الحرب war صراع مسلح عنيف مفتوح ومعلن بين وحدتين سياسيتين ممثلتين في دولتين أو حلفي دول أو بين عصبتين في الدولة الواحدة أو الأمة، و لكل طرف منهما مصالح متعارضة مع مصالح الطرف الآخر. كانت الحروب في أكثر الأحيان سبيلاً لنشوء الدول والإمبراطوريات وتكامل الحضارات وتطورها أو سبباً في سقوطها وتفككها. والحرب ظاهرة متغيرة في تاريخ البشرية، تتواتر وتزداد ضراوة وكلفة في بعض الحقب أكثر من غيرها، وقد يطول زمنها أو يقصر بحسب طبيعة الأطراف التي تخوض غمارها وإمكاناتها المادية والبشرية. ويلفت النظر أن بعض الأمم والدول كانت أميَل إلى خوض الحروب من غيرها، ومنها ما لم يخض حرباً على الإطلاق. غير أن للحرب آثاراً مدمرة على البشرية في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تزداد اطراداً مع تقدم العلوم والتقنية.
طبيعة الحرب
الحرب في تعريف المنظِّرين السياسيين والعسكريين مظهر من مظاهر السياسة، أو هي كما يقول الفيلسوف والمنظر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وأنها «عمل عنيف يقصد منه إكراه الخصم على الخضوع لإرادتنا». فالحرب على هذا الأساس أداة من أدوات السياسة، الغاية منها حماية مصالح الجهة المحاربة أو توسيع دائرة نفوذها. والحرب من وجهة النظر الرأسمالية ظاهرة اجتماعية معقدة ومتعددة الجوانب تتطلب حشد الموارد المادية والمعنوية. و يتعارض هذا الرأي إلى حد ما مع المفهوم الماركسي اللينيني القائل إن الحرب نتاج صراع الطبقات. وانطلاقاً من دراسة التطور الاجتماعي للكائنات البشرية والعلاقات الدولية فإن مفهوم الحرب يتطلب دراسة لمفاهيم عدة كالمفهوم البيولوجي والنفسي والأنتروبولوجي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي للحرب، فالحرب ليست ظاهرة وحيدة البعد إنما متعددة الأبعاد، وإن اختلاف الدراسات حول طبيعة الحرب وأغراضها ناجم عن الفرضيات التي يستند إليها المحللون حول الحرب وأسبابها. فإذا رأى الباحث أن الحرب تعبير عن طبيعة الإنسان وبيئته، أو أنها تعبير عن طبيعة الأفكار التي يتبناها ونشأ عليها ذلك الإنسان فسوف يرتكز في دراسته على السلوك الإنساني، أما إذا وجد أن الحرب تعبر عن العلاقات بين جماعات البشر فيمكن أن تكون دراسته أكثر شمولاً من سابقتها. وأما إذا كانت الحرب بين طبقات المجتمع أو حرباً داخلية بين فئات متناحرة فسوف يجد فيها آلية لإعادة التوازن في ذلك المجتمع أو في المجتمع العالمي بأسره.
المفهوم البيولوجي للحرب
يقوم هذا المفهوم على افتراضين اثنين، أولهما أن الحرب محصلة قانون الحفاظ على البقاء، والصراع من أجل البقاء للأصلح، وتنافس الشعوب وتزاحمها لتوفير شروط أفضل لحياتها، أو توفير مكانة أعلى لها بين جماعات البشر في النظام العالمي. أما الافتراض الثاني فيقول إن الحرب تعبير عن طبيعة السلوك الإنساني الخاضع للغريزة، ويتحدد بالشعور العدواني الذي تطور بالاصطفاء الطبيعي وتوارثه أفراد النوع. ويعتمد هذا المفهوم على علم السلوك الحيواني ethology في البيئة الطبيعية، ويرى المختصون في هذا العلم أن سلوك الإنسان سلوكاً غير مفهوم ناشئ عن طبيعته الحيوانية وخاصة في معالجته المشكلات السياسية والاجتماعية التي تعترض سبيله ومن ذلك اللجوء إلى الحرب. ويرى العلماء أن في الإنسان ميلاً فطرياً إلى قتل أبناء جنسه، وأن فيه ما يسمى «الحنين إلى الأرض» المتمثل في التصاقه العاطفي بأرض معينة، وحاجته إلى مجال «حيوي» يختص به، وأنه طوّر ،انطلاقاً من هذا الأمر، ميله إلى القتال من أجل الوطن، وهو سمة وراثية متأصلة في السلوك الإنساني.
المفهوم النفسي والاجتماعي
يرى كلاوزفيتز أن الحرب ترجمة للسلوك العدواني الشخصي تحت غطاء ثقافي، وتتمثل في أربع حالات هي:
1- تطور الغريزة القتالية الفردية إلى سمة جماعية.
2- العدوان ظاهرة نفسية طبيعية كبتها المجتمع فتحول إلى ظاهرة نفسية جماعية تشجع اللجوء إلى الحرب.
3- العدوان نتاج خيبة أمل حين يعجز الإنسان عن تحقيق آماله أو أهدافه، فإذا تجاوزت خيبته حدود الضوابط الأخرى فإنه يتصرف بعدوانية، وخاصة إذا لم تكن ثمة عقوبة رادعة، وحدثت تراكمات اجتماعية لخيبات الأمل التي يعانيها أفراد المجتمع من سلوك قوى خارجية أو من الخصائص البنيوية للمجتمع كالشعور بعدم المساواة وانتفاء العدالة والتدهور الاقتصادي.
4- العدوان سلوك مكتسب في الجماعة وليس فطرياً، فالإنسان ليس عدوانياً بالفطرة وليس مسالماً، بل هو قادر على تطوير سلوكه في الاتجاهين وفق علاقته المتبادلة مع بيئته وثقافته.
المفهوم الأنتروبولوجي للحرب
يرى أصحاب هذا الرأي أن الحرب نتاج ثقافة الإنسان ووسيلة لتطوره، وهي ظاهرة مرحلية وليست أبدية، وأنها قد تكون وليدة تطورات حضارية أو ثقافية سريعة، وخاصة نتيجة نمو تنظيمات سياسية معينة في وسط ثقافي يميل إلى الحرب أو نتيجة وجود فوارق ثقافية كبيرة بين التكتلات الاجتماعية أو السياسية تعوق الاتصال فيما بينها وتثير الشكوك حول نوايا الآخرين فتتسبب في نشوب الحرب، وقد يكون العكس صحيحاً أيضاً. فكلما ازدادت وحدتان سياسيتان أو اجتماعيتان تقارباً فيما بينهما، وتماثلتا ثقافياً واقتصادياً، ازدادت احتياجاتهما ومصالحهما تماثلاً وتصادماً وازداد خطر نشوب الصراع بينهما. فالحرب تنشب في شروط النمو والتوسع كما تنشب في شروط التدهور والتجزؤ، وكانت السيطرة على الموارد المادية والتقنية دائماً من أسباب تواتر الحروب، كما كان للبيئة السياسية، وخاصة الأنظمة الرأسمالية والامبريالية، تأثيرها على نشوب الحرب.
المفهوم البيئي للحرب
للمفهوم البيئي وتأثيره في الحرب تاريخ طويل. وقد سادت طويلاً فكرة تأثير البيئة الجغرافية على سياسة الدول والصراع بينها سعياً وراء شروط بيئية أفضل. وتزعم بعض النظريات أن الوسط المحيط بالدولة يبلور شخصيتها ويؤثر في تصرفاتها وسياستها حيال الآخرين وفي طريقة ممارستها لتلك السياسة، كأن تسعى إلى تحسين بيئتها باكتساب أراض جديدة عن طريق العنف، أو الحصول على أسواق اقتصادية جديدة أو التعويض عن نقص في الموارد. وثمة رأي آخر يرى أن الحرب وسيلة لتنظيم النمو السكاني بما يتناسب مع طبيعة الأرض والمصادر الأخرى. فالحرب في رأي مالتوس[ر] نتيجة من نتائج النمو السكاني، وسبب جوهري للصراعات التي يرافقها العنف، وهي تحقق للمنتصر المجال والمصادر التي هو في حاجة إليها، وتخفض عدد السكان المستفيدين من هذه المصادر، ويؤكد أصحاب هذا الرأي «أنه مهما كانت الحرب قاسية وغير إنسانية فإنها تبقى الحل الضروري لمشكلة التضخم السكاني».
المفهوم الجغرافي - السياسي للحرب geopolitic
وهو أقدم المفاهيم المتعلقة بدراسة طبيعة الحرب، وقد استخدم المصطلح على نطاق واسع في بدايات القرن العشرين بقصد دراسة العلاقات بين الدول وسياساتها المرتبطة بالأرض.فالوضع الجغرافي السياسي للدولة هو المجال الذي تحتاج إليه الدولة لتتمتع بالرفاه والأمان ضمن حدودها وموقعها الجغرافي، وفي علاقاتها مع الوحدات الجغرافية الأخرى. وهذه شروط بالغة الأهمية في تاريخ الدول ومصائرها.
المفهوم الأخلاقي للحرب
الحرب مرفوضة أخلاقياً وإنسانياً، وهي تتسبب في دمار واسع لكل مقومات الحضارة، وليست حتمية أو ضرورية كأدوات السياسة الأخرى، ويمكن تجنبها بالمعارضة السياسية السلمية التي تحرم الطرف المعادي من مسوّغاته وأطماعه وتجبره على التخلي عن مخططاته العدوانية. ولما كانت الحرب حدثاً عابراً فإن الدول تسعى إلى تلافي الأسباب التي تؤدي إليها وإلى إيجاد البنية السياسية والاقتصادية التي توفر لها تحاشي الحرب في المستقبل. ويرى بعض المؤرخين أن هناك صلة وثيقة بين الحرب والكساد الاقتصادي. إذ إن الكساد الاقتصادي يخلق للدولة وللفئات الحاكمة فيها مشكلات تحفزها إلى البحث عن سبل حلها، فتحاول أن تحمي نفسها على حساب دول وشعوب أخرى، وقد يؤدي الشعور بالخطر إلى مواجهة تلك الحلول بردّ عنيف وإثارة سخط الطرف المتضرر شعباً وحكومة فيلجأ إلى الحرب. ومهما اختلفت أشكال الحروب وأسبابها فإن إيجاد المسوّغ الأخلاقي للشروع بها يبقى مطلب الراغبين فيها، وقد يبلور هذا المسوغ في محاولات إقناع الآخرين بعدالة القضية التي يخوضون الحرب من أجلها والدفاع عن مصالح الأمة ودرء الخطر عنها، وهم يسعون دائماً إلى التقليل من آلامها وأضرارها المحتملة ما أمكن. وليس من الضروري أن تكون تلك المسوغات حقيقية واضطرارية، ولكن المهم إقناع الآخرين بها ولو كانت كاذبة أو لاأساس لها من الصحة، وقد يلجأ أنصار الحرب إلى اختلاق أفعال وتوفير بعض الشروط التي تدفع الناس إلى تصديق ما يزعمونه. في حين ترى أطراف كثيرة، لاتؤمن بمبدأ العنف، أنه مهما كانت المسوغات مقنعة فإن الحرب غير ملزمة، وأن الحرب مع تطور وسائلها وتقنياتها، ولاسيما في القرن العشرين والقرن الحالي، ارتفع ثمنها بتفاقم أعداد الضحايا نتيجة استعمال الأسلحة الشديدة الفاعلية العالية التدمير، وزادت أضرارها المادية إلى درجة كبيرة، وقد أدين العدوان بأنه جريمة دولية لأنه فعل أمة تسعى إلى تحقيق أغراضها السياسية بالقوة وعلى أرض أجنبية. وتقوم المنظمات الدولية وغير الدولية، وخاصة الأمم المتحدة ، بدور كبير في هذا الصدد، فتبحث في أسباب الحروب وكيفية تلافيها، وتسعى إلى التوسط بين الأطراف المختلفة وإقناعها بعدم اللجوء إلى السلاح لحل القضايا العالقة فيما بينها، وإلى اقتراح الحلول لها.
أنواع الحروب
تصنف الحروب بحسب أهدافها المعلنة وأسبابها والغايات الحقيقية التي تكمن وراءها في أنواع كثيرة، فتكون الحرب عادلة أو غير عادلة بالاستناد إلى الغاية التي تسعى إليها الأطراف المتعادية. ومن جهة أخرى تقسم الحروب إلى أنواع هي: الحروب العالمية والدولية التي تشترك فيها دولة أو أكثر من كل جانب، والحروب الاستعمارية التي تنشب بين أمتين يفصل بينهما تباين حضاري واسع أو لا تملك إحداهما من الإمكانات ما يساعدها على الدفاع عن نفسها وتعجز عن تحقيق التوازن الاستراتيجي مع الأخرى وتقابلها حروب التحرير التي تهدف إلى التخلص من الاحتلال وطرد المستعمر، والحروب الأهلية وهي التي تنشب بين فئتين داخل الدولة أو الأمة، أو بين مجموعة متمردة أو ثائرة وقوات الحكومة المعترف بها. وقد تكون الحروب حروباً تقليدية تستعمل فيها معدات قتال وأسلحة معتادة أو حروباً نووية أو بيولوجية أو كيمياوية أو حرباً جوية أو بحرية أو إلكترونية أو حرب استنزاف بحسب نوعية الأسلحة المستخدمة فيها ومسارح العمليات التي تدور فيها والهدف من استخدامها، وقد تكون الحرب ثورية يستخدم الثوار فيها ما يستطيعون الحصول عليه من وسائل قتال محلية أو خارجية، أو حرباً نفسية أو اقتصادية أو حرباً باردة تستعمل فيها الوسائل السياسية والدبلوماسية إلى جانب الوسائل الأخرى من تهديد وحصار اقتصادي ومقاطعة وأعمال تجسس وتخريب وغيرها. وقد تكون الحرب قصيرة الأمد أياماً معدودة، أو طويلة الأمد تدوم سنين. وقد تكون الحرب محدودة ينحصر نشاطها في منطقة محددة من العالم أو حرباً شاملة تدور أحداثها في أكثر من منطقة في الجو والبر والبحر.
علم الحرب
يقصد بعلم الحرب science of war منظومة العلوم والمعارف والخبرات التي تختص بدراسة طبيعة الحروب وتاريخها وقوانينها، وإعداد الدولة والقوات المسلحة للصراع المسلح، وتحديد طبيعته ووسائله وأساليب خوضه وإدارته.
الحرب ظاهرة اجتماعية وتاريخية مارسها الإنسان منذ مقتل هابيل على يد أخيه قابيل. وقد تراكمت خبرات الحروب وتطورت على مر الزمن، لتتبلور في مبادئ عامة يتناولها علم الحرب. وقد نشأت بدايات هذا العلم وفنونه مع ظهور الحضارات الأولى في المجتمعات القديمة في مصر وبلاد الشام والرافدين وفارس والصين ثم اليونان والرومان فالعرب المسلمون، وطرح قادة تلك الدول ومنظِّروها كثيراً من المسائل الاستراتيجية والتكتيكية والشروط الجغرافية والمناخية المناسبة لخوض الحرب وتنظيم القوات وتدريبها وتنمية الروح القتالية لديها بدءاً من استخدام الأسلحة الحجرية والقتال الجماعي (المعارك) حتى تجييش الجيوش وزيادة حركيتها وفتك أسلحتها.
ظلت القلاع والأسوار الوسيلة الأساسية للدفاع والحماية مع ما ابتكر من وسائل الحصار والنقب من أجل التغلب عليها قروناً طويلة ، وظل الحصان سيد ميادين القتال والوسيلة الحركية الأساسية في تسليح الجيوش حتى ظهور الأسلحة النارية في القرن الثالث عشر للميلاد، ولاسيما المدفعية، وقد غير ظهورها كثيراً من مفاهيم القتال وأساليبه ووسائله، إيذاناً بانتهاء العصور الوسطى.
ومنذ بداية الثورة الصناعية واختراع المحرك البخاري ثم الانفجاري، ونمو القوى المنتجة وإلى اليوم أدخلت تحسينات لا يمكن حصرها على الأسلحة والعتاد الحربي وأساليب القتال، وتعقدت مشكلات القيادة، واتسعت مسارح الأعمال الحربية في البر والبحر، وتطورت المفاهيم الاستراتيجية وتراكمت الخبرة بمرور الزمن، وأدى ذلك كله في نهاية المطاف إلى صياغة علم الحرب في منظومة متكاملة من المعارف.
ينسب الباحثون والمنظّرون العسكريون الحديثون ظهور علم الحرب عامة إلى القرن الثامن عشر أو بداية القرن التاسع عشر مع تطور أساليب الإنتاج ونمو الصناعة ورأس المال الأمر الذي أحدث تطورات عاصفة في العلوم السياسية والطبيعية والاقتصادية، وتطورت على أساسها مختلف النظريات حول الحرب والعمل العسكري. ويعد الجنرال البريطاني جورج لويد G.Lloyd من أوائل مؤسسي علم الحرب الحديث في الغرب، إذ كتب عن بعض الأسس العامة لنظرية الحرب وعن العلاقة بين الحرب والسياسة، غير أنه يرى أن هذا العلم لا يصلح إلا لإعداد القوات المسلحة فحسب وأن مجريات الحرب ونهايتها مرهونان كلياً بعبقرية القائد وتدبيره، وهو مجال لا قوانين ناظمة له. وبرز في تلك المرحلة عدد من المنظرين العسكريين والقادة الكبار وفي طليعتهم سوفوروف[ر] وأوشاكوف وكوتوزوف من روسيا وكلاوزفيتز من ألمانيا وجوميني السويدي الأصل وجنرالات الثورة الفرنسية وغيرهم، وكان لآرائهم أثر كبير في إدخال تبدلات جذرية في جوهر الأعمال الحربية وإعداد الجيوش والتجنيد والتعبئة، تجاوزت كل القواعد القديمة، وكان لنابليون بونابرت أثر بين في تطوير نظريات الحرب وتطبيقاتها وفن الحرب وتنظيم القوات واختصار أثقالها، الأمر الذي وفر لها قدرة حركية كبيرة وإمكانية رفدها بما يلزمها في أثناء القتال.
وفي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين طرأ تطور جديد على علم الحرب مع تطور التقانات ووسائل الاتصال وظهور أسلحة أكثر فاعلية في البر والبحر واستخدام الطائرات في القتال، والدبابات بعد ذلك في أواخر الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي فرض تغيراً نوعياً في الاستراتيجية والتكتيك وتنظيم القوات، وزاد في تعقيد مشكلات القيادة، وتطلّب وجود هيئات أركان لها دورها الأساسي في تحديد أساليب خوض الحرب وتطبيقاتها، وتقدير الإمكانات القتالية لقواتها وقوات الدول الأخرى والإسهام في تحديد التوجّهات السياسية والعسكرية للدولة.
مقاصد علم الحرب
يهدف علم الحرب عامة إلى وضع الأسس التي تكفل حماية مصالح الدولة عامة والدفاع المسلح عنها خاصة، ويُبنى على المذهب العسكري الذي تتبناه الدولة وعلى عقيدتها السياسية والفئات التي تحكم أمورها وتسيّر مصالحها. ويختلف مضمون علم الحرب اختلافاً جذرياً بين الدول بسبب اختلاف بنيتها الاجتماعية ونظام الحكم فيها واختلاف مصالحها القومية أو الاقتصادية أو الاستعمارية أو التوسعية. فالثورة العلمية - التقنية التي يشهدها العالم اليوم تستدعي تنوعاً وتكاملاً بين المعارف العلمية والتقنية، وتؤدي بالضرورة إلى ظهور مجالات وتفرّعات واتجاهات جديدة في أكثر العلوم. ومن الطبيعي أن يخضع علم الحرب لمثل هذا التنوع، وأن يكون تطوره مرهوناً بالنظريات التي يطرحها المنظّرون وتوجهات القيادة السياسية وتعميم الخبرة التاريخية وتحليل مختلف أوجه نشاط القوات المسلحة في زمني السلم والحرب، وكذلك توقع أساليب خوض القتال وإدارته في المستقبل، ودراسة الأعداء المحتملين من جميع الأوجه مع مراعاة ما يطرأ من تطورات على العلاقات الدولية والمواقف السياسية والعوامل الاقتصادية ومصادر التسلح.
الأسس المعتمدة في تنظيم القوات وقيادتها
يسعى القادة والمنظّرون العسكريون دائماً لمراعاة الشروط التي تؤدي إلى تحقيق النصر من دراسة الحملات العسكرية والمعارك الحربية والموازنة بين الأوضاع والأحوال المتشابهة في الحروب وسلوك القادة والقوات والنتائج التي نجمت عنها. وعلى هذا الأساس تتكَّون لدى القيادة عفوياً أفكار محددة عن ارتباط قراراتهم وأعمال قواتهم القتالية بأوضاع الحرب الظاهرة لهم، وبضرورة التمسك بالنماذج الإيجابية من قراراتهم ومن نشاط القوات المسلحة. ومع الزمن ثبت أن الخبرة المتوارثة عبر التاريخ العسكري من أهم مصادر المعرفة، وأن معظم مظاهر العنف تنطلق من المواقف السياسية والإمكانات الاقتصادية للدولة التي يمكن أن يشملها مصطلح الاقتصاد السياسي، وهو العلم الذي يحدد الغايات التي تهدف إليها الدول المتخاصمة في أي نزاع مسلح استناداً إلى ما في حوزتها من المصادر البشرية والاقتصادية والدبلوماسية، وإلى التقسيمات السياسية الجغرافية (الجيوبوليتيك) التي تسود العالم في العصر الحديث. ولما كان جوهر الحرب هو العنف، فإن الغاية كانت دائماً إخضاع الخصم لإرادة الطرف الذي يلجأ إلى العمل العنيف الذي هو وسيلته إلى تحقيق تلك الغاية، أي نزع أسلحة العدو وحرمانه من استعمالها، وهو الهدف من أي عمل عسكري أو حربي. مع أن مبادئ الحرب ما زالت كما هي لم تتبدل. وقد كانت التبدلات التقنية التي طرأت على وسائل الحرب سريعة ومستمرة في القرن العشرين ومطلع القرن الحالي إلى درجة حولت العلماء والمخترعين إلى أداة مهمة في أي صراع مسلح كما هو شأن العسكر ورجال الدولة. وكانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أول نزاع شامل استخدم فيه الطرفان المتحاربان كل مصادر الصناعة والإمكانات العلمية المتوافرة، وبعد نحو ثلاثين عاماً دمر السلاح النووي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (6 و8 آب 1945).
لقد أوجدت التنظيمات العسكرية في ضوء التطورات السياسية والتقنية الحديثة نماذج خاصة بها ( كالأركان العامة والقيادات العليا ومجالس الأمن القومي وغيرها) شكلت العامل الثالث في الحرب، فهي التي ترسم طرائق تجنيد الناس وتدريبهم وإعدادهم للحرب وقيادتهم وإمدادهم بما يلزم، وهي تقدم للقيادة السياسية مقترحاتها وتصوراتها، وتؤثر في قراراتها. وهي تتنافس فيما بينها حيثما كانت، ويبقى دورها وتأثيرها في موضوع الحرب والسلم موضع اعتبار وأثر.
فن الحرب
فن الحرب art of war هو مجموع النظريات والتطبيقات المتعلقة بالتحضير للأعمال الحربية وخوضها في البر والبحر والجو، وهو أهم فرع من فروع علم الحرب.
يشتمل فن الحرب على ثلاثة أقسام أساسية هي: الاستراتيجية العسكرية[ر] وفن العمليات والتكتيك[ر]. وبين هذه الأقسام الثلاثة ارتباط وثيق وعلاقة متبادلة ، فهي تكمل بعضها بعضاً وتساعد على تحقيق المهمات المطلوبة من فن الحرب وتحقيق الغاية من الحرب. تحتل الاستراتيجية المكانة الأعلى من فن الحرب، وهي على ارتباط وثيق بالسياسة وتعتمد عليها، وتؤثر تأثيراً أساسياً في تطوير فن العمليات والتكتيك. ويعد التكتيك المستوى الأدنى من فن الحرب، ويتناول كل ما يتصل بقتال الوحدات والقطعات والتشكيلات. أما فن العمليات فهو وسط بين هذين المستويين، ويعنى بالمسائل المتعلقة بالإعداد للعمليات الحربية وخوضها بما يتفق والأهداف والمهمات التي تحددها الاستراتيجية. تقتصر النظريات الحربية الغربية على تقسيم فن الحرب إلى استراتيجية وتكتيك، ولا تستخدم مصطلح فن العمليات، غير أنها قد تستخدم مصطلح «التكتيك الكبير» أو «الاستراتيجية الصغرى» بديلاً منه.
كذلك يقسم فن الحرب إلى أنواع بحسب أنواع القوات المسلحة. فثمة فن حرب للقوات البرية، وفن حرب للقوات الصاروخية وقوات الدفاع الجوي، وفن حرب للقوات الجوية وفن حرب للقوى البحرية. ولكل صنف من صنوف القوات في أنواع القوات المسلحة أيضاً فن حرب يختص به. ومثل هذا التقسيم بطبيعة الحال تقسيم اصطلاحي ويمكن استخدامه في شروط معينة.
تطور فن الحرب في العصور القديمة
يتطور فن الحرب وفق مستوى الإنتاج والاقتصاد والنظام الاجتماعي للدولة (أو حلف الدول)، ووفق تطورها تاريخياً وخصائصها القومية والجغرافية وتقاليدها. فقد كان فن الحرب في المجتمعات القديمة معنياً بجيوش لا يزيد تعدادها على بضعة آلاف من المقاتلين المسلحين أساساً بالسيوف والرماح والهراوات، والنوع الرئيسي هم المشاة والفرسان. وكانت دول الشرق القديم تجنّد، إلى جانب المشاة والخيالة، مفارز من المقاتلة على عربات القتال والفيلة والإبل. وكان قوام قواتها وعتادها يحددان استراتيجيتها وتكتيكها. واقتصرت استراتيجيات دول الشرق القديم والهند والصين على حملات قصيرة الأجل وإلى مسافات غير بعيدة. ومع التبدلات التي طرأت على طرائق إمداد القوات ووسائلها باستثمار مصادر الدول المقهورة، وخاصة في اليونان القديمة ورومة القديمة، أخذت أبعاد الحملات تزداد باستمرار، وغدا دور الاستراتيجية في تلك العصور يقتصر على الإعداد للحرب واختيار مكان الموقعة الفاصلة وزمانها، وتحديد هدف الضربة الرئيسية. أما التكتيك فكان يراوح بين أبسط أشكال التراتيب القتالية والمواجهة الجبهية إلى أشكال أكثر تعقيداً من حشد القوى والمناورة في حقل المعركة وفي العمق. وكانت المدن- الممالك اليونانية القديمة تتحد غالباً في تحالفات سياسية عسكرية، والنوع الرئيسي من قواتها المشاة الثقيلة. وكانت تصطف للمعركة في كتائب phalanges متلاصقة وصفوف عميقة (معركة ماراتون نحو 490 ق.م.)، وتباشر القتال من مسافة رمي الأسلحة القاذفة، وتكمل الضربة من الجبهة بضربة جانبية تنفذها المشاة الخفيفة والخيالة وتنتهي بالمطاردة. وفي الحرب البونية (370 ق.م) ابتكر القائد إيبامينونداس واحداً من أهم مبادئ التكتيك بتوزيع قواته جبهياً توزيعاً غير متساو وحشد قواه على اتجاه الضربة الرئيسية. وحول الاسكندر المقدوني الخيالة إلى قوة ضاربة رئيسية بدل المشاة. وفي رومة عدّل تنظيم الجيش الروماني ليتألف من فرق مشاة ثقيلة مستقلة دعيت ليجيون legion تعمل على جناحيها وحدات مشاة خفيفة مدعومة بالخيالة فازدادت قدرتها على المناورة. واستخدم القائد القرطاجي حنيبعل (هنيبال) عام 216 ق.م الهجوم من الجناحين في آن واحد، وحقق بذلك تطويق قوات رومانية كبيرة وتدميرها بقوة أقل منها. وابتكر يوليوس قيصر تنظيم الأركان لمساعدته على قيادة القوات وطبق المناورة بالأنساق الخلفية باتجاه أجنحة العدو ومؤخراته، وكان ذلك بداية وجود احتياط للجيش.
ومع ظهور الإسلام وانتشاره في الجزيرة العربية شهد فن الحرب تطوراً مهماً كان أساسه العامل المعنوي وتكتيك السرعة والحسم وخفة الحركة التي تمتعت بها القوات العربية في مواجهة جيوش فارس وبيزنطة، وقد ابتكر قادة المسلمين تراتيب قتال مناسبة لما تملكه جيوشهم من هذه الميزات وخاصة الفرسان والهجّانة، واستفاد سيف الله خالد بن الوليد من هذه الميزات في مسيرته الشهيرة من العراق إلى الشام في تسعة أيام قبيل معركة اليرموك، وكان له قصب السبق في ترتيب الخميس (الجيش في كراديس خمسة) المؤلف من القلب والجناحين ومقدمة ومؤخرة عند خوض المعركة الحاسمة. كذلك حقق المسلمون بقيادة طارق بن زياد نجاحاً كبيراً في عمليات الإنزال في الأندلس على قلة ما توافر لهم من السفن، وكان لهم قصب السبق في عمليات الحصار بعزل المدن والقلاع المحاصرة في فتوح آسيا والشمال الإفريقي بالتوغل العميق في أراضي العدو ومنع النجدات من الوصول إليها، وفي زمن الحروب الصليبية، وخاصة في أيام نور الدين وصلاح الدين توصلت القوات العربية الإسلامية إلى تطوير طرائق اقتحام القلاع وخرق الأسوار بالنّقب والتلغيم، وإنهاك العدو برمايات الخيالة الخفيفة. وبعد اختراع البارود واستخدام المدفعية بكثافة تبدلت طبيعة الأساليب التكتيكية وتراتيب القتال، وتعد معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك مثالاً عليها. وبمرور الزمن خرجت إلى الوجود نظريات عن فن الحرب ظلت تتطور وتتماشى مع شروط العصر ونوع العتاد وتنظيم القوات.
تطور فن الحرب في القرنين 18و19م
أحدثت الثورة الفرنسية والحروب الأخرى في أواخر القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر تبدلاً كبيراً في طبيعة الحرب وأساليب خوضها والنظريات المتعلقة بها، وأصبح استكمال الجيوش يعتمد على التجنيد، الأمر الذي هيأ الإمكانات لتعبئة جيوش ضخمة وإدخال تبدلات أساسية في تنظيمها وبنيتها ونوعية عتادها، وتبلورت تنظيمات الأركان لتصبح هيئات قيادة متخصصة، وغدت المهمة الرئيسية لأعمال القتال سحق قوات العدو وليس احتلال أرضه. وتتحقق أغراض الاستراتيجية بحشد القوى الرئيسية على الاتجاه الحاسم وسحق قوى العدو في موقعة عامة تضمن النصر. وفي الوقت نفسه ازدادت فاعلية الدفاع الاستراتيجي من أجل تهيئة الشروط المناسبة لسحق العدو والمحافظة على الأرض. كذلك طرأت تبدلات جذرية على التكتيك وأساليبه ارتكزت على تحقيق التفوق الحاسم بالقوى والوسائط على قطاع الهجوم والمناورة مع الاحتفاظ باحتياطات قوية. واستخدم نابليون بونابرت المدفعية بكثافة عالية وبرع في المناورة بالاحتياط على نطاق واسع من أجل تحويل مجرى المعركة.
وكان لبناء السكك الحديدية واختراع البرق الكهربائي والبارود اللادخاني والمدفعية والأسلحة النارية المحلزنة السبطانات واستخدامها في أعمال القتال على نطاق واسع أثر كبير في تبدل الاستراتيجية والتكتيك وصورة الأعمال الحربية عامة، فازدادت سرعة حشد القوات وفتحها وتموينها، وتوافرت وسائل قيادتها واتصالاتها، وازداد مدى الأسلحة وسرعة الرمي ودقته، فاضطرت القيادات إلى التخلي عن نظام الأرتال والتحول إلى ترتيب الأنساق والسلاسل.
تطور فن الحرب في النصف الأول من القرن العشرين
مع بداية القرن العشرين وإبان الحرب العالمية الأولى وبعدها ازداد تعداد الجيوش ازدياداً كبيراً جداً وصار بالإمكان تزويدها بكميات هائلة من الأسلحة النارية والمدفعية السريعة الرمي وأجهزة الاتصال والقيادة، وصار الطيران والمدرعات من وسائل القتال الأساسية، وتطورت طرق المواصلات وازدادت قدرة القوات على المناورة والتنقل فاتسعت مناطق الأعمال القتالية وزادت أبعادها، وتوثقت الروابط بين المعارك وتتابعها مما أدى إلى بدء ظهور نوع جديد من النشاط القتالي هو «العملية» التي تتألف من سلسلة معارك ومواقع متصلة ومتزامنة أو متتابعة ينفذها جيش واحد أو عدة جيوش وفق فكرة واحدة وقيادة واحدة. و تطلبت الحروب الاستخدام الأفضل لكل مصادر الدولة المادية والبشرية واحتياطاتها الاستراتيجية، وبرزت ضرورة عناية القيادة السياسية والاستراتيجية بتنظيم قيادات القوات المسلحة على مختلف الاتجاهات ومسارح العمليات والتنسيق بينها. وكان من أهم منجزات المنظرين العسكريين وضع نظريات جديدة عن الحرب وأساليب خوضها فطرح المنظّرون السوفييت نظرية العملية الهجومية العميقة، والتخطيط لإبطال كامل عمق العدو بنيران المدفعية وضربات الطيران البعيد المدى وإحداث صدع في الدفاع تندفع من خلاله القوات السريعة الحركة لتطوير الهجوم في العمق العملياتي كله. وتتألف العملية من عدة مراحل تبدأ بخرق الدفاع التكتيكي وتطويره في العمق العملياتي بقوات مدرعة وميكانيكية كبيرة وإنزالات جوية. وأخذت النظريات بالتحسينات التي طرأت على الأسلحة والعتاد ووسائل الاتصال والنقل، وتنامي إمكانات الدعم الناري وسرعة الحركة، وأوصت بأفضلية خرق الدفاع في آن واحد أو بالتتابع على أكثر من اتجاه، أما القوة الأساسية التي تتولى تنفيذ العملية فهي الجبهة، وقوامها جيشان أو ثلاثة جيوش على الاتجاه الرئيسي وجيش أو جيشان على الاتجاهات المساعدة. كذلك راعت النظرية، في ضوء أعمال القتال التي جرت في بداية الحرب العالمية الثانية، خوض الدفاع الاستراتيجي وتنسيق الدفاع على عمق كبير وجبهة عريضة والمناورة بالقوى والوسائط على الاتجاهات المهددة، وإنهاك العدو بالمقاومة العنيدة على خطوط مهيأة سلفاً، وتسديد الضربات والهجمات المعاكسة لتهيئة الشروط المناسبة للانتقال إلى الهجوم. وفي الوقت نفسه تبنت القيادة الاستراتيجية الألمانية أي فكرة الحرب الصاعقة والحسم واستخدام المدرعات والقوات الميكانيكية والطيران بكثافة على الاتجاهات المختارة للهجوم. في حين تبنى الحلفاء الغربيون، ولاسيما القيادة الاستراتيجية الأمريكية، فكرة التفوق الكاسح على قوات العدو وإنهاكه بضربات الطيران الكثيفة، وخاصة الطيران البعيد المدى، وبنيران المدفعية وتنفيذ العمليات على المسارح البرية بجيوش ميدان أو مجموعات جيوش، يساعدها في تحقيق أغراضها عتاد قتالي حديث زاد في قوتها الضاربة وسرعة تحرك قواتها.
تطور فن الحرب بعد الحرب العالمية الثانية
في نهاية الحرب الثانية استخدم السلاح الذري والطيران النفاث والصواريخ الموجهة، وأدخلت تحسينات كبيرة جداً على أنواع العتاد ووسائل الاستطلاع والتنصت والاتصال. وتسبب تطور الاقتصاد والعلم والتقانة في النصف الثاني من القرن العشرين في حدوث تبدلات عميقة ومهمة في وسائل الصراع وقيادة القوات، وأدخلت الوسائل الصاروخية والإلكترونية وغيرها في جميع أنواع القوات المسلحة وصنوفها فتبدل تنظيمها وأساليب استخدامها وزادت قدراتها القتالية، و تنامى دور الاستراتيجية إلى درجة كبيرة جداً فشمل جميع مجالات الحرب، إذ أتاح وجود القوات النووية الاستراتيجية إمكانات التأثير في مجرى الحرب كلها وتحقيق نتائج حاسمة فيها، الأمر الذي تطلب إعادة النظر في طبيعة الحرب من الأساس وفي وسائل خوضها وأساليبها في البر والبحر والجو مع استخدام أسلحة التدمير الشامل أو من دونها.
إدارة الحرب
تلجأ الدولة إلى الوسائل العسكرية عادة حين تعجز عن تحقيق أغراضها السياسية بأساليب ووسائل أخرى. وهي تلجأ إلى القوة والسلاح بهدف فرض إرادتها على العدو. ولتحقيق هذا الهدف عليها وقبل كل شيء نزع سلاح الخصم وحرمانه من وسائل المقاومة التي يملكها فلا يستطيع دفع العدوان ويعجز عن إبداء مقاومة مسلحة منظمة أو لايجد لها فائدة ترجى، أو تتفاقم لديه تكاليف الحرب فيعجز عن توفيرها ويتضاءل لديه الأمل بالنصر وينهار معنوياً فيستسلم. وعليه فإن نزع سلاح الخصم هو الهدف الخاص لكل عمل عسكري، ويقول كلاوزفيتز «إذا أردنا أن نهزم الخصم (أي ننزع سلاحه) علينا أن نكافئ جهدنا مع قدرته على المقاومة، ويعبر عن ذلك في عاملين لا يفترقان: ما يملكه من وسائل وما لديه من قوة العزيمة، والعامل الأول قابل للتقدير، أما قوة العزيمة أو الإرادة فأقل من أن تقدر، ولاتقاس إلا بالتقريب بالاستناد إلى قوة الحوافز التي تقف وراءها»، وينسحب هذا الكلام على الهدف السياسي الذي تسعى الجهة المحاربة لتحقيقه بالوسائل العسكرية، وعلى الأهمية التي تعيرها لهذا الهدف. ولعل نزع أسلحة العدو اليوم أصعب بكثير عما كانت عليه في السابق. فقد بدلت الثورة الصناعية والتطور التقني اليوم طبيعة الحرب وأثرت في خصائصها إلى درجة كبيرة، مع أن مبادئ الحرب لم تتبدل. فقد أتاح تطور الطيران وحاملات الطائرات وسفن الإنزال والدعم بين الحربين العالميتين مثلا إمكانية خوض حرب طويلة الأمد بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان عبر المحيط الهادي. ومع أن سباق التسلح ليس جديداً في ذاته، فقد أتاحت الإنجازات التقنية في السنوات الأخيرة إحداث تبدلات سريعة ومستمرة في وسائل الصراع وأساليبه إلى درجة حولت العلماء والمخترعين إلى أداة مهمة في الحرب على قدم المساواة مع القيادة السياسية - العسكرية والقوات المقاتلة. فقد كانت الحرب العالمية الأولى أول نزاع شامل يلجأ فيه الخصمان إلى الاستفادة من كل مصادر الصناعة والعلوم، ويقف العالم اليوم مشدوهاً من تلك المجالات التي فتحها العلم والتقنية أمام متخذي القرارات في حروبهم واعتمادهم كلياً على علمائهم في تحقيق استراتيجيتهم. ففي العصر الحاضر لايمكن أن تكون هناك حوافز منطقية للحرب بين قوتين تملكان قدراً كبيراً من التسلح النووي والكثير من التقانات والأسلحة العالية الدقة الشديدة التدمير، إذ لا يمكن تصور مدى المخاطرة التي تكمن وراء ذلك الهدف، ومدى التدمير الشامل للوطن في حال القيام بهذه المغامرة. ولعل هذا هو السبب الذي يدفع الدول في العصر النووي إلى حل نزاعاتها بطرائق سلمية وتجنّب الدخول في حرب معلنة، كما أنها تلجأ إلى خوض الحرب بأسلحة تقليدية من دون اللجوء إلى السلاح النووي أو أسلحة التدمير الشامل الأخرى، وبالتالي تبقى خبرة الماضي غير النووي ذات فائدة في حل مشكلات الحاضر والمستقبل. وتنتهي الحرب عادة حين يفقد أحد الطرفين الأمل في تحقيق هدفه منها أو يفقد إرادة القتال ويقتنع بعدم جدوى الاستمرار في الصراع أو حين يزول الدافع السياسي الذي هو سببها أو تتضاءل فرص النجاح في تحقيقه أو تصبح تكاليفه باهظة ولا يمكن تحملها. وتتولد تلك القناعة عادة حين يتمكن طرف من تدمير القوات المسلحة للطرف الآخر أو تحييدها بتشتيتها أو محاصرتها أو وضعها في مأزق يهدد بدمارها، كما تتولد حين ينجح ذلك الطرف في احتلال أرض الطرف الآخر أو دخول عاصمته أو المناطق الحيوية من بلده أو تهديدها. وقد تنتهي الحرب بتدخل طرف ثالث في الصراع أو توسطه بين المتحاربين، وتقوم منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في العصر الحاضر بدور كبير في الحفاظ على السلم والحيلولة دون نشوب الحروب بين الدول وإيجاد الحلول الوسط لوقف أي صراع مسلح.
محمد وليد الجلاد، أحمد يوسف
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث