التفويض delegation في القانون الإداري، هو أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جانب من اختصاصه، سواء في مسألة معينة أم في نوع معين من المسائل، إلى فرد آخر. ولا يمكن، من حيث المبدأ، للسلطة أن تتصرف باختصاصها المسند إليها في الدستور أو القانون أو اللوائح، ومع ذلك قبل القانون الإداري التفويض، للتخفيف من بعض أعباء المسؤولية عن المرافق، وذلك فيما يجيزه الدستور والقانون واللوائح من التفويضات.
ويجري أحياناً تمييز صورتين من صور التفويض وهما: تفويض الاختصاص delegation de competence وتفويض التوقيع delegation de signer، والنوع الأول أكثر أهمية وأشد أثراً من الثاني، لأن النوع الأول من التفويض يؤدي إلى تعديل قواعد الاختصاص بين جهات الإدارة، فتنتقل السلطة بالتفويض إلى الجهة المفوض إليها. أما في النوع الثاني، فإن صاحب الاختصاص الأصلي يتحلل من بعض الأعباء المادية، مع إمكان ممارسته لاختصاصه بجانب الاختصاص المفوض إليه، على أن الشروط الأساسية التي تحكم الفرعين واحدة، ولكن الخلاف بينهما يكمن في الآثار فحسب.
ويقوم تفويض الاختصاص على أسس مهمة أصبحت مستقرة فقهاً وقضاء في القانون الإداري، وتجمل هذه الأسس بالآتي:
1ـ إن صاحب الاختصاص ملزم بأن يمارس اختصاصه المعين له بمقتضى المبادئ الدستورية أو القوانين أو اللوائح. والأصل أن الاختصاص شخصي يجب أن يمارسه الموظف أو الهيئة التي يحددها القانون بنفسه، ولا يستطيع أن يفوض بعض اختصاصه إلى غيره، إلا إذا أجاز المشرع ذلك صراحة، لأن مباشرة الاختصاص واجب قانوني على الإدارة، وليس حقاً لها. ومن ثم فإنه لا يجوز النزول عنه أو الإنابة فيه إلا في الحدود، وعلى الوجه المبين في القانون، كما لو كان ثمة قانون يرَّخص في التفويض والإجازة، لابد أن تكون بالإدارة المنظمة لتلك الاختصاصات نفسها أي بقانون أو بقرار جمهوري بحسب الحال. وعلى سبيل المثال فإن الدستور السوري لعام 1973 نص في المادة 95 منه على ما يأتي: «يتولى رئيس الجمهورية تسمية نائب له أو أكثر وتفويض بعض صلاحياته إليهم..» وكذلك نصت المادة /103/ على أن: «رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لمباشرة هذه السلطة وله حق التفويض ببعض هذه السلطات».
2ـ يتفرع عن المبدأ السابق أن تفويض السلطة يجب أن يكون دائماً جزئياً partielle لأن تفويض السلطة بتمامها مخالف للقواعد العامة. على أنه إذا أجاز المشرع في حالات استثنائية تفويض السلطة بتمامها فلا مناص من احترام إرادته، لأنه وفقاً للقواعد العامة هو الذي يخلق الاختصاص وهو الذي يحدد من له ممارسته في حدود القواعد الدستورية. فإذا فعل ذلك لم يكن هذا تفويضاً بل تخويل هيئتين ممارسة الاختصاص ذاته.
3ـ التفويض لا يفترض فيجب أن ينشر القرار المجيز للتفويض نشراً سليماً وينبغي أن يكون صريحاً، وهو يفسر تفسيراً ضيقاً.
4ـ التفويض شخصي وينتهي بخروج الموظف الذي صدر عنه من الخدمة، فاستقالة الوزير ـ مثلاً ـ تنهي التفويض الصادر عنه، وكذلك الحال في الموظف الصادر إليه التفويض، فإن خروجه من الخدمة يلغي التفويض وإذا حدث أن عاد نتيجة تعيين جديد فلا بد من تفويض جديد.
5ـ لا يجوز تفويض الاختصاصات المفوضة، فالاختصاصات التي يتلقاها الوزير مثلاً، من رئيس الجمهورية لا يجوز أن يفوضها إلى وكيل الوزارة.
وفي هذا ينبغي تمييز التفويض بمعناه المذكور والحلول الذي وإن تشابه مع التفويض في التنظيم القانوني، إلا أنه لا يوجد تطابق تام بينهما. ويقصد بالحلول أو الإنابة هو أن يتغيب صاحب الاختصاص الأصيل أو يقوم به مانع يحول دون ممارسته لاختصاصه، فحينئذٍ يحل محله في ممارسة اختصاصه من عيَّنه المشرع لذلك suppleant ou interimaire وتكون سلطاته هي سلطات الأصيل عينها، بعكس المفوض إليه الذي تقتصر سلطاته على ما فوض إليه على المدى الزمني المحدد لممارسة السلطة المفوضة مع قابلية التفويض للسحب في كل وقت من قبل الأصيل.
وهنا أيضاً لا حلول في مزاولة الاختصاص إلا إذا نظمه المشرع، فإذا غفل المشرع عن تنظيمه أصبح الحلول مستحيلاً قانوناً.
وقد يرد النص على الحلول في صلب الدستور كما هو الشأن في نص المادة 86 من الدستور السوري التي تقول: «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية مهامه أناب عنه نائب رئيس الجمهورية» وكذلك المادة 88 التي تنص: «يمارس النائب الأول لرئيس الجمهورية أو النائب الذي يسميه صلاحيات رئيس الجمهورية حين لا يمكنه القيام بها ...».
والغالب أن يرد النص على الحلول في التشريعات المنشئة للاختصاصات والمنظمة لكيفية ممارستها.
ويفترق الحلول عن التفويض في أن الحلول تغلب عليه، كالتفويض، الصفة الشخصية، لأنه يتحدد بالقانون وحده بطريقة مجردة، ويحدث إذا جد من الحوادث ما يجعل صاحب الاختصاص عاجزاً عن مزاولة اختصاصه، فهنا ينتقل هذا الاختصاص جميعه بقوة القانون إلى موظف أخر وبغير حاجة إلى قرار خاص. وبذلك يمارس جميع اختصاصات الموظف الأصيل. أما التفويض فأمر يقدم عليه صاحب الاختصاص من تلقاء نفسه فيعهد ببعض اختصاصاته إلى موظف آخر يزاولها بصورة مؤقتة. وهكذا فالحلول يتم بقوة القانون ما إن يصبح صاحب الاختصاص عاجزاً عن مزاولة اختصاصه على عكس التفويض الذي يتطلب القانون قراراً صريحاً بذلك acte de delegation، وثمة فرق آخر بين الحلول والتفويض هو ان السلطات التي تنتقل بالحلول هي بالضرورة أوسع بكثير منها في حالة التفويض، لأن التفويض لا يكون إلا جزئياً ولا يتصور أن يفوض الموظف إلى موظف آخر كل اختصاصاته، لأنه بهذا يتعدى تفويض الاختصاصات إلى تفويض السلطة ذاتها وهذا أمر غير جائز. أما في حالة الحلول فإن الموظف الحال يتمتع بكل اختصاصات الأصيل، ومن ثم يجوز له أن يفوض بعض اختصاصاته بالقدر نفسه الممنوح للأصيل. ولكن هل يبقي التفويض على اختصاصات الأصيل في المسائل محل التفويض؟ أم إن سلطته في هذه المسائل تنعدم ما دام التفويض موجوداً؟ في هذا الشأن يبدو أن الرأي الراجح هو أن المفوَّض ما زال يحتفظ بسلطة تقابل سلطة الموظف الذي صدر إليه التفويض وكل منهما يستطيع أن يصدر قرارات في المسائل محل التفويض، فالتفويض ـ في هذا الرأي ـ لا يعدم سلطة الأصيل في المسائل محل التفويض. وهنالك آراء تميز في هذا الصدد الحلول من التفويض، لكن المسلَّم به قانوناً أن التفويض أو الحلول لا يجبُّ سلطة الأصيل نهائياً، بل يسمح للأصيل بممارسة اختصاصه في الحدود التي تتفق مع سبب التفويض أو الحلول. ما هو الحل إذا أصدر الموظف الأصيل والموظف المفوض إليه قرارين في مسألة واحدة في اليوم نفسه؟ هل ينفذ قرار الأصيل؟ المسألة محل جدل كبير، ولاسيما أن المسلم به في هذا الشأن أن الأصيل لا يملك اختصاصاً أكثر من اختصاص المفوض إليه، وفي هذا ينبغي أن يكون مفهوماً أن اختصاص الأصيل في هذه الصورة هو اختصاص مواز لاختصاص الحال competence parallele ولهذا الأخير ممارسة اختصاصه كاملاً. والموظف الأصيل الذي أجرى التفويض لا يعد الرئيس الإداري للقرارات الصادرة طبقاً للنصوص، حتى ولو كان الموظف المفوض إليه مرؤوساً له، فليس للأصيل أن يعد نفسه سلطة رئاسية إزاء التصرفات الصادرة عمن حل محله. لأن القرارات الصادرة عن هذا المرؤوس طبقاً للتفويض إنما تعدّ كأنها صادرة عن الرئيس نفسه، ،من ثم فإن احترام هذه القرارات واجب على الرئيس شخصياً، فإذا حدث أن فوض وزير الدفاع ، مثلاً، أحد ألوية الجيش في اختصاص معين وأصدر هذا اللواء أمراً إدارياً طبقاً لهذا التفويض فإن الوزير يتجاوز حدود اختصاصه إذا ألغى هذا. والقاعدة في هذا الصدد أن الأصيل إذا لم تعجبه قرارات المفوض إليه ورأى أن تصرفاته غير مشروعة أو غير ملائمة وأراد إلغاءها، فعليه أن يسلك السبيل المشروع بالالتجاء إلى السلطة الرئاسية المشتركة أو إلى سلطة الوصاية أو الجهة القضائية المختصة بحسب الأحوال.
وبصورة عامة فإن صاحب الاختصاص الأصيل لا يمكن أن يعقب على القرارات الصادرة ممن يحل محله إلا في الحدود التي يملكها والقرارات الصادرة منه هو شخصياً. وهذا بعكس السلطة المفوضة، فمن يفوض بعض اختصاصاته يستطيع أن يسترد التفويض. كما أنه إذا كان سلطة رئاسية إزاء المفوض إليه، فإن التفويض لا يجبُّ حقه في التعقيب على القرارات الصادرة منه بصفته رئيسه الإداري لأن من حقه أن يعقب على قراراته سواء صدرت هذه القرارات ممارسة لاختصاص أصيل أو مفوض.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث