الاشتراك الجرمي La coparticipation délictuelle هو ارتكاب جريمة[ر. الجريمة] من قبل عدة أشخاص، قد يكون التقاؤهم على مسرحها مجرد مصادفة، أو قد يعقدون بينهم اتفاقاً، بعد مداولة وتقليب رأي، ينطلقون بعدئذ مجتمعين أو متفرقين، إلى ارتكابها. والأصل أن تكون الجريمة من فعل شخص واحد، ذلك أن كل من يقارف جريمة يحرص على أن لا يطلع عليها أحد، خشية افتضاح أمره، فإذا وقع في يد العدالة، نظرت المحكمة المختصة في التهمة والأدلة، فإن قنعت بجرميته عاقبته، وإن لم تقنع بها قضت ببراءته. ويمكن تصنيف حالات تعدد المجرمين في ثلاث زمر: الجرائم العفوية، الاتفاقات الجنائية، الاشتراك الجرمي.
الجرائم العفوية
قد يرتكب عدة أشخاص جريمة واحدة، في وقت واحد، من دون أن يكون أي منهم على معرفة سابقة بنية الآخرين أو وجودهم. ومثلها أن يدخل عدة لصوص بستاناً أو داراً، من دون أن يكون ثمة اتفاق بينهم، ويسرق كل واحد لحساب نفسه.
وفي هذه الحال يكون كل واحد مرتكباً جريمة مستقلة ويحاسب عليها منفرداً.
وتصادف الجرائم العفوية أيضاً في الجرائم التي يرتكبها «الجمهور» المهتاج. ويؤكد العلماء الذين درسوا نفسية الجمهور في مسيراته، أن له نفسية مستقلة عن نفسية كل من الأفراد الذين يتكوّن منهم، وفي هذه الأحوال يترتب على المحكمة أن تتأكد بصورة يقينية من عمل كل شخص حتى تصح معاقبته عليه. وقد حرص قانون العقوبات السوري، تخوفاً من النفسية الاندفاعية للجمهور، على خنق الفتنة في مهدها، فمنع «تظاهرات الشغب» و«تجمعات الشغب».
الاتفاقات الجنائية
الاتفاق هو تلاقٍ إيجابي بين إرادتين أو أكثر على إجراء عمل. والاتفاق الجنائي يعني اتحاد إرادات عدة أشخاص على ارتكاب بعض الجرائم. وبسبب خطورته عاقب القانون على مجرد إبرامه، حتى ولو لم يرتكب المتفقون أية جريمة من تلك التي اتفقوا عليها؛ لأن القانون لا يعاقب عادة على مجرد النية أو اتخاذ قرار.
وعلى هذا الأساس عاقب المشرع السوري الجرائم التالية:
ـ المؤامرة: وهي اتفاق شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية ضد سلامة الدولة. وقد شجع القانون المتآمرين على التوبة وأعفاهم من العقاب، إذا أخبروا السلطات بما عزموا عليه قبل مباشرة التنفيذ؛ ولكن المحرِّض مستثنى من هذا العفو، بسبب خطره.
والأصل ألا يعاقب المتآمرون على مجرد التداول والتحدث في سوء الأوضاع العامة، لأن المعاقبة تشترط اتخاذ قرار بالعمل الجاد واستعراض الوسائل التي ستتخذ في التنفيذ.
ـ جمعيات الأشرار: وتتحقق في حالة اتفاق شخصين أو أكثر على «ارتكاب الجنايات على الناس أو على الأموال». والعقوبة العادية لهذا الاتفاق، هي الأشغال الشاقة المؤقتة. أما إذا كان هدف هذه الجمعية الاعتداء على حياة شخص، فإن العقوبة تصبح الأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات.
ـ الجمعيات السرية: وهي جمعيات تتكون من دون موافقة الحكومة، لغايات يحرمها القانون. ويعاقب الأشخاص لمجرد الانتساب إليها، وتشدد عقوبة من يتولى فيها وظيفة إدارية أو تنفيذية.
ـ الجمعيات الفوضوية والإرهابية: وتنشأ بقصد تغيير كيان الدولة الدستوري أو الاقتصادي أو الاجتماعي باستعمال الوسائل الإرهابية، وهي الأفعال التي تحدث حالة ذعر. ومن هذه الوسائل الخطرة، المتفجرات والمواد الملتهبة والمنتجات السامة والعوامل الوبائية أو الجرثومية.
ويعاقب مجرد الانتساب إلى هذه الجمعيات، بالأشغال الشاقة من عشر إلى عشرين سنة. وإذا ارتكب أحد الأعضاء فعلاً إرهابياً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة. وإذا مات أحد الأشخاص من جراء هذا الفعل الإرهابي، أو نتج عنه تخريب في بناء عام، أو مؤسسة أو سفينة أو في وسائل الاتصال أو المواصلات، عوقب الفاعل بالإعدام.
الاشتراك الجرمي
يقوم الاشتراك الجرمي بين شخصين أو أكثر، إذا اتفقوا على ارتكاب جريمة محددة بذاتها، والاتفاق شرط لتكوين الاشتراك، ومن دونه تدخل الجريمة في زمرة الجرائم العفوية. ولكن جريمة التخبئة، جريمة مستقلة، وهي تتحقق من دون الاتفاق.
وقد صنف قانون العقوبات السوري المسهمين في جريمة، في أربع زمر:
الفاعل الأصلي: وهو «من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو أسهم مباشرة في تنفيذها».
ويشمل هذا النص ثلاث فئات من المشتركين في الجريمة، ويعدون كلهم فاعلين أصليين.
تشمل الفئة الأولى الفاعلين الذين يرتكبون العمل المادي للجريمة. ومثلهم من يمسك بالسكين ويقطع بها عنق الضحية. وقد يحدث أن يكون الفاعلون الأصليون متعددين في جريمة واحدة، وذلك حين يتفق عدة أشخاص على قتل شخص، فيطلق كل واحد منهم النار عليه. فإذا قتل ولو برصاصة واحدة، فإنهم يعدون جميعاً قاتليه، ولو لم يعرف صاحب الرصاصة.
أما الفئة الثانية فهي فئة الشركاء، وهم الذين يسهمون إسهاماً مباشراً في تنفيذ الجريمة. ويدخل في هذه الفئة، من يتسلل إلى البيت مع السارق لحمل الأشياء المسروقة إلى الخارج، والذي يمنع الضحية من الحركة حتى يتمكن الفاعل الأصلي من قتله، وهؤلاء معاقبون بعقوبة الفاعلين الماديين نفسها.
أما الفئة الثالثة فهي فئة الفاعلين المعنويين (ويسمون أيضاً الفاعلين غير المباشرين). وهؤلاء يدفعون إلى ارتكاب الجريمة شخصاً غير مسؤول (كالمجنون) أو يستغلون شخصاً حسن النية لارتكابها (كمن يدس مخدراً في حقيبة مسافر من دون علمه أو بطريق تضليله).
ويعاقب الفاعل المعنوي كفاعل أصلي، ولا يعاقب الفاعل المادي لفقدان النية الجرمية.
المحرِّض: عرّف قانون العقوبات السوري المحرض بأنه «من حمل أو حاول أن يحمل شخصاً آخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب الجريمة».
وقد كان القانون السابق يعدّه متدخلاً. ولكن قانون العقوبات (الحالي) عده زمرة مستقلة، كرهاً به وتشديداً عليه، وعاقبه بعقوبة الجريمة التي حرَّض عليها، ولو لم يرتكب الشخص الذي حرَّضه الجريمة المذكورة. ومسلك الشارع في هذا التشديد عادل من حيث المبدأ، ذلك لأن المحرِّض في حقيقة الأمر عصب الجريمة وموجدها من عدم، فكان عدلاً أن يعاقب على نيته الشريرة، لأنه عمل كل ما في وسعه. أما إذا لم يرتكب المحرض الجريمة، فذلك ظرف مستقل عن إرادة المحرِّض.
ولم يحدد القانون طريقة التحريض، بل إنه أطلق النص فقال «بأي وسيلة كانت». وهذا الإطلاق يشمل الوعد بمبلغ من المال أو بهدية أو بمنفعة أو بمجرد الإقناع، أو حتى بمتعة جنسية.
المتدخل: جعل القانون المتدخلين على نوعين:
الأول هو المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكبت الجريمة، وهو يعاقب بعقوبة الفاعل الأصلي نفسها. ومثله، بحسب الاجتهاد القضائي، الشخص الذي يراقب الطريق، حتى ينجز السارق الذي دخل البيت سرقته، والشخص الذي يسلم البندقية إلى القاتل ليقتل بها.
أما الثاني فهو المتدخل الذي قام بدور ثانوي قبل ارتكاب الجريمة، أو في أثناء ارتكابها أو بعده. وقد حدد القانون حالات التدخل فجعل منها: إعطاء الإرشادات وتقوية عزيمة الفاعل، وتسهيل ارتكابه الجريمة لمصلحة مادية أو معنوية ومساعدته أو معاونته على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلت إنجازها، وإخفاء معالم الجريمة أو إخفاء أحد مرتكبيها، بموجب اتفاق، وأخيراً تقديم طعام أو ملجأ لأشرار يعرف طبيعة أعمالهم في قطع الطريق أو ارتكاب أعمال عنف ضد الدولة أو ضد الممتلكات.
ويتضح من هذا العرض أن منفعة الجريمة تعود بصورة مباشرة إلى الفاعل الأصلي والشريك، في حين أن منفعة المتدخل منفعة غير مباشرة أو ثانوية.
ولا يعاقب المتدخل إلا إذا تحققت ثلاثة شروط أساسية:
الشرط الأول هو أن يكون الفعل الذي تدخل فيه، جناية أو جنحة. لذلك لا عقوبة على التدخل في مخالفة، وقد يعاقب المتدخل، ولو لم يعاقب الفاعل الأصلي (كأن يكون هذا الأخير مجنوناً).
والشرط الثاني هو أن يكون بين الفاعل والمتدخل اتفاق على ارتكاب الجريمة. ولكن قد يحدث أن يرتكب الفاعل الجريمة بصورة تختلف عما تم الاتفاق عليه. وهنا ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول هو ألا يرتكب الفاعل الأصلي الجريمة، وعندئذ لا يعاقب الفاعل ولا المتدخل، والاحتمال الثاني هو أن يرتكب الفاعل الأصلي جريمة أخف من الجريمة التي اتفق عليها مع المتدخل. وفي هذه الحال يعاقب المتدخل بعقوبة الجريمة التي هي أخف، لأنه ـ كما هو معروف ـ يستعير جرميته من الفاعل الأصلي. فلو اتفقا على قتل شخص، فاكتفى الفاعل بسرقته، فإن المتدخل (كالفاعل) يعاقب على السرقة. أما الاحتمال الثالث فهو أن يرتكب الفاعل الأصلي جريمة أشد من الجريمة التي اتفقا عليها، فالآراء الفقهية مختلفة هنا، لكن محكمة النقض السورية، ذهبت إلى معاقبة المتدخل في حدود الاتفاق فقط. فلو اتفقا على أن يضرب الفاعل شخصاً، ولكنه قتله بسبب مقاومته، فالمتدخل يعاقب على التدخل في الضرب فقط.
أما الشرط الثالث فهو أن يكون التدخل بإحدى الوسائل المحددة في القانون (وهي الوسائل المشار إليها عند الحديث عن النوع الثاني من المتدخلين). وينص القانون على عقوبة للمتدخل أخف من عقوبة الفاعل الأصلي والشريك، إلا حيث ينص القانون على خلاف ذلك.
المخبّئ: وهو شخص يقوم بدوره في الجريمة بعد أن تكون قد ارتكبت، من دون أن يكون متفقاً عليها مع الفاعل الأصلي. ومسؤولية المخبئ مستقلة عن مسؤولية الفاعل، لأنه يرتكب جريمة مستقلة هي جريمة التخبئة. فإذا كان متفقاً مع الفاعل على ارتكاب الجريمة، وقام بعملية التخبئة، فإنه يكون متدخلاً في هذه الحال وليس مخبئاً. ويشترط لمعاقبته أن يكون عارفاً بأنه يقوم بتخبئة أشخاص ارتكبوا جريمة، أو أشياء متحصلة من جريمة.
ويعاقب من يخبئ مرتكب جناية (وليس جنحة لصراحة القانون) بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ولكن القانون أخذ وشائج القربى بالحسبان، فأعفى الأصول والفروع والأزواج والزوجات والأشقاء والشقيقات والأصهار من كل عقاب، إذا أخفوا قريبهم عن وجه العدالة.
ويعاقب من يخبئ أموالاً أو أشياء متحصلة من جناية أو جنحة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أيضاً. ولكن إذا كانت الأموال والأشياء متحصلة من جنحة، فإن العقوبة لا يجوز أن تجاوز ثلثي العقوبة القانونية. ولا يستفيد الأقارب من الإعفاء، إذا أخفوا الأموال التي حصل عليها قريبهم بطريق الجريمة.
وكثيراً ما يحدث أن ترتكب الجريمة في أحوال من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها. وهذه الأحوال ثلاثة أنواع هي:
ظروف موضوعية: وتشمل جميع الذين أسهموا في الجريمة سواء أعلموا بها أم لم يعلموا. فالليل يشدد عقوبة السرقة، وهذا التشديد يطال الفاعلين الأصليين والشركاء والمتدخلين، كذلك فإن الدفاع المشروع يلاشي الجريمة عن المساهمين جميعاً.
ظروف شخصية: وهي كائنة في شخص صاحبها، لذلك تكون قاصرة عليه، ولا تنتقل إلى غيره. ومثلها حالة العود والقصر الجنائي والبنوة. فإذا كان بين المسهمين قاصر، استفاد هو وحده من تخفيف المسؤولية.
ولكن إذا سهل الظرف للشخص ارتكاب الجريمة، فإن مفعوله ينتقل إلى الآخرين، فلو سهلت قرابة الابن قتل أبيه، فإن شركاء الابن العاق يعاقبون بعقوبته المشددة.
ظروف مزدوجة: وهي ظروف موضوعية وشخصية في آن واحد، ومثلها ظرف الموظف الذي يزوّر ورقة رسمية، وحالة الخادم الذي يسرق مال مخدومه من بيته. والقاعدة أن هذه الظروف تظل قاصرة على صاحبها؛ ولكن إذا سهل الظرف المزدوج ارتكاب الجريمة، فإن مفعوله ينتقل إلى بقية المشاركين فيها.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث