تقع البريمي Buraimi على أطراف المنطقة الصحراوية الداخلية من الربع الخالي (الرمول محلياً) في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية، عند التقاء حدود عمان بحدود الإمارات العربية المتحدة، قرب تقاطع خط طول 56 درجة شرقاً مع دائرة العرض 24 درجة شمالاً، وعند التقاء السفوح الجنوبية الغربية لجبال الحجر العمانية، في قسمها النجدي المتوسط الارتفاع بمنطقة الكثبان الرملية الصحراوية، حيث كوّن طمي الأودية الهابطة من الجبال منطقة سهلية واسعة ذات شكل مروحي صالحة للزراعة لتوافر المياه السطحية والجوفية. وتمتد هذه المنطقة غرباً حتى تتلاشى في أطراف «الرمول» وقد غطتها طبقة رقيقة من الرمال المتنقلة. وتعرف هذه المنطقة السهلية باسم الظاهرة.
وهكذا فإن البريمي تقع في جزء من سهل صحراوي يعرف باسم التوأم (وهو الاسم القديم للبريمي) والجو، ويتصل في الغرب بصحراء الربع الخالي. وتفصل جبال الحجر الغربي في الشرق هذا السهل عن المناطق الشرقية من عمان. في حين يتصل بأراضي الإمارات العربية المتحدة من ناحية الغرب، وبالمنطقة الهضبية الوسطى من عمان من ناحية الجنوب.
وتخضع البريمي في موقعها هذا بين السفوح الجبلية العمانية الرطبة من جهة، والكثبان الرملية الجافة والحارة جداً من جهة أخرى، لمناخ صحراوي مداري حار وجاف، يعتمد فيه السكان على المياه الهابطة من الهضاب والمرتفعات الشرقية والمنتظمة في شبكة من القنوات تعرف بالأفلاج، وتستجر مياهها لتوفير مياه الشرب وسقاية المزروعات، وفي مقدمتها أشجار النخيل الواسعة الانتشار.
والبريمي واحة واسعة من واحات منطقة الظاهرة في دولة عُمان[ر]. واتخذت حاضرة لإحدى الولايات الإدارية الخمس الموجودة في هذه المنطقة العمانية. وهي تضم أكثر من ثلاثمائة قريةٍ وبلدة، ويقطنها ما يزيد على 170 ألف نسمة من السكان الذين تركوا حياة البداوة والترحال، واستقروا في هذه القرى والبلدات المنتشرة على أطراف صحراء الربع الخالي، بعد أن توافرت لهم الشروط اللازمة للاستقرار من مساكن دائمة وطرقات ووسائط تنقل عصرية ومياهٍ وكهرباء ومدارس ومشافٍ وأندية وموارد معيشة متنوعة، تضم إضافة إلى ما كان فيها من منتجات حيوانية وبعض المنتجات الزراعية على رأسها التمور، ما استحدث من زراعة مروية وحرف وصناعات خفيفة تقليدية وعصرية، تبدأ بصناعة الخيام، وتنتهي بصناعة الفندقة والسياحة واستخراج النفط والغاز الطبيعي.
يرجع سكان البريمي وواحتها في الأصل إلى القبائل العمانية، ولاسيما قبائل الظواهر والنعيم، ويؤلف الظواهر القسم الأكبر من سكان القرى والتجمعات السكانية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الواحة. في حين تعد قبائل النعيم من القبائل الكبيرة التابعة لعمان في الواحة وقراها، علماً أن أفرادها تحولوا بولائهم إلى أبو ظبي في نهاية القرن التاسع عشر، ثم عادوا فوالوا سلطان مسقط عام 1909 بعد وفاة شيخ أبو ظبي زايد بن خليفة. وكانت الواحة تضم تسع قرى هي: البريمي والعين وحماسة وهيلي والجيمي والقطارة وصعرة والمعترض والمويقعي (المويجعي)، تطورت وتوسعت حتى اندمج أغلبها في تجمع مدينة العين في الإمارات وبلدة (مدينة) البريمي في عمان.
انتقلت منطقة واحات الظاهرة، ومنها واحة البريمي، نقلة حضارية سريعة بعد كشف النفط والغاز الطبيعي فيها، وفي المناطق المجاورة لها. وبعد توقف النزاع عليها بين السلطنة والمملكة العربية السعودية[ر]، والإمارات العربية المتحدة[ر]، وإبعادها عن مسرح الأحداث حتى يُتَّفَق على رسم الحدود. وتحولت من واحات ريفية فقيرة على طرق تجارة القوافل القديمة إلى منطقة حضرية عصرية.
تدل الآثار المكتشفة حديثاً في البريمي وفي المناطق المحيطة بها على أن الموقع هو أحد المواطن القديمة في شبه الجزيرة العربية[ر]. فالطرق البرية التي ترجع إلى عهود موغلة في القدم، تمر بالبريمي متجهة نحو ساحل عمان الشمالي، باتجاه الخليج العربي والأطراف المحيطة به، من طريق وادي الجزي ووادي الحواسنة في جبال الحجر. وتتصل من طرفها الآخر بقلب شبه الجزيرة العربية وببلاد الشام. كذلك تشير قطع الفخار وبقايا النحاس، ومواقع القلاع والحصون والأبراج، إلى وجود حضارة قديمة في البريمي، كانت لها منذ القرن الرابع عشر ق.م صلات تجارية جيدة مع بلاد الرافدين، وبلاد فارس والسند، وبلاد الشام، وأنها كانت محطة وصل مهمة لطرق القوافل التجارية القديمة التي كانت تربط شمالي شبه الجزيرة العربية بجنوبيها وشرقيها بغربيها.
وبعد أن كُشف عن مخزون كبير للمياه الجوفية العذبة في المنطقة، تجري الاستفادة من هذا المخزون في أعمال التوسع الزراعي في أجزاء واسعة من السهل الذي تتوزع في واحاته الخضراء المراكز السكنية الصغيرة. وتشمل هذه الأعمال زراعة الأشجار المثمرة والخضر وبعض الغلال من قمح وشعير وذرة، إضافة إلى أشجار النخيل، المنتج الزراعي الأساسي للمنطقة. وقد بني عدد من السدود على الأودية لدرء أخطار السيول التي تفاجئ المراكز السكنية في بعض السنين، ولحجز مياه الأمطار الموسمية خلفها ليستفاد منها في توفير المياه الصالحة، ولتغذية الخزانات الجوفية للمياه التي صارت تشكو الشح بعد توسع الزراعة المروية في المنطقة واستخدام الضخ الآلي الكثيف والعشوائي أحياناً.
صارت المياه تصل إلى البريمي وإلى ضواحيها عن طريق شبكة نظامية، وذلك بعد حفرِ أكثر من 90 بئراً في المنطقة المحيطة بالواحة، وبناءِ خزان توزيع رئيسي في البريمي البلدة نفسها تزيد سعته على 2227 ألف ليتر، يستمد المياه من خزان الزروب المركزي على بعد 22كم.
وقد حظيت البريمي في السنوات الأخيرة بالاهتمام الذي تستحقه في مشروعات التطوير العامة للسلطنة. إذ اعتمدت مشروعات التجميل فيها على المكانة الفريدة للمنطقة وصفاتها البيئية التي تمنحها معطيات سياحية ذات طابع خاص. وكذلك موقعها المتوسط عند تلاقي طرق برية قديمة وحديثة بين عدة بلدان متجاورة. ثمَّ كان الكشف عما تحويه أرضها من مصادر وفيرة للطاقة. وقد قامت فيها مشروعات مثل إنشاء الطرق المعبدة وتشجير أطرافها، وإدخال نظام الري الحديث في الزراعة والبستنة حول مراكز تجمع السكان. كما شملت عمليات التطوير ترميم سوق البلدية القديمة في بلدة البريمي ذاتها، وإنشاء سوق جديدة، إضافة إلى أعمال الإنارة وإنشاء الحدائق وتجميل المباني القديمة بواجهات جديدة على الطراز العماني، وإقامة الدوارات لتوفير مرونة حركة سير السيارات التي تكاثرت في المنطقة، وفاق عددها ما فيها من جمال. وإنشاء ساحة عامة للاحتفالات، ومسلخ مركزي حديث، ونظام متكامل للصرف الصحي. فضلاً عن إنشاء حديقة عامة جديدة، خصص ركن منها لإيواء بعض أنواع الحيوانات التي تعيش على أطراف الصحراء وحمايتها من الصيد العشوائي الذي بات يهددها بالانقراض. وبناء محطة استقبال للبث الإذاعي والتلفزيوني تستفيد من نظام عربسات ومن بعض الأنظمة العالمية الأخرى. وفي المنطقة أربعة مستشفيات، منها مستشفى مركزي في بلدة البريمي فيه 144 سريراً. وقد قام مصرف الإسكان العماني ببناء مشروع الوحدات السكنية في منطقة صعراء الجديدة في ولاية البريمي بمنطقة الظاهرة يتألف من 24 وحدة سكنية مقامة على أرض مساحتها 23 ألف م2. وفي مجال الكهرباء استغني في عام 1987 عن محطات الديزل بعد ربط المنطقة بشبكة كهرباء وادي الجزي.
وهكذا صارت البريمي اليوم تحتل مركزاً مرموقاً بين المراكز السياحية في السلطنة. وصار الدخل من السياحة مورداً إضافياً لدخل السكان. أما النفط والغاز الطبيعي اللذان يؤلفان المصدر الرئيسي للدخل في السلطنة فإن جزءاً مهماً من مراكز إنتاجهما يوجد في منطقة الظاهرة التي تتوسطها واحة البريمي. إذ بلغ عدد الحقول المنتجة فيها نحو 70 حقلاً، وأوجد استثمار هذه الثروات الجديدة فرص عمل جيدة لبعض السكان، إضافة إلى أعمال الزراعة المروية وتربية الحيوانات. ويعمل عدد من السكان في الوظائف الحكومية وفي الأعمال التجارية الخاصة. وما يزال بعض النساء يمارس أنواعاً من الصناعات اليدوية التقليدية التي يقبل السيّاح الأجانب على اقتناء منتجاتها.
وتمد المنطقة بقية مناطق السلطنة بالفائض من منتجاتها الزراعية، ولاسيّما التمور الجيدة التي تصدر كميات منها إلى الخارج.
ولابد من الإشارة إلى أن المظاهر الحضارية الجديدة، والتغير السريع الذي طرأ على حياة السكان في المسكن والملبس والمأكل لم تستطع إبعاد هؤلاء السكان عن جذورهم البدوية. فهم وإن كانوا قد صاروا حضراً، واستطاعوا إلى حد ما التكيف مع معطيات حياتهم الجديدة، فإنهم في الوقت نفسه ما يزالون مشدودين إلى عادات بيئتهم البدوية الأصيلة وأخلاقها وتقاليدها. يعيشون حياةً عصرية في ظاهرها، بدوية تقليدية في مضمونها، ولاسيّما في مجال العلاقات الاجتماعية والسلوك.
مسألة البريمي
تمثّل التنافس بين القوى السياسية على الواحة منذ القرن السابع عشر بين القواسم وأمراء ساحل عُمان ومشايخها وبين سلطنة مسقط وأئمة الإباضية في عُمان الداخلية وبين بريطانية. وكل طرفٍ من هذه الأطراف يعمل لصالحه ويغير تحالفاته بحسب الأحوال.
ومنذ عام 1793 دخل السعوديون طرفاً في التنافس والنزاع، وذلك مع وصول النشاط السعودي إلى الواحة وبداية علاقات الدولة السعودية الأولى في نجد (1774-1818م) مع إقليم عُمان. ولقيت القوات السعودية مقاومة عنيفة من دولة «آل بوسعيد» في مسقط ومن أغلب قبائل عُمان الإباضية. كما لقيت بعض العون والتأييد من المعارضين لحكم دولة «آل بوسعيد» الذين استعانوا بهم في الصراع ضد الخصوم. لكن هذا التدخل وذلك النفوذ انحسرا عام 1819 بعد زوال الدولة السعودية الأولى وسقوط عاصمتها الدرعية بيد إبراهيم باشا في عام 1818. وأعقب هذا الانحسار بروز النزاع على الواحة بين الشيخ سلطان بن صقر القاسمي شيخ القواسم مع عشيرة النعيم المتصلة بصلة القربى مع القواسم، وبين سلطان مسقط سعيد بن سلطان المستند إلى تأييد بريطانية. علماً بأن التبعية الفعلية ظلت عائدة لسلطان مسقط.
وقد عاد السعوديون إلى الظهور قوة منافسة جديدة على الواحة للمرة الثانية في عهد الدولة السعودية الثانية (1843-1891)، واستطاعوا مدّ نفوذ مؤقت إليها في فترات قصيرة متقطعة، في وجه مقاومة سلطان مسقط وحلفائه الإنكليز، وتحفظات شيوخ القواسم والعجمان وأبو ظبي في البُريمي، ولما قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سنة 1902 في نجد وامتد حكمها إلى ساحل الإحساء وأرض الحجاز ظهرت مطالبهم بالامتداد شرقاً من جديد، وتمسك الإنكليز المهيمنون على عُمان وساحل عمان (الإمارات العربية المتحدة لاحقاً) كون «خور العديد» في جنوب قطر الحد الفاصل بين إمارة أبو ظبي والدولة السعودية، وذلك في أثناء مفاوضات (1934-1938) المتعلقة بموضوع الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية للعربية السعودية، وهي المفاوضات التي لم تتطرق قط إلى البريمي، وعلى العكس من ذلك فإن الإنكليز كانوا حريصين على مقاومة أي امتداد سعودي جديد في اتجاه أرض عُمان.
وقد أثارت قضية البريمي بعد الحرب العالمية الثانية خلافاً شديداً بين الأطراف المتنازعة. ودخل الأمريكيون طرفاً مهتماً بصورة غير مباشرة عن طريق المملكة العربية السعودية، التي طرحت حقها بملكية هذه الأراضي، في حين عجّل البريطانيون باتخاذ إجراءات مضادة باسم حاكم أبوظبي.
وكان ظهور النفط في أراضي عُمان سبباً أساسياً في تعمق الخلاف وتضخمه، وقيام انتفاضة عدة قبائل عام 1950 ضد التدخل في شؤون الإمامة، أخمدها الإنكليز وقوات سلطان مسقط. وقد صارت إمامة عُمان في مستهل الخمسينات، بعد كشف احتياطيات بترولية كبيرة فيها، ميداناً لصراع تنافسي حاد بين بريطانية التي مارست الضغط على الإمامة عن طريق سلطنة مسقط وإمارات ساحل عُمان (الإمارات العربية المتحدة فيما بعد) عام 1970 وبين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
ففي حزيران 1952 استولت السعودية على واحة البُريمي مع كل الاتفاقات السابقة، فردت بريطانية في مطلع 1954 بهجوم استعادت به الواحة باستخدام فصائل مسلحة من سلطنة مسقط ومشيخة أبو ظبي وبقيادة ضباط وفنيين بريطانيين. وخيَّم شبح الحرب على المنطقة، ثمّ تُوصِّلَ في تموز 1954 إلى اتفاقية تسوية سلمية للخلاف، وتقرر رسمياً أن ينقب البريطانيون عن البترول في القسم الشمالي من الواحة في حين ينقب الأمريكيون عنه في القسم الجنوبي من الواحة.
أما بشأن واحة البُريمي اليوم، فإن الدول الثلاث التي تنازعت على سيادتها توصلت فيما بينها إلى حلٍ للمشكلة عام 1971، اقتضى إلحاق ثلاث قرى منها بسلطنة عُمان وهي البُريمي وصعرة وحماسة. والسبع الباقيات تبعت دولة الإمارات العربية المتحدة، وضمت إلى مدينة العين.
محمود رمزي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
أبحاث