كتب: د.علي بن عمر بادحدح
23 يونيو, 2012 - 4 شعبان 1433هـ
الخطبة الأولى:
وصية الله سبحانه وتعالى في كل آن وحين إلى يوم الدين تقواه جل وعلا: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } [البقرة : 197].
معاشر المؤمنين:
تقدم وتأخر، هبوط وصعود، انتصار واندحار؛ تلك بعض المشاهد التي يحكيها الواقع في تقلبات الحق والباطل في دنيا الناس، وبسببها قد يحصل للبعض افتتان بالباطل على حساب الحق واغترار بأهل الباطل وتخل عن أهل الحق، كما يحصل ضروب من الزيغ والخلل والانحراف يكاد معه كثير من الناس أن يكونوا مبتعدين عن جادة الصواب ونهج الحق.
ومن هنا فإن الأمر في الصراع بين الحق والباطل مرجع فهمه الصحيح ومنهج إدراكه القويم في كتاب الله سبحانه وتعالى ينبغي أن نرجع إليه ونستضيء بأنواره ونعمل بأحكامه ونعرف سننه فإن التقلبات الظاهرة كثيراً ما تكون من التغير والتبدل بحيث لا يمكن للعقل استيعابها ما لم يكن عنده قاعدة أصيلة واضحة من الوحي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } [الرعد : 17]، هذه صورة في مثال حي تحكي لنا ما يقع من الالتباس والاغترار والظهور والعلو الذي له ظاهر لا حقيقة له، أنزل الله عز وجل من السماء ماء والمراد وحيه وهدايته والحق الذي أنزله على رسله والشرع الذي ارتضاه لخلقه، لكن التدفق من سنة هذه الحياة ولكن الباطل يواجه الحق، ينزل هذا الماء يجري في الأودية في أثناء سيره مع الحركة والتدافع والمعارضة ينشأ الزبد ويكون هناك شيء من القشور ومن أغصان الشجر تطفو فوق السطح وتظهر بلونها الأبيض يراها الناس فيظنون أنها الماء العذب الصافي، يرونها فوق السطح فيظنون أنها النفع، { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً } في واقع الأمر أن هذا الزبد بعد قليل يزول ويضمحل ويذهب ويبقى الماء الذي يروي عطش القلوب قبل عطش الحلوق.
{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } قال الطبري في تفسيره: "الحق هو الماء الباقي الذي أنزله من السماء والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل"، هذا هو المثل: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } فأحذر أن تغتر بالباطل وإن علا وانتفش وإن كان له لون براق ومظهر جذاب، غُصْ إلى الحقيقة وأبقى مع ما يمكث طول الأمد وينفع حقيقة لا ظاهرا.
وكما قال القاسمي في تفسيره: "مثلهما إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة مما يصبغ في النار بل يذهب ويضمحل وينتهي"، هذا خبر القرآن، هذه حقيقة ما أخبرنا به الملك الديّان، ينبغي أن تكون حقيقة لا تقبل الشك، ويقيناً لا يخالطه الريب، وإن رأت أعيننا صوراً مختلفة وإن امتد الباطل بقوته وصولجانه سنين عددا.
وتأمل معي كيف يفترق الناس: { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [محمد : 3]، أنت مخيّر والله عز وجل أكرمك بالإيمان وأعزك بالإسلام وهداك بالقرآن كيف ترضى أن تغيّب ذلك وتكون مع الباطل مقتنعاً به وناشراً له ومنافحاً عنه كأنما والعياذ بالله أنت من أهل الكفر الذين اتبعوا الباطل، وتلك خطيئة كبرى ومصيبة عظمى.
ولكي نعرف كيف تقع الأمور وتجري؛ ننظر إلى الآيات ما الذي يجعل مؤمناً بالله من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطق بالباطل ويثور حمية له؟! إنه التلبيس! { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة : 42]، جهود إعلامية ضخمة وألاعيب سياسية ماكرة تضيع الحق وتمزجه بكثير من الباطل: { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } أي لا تخلطوه به فيعطونك طرفاً من قول صحيح ويملئون ما بعده باطلاً فيلتبس الأمر على الناس، وقال بعض أهل التفسير: "{ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } من اللباس أي لا تغطّوا الحق بلباس مبهرج فيخفى على الناس"، وهذا الذي يقع، نسمع الباطل صباح مساء! نسمعه من هذا وذاك! نراه في المشهد السياسي ونراه في البث الإعلامي فإذا بنا وللأسف الشديد نغتر به وننسى الآيات ونضيّع حقائق النبوات، وهذا من الأمر الخطير الذي جرت به سنة الله سبحانه وتعالى فإن هذا الالتباس يقع كما ذكر أهل التفسير ونقلوا عن ابن عباس: "لا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل"، كم غيرنا نحن حتى في أفكارنا ولو كانت صغيرة وفي بعض الأحكام الشرعية التي لها أدلة واضحة اتباعا لهوى النفوس أو اغتراراً بزيغ العقول وضلالها.
والله سبحانه وتعالى نادى أهل الكتاب: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[آل عمران : 71]، وحذّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جرح ضب خرب لدخلتموه)، قالوا: "اليهود والنصارى يا رسول الله؟"، قال: (فمن؟)، أي فمن غيرهم؟!
وكم نحن اليوم نخوض مع الخائضين ونرجف بالباطل مع المرجفين، نسأل الله عز وجل السلامة؛ فالنهي عن التلبيس من جهة والنهي عن كتم الحق من جهة، كم تكتم وسائل الإعلام من الأخبار الحقيقية والمواقف الناصعة وتشوّش عليها وتغيّر فيها وذلك غني عن القول.
وأمر آخر وهو الصد عن سبيل الله: { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } [الأعراف : 86]، { أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } [هود : 18 ، 19]، تأمل بكل صراط هناك من يقف ليصد الناس ليمنعهم قهراً وقوة أو زيفاً وزيغاً أو تضليلاً وإلهاء وإشغالا، وذلك في كل باب من الأبواب وفي كل ميدان من ميادين الحياة، زيّفوا علينا في المعاملات المالية حتى صارت أكثرها في دنيانا ربوية وفيها أمور أخرى من المحرمات في المعاملات المالية.
صدّوا عن سبيل الله وأرعدوا وأزبدوا، فإذا بنا نتكلم عن التبرج دونما نهي وتحريم، ونتحدث عن الاختلاط دونما زجر وتحذير، وهكذا وهكذا تتقلب الأمور حتى يقول قائلنا تغير الزمن ولا مجال أن يحكم بشرع الله في دنيا الناس اليوم! كذا تبدأ قليلة ثم تنتهي كبيرة، كذا تكون في مسألة ثم تنتهي إلى عقيدة كاملة، كذا رأيناها في كليمات انتهت بنفر قليل إلى ضلالات وشرك وكفر وإلحاد، كذا ينبغي أن ننتبه إلى معركة الحق والباطل لئلا نكون صرعى للباطل، يبطش بنا يغتال إيماننا، يسبي قلوبنا، يزيغ عقولنا، يحرف سلوكنا، يغير مبادءنا، يلبس علينا حقائق أمورنا وديننا.
كم نحن في هذه المعركة في أمر جلل وخطب خطير، كم نحن في حاجة إلى عصمة لا يمكن أن نجدها إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي)، كم نسمع هنا وهناك من الأقاويل لا نحاكمها إلى كتاب الله، لا نزنها بالمقياس الذي جاءت به آيات الله عز وجل، لا نكشف صدقها أو زيفها مما ورد لنا في حديث وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } [النساء : 61]، والمنافقون هنا يجوسون خلال الديار.
طابورنا الخامس الناطقون بألسنتنا الماكثون بيننا الذين يغشون مجالسنا وألسنتهم بالباطل ناطقة وقلوبهم بالزيغ ممتلئة – أعاذنا الله وإياكم – والمنافق سليط اللسان عليم القول يبدّل ويلبس فينبغي أن نكشف زيفه بنور الحق في كتاب الله سبحانه وتعالى، يصدون الناس عن إتباع الحق ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير وحقيقتهم أنهم يدعون إلى النار.
وأمر آخر أيضاً نراه اليوم في واقعنا كثيرا وكثيراً جدا: { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } [غافر : 35]، الحوارات التي نسمعها اليوم تناقش الأحكام الشرعية الثابتة وتطلق عليه التصويت وترسل فيها الأقوال بادعاء حرية الآراء وحرية التعبير مجادلة للحق الثابت بالنص القطعي المحفوظ إلى قيام الساعة؛ ومن هنا يقع الإرجاف ويقع للناس الاضطراب.
وقديماً كان قول الكافرين كذلك، أبو جهل رمز الطغيان والكفر قال: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان حتى إذا تساوينا وتجافينا على الركب قالوا منّا نبي فمن أين لنا بنبي فوالله لا نصدقه الدهر كله! يعرفون الحق ولكنهم يجحدونه! يعرفون الحق ولكنهم بالباطل يدفعونه! { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام : 33]، يدفعون الحق بالباطل ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الباطلة الفاسدة بلا برهان وبلا حجة.
ووقفة أخيرة لندرك الخطورة ونعرف الواقع ونعرف السنّة، { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة : 32]، { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف : 8]، يريدون بصيغة المضارع المستمر في كل زمان في كل مكان في كل ميدان يريدون ليطفئوا نور الله هذا قصدهم فاعرفوه، هذا نهجهم فأبطلوه، هذا كيدهم فردوه؛ وإلا فإنه سيعم ويلهي ويصرف الحق كثيراً ممن لا ينتبه إليه ولا يعرفه.
وثمة صورة حية متحركة كأنما نراها رأي العين نجدها في قول الحق جل وعلا: { وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ص : 6] يتواصون بالباطل يتعاونون على الإثم وذلك أمر يعظم ويظهر ويؤثر إذا لم يتواص المؤمنون بالحق ولم يتعاونوا لإثباته ونشره ولم يصبروا على ذلك، وهذا من أعظم البلاء الذي نتعرض له اليوم، يوم خرست الألسنة وعميت الأبصار وصمتت عن النطق بالحق في المواقف الفاصلة فظن الناس حينئذ الظنون ومالت بهم الأفكار – أعاذنا الله وإياكم من كل ذلك - .
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنها أعظم ما يقدم به العبد على مولاه.
لا أحد يفعل فعلاً قبيحاً ثم يقول إنه باطل، كل المجرمين كل القاتلين كل الكافرين كل المنافقين يدعون أنهم يفعلون الخير، أما سمعنا فرعون يقول عن موسى: { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [غافر : 26]، أما رأيناه وهو يدعي أنه يقود الناس إلى الحق والخير ويبصرهم به وهو أكفر عباد الله وأضلهم وأطغاهم.
أما رأيتم ما يقوله كل معارض للحق ومعاند له، إن ذلك هو الدأب الدائم والمشكلة الحقيقية ما استعاذ منه الرجل المؤمن القوي الشديد في الحق الذي نطق به لسانه وخفق به قلبه وثبتت عليه أقدامه وارتفع له سيفه وسهرت له عينه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة"، فجّار لكنهم يعملون ليل نهار، لكنهم ينفقون المال ويبثون عشرات ومئات القنوات، لكنهم يدفعون الرشاوى لتغيير الآراء وتزوير الانتخابات، لكنهم يضخون الأموال للقصف بالطائرات والقصف بالدبابات ومع ذلك يقولون إنهم يحمون المواطنين، كل أحد يفعل الإجرام يبرره وللأسف أن بعض من الناس يغتر بالباطل ويصدّقه وهذا في تصوري أخطر من الجرم نفسه وأشد وقعاً وأثراً في الأمة مما قد يكون من الأرواح التي تزهق أو الدماء التي تسفك أو البيوت التي تدمّر أو الأعراض التي تنتهك أو تلك الجرائم.
أن نسمع ونرى إلى يومنا هذا من يؤيد النظام السوري المجرم القاتل، ومن يلتبس عليه الأمر في شأن مصر الكنانة والأزهر فإذا بهم ينْزاحون وينحازون إلى من عرفوا كذبه وسرقته وإجرامه، وكذلكم نرى المشهد هنا وهناك والصورة تتغير بحسب الزيف الإعلامي والتلاعب السياسي؛ لأننا لم نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى في الأمر اليسير.
يحضرني هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم للذي جاء يخبر النبي بأن أخاه يشكو من بطنه فتطلقت بطنه – يعني أصبح عنده إسهال – فجاء يشكو، قال: اسقه العسل، اسقه العسل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (صدق رسول الله وكذب بطن أخيك)، صدقوا كتاب الله وسنة رسوله وكذّبوا كل ما عداهما وإن بدا في أول الأمر غير ذلك فإن الخاتمة والحق منتصر كما قال جل وعلا: { لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ } [الأنفال : 8]، { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء : 18]، وطاف النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء في العام التاسع من الهجرة بالكعبة وحولها ستون وثلاثمائة صنم لم يسبها ولا يبصق عليها، بعد أقل من عام جاء فاتحاً لمكة ومعه العصا في يده يطعن بها في هذه الأصنام فتتهاوى وتتحطم ويقول: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء : 81].
هل كان أحد يصدق من كفار قريش أن محمداً سيدخل مكة منتصراً معززاً مكرما؟ هل كان الفاروق عمر رضي الله عنه قبل أقل من عامين من ذلك الحدث عندما كتب النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية وفيه الهدنة لسنوات عشر وفيه أن من جاء مسلماً يرد ومن جاء كافراً لا يرد وقال عمر رضي الله عنه: "ألسنا على الحق؟"، قال صلى الله عليه وسلم: (بلى)، فقال: "أليسوا على الباطل؟"، قال عليه الصلاة والسلام: (بلى)، قال: "فعلام نعطي الدنية في ديننا؟"، تنزلت الآيات: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح : 1]، جاء عمر: "أو فتح هو يا رسول الله؟"، قال: (نعم)، ما كان أحد يعرف ما الفتح؟ وكيف سيكون؟ وما سببه؟ وأن الشروط نفسها التي كانت ترى أنها ضد الإسلام وأهله هي التي غيّرها الله لما صدقوا ولمّا أخلصوا ولمّا بالحق اعتصموا تلك هي المعادلة ولا شيء غيرها، لا اليوم ولا غداً، اعتصموا بكتاب الله واستمسكوا به، استرشدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظروا إلى النصر من وراء كل الجيوش المجيشة والقوى المدججة بالأسلحة فإن يقيننا لا يتذبذب ولا يتغير لحظة واحدة.
قد نحزن نعم لما يجري من التلبيس والتبديل والتغيير، فلننطق بالحق ولا نسكت عليه ولنبين للناس وهذه قضية مهمة، يهمنا نحن أولاً أن لا يعترينا شك في دين الله ولا في وعد الله ولا في نصر الله وأن نشيع ذلك ونعلمه لأبنائنا وشبابنا وأجيالنا؛ لأن هذا الإعلام يجرف ولأن هذه السياسة تقذف بحممها وبزيفها وزيغها ولا يثبت لها إلا من يعتصم بالحق، { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }، { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } [سبأ : 49]، ماذا سيكون له من قوة أمام قوة الحق من الله الحق ومن رسول الحق ومن أمة الحق فاثبتوا على دينكم.
أسأل الله عز وجل أن يردني وإياكم إلى دينه رداً جميلا.
المراجع
موسوعة اسلاميات
التصانيف
عقيدة