 
    ـ إذا تخلف عن تلبية دعوة للحضور، فلقاضي التحقيق أو للمحكمة إصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه، والحق نفسه يعود لقاضي الإحالة عندما يقرر التوسع بالتحقيق ويتولاه بنفسه.
 
    وليس في القانون ما يمنع في هذه الحالات من معاودة إخلاء سبيل الموقوف مرة أخرى.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث