الخوف
 
الخوف fear هو ردة فعل طبيعية يستجيب بها الفرد من شعوره بوجود خطر يتهدده، وقد يكون هذا الخطر حقيقياً أو متخيلاً. وتترافق مشاعر التهديد بتغيرات جسدية ونفسية، إذ يشعر الفرد بالتعرق، وبرودة الأطراف والغثيان والدوار وسرعة خفقان القلب وانخفاض سوية العمليات النفسية. وسواء أكان الموقف المهدِّد حيواناً مفترساً يواجه الإنسان أم كارثة طبيعية أم مقابلة مع شخص مهم أم إجراء امتحان فإن التغيرات الجسدية هي نفسها في الحالات كلها.
 
وتسهم الكيفية التي يقوِّم فيها الفرد الموقف في حدوث مشاعر الخوف وفي درجته وشدته، كما أن الخوف يحدث لدى الفرد إذا واجه ما يتهدده من خطر مفاجئ لم يسبق التحضير له، أو إذا واجه ذلك الخطر بناء على خبرة مؤلمة سابقة متصلة به. وبهذا يمكن تعريف الخوف: بأنه استجابة انفعالية تحدث لدى الفرد عندما يكون في مواجهة مثير يتهدده من دون أن يكون مستعداً لهذه المواجهة، أو الذي يعود إلى موضوع قد سبقت فيه خبرة مؤلمة وخطرة، الأمر الذي يقود إلى إحداث تغيرات جسدية ونفسية. ويتضمن الخوف عنصر المفاجأة، ويشل الحياة النفسية، وهو إشارة إنذار لخطر متوقع أو معاش قد يتطور إلى درجة عالية من الخوف على هيئة ذعر أو هلع.
 
ويبدو أن المثيرات المنتجة للخوف تتغير من حيث الأهمية بحسب مراحل نمو الإنسان، فالأشياء المفاجئة غير المتوقعة، وربما المخيفة للطفل قد لا تكون مثيرة للخوف للمراهق أو للراشد، ومن جانب آخر، فإن بعض المثيرات المنتجة للخوف التي تؤثر في المراهقين والراشدين قد لا تثير الخوف لدى الطفل الصغير. لقد أظهر جيرسلد A.Jersild ت(1933) أربعة أنواع من المثيرات المنتجة للخوف وهي: رؤية الحيوانات، سماع الأصوات القوية، التهديد بالإيذاء أو المرض أو الموت، والأشياء التي لم يألفها الطفل والأشخاص الغرباء عنه. والحيوانات كمثير للخوف يزداد تأثيرها بازدياد نمو الطفل، أما الأصوات فتقل فاعليتها كلما نما الطفل، وكذلك الأشياء الغريبة والأشخاص الغرباء. أما التهديد بالإيذاء أو المرض أو الموت فلا يثير الخوف عند الطفل في سنتيه الأوليين، بل يبدأ عنده بعد سن الخامسة أو السادسة.
 

الموروث والمكتسب في الخوف

 
تزداد المؤثرات التي تثير الخوف بارتفاع مستوى الكائن الحي في سلم التطور. فقد تكون المؤثرات المؤدية إلى الخوف موروثة، ولكنها في الجزء الأكبر مكتسبة ومتعلمة، ويستدل على وجود المؤثرات الوراثية من الخوف عند الحيوانات، فيخاف الفأر إن تعرض لألم مفاجئ من صدمة كهربائية تجعله يتبول أو يبرز، أو سمع صوتاً عالياً مفاجئاً، أو وضع في مكان غريب، وتثار القردة بانفعال الخوف إذا ما اقتربت من قطعة بسكويت بها دودة أو جمجمة قرد.ويبدو أن غرابة المثير وفجائيته وشدته من المؤثرات التي تثير الخوف عند الحيوانات. وقد أوضحت تجارب جيمس واطسون Watson أنه يمكن إثارة الخوف عند الطفل عن طريق إحداث صوت قوي ومفاجئ بقربه، كما أن الطفل يخاف إذا حُجب عنه ما يستند إليه بصورة مفاجئة، وهذه المثيرات لا دخل لعنصر التعلم والاكتساب فيها، ولكن استجابات الخوف التي يتم اكتسابها بالتعلم من مؤثرات البيئة هي الغالبة في حياة الإنسان. فمن المعتقد أن التأثيرات البيئية التي تعود إلى بيئة الطفل الأولى - رحم الأم - تجعل الطفل حساساً على نحو خاص بحيث تكون استجابته للخوف زائدة إذا وقعت أمه في أثناء حملها به تحت تأثير خوف شديد. ولعل التعلم الشرطي أبسط صور التعلم التي يكتسب عن طريقها الفرد تلك المؤثرات التي تبعث على الخوف، ففي تجربة قام بها واطسون، وذلك عن طريق تجربته على طفل يبلغ من العمر أحد عشر شهراً تعوَّد اللعب مع فأر أبيض، فقد كان يفاجئ الطفل عند اقتراب يده من الفأر بإحداث صوت قوي مفاجئ، وبعد تكرار الاقتران بين المثير الطبيعي للخوف - وهو الصوت القوي - ومنظر الفأر الأبيض، بدأت عند الطفل استجابة الخوف من رؤية الفأر الأبيض. وهكذا فإنه يمكن أن يتم تعلم الخوف بعمليات الارتباط الشرطي من تعزيز وانطفاء وتعميم وتمييز.
 
ويحدث الكثير من التعلم البشري من السياق الاجتماعي، إذ تبين ماري كوفر جونز M.C.Jones أن المحاكاة الاجتماعية قد تكون أكثر مصادر الخوف غير المعقول شيوعاً عند الأطفال. فقد قامت جونز بوضع طفلين معاً في إحدى غرف الألعاب وكان أحد هذين الطفلين يخاف من الأرانب، والآخر لا يخافها، وعرضت عليهما أرنباً، فأظهر الطفل الذي لا يخاف رجاع الخوف من الأرانب مباشرة (انتقلت إليه عدوى الخوف من الطفل الآخر) واستمرت هذه الرجاع بالظهور مدة يومين.
 
كما أن الكثير من التعلم البشري يتضمن عمليات إدراكية معقدة، تقوم بمساعدتها الرموز التي تنقلها اللغة. فقد يخاف الطفل مما يسمعه من مخاوف الآخرين وخاصة مخاوف الأم، كما تنتقل بعض المخاوف إلى الأطفال على نحو لا شعوري، ولا يقتصر انتقالها على الطريقة الكلامية فقط، بل يمكن أن تنتقل عن طريق الإيماء أو الموقف. فقد تبين أن الأمهات اللواتي احتفظن بهدوئهن في أثناء الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية أنشأن أطفالاً يميلون إلى الهدوء، بينما نقلت الأمهات الخائفات خوفهن إلى أطفالهن.
 

التغيرات الفيزيولوجية والسلوكية المصاحبة للخوف

 
يصاحب الانفعال بصورة عامة والخوف الانفعالي تغيرات فيزيولوجية مختلفة مثل تغيرات في ضغط الدم وتوزيعه، واضطراب في نبضات القلب، وعدم الانتظام في عملية التنفس، واضطرابات في الجهازين العصبي والهضمي، وتوترات عضلية. وتحدث تغيرات داخلية في الأجهزة الحشوية تكون بمثابة إعداد الكائن الحي لمواجهة الموقف المثير للخوف بالهروب أو الانسحاب. وهناك من يرى أن التغيرات الداخلية لا تختلف من انفعال إلى انفعال.
 
غير أن البحوث الحديثة كما يذكر موراي H.Murray. أوضحت أن هناك نوعين على الأقل من هرمونات الأدرينالين لهما دور في الاستجابة الانفعالية، وهما هرمون الأدرينالين وهرمون النورادرينالين، إذ إن الأول يرتبط بالخوف، في حين يرتبط الثاني بالغضب، فقد وجد مثلاً أن الحيوانات المسالمة التي يسهل إخافتها مثل الأرانب يغلب عليها إفراز الأدرينالين، في حين أن الحيوانات غير المسالمة أو المقاتلة مثل الأسود يغلب عليها إفراز النورادرينالين.
 
وبصورة عامة هناك تغيرات فيزيولوجية ونفسية عامة ترافق الخوف. ولكن كيف يمكن تفسير حدوثها؟ هل تحدث لوجود الخطر في حالة الخوف، أم أنها تحدث ثم يتم الشعور بوجود الخطر؟
 
فلو افترضنا أن شخصاً ما يسير على الرصيف، وفجأة حاولت سيارة أن تتفادى سيارة أخرى فانحرفت باتجاه الشخص، فقفز من أمامها مذعوراً، والذعر حالة انفعالية، فهل في هذه الحالة استجاب الشخص لأنه خاف، أم أنه خاف لأنه استجاب؟ وبمعنى آخر هل سبق الخوف السلوك أم أن السلوك سابق على انفعال الخوف؟
 
هناك تفسيرات مختلفة لتسلسل السلوك الظاهر والمشاعر الداخلية للانفعال، فالنظرية التقليدية تقول إن الفرد يشعر بالخوف أولاً ثم يستجيب جسمه لتغيرات معينة هي التي تميز الانفعال، وهي التي تهيئ الفرد للسلوك الظاهر.
 
أما نظرية جيمس - لانج James-Lang فتقول إن الشعور بانفعال الخوف يلي التغيرات التي تحدث داخل الجسم. ومعنى هذا أن الفرد عندما شاهد السيارة تقترب منه قد حدثت تغيرات معينة نتج عنها شعوره بالخوف.
 
أما نظرية كانون - بارد Cannon-Bard فتقول إن انفعال الخوف يتألف أو يتضمن حدوث ردود فعل فيزيولوجية ونفسية في وقت واحد للمثيرات التي تؤدي إلى الانفعال.
 
ويرى هول Hall أن الانفعال هو الحال الكلية للإنسان، فهو ليس إحساساً فقط، بل يتكون الانفعال من الإحساس والعمليات العقلية والتغيرات العضوية اللاإرادية والسلوك التعبيري والنشاط الحركي، فحين يخاف الفرد يخاف كله؛ قلبه، رئتاه، وجهه، كيميائية دمه، فمه، ذاكرته، وإدراكه، وجميع ما يكون الفرد يصبح في حالة خوف.
 

وظيفة الخوف وفائدته

 
للخوف دور ايجابي في حياة الإنسان، وظيفته الأساسية وقاية الإنسان وحمايته من الأخطار التي تتهدده، وهو يهدف إلى دفع الإنسان نحو تجنب ما يسبب له الألم والأذى الجسدي والمعنوي. فلولا الخوف من الجوع لما اندفع الإنسان للعمل مثلاً، ولولا الخوف من الرسوب والفشل في الامتحانات، وما يرتبط بذلك من عواقب اجتماعية ومعنوية ومادية، لما سعى الطالب نحو الدراسة والجد، ولولا الخوف من مخاطر الحوادث لما سعى الإنسان نحو القيادة المتزنة لسيارته. إنه عامل حفز، يدفع الإنسان نحو العمل والجد وإزالة أسباب الخوف. ويبحث بعض الناس عن مواقف مسببة للخوف؛ لأنهم يشعرون بالراحة والانتصار بعد تغلبهم على هذه المواقف؛ فالقفز المظلي أو تسلق الجبال أو الأنواع المختلفة من الرياضة، والتي تحتاج للتحدي، مواقف يقوم فيها الإنسان بخلق درجة عالية من الخوف لديه كي يشعر بالراحة ونشوة النصر فيما بعد. وقليل من الخوف لازم في كل أنواع الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، وهو موجود في كل نشاط يقوم به، وإن كان بعض الناس لا يظهرون خوفهم للخارج، أو تعلموا كيفية ضبطه والتعامل معه، ولكنه قد يتحول في بعض الأحيان من عامل حفز ودفع إلى عامل إعاقة، وذلك عندما يزداد على الحد الطبيعي، وعندما يشعر الإنسان أن التهديد أكبر من الحجم الحقيقي للخطر فيتحول عندئذ إلى عامل كبح وكف يعوّق الإنسان عن التعامل الإرادي والمنطقي مع الأشياء، والخوف هنا يتحول إلى مرض يعوّق الإنسان عن ممارسة حياته على نحو طبيعي، ويسبب له الحزن في حالات، أو يجعله عاجزاً عن اقتناص الفرصة التي يمر بها، كما في حالة الإصابة بالخوف المرضي أو العصابي phopia كالخوف الشديد القهري من الأماكن العالية، مع العلم أن الشخص الخائف محاط بحواجز تحميه من الأخطار، وهناك حالة الخوف من الحشود والناس في الشارع والاختباء في البيت تجنباً للقائهم، أو الصعود في المصعد، أو السفر بالطائرة، أو الخوف من السير في الأماكن الضيقة، وقد أشارت مدرسة التحليل النفسي إلى هذه المخاوف المرضية، التي تظهر في الاضطرابات النفسية، وقد يشعر الإنسان بخوف لا يعرف سببه ويعجز عن مواجهته وهو ما ندعوه بالقلق، فالقلق anxiety هو انفعال من الخوف والتوتر والخشية من خطر أو تهديد يتوقع حدوثه، ولا يستدعي مثل هذه الدرجة من الخوف. ولا يميز الكثير من علماء النفس بين القلق والخوف. إلا أن بعضهم يفضل التفريق بينهما لضرورات سريرية وعلاجية، وهذا ما يدعو إلى تحديد نقاط التشابه والاختلاف بينهما: إن كليهما حالة انفعالية، يستثاران عند الشعور بوجود خطر يهدد الشخص، ويدفعان للاستجابة، ويرافق كلاً منهما تغيرات عضوية ونفسية والقيام بسلوك إيجابي. أما نقاط الاختلاف بينهما فهي من حيث طبيعة المثير، ففي حالة القلق يكون غير معروف، أما في حالة الخوف فهو معروف، وكذلك يكون التهديد والخطر في حالة القلق، داخلياً، بينما في حال الخوف يكون خارجياً، وتكون الاستجابة في حال القلق الشديد مبالغاً بها مع عدم القدرة على السيطرة عليها، أما في حالة الخوف فتتناسب الاستجابة مع خطر المثير، وتبدو الاستمرارية في حالة القلق، بينما يكون الخوف عابراً ويزول بزوال المثير.
 
كان موضوع الخوف من اهتمامات علم النفس العسكري، فالجندي الذي ينتظر معركة أو يكون في خضمها يواجه حالة الخوف، وتولّد بعض المشاهدات في ساحة المعركة حالات من الخوف الشديد، وتنبه القادة العسكريون لمثل هذه الظاهرة التي إذا ما استفحلت بين الجنود تؤدي إلى الهزيمة. ويشير الباحثون في هذا المجال إلى أن مجابهة العدو تبدو مخيفة حينما تتم في ظروف لم يخبرها أو يتعود عليها العسكري من قبل، إلا أنه سرعان ما يتكيف مع المواقف الجديدة.
 
ومن الخبرة والتجربة في ميدان المعركة برزت تدابير عدة للتغلب على مشاعر الخوف وهي:
 
ألا يترك القائد جنوده من دون عمل، فالعمل يبدد الخوف ويفتت سيطرته. ثم إن أكثر ما يخيف العسكري عندما تشتد التوترات النفسية في فترة التهيؤ للمعركة هو الوحدة النفسية، فإذا ما شعر أنه وأفراد طاقمه منعزلون في موقعهم الدفاعي، فإن القلق والخوف يتسللان إلى نفوسهم، لذا لابد من الاتصال والاحتكاك مع الأصدقاء، كما أن المعرفة قوة لها سلطانها في السيطرة على الخوف، فالمعلومات عن العدو مهمة في تبديد الخوف، فليس هناك ما يخيف العسكري مثل الخوف من المجهول. فالجندي الذي يملك وضوح الهدف الذي يقاتل من أجله يكون الدافع لديه إلى التضحية بالذات عن رضا وقناعة. والثقة بالنفس والتدريب الجيد أمر جوهري في ضبط مخاوف المعركة، كما أن السيطرة على سلوك الأفراد ضروري، فالفرد الذي يتصرف تصرف خوف وذعر ينتقل إلى الآخر بفعل التفاعل والإيحاء. ويمكن معالجة الخوف بالتحريض على السلوك الجريء الشجاع، وقد تسهم بعض المنشطات والأدوية في التحريض على الجرأة والشجاعة والإقدام في المعارك.
 
غسان أبو فخر
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث