الجلد skin لغةً المَسْك من كل حيوان لأنه يمسك ما وراءه من اللحم والعظم والجمع مسوك، والجلود المدبوغة هي فروة الحيوان أو جلده المعالج كيمياوياً وفيزيائياً بالدباغة لحفظه من التلف وليصير ملائماً للاستخدام. تخضع جميع أنواع جلود الحيوانات ذوات الدم الحار (الثدييات والطيور) والدم البارد (الزواحف والضفادع والأسماك) للدباغة.
يتكوَّن الجلد الطبيعي من ثلاث طبقات هي: البشرة epidermis وهي الطبقة الخارجية الرقيقة، والأدمة dermis وهي الطبقة المتوسطة السميكة، ثم الطبقة تحت الأدمة hypodermis الدهنية العميقة. والأدمة تعطي الجلد المدبوغ بعد إزالة الطبقتين الأخريين. تبلغ نسبة الماء في الجلد الخام 60 ـ70% والبروتين 30ـ 35% من وزن الجلد (يشكل الكولاجين 85% من كمية البروتين). يجب أن يكون الجلد المأخوذ للدباغة خالياً من الأضرار والأمراض والطفيليات والندوب والخدوش ومساوئ التغذية والتقدم في العمر [ر. الدباغة].
لمحة تاريخية
استخدم الإنسان البدائي جلود الحيوانات التي كان يصطادها لستر جسده، بعد أن عرف تماسكها ومتانتها، والدفء الذي تمنحه للجسم من دون معالجة أو حياكة، ووجد أن الجلود كانت سريعة التفسخ والتفتت، غير أن تجفيفها قبل استخدامها يقلل من تفسخها، وثمة معطيات قديمة تشير إلى استخدام الجلود غير المدبوغة. واتبع الإنسان البدائي طرائق بدائية لمعالجة الجلود قبل استخدامها، فعالجها بزيوت الأسماك أو بالتدخين، وعُثر على جلود معالجة بالزيت في بعض المقابر الفرعونية. وتتلخص أول طرائق دباغة الجلود عند بعض الأقوام القديمة بوضع طبقة من لحاء الشجر أو أوراقه أو الفواكه فوق الجلد الخام وإضافة الماء إليها، وكان ذلك يستغرق مدة طويلة. وعثر على بقايا ألبسة جلدية مخيطة في الكثير من مناطق آسيا وأوربة وهي تدل على أن الإنسان استخدم الجلود المدبوغة منذ نحو 30 ألف سنة.
استخدم المصريون القدماء صنادل جلدية مدبوغة قبل 13 قرناً من الميلاد، وكذلك الحال في المشرق العربي وبلاد فارس ومنغولية القديمة والصين. وتبين أن الجلود التي استخدمها المصريون القدماء كانت متينة جداً، واستخدمت الجلود كذلك للكتابة ولحفظ المخطوطات الثمينة كالكتب المقدسة ووثائق البحر الميت.
استفاد الإنسان من عدم نفوذية الجلود للماء فاستخدمها أواني لحفظ الماء و الطعام ونقله. واستعمل سكان المناطق الشمالية الباردة، كالإسكيمو وكذلك سكان أمريكة الأصليين، جلود الحيوانات المدبوغة في مختلف شؤونهم الحياتية.
واستخدم العرب بدوهم وحضرهم الجلود في مختلف الأغراض فصنعوا منها الأحذية والأحزمة لربط رواحلهم وحزم متاعهم والسروج لركوبهم، واستخدموا جلود الأغنام المدبوغة فروة تبطن بها ثيابهم. وأوعية لنقل الماء ولحفظ الألبان وتصنيعها. ومع أن الألبسة الجلدية لم تستخدم على نطاق واسع في المنطقة العربية لكونها من البلاد الدافئة فقد برع العرب في الإفادة من منتجات الجلد كالصوف والشعر والوبر في صنع الملابس والخيام والحبال وغيرها.
وتطور استخدام الجلود المدبوغة في عصر الحضارة العربية الإسلامية وفي العصور الوسطى وبخاصة صناعة الأحذية والسروج والدروع وعُدَد الرواحل وحقائب السفر، وتجليد الكتب، لأنَّ الكتب ظلت من المقتنيات الثمينة جداً، ويعنى مقتنوها بالمحافظة عليها «بتجليدها». ومازالت المكتبات القديمة زاخرة بالكتب والمخطوطات المغلفة بالجلد وقد زين غلافها بزخارف دقيقة وغنية مطبوعة أو مطعمَة برقائق الذهب أو مطلية بألوان براقة.
مواصفات الجلود
تتميز الجلود بميزات فريدة منها:
- مقاومتها عالية للشد والتمزيق والتلف، وهي تبقى صالحة للاستعمال مدة طويلة مهما كانت نوعيتها.
- توفيرها درجة من الحماية تخفف من أضرار الصدمات، وغير نفوذة للجراثيم.
- محافظتها على شكلها ونعومتها مدة طويلة، ويمكن تفصيلها بحسب قياس الجسم.
- تقي الملابس الجلدية من أشعة الشمس ومن البرد والرياح والمطر، وهي لباس ملائم لجميع الفصول بحسب نوعيتها.
- يمتص الجلد المدبوغ العرق، فتحافظ الأحذية الجلدية على جفاف الأقدام، ويتفاعل الجلد مع اختلافات درجات الحرارة فيساعد في تنظيم حرارة الجسم، وهو غير نفوذ للماء مع أنه يسمح للعرق بالارتشاح عبر أليافه الداخلية إلى السطح الخارجي.
- بروتين الجلد ـ الكولاجين لا يتطاير ولا رائحة له، أما الرائحة المميزة للجلد فناتجة من مواد الدباغة، وهي تختلف من نوع إلى آخر.
تجارة الجلود
يقسم الجلد المدبوغ إلى مناطق بحسب ثخانتها وموقعها: منطقة الرقبة والأكتاف ومنطقة الذيل وتسمى أيضاً "الكفل" ومنطقة الخاصرة وتسمى "المرقة"
بدأت تجارة الجلود تحتل أسواقاً واسعة في العالم منذ بداية القرن التاسع عشر، فقد رافق ارتفاع مستوى المعيشة ازدياد كبير في أعداد الماشية من أجل منتجاتها، وأدى ذلك إلى تراكم كميات ضخمة من الجلد الخام فازدهرت صناعة الدباغة واعتمدت لها طرائق علمية متطورة.
جلود الأبقار: تعد جلود الأبقار أكثر الجلود المدبوغة متانة وللجلد البقري الخام بنية شبكية تعطي الجلد المدبوغ مواصفاته المميزة المطلوبة. يستجيب الجلد المدبوغ لجميع أنواع المعالجات النهائية (التكميلية) التي تسمح بإعطائه أكبر متانة ونعومة وملاءمة لشروط المناخ، وهو جلد يسهل التعامل معه والعناية به، ويحتل مكانته بين النخبة الممتازة من الجلود. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 80% من الجلود المدبوغة في العالم تستهلك في صناعة الأحذية وتحتل جلود الأبقار المكانة الأولى بينها، وقد تضاعف مردود الإنتاج بعد اختراع آلات تفصل الجلد الواحد إلى طبقتين، فيصنع من الطبقة الداخلية نوع من الجلد المزأبر (السُويدي Suede).
جلود الأغنام: تعد جلود الأغنام من الجلود الطرية اللَّدنة جداً، وهي قابلة للطي ناعمة الملمس ومناسبة تماماً لتصنيع الملابس والحقائب والمحافظ والقفازات. تتنافس الدول على إنتاج أجود أنواعها وتتبع في معالجتها في المراحل النهائية طرائق مختلفة بحسب الهدف من استخدامها.
جلود الماعز: تعد جلود الماعز من الجلود الأكثر تقديراً وتثميناً في سوق الجلد. وأغلب جلود الماعز تُسوَّق من بلدان جنوبي آسيا، والاستخدام الرئيسي لها صناعة الأحذية، وذلك لأن ألياف جلد الماعز الخام أكثر تراصاً مما هي عليه في جلد الغنم، وتعطي بشرة حبيبية متينة ومتراصة ومميزة تشكل صفة واضحة لخملة الجلد، وتجعله من أثمن ما في سوق الجلد، تُعدُّ جلود الماعز الآسيوية أعلى قيمة من الأوربية. وكذلك الجلد المراكشي و«الشاموا» وهو أشهرها، وحيوان الشاموا من الظباء المجترَّة شبيه بالماعز ومعرّض للانقراض، ووُضِع تحت الحماية.
جلد الغزال:
هناك مجموعة من أنواع الظباء والغزلان والإيلة يكون جلدها المدبوغ مخملي الملمس، ناعم السطح ومصقولاً تماماً، غير أنه نفوذ للرطوبة دافئ وقابل للغسيل، وهو ثمين جداً، ويعالج بالزيت لتطريته ويستعمل في صناعة القفازات والأحذية والألبسة الرياضية، غير أنه قابل للخدش والتشقق بسهولة.
هناك حيوانات أخرى مختلفة كالسنجاب والشنشيلة Chinchila وغيرها يستفاد من جلودها لأغراض مختلفة.
جلد الحمار: يُصاد حمار الوحش من أجل لحمه الذي يقارب لحم الغزال، وجلده الذي يستخدم لصنع نوع من الجلد يسمى «الشاغران» chagrin.
جلود الزواحف والبرمائيات:
تعد جلود عدد كبير من الزواحف، كالتمساح والقاطور (التمساح الأمريكي) والأفاعي والعظايا، من الجلود التي يستخدمها الخاصة من المستهلكين والمترفين لارتفاع أثمانها وندرتها. ومن جلود البرمائيات المرتفعة الثمن جلد السلمندر. وثمة مزارع تتخصص في تربية أغلب الحيوانات المعرضة للانقراض وتعنى عناية خاصة بتربية هذه الحيوانات للاستفادة من جلودها.
العناية بالجلود
تتطلب النوعية الجيدة من الجلود عناية خاصة بها، فقطعة الجلد الجيد يمكن أن تبقى مئات السنين إذا ما خضعت لعناية مقتنيها، وأول ما يجب أن يلفت إليه الانتباه ضرورة أن يجفف الجلد المبلل تجفيفاً بطيئاً. والجلد المدبوغ نباتياً كالنعل يتضرر بالحرارة ويجب أن يجفف بعيداً عن النار أو المشعات. أمَّا الجلد المدبوغ بالكروم فيتحمل الماء المغلي دون أن يتضرَّر، ويُستخدم الماء الساخن بكميات قليلة لتنظيفه ومعالجته ومع ذلك ينصح باستخدام قطعة قماش مرطبة. ويجب الحذر عند استخدام المذيبات لإزالة الأوساخ والبقع، فالمذيبات تجعل الجلد يفقد الزيت الذي استخدم في الدباغة فيجف فاقداً نعومته.
يجب ترك العناية بالجلد الثمين للمتخصصين الذين يعرفون نوع المحل المناسب وكمية الزيت المطلوبة لتعويض ما يفقده الجلد عند التنظيف، كما يمكنهم استعمال الصباغ لإعادة اللون الأصلي. والجلد المدبوغ نباتياً أكثر عرضة للتعفن الذي يزداد نشاطاً في الطقس الحار والرطب.
يُجفَّف الجلد المتضرِّر ويُمسح لإزالة العفن ثم يستخدم محلول يحوي جزأ من بارانتروفينول وجزأين من البيتانفتول و100 جزء من الميثانول و100 جزء من الماء من أجل الصيانة، ويرطَّب به سطح الجلد كله، حتى الخالي من العفن.
إنَّ بارانتروفينول أصفر اللون ولا يمكن استخدامه للجلود الفاتحة اللون ويستعاض عنه ببيتانفتول.
هناك بعض التوصيات للعناية بأنواع معينة من الجلد، فالجلد المصقول (اللماع) ينظف وتُزال عنه الأوساخ بقماش مرطب بماء دافئ ومحلول مخفف من صابون طبيعي، وتُزال بقع الألوان والصدأ بمُحِل مناسب.
أمَّا الجلد السُويدي فيفضل اللجوء إلى المتخصصين لتنظيفه، ويمكن تنظيف الملوث منه باستخدام فرشاة دقيقة وقاسية تؤدي إلى انتصاب الوبر وتعيد إلى الجلد مظهره الأصلي.
وأمَّا جلد الشاموا فيفسد من كثرة العناية به أكثر من الإهمال. ويجب بعد الاستخدام غسل الشاموا بالماء فقط وتعليقه ليجف من دون استعمال المنظفات الصنعية أو الحيوية. كما يجب التأكد من عدم حفظ الشاموا بأكياس من البولي إيتيلين، خوفاً من نمو عفن لا هوائي قد يترك على الجلد أثراً لا يُمكن إزالته.
وأمَّا القفازات القابلة للغسيل والجلد الأبيض فيجب اتباع تعليمات المنتج تماماً عند العناية بها، وهي تختلف بحسب نوع الجلد وطريقة تصنيعه. ويُنظف الجلد الأبيض بقطعة قماش مرطبة، ويُدهن بعد الجفاف بطبقة رقيقة من كريم أحذية أبيض.
الجلد الاصطناعي
البولي يوريثان PU هو عبارة عن بلاستيك حراري عالي التبلمر[ر]، يمتاز بخواص كيمياوية كثيرة وذلك بحسب الطرق المستخدمة في التصنيع والمواد الأولية المستخدمة. يُستخدم على نطاق واسع في إنتاج مختلف البضائع، ومع الخواص المشابهة للجلود الطبيعية التي تتمتع بها بعض أنواعه فقد استخدم على نطاق واسع جداً في صناعة الأحذية والحقائب الجلدية والأثاث والملابس وأدوات الرياضة وغيرها.
هناك نوعان من البولي يوريثان: النوع الجاف، وهو خفيف الوزن ذو بنية جيدة ومظهر جميل وغير نفوذ للماء، ويمكن تصنيعه بسماكة 0.2مم. يستخدم في صناعة الحقائب اليدوية والأحذية النسائية والرياضية، ويفضل استخدامه في صناعة المنتجات الجلدية الرخيصة الثمن.
أمَّا البولي يوريثان الرطب، وخاصة المسمى فوق البولي يوريثان فهو يصنف كجلد اصطناعي عالي الأداء ويمتاز بصفات تفوق الجلد الطبيعي. يتميز بوزنه الخفيف ويسمح بنفوذ الهواء والرطوبة عبره، ناعم الملمس وغير قابل للامتطاط والتمزق، قابل للغسل ومقاوم للتعفن، ويمكن تصنيعه بسماكة 0.4مم وله قدرة تفوق الجلد الطبيعي على امتصاص العرق. يستخدم في صناعة الألبسة والأحذية بأنواعها المختلفة والقفازات والحقائب اليدوية وأدوات الرياضة والأثاث والموكيت وغيرها من المنتجات المرتفعة الثمن.
إن البولي يوريثان هو مجموعة من البوليميرات المتعددة الأشكال، ويمكن تصنيعه بشكل رغوي أو على شكل خيوط أو بشكل صفائح أو كغطاء سطحي للأنسجة المختلفة. وهذه الأشكال جميعها تنتج عند تفاعل الإيزوسيانات (المركب الحاوي على زمرة وظيفية NCO) مع الأغوال (الحاوية على رمز الهدروكسيل OH). ولجزيئات البولي يوريثان خطية وشبكية. ضروب البولي يوريثان بنيتان الخطية تنتج من تفاعل غول ثنائي (يحوي زمرتي هدروكسيل OH) مع ثنائي إيزوسيانات، والبولي يوريثان ذو البنية الشبكية، المستخدم جلداً اصطناعياً، ينتج حين يكون الغول أو الإيزوسيانات متعدد الوظيفة polyfunctional.
أحمد مالو
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث