تعليب الأغذية canning هوأحد طرائق حفظ الأغذية في عبوات محكمة الإغلاق من الصفيح أو الزجاج أو في عبوات مرنة خاصة ومعرضة لمعاملة حرارية. ويقال إن عرب بلاد الشام هم أول من استعمل طريقة حفظ الأغذية في أوانٍ مغلقة،  فحفظوا عصير العنب والمشمش المركز سائلاً في أوانٍ فخارية ذات غطاء خاص لبضعة أشهر. وانتقلت هذه التقانة إلى الغرب على يد الإيطالي سبلانزاني Spallanzani في عام 1675م، الذي اكتشف إمكان حفظ الأغذية من الفساد في حال تسخينها وتعبئتها ساخنة في أوانٍ محكمة الإغلاق وتبريدها فوراً. وفي نهاية القرن الثامن عشر منح نابليون بونابرت جائزة مالية لمن يتوصل إلى طريقة لحفظ الأغذية، وتوصل الفرنسي نيقولا أبرت Nicolla Appert في عام 1809 إلى طريقة لحفظ الأغذية في أوان زجاجية محكمة الإغلاق مستعملاً سدادات فلينية مطلية بطلاء شمعي خاص، ثم تسخينها في حمام مائي بدرجة الغليان. ووصف في كتابه «حول تعليب الأغذية» الذي نشره عام 1810 طرائق تعليب أكثر من خمسين نوعاً من الأطعمة. بعد ذلك سجل البريطانيان توماس سادينكتون Thomas Saddington وبيتر دوراند Peter Durand طرائق مماثلة، ولم يتمكن هؤلاء جميعهم من معرفة الأسباب الحقيقية لفساد الأغذية، فعزوا الفساد إلى ملامسة الغذاء للهواء الجوي، وفي عام 1864 توصل لويس باستور Louis Pasteur إلى اكتشاف الأحياء الدقيقة فأرجع فساد الأغذية إليها.
مرت صناعة تعليب الأغذية بمراحل تطور يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
ـ من عام 1851-1900 طُور المعقِّم المحسن، واستعمل التبريد المفاجئ بعد المعاملة الحرارية لدعم التعقيم وقتل الأحياء الدقيقة المقاومة للحرارة.
ـ من عام 1901-1950م، وهي مرحلة شهدت تطوراً سريعاً في صناعة التعليب، فاستعملت علبة الصفيح الصحية، واستخدم القفل المزدوج. أما أبرز ما وضح في هذه المرحلة فهو السيطرة على البكتريا المطثية الوشيقية Clostridium botulinum وقتلها في المعلبات، وكشف العلاقة بين الباهاء (الأس الهدروجيني) pH والأغذية، وتصنيف الأغذية المعلبة بموجبها إلى أغذية حامضية وأغذية منخفضة الحموضة، وحدد لكل من الصنفين طرائق تعقيم خاصة. ومن الإنجازات المهمة التي تمت في هذه المرحلة ابتكار طرائق رياضية عملية لحساب الحرارة والزمن اللازمين لتعقيم الأغذية، وبذلك يستغنى عن المحاولات التجريبية التي تعتمد على الخطأ والصواب لمعرفة الشروط المناسبة للمعاملات الحرارية لتعقيم الأغذية.
طبقت في هذه المرحلة طريقة التعقيم المحمي للأغذية السائلة، وتقتصرعلى تعقيم المادة الغذائية  والعبوة كل على حدة، ثم تعبئتها آلياً ضمن حيز معقم، وهي الطريقة السائدة اليوم، وخاصة عند تعبئة الأغذية السائلة من حليب وعصائر وخلافها.
ـ  بعد عام 1950م: اتصفت هذه المرحلة بتطوير تقانات كل نوع من أنواع التعقيم وطرائقه، إضافة إلى تطوير أواني التعبئة، فاستعمل المعقم المائي الساكن hydrostatic retortor والمعقم المائي المغلق. وطورت طريقة التعقيم المحمي للسوائل في السويد. وفي سبعينات القرن العشرين استعملت الأكياس المرنة القابلة للتعقيم sterilizable pouch لتعليب الأغذية المنخفضة الحموضة، وهي أكياس مصنوعة من مادة لدنة بلاستيكية على طبقات بينها طبقة رقيقة من الألمنيوم وتقفل بالحرارة، وقد استعملها رواد الفضاء. ويضاف إلى ذلك استعمال الأطباق القابلة للتعقيم retortable trays.
أنواع العبوات
بدأت صناعة التعليب باستعمال علب الصفيح والأوعية الزجاجية، ثم تطورت إلى استعمال علب الألمنيوم والأكياس المرنة والأكياس شبه الصلبة، ولكن يبقى أساس هذه التقنية العلب المعدنية سواء أكانت من الصفيح أم من الألمنيوم مع تزايد استعمال الأوعية الزجاجية والأكياس المرنة.
تصنع علب الصفيح من صفائح الحديد المعالجة بمراحل متعددة، بدءاً من الدرفلة لإنتاج ألواح ذات صلابة ومرونة عالية، ثمّ التخشين، لتكوين سطح يساعد على لصق القصدير ثمّ القصدرة، وهي إلباس الصفائح طبقة متجانسة الثخانة من القصدير بالتحليل الكهربائي، ثمّ الطلاء بالمينا أو الورنيش المركب من مواد عضوية ذات صفات خاصة، لمنع تفاعل مكونات الغذاء مع معدن العلبة، ومن أنواعه المينا «سي» Enamel C، الذي يدخل في تركيبه أكسيد الزنك، ويخصص لطلاء العلب التي تحوي على أغذية فيها كبريت، كما في سائر أنواع اللحوم مع الخضار والبقول، والمينا «ل» Enamel L، ويستعمل للعلب المخصصة لتعبئة الأغذية الحامضية كالفواكه والمربيات والهُلامات والمخللات ومنتجات البندورة، والمينا «ر» Enamel R، ويستخدم لعلب الأغذية المحتوية على مواد ملونة قابلة للإرجاع كالكرز.
أما علب الألمنيوم فقد انتشر استعمالها حديثاً بدرجة كبيرة، وهي مقاومة للتآكل حتى في الأجواء الرطبة، وتكاد تكون عديمة التأثير في نكهات الأغذية، إلا أنها أضعف من علب الصفيح، وأغلى سعراً، وحجمها وسعتها محدودان.
يغلب في الوقت الراهن استعمال الأوعية الزجاجية في تعليب الخضار والثمار ومنتجاتهما، وهي تمتاز بعدم تفاعلها مع المادة الغذائية، وبوضوح ما بداخلها، وبإمكانية إعادة  استعمالها، إلا أنها ثقيلة الوزن، وسريعة الانكسار.
أما الأكياس المرنة القابلة للتعقيم فأغلب استعمالها في تعبئة اللحوم والصلصات والحساء والخضار والفواكه. ويمكن القول إن جميع المنتجات الغذائية التي تصلح للتعليب في عبوات معدنية أو زجاجية يمكن تعليبها في هذه الأكياس، لأنها تمتاز برقتها وبسرعة وصول الحرارة إلى مركزها، وبسرعة تعقيمها مما يساعد على حفظ لون الأغذية ونكهتها وجودتها التي قد تتأثر بطول زمن التعقيم في علب الصفيح أو الزجاج.
أما العبوات شبه الصلبة، فهي التي لا يطرأ على شكلها أي تغير في شروط التعقيم، ومنها العلب التي تسمى تتراباك Tetrapak، وبيورباك Purepak وعلب Ex-cell-O، وكلها تستخدم في التعقيم المحمي. وتتألف من طبقات من البلاستيك ورقائق الألمنيوم والورق المقوى.
خطوات حفظ الأغذية بالتعليب
تشمل تقانة حفظ الأغذية بالتعليب مجموعة خطوات متلاحقة لوقف نشاط عوامل فساد الأغذية.
وهذه الخطوات هي استقبال المواد الخام ومواد التعبئة، ثمّ فصل الجزء الصالح للأكل منها، وفرزها وتفتيشها ثمّ نقعها وغسلها وسلقها، ثمّ تعبئتها وطرد الهواء من العلب، وإحكام قفلها، وتعقيمها، فتبريدها تبريدا ًمفاجئاً، ثمّ خزنها.
استقبال المواد الخام: في هذه المرحلة يتم التحقق من مطابقة المواد الخام الأولية الواردة للمواصفات المطلوبة، من حيث درجة النضج  والجودة والسلامة ومتطلبات التصنيع.
ـ فصل الجزء الصالح للأكل: يتم ذلك فور وصول الخامات الزراعية، فيفرز التالف منها، وتقشر وتخلّص من البقايا وتحفظ.
ـ الفرز والتفتيش: تفرز في هذه العملية الخضار والثمار وفق درجة النضج والحجم وانتظام اللون، والتحقق من عدم وجود تالف بينها.
ـ النقع والغسيل: يغسل الجزء الصالح للأكل مباشرة بالماء النظيف المكلور لخفض ما يمكن أن يحويه من جراثيم، مما يخفف من عبء عملية التعقيم. وتفيد عملية النقع والغسيل في التخفيف من آثار المبيدات المتبقية.
ـ السلق: يؤدي سلق الخضار والثمار بالماء أو البخار لعدة دقائق بدرجة حرارة لا تقل عن 80ْم إلى تثبيط الأنزيمات وخاصة المؤكسدة منها. وتعد عملية السلق عملية غسيل نهائية لأنها تساعد على جرف المزيد من الأحياء الدقيقة وقتل قسم منها وخاصة تلك التي تتحمل الحرارة المتوسطة mesophile.
ويعقب عملية السلق مباشرة معالجة المادة المسلوقة لتعد في حالتها النهائية سواء بإضافة السكر والبكتين والحمض في حالة المربيات أو الملح مع التوابل في حالة الخضار، أو بإعدادها لأن تكون وجبات جاهزة بإضافة ما تتطلب من لحم وتوابل وخلافه.
ـ التعبئة: تعبأ المواد الغذائية في أحد أنواع العبوات الصحية على أن تكون الطبقة التي بتماس مباشر مع الأغذية خاملة لا تتفاعل مع مكوناتها، ولا تؤدي إلى حدوث تآكل وثقوب في العلبة.
ـ طرد الهواء من العلبة: تسمى هذه الخطوة كذلك التسخين الأولي للعلب، ويستخدم بخار الماء مصدراً للحرارة، والغاية منها  طرد الهواء من داخل العلبة، وإيقاف نشاط الأحياء الدقيقة  إضافة إلى وقف تفاعلات الأكسدة التخريبية داخل العبوة.
ـ القفل المحكم: تقفل العبوة بعد طرد الهواء قفلاً محكماً يمنع دخول الهواء إليها ثانية، ويمنع أيضاً دخول أحياء دقيقة جديدة إلى داخل العبوة إبان التداول والتخزين.
ـ التعقيم الغذائي: تعامل العبوات بعد إقفالها في درجة حرارة تراوح بين 100-121ْم مدة تكفي للقضاء على معظم ما يبقى من الأحياء الدقيقة التي يمكن أن تتكاثر في شروط التخزين العادية.
ـ التبريد المفاجئ: يسهم التبريد المفاجئ للعبوات بعد معاملتها حرارياً في هلاك ما تبقى من الأحياء الدقيقة نتيجة لانكماشها المفاجئ.
التخزين المناسب: يؤدي تخزين المعلبات في درجة حرارة أعلى من 30ْم، إلى إنتاش أبواغ الجراثيم المقاومة للحرارة العالية التي نجت من المعاملات الحرارية في مرحلة التعقيم فتعود إلى النشاط. ولذلك فإن تخزين المعلبات على درجة حرارة بين 15-20ْم يقيد هذه الأبواغ والأحياء الدقيقة، ويحد من نشاطها داخل العبوة.
إضافة إلى المعاملات الحرارية التي تتعرض لها الأغذية المعلبة يمكن أن يضاف إلى بعض أنواعها مواد حافظة أو يرفع تركيز السكر فيها كما في المربيات، أو يرفع تركيز الملح كما في بعض الخضار.
قتل الأحياء الدقيقة بالحرارة
في المواد المعلبة نوعان من البكتريا لهما أهمية خاصة، ويشكلان أبواغاً عندما يتعرضان لشروط  قاسية، وهما العصيات bacillus والمطثية الوشيقية، فالأولى هوائية والثانية لا هوائية.
 
تتفاوت العناصر البكترية وأبواغها تفاوتاً كبيراً بمدى مقاومتها للحرارة. وتعتمد المعاملة الحرارية للمعلبات على عوامل متعددة منها العدد الأصلي للخلايا أو الجراثيم والحالة التي توجد فيها هذه الأحياء، وتركيب المادة الغذائية من رطوبة ومكونات مختلفة، وكذلك حجم العبوة ونوع مادتها.
يعبر عن مقاومة الأحياء للحرارة بمفهوم «وقت القتل الحراري» therminal death time، ويعرف بأنه الوقت اللازم لقتل عدد محدد من الأحياء في درجة حرارة محددة وشروط معينة، وقد قام العلماء باستنباط طريقة سهلة لتعيين مقاومة الأحياء للحرارة، بوضع كمية مناسبة من الأحياء الدقيقة معلقة في محلول وتسخينها في حمام مائي في درجة حرارة معينة وزمن محدد، ثم تبريدها فوراً، وزراعتها في بيئة ملائمة لمعرفة البكتريا الناجية من تأثير الحرارة وعددها. ودلت التجارب أن وقت القتل الحراري يتبع قيماً لوغاريتمية، أي إن معدل موت البكتريا ثابت، وهذا ما تبينه العلاقة بين درجة حرارة التعقيم على محور العينات والزمن (الشكل -1).
يعتمد عملياً في تقانة التعليب على تطبيق معاملة حرارية  في أثناء التعقيم كافية لأن تحقق  القضاء على أعتى الجراثيم المتبوغة، وهي المطثية الوشيقية، في الأغذية المنخفضة الحموضة، ومن هنا أتى الحرص على العمل على تخفيف الحمولة البكتيرية للأغذية قبل تعليبها بتطبيق خطوات التعليب التي سبق شرحها.
إن الهدف من هذه العملية هو إيجاد الشروط التي تحقق التعقيم الغذائي أو التجاري للمعلبات، أي تطبيق الشروط الحرارية التي تخلص الأغذية من الأحياء الدقيقة الممرضة والأحياء التي تتكاثر في الغذاء أثناء التخزين في الشروط الطبيعية، أي إن الأغذية المعلبة هي أغذية معقمة غذائياً وليست معقمة بكتيرياً.
ومن دراسة شروط نمو جرثوم المطثية الوشيقية، تبين أنه لا ينمو في أوساط لها تركيز أس هدروجيني أقل من 4.6.
علاقة الزمن بدرجة الحرارة
يعتمد اليوم على تقانة جديدة للمعاملات الحرارية المطبقة على الأغذية المعلبة، وتقتصر على درجات حرارة عالية لاختزال الزمن اللازم لقتل العناصر البكتيرية. وهذا ما يعبر عنه بـ UHT، وهي الحروف الأولى لكلمات مصطلح ultra high temperature، أي «درجة الحرارة الفائقة»، ومن المعروف أن تطبيق التعقيم الغذائي بدرجة الحرارة الفائقة وفي زمن قصير جداً له فوائد جمة، أهمها عدم تعرض مكونات الغذاء الحساسة من فيتامينات وبروتينات وغيرها إلى تخرب شديد بالموازنة مع طرائق التعقيم في درجات الحرارة العادية والزمن الطويل.
انتقال الحرارة في العبوات
يخضع انتقال الحرارة عبر جدار العبوات وصولاً إلى وسط المادة الغذائية المعلبة إلى عدد من العوامل تتعلق بنوع مادة العبوة وحجمها ومكونات المادة الغذائية وقوامها ودرجة حرارتها الأولية. ونوع التقنية المستخدمة في التعقيم، إذ يسرِّع تدوير الأوعية التي تحوي أغذية سائلة وتحريكها في نفوذ الحرارة إليها. ومهما كان نوع المادة الغذائية المعلبة فإن انتقال الحرارة في أثناء التعقيم إلى داخل العبوات يتم عن طريق الحمل الحراري convection أو التوصيل conduction وهو الأبطأ، وهي حالة المواد الغذائية ذات القوام العجيني كالذرة والبطاطا الحلوة اللتين تحتاجان إلى معاملة حرارية طويلة الأمد.
ثمة علاقة وثيقة بين الزمن الذي يستغرقه التعقيم ودرجة الحرارة. فارتفاع حرارة المعقم يقابله ارتفاع مماثل في كفاية عملية التعقيم وسرعة إنجازها، فالتعقيم على درجة حرارة 121ْم أكثر كفاية بمئة مرة من التعقيم على الدرجة 100ْم.
إن صناعة التعليب هي أهم تقانات حفظ الأغذية التي تسهم في تحويل الغذاء الطازج السريع العطب إلى منتوجات معلبة صحية توفَّر للمستهلك على مدار السنة، وهذا يساعد على عدم تفاوت الأسعار الموسمية ويشجع كلاً من المزارعين والصناعيين على الإنتاج.
 
غياث سمينة
 {{ثبت المراجع}}
 
==المصادر والمراجع==
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث