تتميز بعض العقود بأنها طويلة الأجل، يحتاج تنفيذها إلى عدة أشهر أو حتى سنوات، وخلال فترة التنفيذ هذه قد يواجه الأطراف العديد من الصعوبات الناتجة من تغيّر الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو المالية المحيطة بتنفيذ العقد، مثل تلك التغيرات في الظروف المحيطة بالعقد والتي قد تخل بتوازنه وتجعل تنفيذه أمراً عسيراً تسمى: الظروف المستجدة أو الظروف الطارئة والظروف الطارئة ـ أو «الحوادث الطارئة» هي بالفرنسية imprévision économiqne أو Dislocation économique، ويعادلهما في الفقه الأنغلوسكسوني unexpected circumstances أو «Hardship» الذي هو الأكثر استعمالاً في العقود وخاصة الدولية منها، وحتى في العقود المكتوبة بلغات غير الإنكليزية كاللغة الفرنسية.
 
أما تعريف الظروف الطارئة قانوناً فهو أنها حوادث طارئة تسمح للأطراف بإعادة المفاوضات فيما بينهم من أجل تعديل اتفاقهم أو التزاماتهم وذلك عند حدوث ظروف استثنائية مؤثرة في التوازن العام للاتفاق أو الالتزام ومعطياته الأساسية التي وقع العقد استناداً إليها. وهذه الظروف تنشئ صعوبة في الالتزامات ولا تشكل استحالة مطلقة، أي إن فكرة العدالة أو التوازن بين المتعاقدين كانت وراء ظهور هذه النظرية.
 
وفي هذا تختلف نظرية الظروف الطارئة عن نظرية القوة القاهرة [ر] force majeure لأن من شأن الأخيرة أن تجعل تنفيذ الالتزامات مستحيلاً ولا يقتصر على كونه مرهقاً وعسيراً كما هي الحال في نظرية الظروف الطارئة.
 
لنظرية الظروف الطارئة جذور قديمة وحديثة، فقد ظهرت هذه النظرية قديماً كاستثناء من نظرية «العقد شريعة المتعاقدين» pacta sunt servanda بعد أن تبين أن التطبيق الحرفي لهذه النظرية في الالتزامات التي يحتاج تنفيذها إلى فترة طويلة نسبياً له آثار سلبية على أحد المتعاقدين، وتلحق أضراراً جسيمة نتيجة اختلاف الظروف التي دفعت به إلى توقيع العقد، لذلك جاءت هذه النظرية لكي تعيد نوعاً من التوازن لتنفيذ العقد.
 
هذه النظرية مستمدة من النظرية اللاتينية Rebus sic stantibus ومفادها أن العقد ينفذ مادامت الظروف الاقتصادية التي عقد في ظلها لم تتغّير، فإن تغّيرت هذه الظروف تغيّراً جوهريّاً وجب تعديل العقد لدفع الحيف الناشئ عن هذا التغيّر المفاجئ في الظروف.
 
وقد كان رجال الكنيسة في العصور الوسطى يجعلون لهذه الظروف أثراً قانونياً، ولذا عُدُّوا المصدر القديم لها. كما كان رجال الفقه الإسلامي قد سلموا بنظرية الحوادث الطارئة في بعض العقود، ومن ذلك عقد الإيجار حيث يقولون بفسخ الإيجار للمتضرر.
 
أما حديثاً، فقد رفض التقنين الأوروبي وخاصة في فرنسا الأخذ بهذه النظرية إلا في قضائها الإداري، في حين سمحت ألمانيا وسويسرا للقاضي بتعديل العقد على أساس العدالة التعاقدية، أي إن للقاضي سلطة في رفع الغبن عن المدين، وإلى هذا ذهب الاجتهاد السويسري والإنكليزي.
 
أما في الدول العربية فقد أخذ المشرع المصري بنظرية الظروف الطارئة بالمادة 147 من القانون المدني. وكذلك فعل المشرع السوري في المادة 148/2 من القانون المدني، وطبقت هذه النظرية في القضاء الإداري في سورية أيضاً. أما القضاء الأردني فإنه لا يعترف بمبدأ الظروف الطارئة إلا على نطاق ضيق جدّاً.
 
وفي إطار القانون العام، وخاصة في القانون الدولي العام، أُخِذ بمبدأ «الظروف الطارئة» مطلقاً. وبذلك بقيت هذه النظرية في القانون العام، وهجرها نسبيّاً فقهاء القانون الخاص في الآونة الأخيرة بعد أن انتصروا لنظرية سلطان الإرادة. ففي الاتفاقيات الدولية إذا كان هنالك تغيّر في الشروط الأساسية المؤدية لتوقيع المعاهدة، فإن من الممكن الاعتداد بهذه الظروف لإلغاء هذه الاتفاقية على أساس «التغيير الجوهري في الظروف».إذا لم تلجأ الدول المعنّية للمفاوضات فيما بينها ثانية من أجل تعديلها، وبذلك يكون المنشأ الحديث لهذه النظرية في رأي بعضهم موجوداً في مبادئ القانون العام الناظم للاتفاقيات الدولية، ومن القانون العام أخذ الحقوقيون تضمين عقودهم، وخاصة الدولية منها، شرط الظروف الطارئة. 
 
ولابد من الإشارة إلى أن هذه النظرية لا تطبق عشوائياً إنما ضمن ضوابط وقواعد محددة. إن لنظرية الظروف الطارئة صفات تميزها من غيرها من النظريات الموجبة لتعديل عقدٍ ما، كما أنه من أجل الأخذ بهذه النظرية يجب أن تتوافر معايير واضحة للصعوبات الطارئة،لوضعها موضع التطبيق.
 
وأول صفات هذه النظرية هو أنها عامة شاملة لكل حادث أو صعوبة طارئة تنشأ حين نفاذ العقد، فهي تطبق لمصلحة جميع الأطراف لأنها لا تدافع عن مصلحة أي فريق من فرقاء العقد، وهي شاملة لجميع الحوادث الطارئة التي يمكن أن تؤثر في توازن العقد دون أن تكون لتلك الحوادث علاقة بالشروط المالية فقط للعقد. أما صفتها الثانية فهي أنها غير متعلقة بإرادة الأطراف، فإن أهم صفات الظرف الطارئ أن يكون خارجاً عن إرادة الفرقاء في العقد وغير خاضع لمراقبتهم المنطقية للظروف المحيطة بالعقد، والتي يمكن أن تؤثر فيه. وهذا يعني أن الصعوبة الطارئة يجب ألا تكون من صنع أحد الأطراف أو ناتجة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تحركاتهم بغاية إحداث ظرف طارئ يمكن أن يعدل العقد على أساسه، كما يجب أن تكون الحوادث الطارئة مفاجئة وغير ممكن السيطرة عليها من قبل أطراف العقد. وفي هذا المجال يطلب من الفرقاء في معرض مراقبتهم للحوادث المفاجئة وللسيطرة عليها إبداء جهود منطقية وليس ما هو فوق طاقتهم من أجل الحد من تأثير هذه الحوادث المفاجئة على توازن العقد. 
 
وللظروف الطارئة معياران اثنان يجب توافرهما من أجل إعادة المفاوضات التي يمكن أن تؤدي إلى تعديل العقد: أول معيار هو أن يؤثر الظرف الطارئ في العقد تأثيراً مهماً بقدر كبير. ففي عقود نقل التقنية يمكن أن يكون لأي تعديل طارئ ومفاجئ على التقنية المنقولة تأثير كبير في العقد يدعو الأطراف إلى تعديله. ولكن مثل هذا الحدث في عقود التوريد مثلاً لايكون له أي تأثير كان. لذلك فإن مقياس أهمية وحجم التأثير للظرف الطارئ في العقد يختلف من عقد لآخر، ويتعلق بنوع العقد وطبيعة الأطراف المتعاقدة. أما المعيار الثاني فهو اختلال توازن العقد. والمرجع هنا هو التوازن الموجود في العقد حين توقيعه، وهذا ما يدخل مبدأ مقتضيات العدالة وروح الإنصاف في العقد، ويتجلى ذلك بعدم تحمل أحد الأطراف وحده عبء التغيرات الطارئة التي تحدث بعد توقيع العقد وخلال فترة نفاذه.
 

تطبيق نظرية الحوادث الطارئة

 
عند توافر جميع المعايير المذكورة آنفاً في شرط الحوادث أو الظروف الطارئة يكون تعديل العقد أمراً لابد منه، بحيث يتعين العمل وفق نص هذا الشرط. والتعديل لايكون تلقائياً ولكن وفق أصول وإجراءات معينة تتصل باستنتاج وقوع الحادث الطارئ من قبل القاضي المعني وحكمه بوقوعه، ثم قراراه بتعديل العقد ليضمن إعادة التوازن بين أطرافه وفق مبادئ العدالة، مالم يكن أطراف العقد قد توصلوا إلى ذلك بأنفسهم.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث