الشباب مرحلة نمو طبيعية تحمل في طياتها المراهقة، وهي مرحلة انتقال حرجة بين الطفولة والرشد تبدأ بالبلوغ الجنسي وما يصاحبه من تغيرات جسمية وانفعالية، وخصائص متمايزة لما يحيط هذه المرحلة من أزمات ناشئة عن هذه التغيرات الفزيولوجية والتأثيرات النفسية والاجتماعية.
ومن أهم خصائص مرحلة الشباب ازدياد الصراع بين الجنسين، والنزوع إلى الابتكار، والتمايز من الآخرين، والميل إلى التحرر من قيود الأسرة، والاسترسال في أحلام اليقظة، والتمهيد لبناء المستقبل، والاهتمام البالغ بالتحليل الذاتي.
وفي مرحلة الشباب تنمو الانفعالات، وتتصف بالسيولة والعنف والتذبذب والتناقض والقوة والحماسة والحساسية، إلى أن تصل إلى الاستقلال والاستقرار والنضج الانفعالي. وفي هذه المرحلة، ينمو الشاب اجتماعياً ويميل إلى الاستقلال وتأكيد الذات والاتصال برفاق سنه وأصدقائه، والاقتداء بهم والتآلف معهم أو مغايرتهم ومنافستهم وممارسة الزعامة والقيادة.
وعلى الرغم من الفروق الفردية والثقافية التي تؤثر في تحديد المدى العمري لمرحلة الشباب من حيث بدايتها ونهايتها، أنه يمكن تحديدها بالمرحلة العمرية التي تبدأ بالبلوغ واكتمال النضج الجنسي والقدرة على التناسل. وتعد سن الخامسة والعشرين وما نحوها ما يعبر عنه بمرحلة الشباب، وهو ما تؤيده أكثر الدراسات التربوية والنفسية.
إن طول مرحلة الشباب وما قد يظهر فيها من مشكلات لا يعود إلى طبيعة النمو الفزيولوجي والنفسي للفرد بقدر ما يعود إلى طبيعة التطور الاجتماعي والاقتصادي. ففي المجتمعات البسيطة (قديماً) كان يتم التحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب من دون المشكلات الاجتماعية والنفسية التي توجد في المجتمعات المتطورة حضارياً في العصر الحديث.
ومن مفاهيم الشباب قديماً، أنه يتاح للشباب في المجتمعات البسيطة إشباع حاجاتهم الأساسية إلى الاستقلال والعمل المنتج والزواج في وقت مبكر، وتجنب كثير من الصراع والإحباط والمعاناة التي يتعرض لها الشباب في المجتمع الحديث. ولكن مع تطور المجتمعات وتعقد أساليب الحياة، وزيادة متطلبات المهارات الدقيقة التي لا بد من توافرها لكي يتمكن الفرد من مزاولة عمل أو مهنة ما، والتي تتطلب سنين طويلة من التعليم والتدريب والاعتماد على نفقة الكبار وعلى وصايتهم وإشرافهم، ترتَّب على ذلك تأخر الاستقلال الاقتصادي والمعاشي، وتأخر في الاستقلال الاجتماعي والزواج وتكوين الأسرة، كما شهدت البشرية في الحضارة الحديثة، ظهور مرحلة نفسية جديدة لمفهوم الشباب لم تُعرف من قبل.
مشكلات الشباب
قلما تمر مرحلة الشباب من دون تعرض الشاب إلى مشكلات، لأنها مرحلة انتقال حرجة بين مرحلة الطفولة والنضج. وفي كثير من الأحيان لا يمكن عدّ هذه المشكلات التي أفرزتها هذه المرحلة ظواهر غير طبيعية عند الغالبية العظمى من الشباب، وإن ما يجعل منها مشكلات هي كيفية مواجهة الشباب لها أو كيفية التعامل معها من قبل الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى. ومن أهم هذه المشكلات:
المشكلات الجنسية
يعد الافتقار إلى التربية الجنسية والصحية، والخجل والميل إلى الإعراض، والانعزال عن جماعة الرفاق، وسوء التوافق الاجتماعي، وصعوبة مسايرة سلوك الكبار وتوقعاتهم. وكذلك الحال فيما يتعلق بتأخر البلوغ الجنسي وما قد يصحبه من مشكلات مثل الانعزال والخجل والقلق بسبب تأخر البلوغ والشعور بالنقص، وعدم الكفاية وسوء التكيف الاجتماعي والانفعالي، سبباً في الانحراف والشذوذ وما ينجم عنه من قلق وصراع واضطراب.
المشكلات الصحية
هنالك بعض المشكلات الجسمية الصحية التي يمر بها الشاب مثل بعض مظاهر النمو الجسمي التي تخرج عن معايير النمو الطبيعية، سواء في الزيادة أم في النقصان، كما هي الحال في ما يسمى السمنة المفرطة ولاسيما عند البنات المراهقات بسبب الشراهة الزائدة، أو النحول الزائد، فيما يسمى فقدان الشهية العصبي (الانوركسيا نيرفوزا) anorexia nervosa، أو ظهور بثور الشباب (حب الشباب) إلى غير ما هنالك من مشكلات ناجمة عن نقص الرعاية الصحية.
المشكلات النفسية
إن اكتمال النمو العقلي للشاب، وقدرته على التفكير المنطقي والتحليل النقدي يجعله لا يتقبل الأفكار والمبادئ والقيم التي يقدمها لـه الكبار، كما كان يتقبلها في طفولته ببساطة وقناعة، وإنما يفكر فيها ويناقشها وينقدها. وقد يرفض الكثير منها، بل يصل الأمر ببعض الشباب إلى تكوين موقف معارض لأكثر المفاهيم السائدة في المجتمع. كما أن إدراك الشاب لمستقبله غير ثابت، ويعرضه ذلك لصراع وتوتر نفسي يشتدان كلما كان الفارق كبيراً بين طموحات الشاب وقدراته الواقعية، وكلما كان تأثير الوسط من حوله (الأسرة وطموحاتها) يُفرض عليه جهوداً مضاعفة أكبر من قدراته وإمكاناته واستعداداته الطبيعية.
المشكلات الانفعالية
قد تتحول هذه الحالة الانفعالية إلى (أزمة الهوية) التي تنشأ من عدم قدرة الشاب على فهم ذاته، وتقبلها والإدراك الحقيقي لها والتعامل معها. وقد يعيش بعضهم فترة من الضياع والغربة النفسية التي قد تؤثر في نموه ونضجه السوي.
ومن المشكلات الانفعالية لدى الشباب ثنائية المشاعر، والتناقض الانفعالي ومشاعر الغضب والثورة والتمرد، التي قد تكون نتيجة لفترة الانتظار الطويلة في مرحلة المراهقة والشباب، أو قد تكون نتيجة التناقض في المعاملة من قبل الكبار.
المشكلات الأسرية
تتسم علاقات الشباب بأفراد الأسرة ولاسيما الأبوين بشيء من التوزع بين التبعية والانقياد والاعتماد، فهم مضطرون بحكم تبعيتهم الاقتصادية والاجتماعية ونقص خبرتهم إلى مسايرة الأسرة وطاعتها، وبين الرغبة في الاستقلال وتحقيق الذات التي تمثل أحد مطالب النمو لديهم. ومن هنا يسيطر على علاقات بعض الشباب بأسرهم قدر كبير من التوتر والصراع، أو قد تتصف العلاقة مع الأسرة بقدر كبير من السطحية وضعف الانتماء وعدم التقبل. وهنا تضطلع جماعات الأقران بدور مهم في حياة الشاب إذ تكون البديل لتأثير الأسرة، وتصبح مصدراً للأمن النفسي والطمأنينة والارتياح، وتعبيراً عن الهوية والذات، ومبعثاً للاعتزاز وإشباعاً للحاجات والدوافع التي لا يتمكن الشاب من إشباعها من خلال الأسرة. وتضاف إلى المشكلات الأسرية بعض الحالات التي يعانيها الشاب كوجود الجو المشحون في الأسرة الناجم عن الخلافات وعدم التفاهم بين الأبوين، أو التصدع الأسري الناجم عن الانفصال أو الطلاق أو موت أحدهم أو عدم وجود القدوة الحسنة في الأسرة.
المشكلات المدرسية
إن المستقبل المجهول وما يحمله من احتمالات غير معروفة، وفترة الانتظار الطويلة وطموحات الشباب وقدراتهم الواقعية تكون مجالاً لأحلام اليقظة (الشرود والسرحان) وعدم القدرة على الاستذكار وعدم المثابرة على الانتباه ولاسيما إذا كانت طموحات الشباب وآمالهم عريضة وغير واقعية أحياناً.
المشكلات الاجتماعية والأخلاقية
لا يمكن فصل المشكلات النفسية والانفعالية عن المشكلات الاجتماعية، لأنه من مظاهرها الانسحاب والانطواء والخوف والخجل الاجتماعي والتمرد والعدوان والانحراف ومصاحبة أقران السوء ومخالفة المعايير والقواعد الاجتماعية والأخلاقية وتحديها بطريقة اعتبار الذات (خالف تعرف).
ومن أخطر المشكلات الاجتماعية زيادة وقت الفراغ، إذ يمثل وقتاً فائضاً لا يجد الشاب في أثنائه عملاً منتظماً يشغل به ذهنه ويصرف فيه طاقاته ويشبع من خلاله حاجاته النفسية والاجتماعية، مما يعرضه للسأم والضيق والملل ويجعله نهباً للأحاسيس وأحلام اليقظة، ويؤدي به ذلك إلى الإضرار بصحته النفسية والانحراف في سلوكه. وقد دلت كثير من الدراسات على العلاقة بين أوقات الفراغ والسلوك الإجرامي، فمعظم الأفعال الإجرامية يرتكبها الشاب في أثناء أوقات الفراغ، كما أن نسبة كبيرة من الانحرافات والجرائم ترتكب بقصد الاستمتاع بوقت الفراغ.
المشكلات المهنية
يعاني كثير من شباب اليوم نقصاً معرفياً، وفقراً في التوجيه التربوي والتوجيه المهني. وإن عدم معرفة الفرص المهنية المتاحة وكيفية الدخول فيها والمراحل الدراسية التي تؤهل الفرد إليها يؤدي كثيراً إلى ظاهرة البطالة الاقتصادية والاعتماد على الآخرين. كما أن الانخراط في العمل المهني الذي لا يتلاءم مع ميول الفرد ورغباته وقدراته يؤدي إلى سوء التوافق المهني.
موقف المربين ودور المؤسسات التربوية وعلم النفس في تربية الشباب
تعمل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة على تربية الشباب من خلال عملية نفسية تربوية تدعى عملية التوجيه والإرشاد. وهي عملية ترمي إلى المساعدة في رعاية وتوجيه نمو الشباب نفسياً وتربوياً ومهنياً واجتماعياً والمساعدة في حل مشكلاتهم.
وتقوم مراكز الإرشاد النفسي والاجتماعي ومراكز رعاية الشباب بدورها في إرشاد الشباب حتى يتحقق لهم أفضل مستوى من النمو النفسي والصحة النفسية والتكيف السوي.
ومن أهم شروط تقديم خدمات إرشادية للشباب، أن يكون مقدمها مؤهلاً علمياً في علم النفس والإرشاد النفسي وأصول التربية، وقادراً على فهم نفسية المراهق من وجهة نظره ومن واقع إطاره المرجعي. ومن أهم هذه الشروط:
ـ أن يكون الاهتمام بالشباب موجهاً إلى الخدمات الإرشادية الإنمائية والوقائية، وتهيئة البيئة الصالحة والمناخ الملائم الذي ينمو فيه الشاب نمواً صحيحاً وسليماً.
ـ تقديم القدوة الحسنة والمثل الذي يحتذى أمام الشباب، ومساعدتهم على فهم النفس وتقبل الذات وتقبل تغيرات النمو التي تطرأ في مرحلة المراهقة.
ـ مراعاة الفروق الفردية، والفروق بين الجنسين، والفروق بين شباب الريف وشباب المدينة، والفرق بين الأجيال.
ـ الابتعاد عن أسلوب الأمر والوعظ والنصح المباشر.
ومن أهم خدمات إرشاد الشباب التي تقدمها المؤسسات التربوية المختلفة:
ـ في مجال رعاية النمو:
الاهتمام برعاية نمو الشباب في مظاهره كافة بما يحقق مطالبه، ويصل بالشباب إلى النضج في مظاهر التوازن والتوازي كافة.
ـ في مجال التربية الجنسية للشباب:
أن تقدم التربية الجنسية للشباب حسب أصولها العلمية والتربوية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية البعيدة عن الإثارة والتحريض، والتنبيه إلى ما يعرض في بعض القنوات الفضائية الإباحية منها خاصة، وما فيها من ضرر وما ترمي إليه من إفساد للأخلاق.
ـ في مجال خدمات الإرشاد الصحي للشباب:
توفير الرعاية الصحية والقضاء على الأمية الصحية، والعناية بالطب الوقائي وتقديم الخدمات الصحية المناسبة، ولاسيما الفحوص الدورية، والابتعاد عن كل ما يبدد الصحة مثل الإفراط في السهر والابتعاد عن التدخين وحفلات اللهو.
ـ خدمات الإرشاد والتوجيه التربوي للشباب:
وذلك بتوجيه الشباب نحو الدراسات العلمية التي يتطلبها سوق العمل من جهة، والمتلائمة مع قدرات الشباب وميولهم النفسية والعقلية من جهة ثانية، وإجراء الاختبارات والمقاييس التي تكشف عما يحمله الشباب من طاقات وإمكانات وميول. ومن ثم يتم التوجيه التربوي نحو الدراسات المناسبة لهم.
ـ خدمات الإرشاد النفسي:
الاهتمام بإشباع حاجات الشباب النفسية إلى الأمن والأمان والحب والقبول والاحترام والمكانة وتحقيق الذات، ومساعدة الشباب في التغلب على المصاعب، وحل المشكلات النفسية والشخصية والانفعالية والعاطفية، والعمل على التحكم في الانفعالات وضبطها.
خدمات الإرشاد المهني:
وذلك بتوفير المعلومات المهنية لمعرفة طبيعة المهن وخصائصها ومتطلباتها وشروطها بغية مساعدة الشباب في اتخاذ القرارات الخاصة بالاختيار المهني، وفي عملية الإعداد والتأهيل المهني، مع مراعاة الفروق الفردية بين الشباب والفروق بين الجنسين في هذا الصدد.
خدمات شغل وقت الفراغ:
ويدور محورها حول شغل وقت الفراغ بما يفيد وينفع، ويحقق الترفيه والاسترخاء والتسلية والترويح والنشاط الحر الشريف، وذلك بدعم أنشطة الرحلات والمعسكرات ونوادي الشباب.
خدمات الإرشاد الاجتماعي:
وتهدف إلى توفير الرعاية الاجتماعية من خلال المؤسسات الاجتماعية في الأسرة والمدرسة والمجتمع، وذلك بتعليم الشباب المعايير الاجتماعية السليمة وتنمية مهارات الاتصال والمسؤولية الاجتماعية والذكاء الاجتماعي، وإعداد الشباب للقيام بدور فاعل في الحياة الاجتماعية.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث