تمر السعودية ومعظم الدول العربية بتحول ديموغرافي فريد من نوعه، لن يتكرر إلا أن يشاء الله، ويُطلق على هذا التحول بـ "الفرصة الديموغرافية" أو "النافذة الديموغرافية" Demographic Window. ويُقصد بالنافذة الديموغرافية تلك الظاهرة السكانية التي تحدث عندما يتحول المجتمع من وضع ديموغرافي تكون فيه معدلات الخصوبة مرتفعة، وكذلك معدلات إعالة الأطفال، إلى مرحلة تكون فيها تلك المعدلات منخفضة، مع انخفاض تدريجي في نسبة صغار السن (أقل من 15 سنة)، ويواكبه بقاء نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) منخفضة لفترة من الزمن.
       فمعدلات الخصوبة الكلية TFR، أي متوسط عدد المواليد للمرأة السعودية انخفض من سبعة أطفال في بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي إلى ثلاثة أطفال تقريباً في الوقت الحاضر (وبالتحديد 3.2). بعبارة أخرى، لقد انخفض متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة السعودية من سبعة أطفال في الماضي إلى ثلاثة أطفال تقريباً في الوقت الحاضر. ومن جهة أخرى، انخفضت نسبة صغار السن من نحو 40 في المائة في عام 1413هـ (1992م) إلى 39 في المائة في عام 1425هـ (2004م) ثم إلى 37 في المائة في عام 1428هـ (2007م). وخلال الفترة نفسها، لم تتغير نسبة كبار السن كثيراً فقد كانت 3.3 في المائة عام 1413هـ (1992م) وأصبحت 3.5 في المائة تقريباً في عام 1425هـ (2004م)، وبقيت على حالها في عام 1428هـ. ولكن نسبة الإعالة الكلية انخفضت من 111 عام 1413هـ إلى 77 عام 1425هـ ثم إلى 69، ويُقصد بذلك أن كل 100 شخص في سن العمل (15 – 64 سنة) يقوم بإعالة 69 شخصاً من صغار السن وكبار السن. ويُلاحظ الانخفاض الكبير في معدلات الإعالة.
       تجدر الإشارة إلى أن هذا التحول أو الانتقال الديموغرافي يحدث في المملكة دون تدخل مباشر من قبل الدولة في المتغيرات السكانية، على عكس ما يحدث في معظم الدول النامية فقد جاء التحول نتيجة تأثير المتغيرات التنموية، وخاصة ارتفاع مستويات التعليم للذكور والإناث، وما نتج عنه من تأخر في سن الزواج، إضافة إلى ارتفاع نسبة سكان المدن نتيجة الهجرة من الريف إلى المدن، وما ترتب على ذلك كله من تغير مذهل في السلوك الإنجابي للمرأة السعودية.
      إن هذه الظاهرة أو الوضع الديموغرافي (الذي قد لا يتكرر) يمكن أن يؤدي إلى نمو اقتصادي مرتفع، وتحسن ملحوظ في مستوى المعيشة، وذلك نتيجة انخفاض نسب الإعالة، مما يعطي فرصة أكبر لزيادة الادخار والاستثمار لدى السكان في سن العمل الذين يمثلون نسبة كبيرة من السكان. ولكن هذه الظاهرة يمكن أن تكون نقمة إذا لم تستثمر بالشكل المناسب، وذلك لأن من المتوقع حدوث زيادة في أعداد الداخلين لسوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وبروز بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
       إن هذه الفرصة الديموغرافية الناتجة عن التحول الديموغرافي المميز الذي تمر به المملكة لن تتكرر إلا أن يشاء الله، لذلك ينبغي أن نحرص على استثمارها والاستفادة منها من خلال تنمية القوى العاملة وتمكينها للإسهام الفاعل في التنمية. ولا بد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بفئة الشباب (ذكوراً وإناثاً)، وإعدادهم الإعداد المناسب، واستغلال قدراتهم وطاقاتهم في العمل والبناء والأنشطة التي تعود على المجتمع بالنفع والفائدة. ولنا عود لهذا الموضوع في المستقبل، بإذن الله.                                                                     
                                                                    
                                                                    

المراجع

موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث

التصانيف

تصنيف :الجغرافيا