ظهر في منتصف القرن الميلادي الماضي كتاب بعنوان "كيف تكذب باستخدام الإحصاء" How to Lie with Statistics، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً خلال فترة طويلة. ولا يهدف الكتاب إلى تعليم الكذب باستخدام الإحصاء بقدر ما ينبه إلى الأخطاء التي يمكن أن ترتكب بقصد أو دون قصد من خلال استخدام الإحصاء والرسوم البيانية.
     الكذب سمة من السمات التي لازمت الإنسان منذ خلقه. وقد تفنن الإنسان على مر العصور في الكذب والخداع، من خلال تزوير المخطوطات والعملات والبيانات، وتحريف الصور، بل لم تسلم القصائد والأفكار والمخترعات والكتب من التحريف والانتحال ليس في عصرنا هذا فقط، بل على مر العصور الماضية، وما أكثر الكذب والنصب والاحتيال الإلكتروني الذي يتدفق من خلال البريد الإلكتروني، ويوقع آلاف الضحايا يومياً! فالكذب أصبح آفة اجتماعية سائدة في الوقت الحاضر.
     وعلى الرغم من كراهية الكذب كفعل، إلا أن موضوعه شيق، ولا يخلو من القصص والطرائف التي تستهوي كثيراً من الكتّاب، ولكن المكان المخصص لهذه المقالة لا يتسع للإسهاب، مما يجعلنا نركز على موضوع عنوان المقالة فقط، ونكتفي بسرد بعض أمثلة إساءة استخدام الإحصاء.
     من الخطورة – مثلاً - رصد عدد المتعطلين عن العمل بالاعتماد على عدد المراجعين لمكاتب العمل، واستخدام هذه الإحصاءات لحساب معدل البطالة، لأن الكثير من المتعطلين عن العمل يعزفون عن مراجعة مكاتب العمل، لعدم معرفتهم بها، أو لتسلل اليأس والإحباط إلى نفوسهم.
      كذلك قول البعض إن أعداد القتلى في العراق خلال حكم صدام أكثر من أعدادهم بعد احتلالها، ويدخلون في ذلك قتلى الحروب التي اشترك فيها العراق خلال العهد الماضي، هو قول لا يخلو من المغالطة وإساءة استخدام الإحصاءات.
     هناك طرق عديدة لتحديد خط الفقر، فاختيار الطريقة الإحصائية التي تظهر خط الفقر عند مبلغ معين يرضي المسؤولين دون مبررات علمية، لا يخلو من إساءة لاستخدام الإحصاء.
     استخدام إحصاءات جميع الإناث اللواتي لم يتزوجن عند الحديث عن "العنوسة" على الرغم من أن ثلاثة أرباعهن لم يبلغن سن الـ 20، يُعد نوعاً من أنواع إساءة استخدام الإحصاءات.
     ينشر أحيانا أن المتزوجات أكثر إقبالاً على العمل الخيري التطوعي، مع تجاهل حقيقة أن النساء المتزوجات هن الأغلبية بين النساء بوجه عام، فلا غرابة – إذاً - أن تكون أعدادهن أكثر من فئات المطلقات والأرامل والعازبات اللواتي لا يمثلن نسبة كبيرة.
     عندما يُقال إن السياحة الخارجية للمملكة تربو على المليون سنوياً، ونحن نعرف أن الأغلبية العظمى جاءوا للحج والعمرة، فإن هذا مثال لإساءة استخدام الإحصاء.
    يقال إن الناس الذين يأكلون التفاح يعيشون سنوات أطول من غيرهم. هذا في الحقيقة سيشجع بيع التفاح، ولكنه قول يتجاهل أن الذين يأكلون التفاح بانتظام هم في الأغلب الذين يمارسون الرياضة ويهتمون بصحتهم. وهذا السلوك هو سر عيشهم سنوات طويلة، وليس السر في أكل التفاح فقط.
    كثيراً ما يُساء استخدام العينات، فاستخدام عينة متحيزة وتعميم النتائج بناء على مقابلة المراجعين – على سبيل المثال - للمراكز الصحية الأولية أو المتسوقين في أحد الأسواق، فيه إساءة لاستخدام الإحصاء.
   اختيار إحصائي معين كالوسط الحسابي أو الوسيط (كما يُسمى في علم الإحصاء) في مساءلة معينة يمكن أن يعطي انطباعاً أو فكرة غير واقعية عن المجتمع، على الرغم من صحته من الناحية الإحصائية. فمثلاً لو أخذنا عينة من خمسة أشخاص، وكان دخل الأول ألفي ريال، والثاني ثلاثة آلاف، والثالث أربعة آلاف، والرابع خمسة آلاف، والخامس 50 ألفاً، فإن المتوسط يبلغ قرابة 13 ألف ريال، في حين أن الوسيط هو أربعة آلاف ريال فقط، فماذا نريد أن نقول؟ رواتب جيدة متوسطها أكثر من عشرة آلاف أم رواتب متدنية لا يتجاوز وسيط الدخل أربعة آلاف؟!
     تكثر الأمثلة لإساءة استخدام الإحصاء سواء بقصد أو دون قصد، ولكن المجال لا يتسع لسرد المزيد. والعبرة أن نتحلى بالأمانة، وأن نتحرى الدقة، وأن نلتزم الموضوعية، ونبتعد عن الخداع واستغلال الإحصاء أو إساءة استخدامه.                                                                     
                                                                    
                                                                    
                                            

المراجع

موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث

التصانيف

تصنيف :الجغرافيا