عرف القانون المدني السوري عقد البيع Contract Of  Sale بأنه «عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء، أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي». [ر:العقد].
فالبيع من العقود الواردة على الملكية، لأنه ينقل ملكية الأشياء والحقوق المالية من شخص إلى آخر، ويسمى المحل الذي يرد عليه عقد البيع: مبيعاً، ولا يقتصر على الأعيان والأشياء المادية، بل يشمل الحقوق المالية، كالدين في الذمة، وحقوق الارتفاق، والملكية الأدبية والصناعية والفنية وحق الامتياز والاختصاص، ويسمى المقابل للمبيع الثمن النقدي ليخرج حالة الثمن العيني وهو المقايضة، ويشترط في الثمن أن يكون حقيقياً.
عقد البيع من أهم العقود في القديم والحديث، وأكثر العقود انتشاراً واستعمالاً، وأقدم العقود في التعامل، ويقترن بوجود الحياة الاجتماعية بين الناس، فيسهّل لهم وسيلة التعاون في تبادل المنافع والأموال.

أركان عقد البيع

ركن العقد هو كل ما لا يتصور وجود العقد إلا بوجوده، ويتوقف صلاح العقد على وجوده. وأركان البيع ثلاثة، وهي الإرادة، والمحل، والسبب. وتتمثل الإرادة في الرضا في عقد البيع. ويشمل المحل: المبيع والثمن والسبب، وله معنيان، المعنى القريب المباشر، وهو واحد في جميع البيوع، ويكمن في الالتزامات المتقابلة في العقد، أو تنفيذ المتعاقدين للعقد، والمعنى الغائي غير المباشر، وهو الباعث للعقد.

الرضا في البيع

الرضا عنصر أساسي في البيع، لأنه تطبيق للمبدأ العام في التراضي في العقود، الذي نص عليه القانون المدني السوري «يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد».
ويتم الرضا بالإيجاب والقبول الظاهرين، تعبيراً عن الإرادة الضمنية لكل منهما، ويصح التعبير عن الإرادة باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المتداولة عرفاً. ويشترط لوجود التراضي في البيع أن يصدر من أهله، بأن يكون كل من البائع والمشتري متمتعاً بالأهلية، وهي صلاحية الإنسان للقيام بالتصرفات القانونية أو الشرعية على وجه يُعتد به. وإذا انعقد البيع بالتراضي بارتباط الإيجاب والقبول كان البيع نهائياً، وتترتب عليه الآثار والالتزامات المقررة شرعاً أو قانوناً.

 محل البيع: ويشمل: المبيع والثمن.

1 ـ المبيع: وهو محل البيع الحقيقي، والمعقود عليه في عقد البيع، ويثبت فيه أثر البيع وحكمه، ويشترط فيه شروط ليكون البيع صحيحاً، وهي:
  أ ـ أن يكون المبيع موجوداً وقت انعقاد البيع، أو يكون ممكن الوجود في المستقبل، وإلا كان البيع باطلاً.
 ب ـ أن يكون المبيع معيناً أو قابلاً للتعيين حتى يقع العقد عليه، وتترتب آثار البيع عليه، وتنصب الإرادة على شيء محدد تتجه إليه في التعاقد. ويتم تعيين المبيع إما بالعقد مباشرة، وإما ببيان أسس يتم بها تعيين المبيع في المستقبل.
ج ـ أن يكون المبيع مشروعاً يسمح القانون أو الشرع بأن يتعامل به الناس، وليس خارجاً عن التعامل، إمّا بسبب طبيعته كالماء والهواء والشمس، وإما بحكم القانون والشرع كلاً أو بعضاً، كمنع بيع الأدوية والعلاجات والمواد المخدرة.
د ـ أن يكون المبيع مملوكاً، وقابلاً للانتقال إلى المشتري، وهذا ليس شرطاً للانعقاد، ولكنه شرط لزوم العقد ونفاذه.
هـ ـ أن يكون المبيع معلوماً عند المشتري علماً كافياً.
2 ـ الثمن: وهو مبلغ من النقود يلتزم المشتري أداءه إلى البائع في مقابل المبيع. ويُتَّفق على الثمن بين البائع والمشتري في عقد البيع، ويتم ذلك بمطلق الحرية. ويشترط في الثمن عدة شروط، هي:
أ ـ أن يكون الثمن نقوداً، وهي العملة التي تصدرها الدولة، وقد تسمح الدولة أحياناً بالتعامل بعملة أخرى لأسباب تقدرها، والثمن النقدي هو ما يميز البيع من المقايضة التي يتم فيها تبادل الأعيان والحقوق المالية بأعيان وحقوق مالية أخرى.
ب ـ أن يكون الثمن جدياً وحقيقياً، بأن تتجه إرادة المتعاقدين إلى أداء الثمن المتفق عليه بشكل ثابت وصحيح، وإلا كان الثمن صورياً، أما إن كان الثمن بخساً، وهو الذي يقل عن القيمة الحقيقية للمبيع، وفيه غبن فاحش فلا يمنع انعقاد البيع مادام المتعاقدان كاملي الأهلية، إلا في حالات استثنائية يذكرها القانون أو الفقهاء، كالغبن الاستغلالي، والغبن في بيع عقار القاصر، وغير ذلك.
ج ـ أن يكون الثمن معلوماً عند العقد حتى تتحدد الالتزامات على الطرفين بدقة.

آثار عقد البيع

ينتج من عقد البيع آثار تترتب عليه، ولما كان من عقود المعاوضة، وكان عقداً ملزماً للجانبين، كانت آثاره تتوزع على المتعاقدَين البائع والمشتري، وتعرف هذه الآثار في القانون بالالتزامات. لذلك تنشأ عن البيع عدة التزامات متقابلة على البائع وعلى المشتري، وإن امتنع أحد المتبايعين عن تنفيذ التزاماته، أو أحدها، فإنه يجوز للطرف الثاني أن يقوم بإجراءات محددة، كفسخ العقد، أو حبس المبيع، أو حبس الثمن مع المطالبة بالتعويض، وقد ينشأ لأحدهما امتياز معين يكفل له الحصول على حقه المقابل للالتزام الذي نفذه.

التزامات البائع

تتحدد التزامات البائع بأربعة أمور رئيسة، وهي:
1 ـ التزام نقل الملكية إلى المشتري: وتختلف طريقة نقل الملكية بحسب كون المبيع منقولاً، أو عقاراً، وبحسب كونه معيناً بالذات، أو معيناً بالنوع.
أ ـ نقل ملكية المبيع المنقول المعين بالذات.
ب ـ نقل الملكية في المبيع المعين بالنوع.
ج ـ نقل الملكية في العقار؛ العقارات لها أهمية خاصة، لذلك وضع لها المشرع أحكاماً خاصة تفصيلية، ليكون بيعها مثبتاً بسجلات رسمية تكون حجة على الكافة.
هـ ـ نقل ملكية المبيع في بعض وسائل النقل والحقوق الأدبية؛ وكذلك أخضع القانون انتقال ملكية بعض الحقوق الشخصية والأدبية أو الفنية إلى إجراءات خاصة، مثل حوالة الحق قِبَل الغير، وبراءة الاختراع؛ فيجب أن يكون البيع خطياً، وأن يسجل في سجل مكتب الحماية حتى ينفذ أثره تجاه الغير، ومثل ذلك العلامات الفارقة التجارية والصناعية، واشترط قانون التسجيل تسجيل الأسهم وسندات الدخل وغيرها لانتقال ملكيتها.
2 ـ التزام البائع تسليم المبيع: والتسليم هو «وضع المبيع تحت تصرف المشتري ليتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق».
3 ـ التزام البائع ضمان التعرض والاستحقاق: وذلك ليضمن للمشتري الملكية الكاملة، وحق الانتفاع الكامل والهادئ بالمبيع.
4 ـ التزام البائع ضمان العيوب الخفية: والعيب هو ما تخلو عنه الفطرة السليمة للمبيع وينقص القيمة.

التزامات المشتري:

ويترتب على المشتري ثلاثة التزامات، وهي:
1 ـ التزام دفع الثمن: يلتزم المشتري دفع الثمن بمجرد العقد، ويصبح ديناً في ذمته، ويجب عليه وفاؤه لبراءة ذمته، ويكون بالنقد أو العملة المتفق عليها، أو المتداولة في العرف، وبحسب الأنظمة. ويدفع الثمن فوراً ودفعة واحدة، إلا إذا حصل اتفاق على التأجيل أو التقسيط.
2 ـ التزام المشتري تسلّم المبيع: إن تسلم المبيع التزام على المشتري مقابل التزام البائع التسليم، لأن التسليم لا يتم حقيقة إلا بتسلم من المشتري.
3 ـ التزام المشتري تسديد النفقات: يلتزم المشتري تسديد النفقات التي تتعلق بعقد البيع، كالطوابع ورسوم التسجيل، ما لم يوجد اتفاق أو عرف على خلاف ذلك.

أنواع البيوع

ينطبق الكلام السابق على البيع عامة، ولكن المشرع في الفقه الإسلامي والقانون أفرد بعض البيوع بأحكام خاصة، وبصفة آمرة أحياناً لمنع الخروج عليها أو الاتفاق على خلافها. وهذه البيوع كثيرة، أهمها ما يأتي:
1 ـ بيع الوفاء: وهو أن يبيع الشخص شيئاً إلى آخر، ويحتفظ بحق استرداده منه إذا شاء، ويرد له الثمن، فهو في الظاهر بيع وشرط، وهذا الشرط ينافي مقتضى العقد، ولا يتفق مع حقيقة البيع بنقل الملكية نهائياً، لتكون مستقرة، لكنه أجيز للحاجة إليه.
وهذا البيع أقره فقهاء المذهب الحنفي، ومنعه الشافعية، ويسمى أيضاً بيع الطاعة، أو الرهن المعاد، أو بيع الأمانة.
ولكن القانون المدني المصري ثم السوري ألغى بيع الوفاء، وعدّه باطلاً لعدم الحاجة إليه، ووجود البديل عنه.
2 ـ بيع ملك الغير: وهو أن يبيع الشخص شخصاً آخر عيناً معينة بالذات ليست مملوكة للبائع، ويسمى في الفقه الإسلامي: بيع الفضولي، وله صور كثيرة في الحياة، فالأب يبيع مال ولده، والزوج يبيع مال زوجته..الخ، أما القانون المدني المصري والسوري فعدَّا بيع ملك الغير صحيحاً ولكنه قابل للإبطال.
3 ـ بيع الحقوق المتنازع عليها: وهي الأموال والحقوق التي ثار حولها نزاع جدي بين طرفين، فيلجأ أحدهما إلى بيعها لثالث ليخرج من النزاع، ويخلص له الثمن الذي قبضه، ويتولى المشتري ملاحقة حقه، ومخاصمة الأول، ليتقرر حقه على جميع المبيع.
وتدخل القانون المدني في هذا البيع لإزالة محاذيره، ودفع أخطاره، لمنع المضاربة غير المشروعة، ومنع رجال القضاء من استغلال وظيفتهم، وللتخفيف من المنازعات، فقضى بأنه للمتنازع معه أن يخلص من المطالبة، وأن يسترد المبيع على أن يدفع للمشتري الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع، وذلك بأن يعلن ذلك في المحكمة، أو يقوم فعلاً برد الثمن وتوابعه إلى المشتري.
4 ـ بيع التركة أو المخارجة: التركة هي كل ما كان للإنسان حال حياته، وانتقل شرعاً إلى ورثته بعد وفاته، سواء كان مالاً أو حقاً قابلاً للانتقال. وخصها الشرع والقانون بحكم خاص، فأجازا بيع مشتملاتها دون تفصيل أو معرفة بمضمونها وحقيقتها.
5 ـ البيع في مرض الموت: مرض الموت هو المرض الذي يعجز صاحبه عن القيام بأعماله المعتادة، ويغلب فيه الهلاك، ويلازمه حتى الموت، ولا تزيد مدته على سنة، ويرى جمهور الفقهاء والقانون المدني أن مرض الموت عارض من عوارض الأهلية، وينقص أهلية الأداء، لضعف الذمة وتعلق حق الغرماء والورثة ـ مبدئياً ـ بأمواله، لذا خصه المشرع في قانون الأحوال الشخصية بأحكام خاصة تصون حقوق الورثة والغير.
6ـ بيع النائب لنفسه: النائب هو الذي يتولى التصرف عن غيره إما بتكليف من الشارع، وهو الولي، أو بتفويض من الأصل، وهو الوكيل، أو بتعيين من القضاء أو الإدارة، وهو القيِّم أو الوصي، أو الموظف المكلف في لجنة الشراء والبيع، ويلحق بهم السماسرة والخبراء الذين يقوِّمون المبيع.
وبيع النائب لنفسه هو أن يشتري الشيء المكلف بيعه نيابة عن غيره لنفسه، فيتولى طرفي العقد، وهذا ما منعته الشريعة والقانون مراعاة لمبادئ التعامل، والقيم الاجتماعية في الثقة والأمانة، ولرعاية حق الغائب والصغير والمحجور عليه والضعيف، ولتعارض مصلحة البائع والمشتري في تحقيق المصلحة الأفضل لكل منهما، وأن تعيين النائب يفهم منه ضمناً إخراجه من جملة المشترين، ليبيع من غيره حصراً.
فإذا اشترى النائب الشيء المكلف بيعه لنفسه كان البيع قابلاً للإبطال في القانون، وموقوفاً في الفقه، ويعد صحيحاً إذا أجازه من تمَّ البيع لحسابه.
واستثنى القانون من ذلك حالتين، وهما: إذا أذن القاضي للنائب في البيع أن يبيع لنفسه، وإذا نص القانون على صحة ذلك، مثل جواز البيع من الوكيل بالعمولة لنفسه بحسب قواعد التجارة، وحق الأب في شراء مال ابنه الذي تحت ولايته من نفسه، لثبوت ذلك شرعاً.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث