شبلي بن ابراهيم شميل، طبيب ومفكر اجتماعي لبناني، ولد في كفر شيما من قرى لبنان. نشأ في بيت علم وأدب، وسار على نهج الفلاسفة في عيشه وآرائه. كان أخوه الأكبر ملحم أستاذاً في مدرسة الروم الكبرى في سوق الغرب مولعاً بالفلسفة والعلوم وله فيهما بحوث. أما أخوه الأصغر أمين فكان محامياً ومؤلفاً ومحرر مجلة «الحقوق» في القاهرة، وله عدة مؤلفات منها «المبتكر في الأوهام والأمثال والأحكام».
 
 درس شبلي شميل علومه الأولية في قريته ثم التحق، عام 1867، بالكلية السورية الإنجيلية في بيروت (الجامعة الأمريكية اليوم) لدراسة الطب، وكانت تدرس يومئذ العلوم الصحية باللغة العربية. تخرج في هذه الكلية في صيف 1871، ويعد من باكورة الأطباء المتخرجين فيها، بعد أن قدم رسالة (أطروحة) بعنوان: «اختلاف الحيوان والإنسان بالنظر إلى الإقليم والغذاء والتربية»، جاء فيها بكثير مما يؤيد مذهب داروين على غير قصد منه. سافر شميل، في عام 1875، إلى باريس وبقي فيها عاماً كاملاً تعمق في أثنائه في العلوم الطبية، وتعرف نظرية التطور التي نادى بها داروين، واقتنع بما وقف عليه من الأدلة بصحة هذا المذهب. كانت هذه النظرية وقتئذٍ قد استهوت كثيراً من العقول، وأثارت كثيراً من الجدل في جميع أنحاء أوربة والعالم. واستغلها بعض المفكرين، من الناحية الاجتماعية والسياسية، لبناء نظرية اشتراكية على أساسها، ومنهم الطبيب الفيلسوف الألماني لودفيغ بوخنـرL.Büchner  ت(1824- 1899).
 
تأثر شبلي شميل بآراء بوخنـر وتشبع بها، كما انتمى فكرياً إلى حركة نشطت في أواخر القرن التاسع عشر ترى أن العلوم الطبيعية وحدها هي مفتاح فهم أسرار الكون. عاد شميل من فرنسا إلى مصر، وكانت تشهد يومئذٍ معارك فكرية شديدة، فاشترك فيها منطلقاً من مبدأ يقول: «إن الحقيقة تقال مهما يكلف ذلك من تضحية، لا أن تعلم فحسب».
 
ترجم شميل كتاب بوخنـر «ست محاضرات حول نظرية داروين» إلى العربية، وأضاف إليها كثيراً من كتاب «الداروينية الاشتراكية» للمؤلف ذاته، وكتب في صدر مؤلفه متوجهاً إلى القارئ العربي: «طالع هذا الكتاب بكل تمعن ولا تطالعه إلا بعد أن تطلق نفسك من أسر الأغراض» ثم أضاف: «أطلب منك عقلاً حلّت قيوده وأقام التفكير مقام الاعتقاد». دخل شميل بعد نشره هذا الكتاب في معركة الدفاع عن العلم، إذ لم يرضَ الكثيرون عن خطته بنقل مذهب داروين ونشره، وجاراهم في أفكارهم عدد من أدعياء العلم، فانبرى يكتب مقالات في عشرات من الصحف والمجلات شارحاً وجهة نظره مقارعاً خصومه. ثم نشر بعد عام بحثاً مستفيضاً في ثمانين صفحة بعنوان «الحقيقة» ردّ فيه على كل مهاجميه. ثم تابع المعركة الفكرية فجمع من مقالاته تسعاً وستين مقالة طبعها في الجزء الثاني من مجموعته واعداً قراءه بإصدار الجزء الثالث، لكن ذلك لم يتحقق. غير أنه لم يتوقف عن نشر دعوته، ولم يحد عن آرائه، وظل حتى آخر أيامه يسير حافي القدمين على شوك معركة الداروينية.
 
كان شبلي شميل، الطبيب، يداوي مرضاه ويصف لهم العلاج وفق القواعد المتبعة، لم يأخذ بالمحتملات ولم يستهوه الجديد من المكتشفات الدوائية إلا بعد أن تثبت فائدتها. وكان يعدّ من مشاهير الأطباء في مصر في تشخيص الأمراض تشخيصاً صحيحاً. وقد رمى من طبه خدمة الإنسان من دون النظر إلى الربح المادي، ولو أنه جمع إلى مهارته الطبية شيئاً من الحذق في اكتساب المال لعاش في سعة ورخاء.
 
وكان من حبه للعلم وشغفه بنشره أن أصدر، في شباط 1886، مجلة شهرية طبية جراحية أسماها «الشفاء»، تناولت في بحوثها، بلغة عربية صحيحة، كل ما يتصل بالطب والجراحة. وقد أسهم في تحريرها كبار الأطباء المقيمين في مصر من عرب وغير عرب. ومما قاله في افتتاحية مطولة جاءت في العدد الأول منها: «بدون العلم لا تستقل أمة ولا تدفع ملمة ولا تحسن صناعة» ثم قال «العلم هو السيف الذي لا يعتريه فلل، وأصحابه هم الجند الذين لا يصيبهم فشل». لكن «الشفاء» توقفت في عامها الخامس لأسباب مادية.
 
لم يسهم شبلي شميل في البحث العلمي، إذ لا يمكن لطبيب لا يعمل في مؤسسة علمية ولا يملك شيئاً من أدوات البحث أن يتولى البحث بنفسه، لكنه شرح وعلق على كتب طبية قديمة مثل كتاب «الأهوية والمياه والبلدان» لأبقراط.
 
ناقش شبلي شميل في مقالات عامة مشكلات تتصل بالقانون وحقوق المرأة والسياسة. ومما نشره رسالة «المعاطس» على نسق رسالة الغفران للمعري، وأرجوزة ابن سينا،  و«سورية ومستقبلها». وكان من طلاب الإصلاح في العهد العثماني، وقد حكم عليه بالإعدام غيابياً من قبل الديوان العرفي في عاليه، إذ كان من مؤسسي «حزب اللامركزية الإدارية العثماني» مع عدد من السوريين واللبنانيين أمثال رشيد رضا وعبد الحميد الزهراوي ورفيق العظم. كما نشر شميل رسالة بعنوان «شكوى وأمل» وجهها إلى السلطان عبد الحميد شرح فيها وجهة نظره في ما كانت تفتقر إليه الدولة العثمانية.
 
كان شميل ضليعاً في اللغتين العربية والفرنسية. فكان أسلوبه بالعربية رصيناً على نحو جعل بعض النقاد يعدّونه أديباً. وقد استعان ببيانه لإيضاح آرائه، فكان بارعاً في استخدام الأسلوب البسيط الواضح الفصيح، وإن جنح أحياناً إلى الكتابة بأسلوب مقتضب جداً، كما أنه نظم الشعر في أغراض اجتماعية وفلسفية، وحاول نشر مذهب التحول، أي صرف الشعر عن النسيب والمديح والهجاء وغيرها إلى وصف الطبيعة وما فيها، والحديث عن المخترعات العصرية وأحوال سكان الأرض، غير أن شعره كان دون نثره. ومن المفارقات أنه كان يعلن سخطه على الشعر والشعراء، لكنه في المقال ذاته يصوغ هجومه شعراً.
 
كان شميل يطمح إلى أن يرى كل شيء في المجتمع يسير دقيقاً دقة القوانين الطبيعية، حاسماً حسم العلوم الرياضية. وما يميـزه من غيره جرأته في عرض أفكاره، والمجاهرة بما يعتقده صواباً، ولو خالف المألوف. فهو أول من تحدث عن نظرية النشوء والارتقاء في المشرق العربي، وربطها بالقضايا الحياتية، وأول من نادى بالاشتراكية في مكان وزمان كان من الصعب التحدث عنها فيهما، وهو من رواد الليبرالية العربية، وقف حياته لممارسة الطب والكتابة، فأمضاها مطالباً بالتطوير والتغيير وعمل من أجل ذلك قولاً وفعلاً.
 
وكان شميل إلى جانب ذلك، حاد الذهن خص بقوة استحضار فائقة وذاكرة ماضية. أصيب بالربو في سنواته الأخيرة، فاعتلت صحته ووافته المنية في القاهرة إثر نوبة ربو شديدة.
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث