المواد اللّدنة التركيبية هي مركبات كيماوية اصطناعية تُحضَّر بتعديل جزيئات المواد العضوية الطبيعية وتكثيفها بطرق فيزيائية أو كيماوية أو بطرق تركيبية أخرى. أتت تسميتها من كلمة لدن، وراج استعمالها لأنّ هذه المركبات إذا ماأُخضعت لتأثير خارجي (بصورة عامة الحرارة، الضغط، وعند الاقتضاء استخدام مذيب أو ملدن) فبإمكانها أن تلين وتتلدن أوتنصهر وتذوب، وتتّخذ شكلاً مفروضاً تحتفظ به عند انتهاء التأثير الخارجي، بطرق كثيرة مثل القولبة أو السحب أو الصب أو التصفيح أوالإكساء، وبعض هذه المواد قابل للتلدن والتشكيل المتكرر.
وتدعى بعض اللدائن (قابلة التلدُّن بالحرارة) إذا كانت قابلة التليُّن أو التغيير في الشكل كلما أُخضعت لتأثير الحرارة، وهذا التليُّن وتغيير الشكل من الممكن أن يتم بعدد غير محدد من المرات كلما تعرضت لتأثير الحرارة. وبصرف النظر عن التبدلات البطيئة التي يمكن أن تطرأ على طبيعتها الفيزيائية أو الكيمائية ودون أن تؤثِّر في هذا التليُّن المتكرر. وبعضها الآخر يمكن أن يتلدّن بنفس الطرق ولكن لمرة واحدة فقط، يمكن خلالها تلدينه وتشكيله. وتدعى مركبات اللدائن هذه اللدائن المقسَّاة بالحرارة لما يسببه تعرضها للحرارة خلال عملية التلدين من تعديل نهائي في تركيب جزئيَّاتها، ينتج تصلُّباً دائماً في تكوينها يجعلها غير قابلة لإعادة التلين أو تغيير الشكل عند إخضاعها من جديد لتأثير الحرارة.
بصرف النظر عن نوعية مركب اللدائن سواء أكان جامداً قابلاً للتلدّن بالحرارة لمرات غير محدودة، أو كان جامداً يقسو بتأثير الحرارة ولا يمكن إعادة صهره، أو كان عجينياً أو سائلاً يتم تشكيله بالمزج، فالتشكيل عملية تقترن بمختلف مراحل إنتاج المركّب، بدءاً من تشكيله كمادة أولية محضرة من المركب الخامي، أو كمنتج نصف مصنع، ثمّ تشكيله كسلع نهائية مطروحة لشتى الاستخدامات. ففي حال تعرض المواد اللدنة لتأثير خارجي من الحرارة يتم تلدّنها وصهرها، ومن ثمّ تشكيلها بطرق عدة. ويتم التشكيل بمختلف مراحله بطريقة موحدة، كما يمكن أن يتم بعدد من طرق التشكيل وصولاً إلى السلعة النهائية التي تطرح للمستهلك.
وأهم طرق تشكيل المواد اللدنة القابلة للتلدن الحراري المتعددة هي:
أولاً ـ طريقة التشكيل المتنامي المتواصل
يجري التشكيل بهذه الطريقة على آلات تعرف بآلات البثق، وتتألف من أسطوانة تسخن خارجياً بوسائل حرارية مختلفة لصهر اللدائن الحرارية، كما تتضمن داخلها لولباً وحيداً أو لولبين متسايرين لتأمين عجن ودفع المواد المصهورة بشكل مستمر باتجاه وحيد إلى نهاية الاسطوانة، ليتم انبثاقها من فوهة أو من فتحات مهيأة بأشكال متمايزة محددة سلفاً حيث يتم تبريدها بالهواء أو بالماء للحصول على تشكيل إنمائي متواصل للمادة المنبثقة بسيلان مستمر من فوهة البثق، ويُستفاد من أشكالها المتعددة لربط آلات متممة للحصول على لدائن محضرة كمواد أولية أو كسلع نصف مصنعة أو كسلع معدة للاستهلاك النهائي.
ويمكن تقسيم التشكيل الإنمائي إلى ثلاثة أنواع:
1ـ التشكيل الإنمائي للمواد الأولية المحضرة: يوضع جريش مركَّب اللّدائن المتكاثف الخام ومزجه بمواد لتحسين سيولته وانصهاره، وكذلك صبغه، ولغايات أخرى مثل مزجه بمواد الإضافة المضادة للأكسدة، ولتأثير الأشعة فوق البنفسجية والكهربائية الساكنة، ومعيقات الاشتعال وسريان اللهب، أو الألياف الضامة وألياف التقوية، ومواد الإضافة من منتجات طبيعية كمسحوق الأحجار الكلسية لتخفيف الكلفة. وينبثق هذا الجريش الممزوج المصهور من فتحات دائرية قطرها يعادل تقريباً ثلاث مليمترات، وتقطع بواسطة جهاز دائري إلى حبيبات طولها لا يتجاوز خمس مليمترات حيث تبرد بالماء أو الهواء لتصبح مادة أولية مشكلة ومحضرة لاستخدامها في مختلف آلات تشكيل اللدائن وحتى في آلات البثق ذاتها مرة أخرى.
2ـ تشكيل السلع نصف المصنعة: وتستخدم هذه الطريقة المواد الأولية المحضرة لتشكلها بآلات البثق التي تحضر فوهاتها بشكل شق قابل لتعديل فتحته للحصول على انبثاق متواصل للمادة المنصهرة بشكل صفيحة متمادية ذات ثخانات متعددة تبعاً لاتساع الشق، أو تحضر فوهاتها لينبثق منها أيضاً قضبان ذات مقاطع تتناسب مع شكل فوهة البثق. وتستخدم هذه القضبان كمواد نصف مصنعة لتشكيلها على آلات متممة بطرق تشكيل أخرى أو لاستخدامها مباشرة لأغراض تتناسب مع أشكالها.
3ـ تشكيل السلع النهائية: ويتم التشكيل بنفس الطريقة التي تشكل بها السلع نصف المصنعة، ومن الممكن استخدام المنتجات في هذه الحالة كسلع نهائية مثل الأنابيب اللينة او القاسية المستخدمة لتسييل مياه الري أو لنوازل المياه المالحة أو لاستخدامات ضمن جدران الأبنية لتسهيل التمديدات الكهربائية وحفظها.
ثانياً ـ التشكيل بالقولبة
يتم هذا التشكيل ضمن قوالب معدنية ذات درفتين يحفر فيها شكل السلعة المطلوبة. حيث تساق المواد الأولية اللدنة إلى القوالب بحالات كثيرة، فإما أن تكون منصهرة وتضغط بشكل آلي بواسطة المكابس ضمن القوالب، وإما أن تكون جامدة باردة يتم تسخينها وصهرها ضمن القوالب،و إما أن تكون بشكل صفائح من اللدائن الحرارية نصف المصنوعة تتم قولبتها بالكبس أو الشهيق.
1ـ القولبة بمكابس الحقن: حيث يوضع القالب المبرد ضمن صفيحتي مكبس آلي يفتح ويغلق بوتيرة زمنية محددة، ويتم صهر المواد الأولية اللدنة في الأسطوانة المعدنية المسخنة، ومن ثم تضغط اللدائن المنصهرة وتحقن في القالب المغلق بتأثير المكبس عن طريق فتحة مركزية يراوح قطرها بين 3 و10 مليمترات حيث يبقى القالب محكم الغلق بعد إتمام الحقن في مدة زمنية وجيزة لتجميد القطعة وتبريدها عن طريق مجرى لمياه التبريد محفور في جسم القالب. وتكون هذه المدة ملا ئمة مع سرعة الانصهار لكمية معادلة للمواد المصهورة التي أُدخلت للقالب، ثم تفتح درفتاه بعد رفع ضغط المكبس وتلفظ القطعة التي تكون قد أخذت شكل تجويف القالب.
2ـ القولبة بمكابس الضغط: وتتم القولبة ضمن درفتي قالب مسخن خارجياً حيث تعد إحدى الدرفتين موجبة وضاغطة لإيجاد ضغط داخلي على المواد ضمن القالب. أما الضلفة الثانية فتعتبر سالبة ومتلقية للمواد اللدنة المعدة للتشكيل حيث يتم تسخينها ضمن القالب وبشكل دوري، كما يجري تركيب القالب على مكابس يدوية أو نصف آلية أو مكابس آلية حيث تملأ الدرفة السالبة للقالب بالمواد الأولية للدائن الحرارية. ويغلق القالب ويتم الضغط عليه بواسطة المكبس حيث تتلقى المواد الحرارة اللازمة للانصهار من القالب المسخن ذاته بالإضافة للحرارة الداخلية الناشئة عن ضغط الدرفة ثم يتم تجمد القطعة وتبريدها، ويفتح القالب لإخراج القطعة المتشكلة بتأثير الضغط الممارس ضمن القالب داخلياً وكذلك على المكبس خارجياً.
و تستخدم طريقة القولبة هذه بالنسبة إلى نوعي اللدائن سواء منها اللدائن الملدنة بالحرارة أو المقساة بالحرارة.
3ـ القولبة بالدوران: ويتم ضمن درفتي قالب محفور يدور بشكل أفقي وعامودي في وقت واحد حيث تعبأ القوالب بالمادة اللدنة ويتم الدوران ضمن حجرة مغلقة مسخنة بالهواء الذي ينقل الحرارة إلى القوالب ومن ثم إلى المواد اللدنة التي يتم انصهارها وتلدنها وتوزيعها في جنبات القالب المغلق بتأثير القوة النابذة التي تنجم عن دورانه، وتدفع بالمواد اللدنة للتوضع على جدار القالب الداخلي، ثم تدخل القوالب إلى غرفة مهواة لتبريدها. وبعد ذلك يجري فتح درفتيها وإخراج السلع النهائية منها والمؤلفة من قطع مجوفة يمكن تصنيعها بأحجام مختلفة اعتباراً من القطع التي يعادل حجمها قبضة اليد إلى الحاويات التي تبلغ سعتها ألف ليتر.
4ـ القولبة بالنفخ: وتتم على مرحلتين:
آـ المرحلة الأولى: يجري التلدين فيها إما بطريقة التشكيل المتنامي بآلات البثق وإما يتم هذا التلدين بآلات الكبس بالحقن.
ب ـ المرحلة الثانية: يتم التصنيع بالنفخ بوساطة آلات متممة متشابهة من حيث المبدأ فيما بينها سواء أكان مصدر اللدائن المصهورة من آلة البثق أو مكبس الحقن. تقوم الطريقتان في المرحلة الأولى بتأمين أنبوب من اللدائن متمادي التشكيل، وذلك بوضع التجهيزات اللازمة على مصدر خروج اللدائن للحصول على شكل الأنبوب عند فتحة خروج اللدائن المصهورة. وتكتمل المرحلة الثانية بتوضع هذا الأنبوب بين درفتي القالب المثبت على مكبس الآلة المتممة الذي يقوم بالإغلاق والفتح بوتيرة متقطعة. ويُدخل الهواء ضمن القالب حين إغلاقه عن طريق أنبوب معدني رفيع حيث يدفع الهواء الأنبوب المصهور المتلدن إلى جدران القالب المحفورة مشكلاً جسماً أجوفَ مثل القوارير أو حاويات السوائل الضخمة أو البراميل، وتُبرد القطعة عن طريق مجاري الماء المحفورة في جسم القالب، ثم تُخرج بعدها من حيز القالب. وتجب الملاحظة إلى أن عملية الصهر والبثق أو الكبس المتواصل لا تتوقف خلال إغلاق القالب لذلك يعالج هذا الأمر بطريقتين:
في الأولى تكون آلة النفخ المتممة مزدوجة المكبس، ويزود كل مكبس بقالب منفصل عن القالب الآخر سواء أكان القالبان متماثلين أم غير ذلك. وحين يتم إغلاق القالب الأول على الأنبوب المصهور يقوم جهاز خاص بتحويل سير هذه اللدائن المصهورة إلى جهة القالب الثاني إبان مدة نفخ وتبريد وتجمد المصهور في القالب الأول، ومن ثم تنعكس العملية بعد فتح القالب الأول.
في الثانية تُجهز فوهة البثق بخزان أسطواني مسخن ذي مغلاق ومكبس، حيث يتم تلقي اللدائن المنصهرة الموجودة بشكل متمادٍ ومتواصل في هذا الخزان في زمن إغلاق القالب وعملية النفخ والتبريد. وعند فتح القالب وإخراج القطعة المقولبة بالنفخ يجري ضغط اللدائن المنصهرة في الخزان بواسطة المكبس لتنبثق بشكل أنبوب جديد تغلق عليه طبقتا القالب وينفخ. ثم يعاد تخزين المواد المنصهرة المتواصلة التلدن مرة أخرى، وتصبح العملية مستمرة دون الإخلال بسير اللدائن المصهورة المندفعة باستمرار من فتحة آلة البثق أو من فتحة آلة الكبس بالحقن.
5ـ القولبة بالشهيق: وتستخدم في طريقة التشكيل هذه صفائح اللدائن الحرارية نصف المصنعة التي يتم إعادة تليينها تحت جهاز تسخين لتلدينها فقط دون صهرها، ويمكن استناداً لليونة التي تكتسبها المواد اللدنة بتأثير الحرارة الاستفادة من هذه الليونة لسحب الهواء من أسفل الصفيحة فتتوضع فوق القالب أو داخله لإعطائها الشكل المعين له.
وهذه القوالب تثبت فوق حجرة هواء يجري عن طريقها مص الهواء وتفريغه منها، وتدعى حجرة تفريغ الهواء، كما أن القوالب تزود بثقوب رفيعة متصلة بهذه الحجرة لتفريغ الهواء الموجود بين الصفيحة والقالب عن طريق حجرة التفريغ. والقوالب المستخدمة في هذه الحالة تدعى قوالب موجبة إذا كانت بارزة للأعلى وسالبة إذا كانت مجوفة للأسفل.
وتتم عمليات القولبة حسب المراحل الآتية:
آ ـ تثبت صفيحة اللدائن على إطار متحرك حيث تعرَّض أولاً إلى مصدر حراري لتليين الصفيحة.
ب ـ يحرك الإطار نحو القالب ويثبت عليه مشكلاً فراغاً هوائياً علوياً بين الإطار الحامل للصفيحة والقالب نفسه.
ج ـ يزود الفراغ المشار إليه في الفقرة السابقة (ب) بقليل من الهواء الذي يدفع الصفيحة الملينة إلى الأعلى لتوسيع سطح الصفيحة لمعادلتها مع السطح الإجمالي للقالب سواء كان إيجابياً أم سلبياً، وتدعى الصفيحة الملينة المنفوخة في هذه الحالة بالفقاعة. ثم يوقف تزويد الهواء قبل الانتقال لمرحلة الشهيق وتفريغ الهواء من الجهة السفلية للقالب.
د ـ يجري مص الهواء من الفراغ العلوي أي من الفقاعة عن طريق الثقوب الرفيعة في أسفل القالب ليتجه الهواء من الحجرة العلوية إلى حجرة تفريغ الهواء، ومن ثمّ إلى مضخة تفريغ الهواء حيث تنقلب الفقاعة حينئذٍ من شكلها المحدب إلى القعر لتغطي السطح المحفور للقالب، ويمكن مساعدة الفقاعة على التقعر عميقاً. أما في حالة القوالب الموجبة فلا يضطر لهذا الإجراء. ويستفاد من طريقة الكبس المساعدة هذه لتأمين توضع الصفيحة على القوالب السالبة العميقة من ناحية، وكذلك تسريع دورة التصنيع هذه وتوفير وقت الشهيق اللازم للتشكيل.
هـ ـ يقوم الإطار بتحرير أطراف السلعة المشكلة والمثبتة فيه وقطعها ثم تنتزع السلعة يدوياً أو بطريقة نصف آلية من القالب بدفع الهواء من الثقوب الرفيعة الموجودة أسفل القطعة ليتم لفظها إلى الخارج. وفي حال بقاء أقسام التثبيت في الإطار ملتصقة بالسلعة المستخرجة من القالب دون قطعها يجري قص هذه الأقسام وقطعها بالوسائل المناسبة.
محمد زهير الحمصي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث