إن اليقين الوحيد هو أنه كان أستاذا وملهما لأفلاطون، ولأرسطو بمعنى ما . وبخلاف ما قبل السقراطيين الذين لا نعرف عنهم إلا بعض الشذرات ، التي وصلتنا عن طريق الصدفة وحدها ،فقد جاءتنا أعمال أفلاطون كاملة تقريبا، باستثناء بعض المحاورات وعدد من الرسائل غير الأصلية .ويتفق المعلقون على الاعتراف بأصالة المحاورات الأكثر أهمية . أما بخصوص نصوص أرسطو الأصلية فإننا لم نتوصل بها ، ولكننا نحوز محاضر لدروسه لدى تلامذته على شكل مجموعات هي كافية ،من حيث أهميتها وتماسكها، لإعادة بناء مجموع الفلسفة الأرسطية. وفي ما وراء مشكل الأصول هذا ، تختلف أعمال هذين الفيلسوفين من حيث الأسلوب والنط ؛ فمحاورات أفلاطون تتميز بشخوصها العديدين ، وتبعا لذلك ، تتبلور البراهين والحجج ضمنها بطريقة حرة فيما يبدو ، في الانتقال من موضوع إلى آخر ، وباللعب على مختلف الطرق كالعرض المنهجي واللجوء إلى الأسطورة. أما أعمال أرسطو ، فهي على العكس من ذلك موسوعية ؛ حيث يحتوي المنطق الصارم الملاحظة الدقيقة للطبيعة وللأنظمة السياسية . و لا شيء فيما يبدو يفلت من حب الاستطلاع لدى الفيلسوف الذي يتخذ بين لحظة وأخرى هيئة البيولوجي والسيكولوجي والفيزيائي والميتافيزيقي ، منطقيا كان أم بلاغيا . يجعلنا هذان التوجهان نحزر علاقتين متباينتين لهما مع معاصريهم ؛ وهكذا فإن رد فعل أفلاطون اتجاههم تمثل في مجادلة السفسطائيين الذين اعتبرهم في محاورات الشباب الأعداء الرئيسيين للفلسفة ، لأنهم يرفضون كل معايير الحقيقة. أما أرسطو فقد كان أكثر موضوعية ، وذلك عندما عرض نظريات الأسلاف ، ولكنه ، على كل حال ، لم يتورع عن محاسبتهم أحيانا انطلاقا من نظريته الخاصة وعلى ضوئها، وتلك طريقة مغلوطة في النقد.وبالموازاة مع ذلك نجد تقليدا منحدرا من سقراط متمثلا في المدارس السقراطية الصغيرة ، كالمدرسة الميغارية أو السينيكية ( نسبة إلى الفيلسوف سينيكا ) ، ورثت عن سقراط السخرية والاهتمامات الأخلاقية، و أتباع هاتين المدرستين يجعلون من ذلك ” الذي يعرف أنه لا يعرف شيئا ” الشكاك الأول. وإذا كان التقليد لا يحكم علاقاتهما الفكرية ، فإنه يتوجب مع ذلك التذكير بأن هذه المدارس ساهمت في تعميق الفلسفتين الأفلاطونية والأرسطوطاليسية اللتين تجمدتا بعد وفاة مؤسسيهما، في نزعة دوغماطيقية أقل فأقل احتراما.
المراجع
الفلسفة في اليونان القديمة
التصانيف
فلسفة