الحِرْفَة work shop (métier) كل مهنة يدوية أو ميكانيكية للعمل وللكسب من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها، لأن صاحبها ينحرف إليها وجمعها حِرَف. والحِرَفي الذي يكسب عيشه بالعمل في حرفة بصفة مستمرة.
والفرق بين الفعل والعمل واضح فالفعل هو أثر شيء في شيء، يحدث تأثيراً في شكله أو تركيبه من غير إرادة أو هدف، أما العمل فهو فعل يقوم به الإنسان، في شيء من الأشياء لتحقيق هدف ما، وهو تغير تحدثه الإرادة في المادة بقصد تحقيق غرض من الأغراض ومنفعة من المنافع.
والعمل ضروري للإنسان لكسب العيش والتكيف مع واقعه ومع الطبيعة، لذلك يميل إلى الاستقرار والثبات في عمل من الأعمال، ويتوافق معه ويكيفه وفق إمكاناته وشروطه. وهذا الميل إلى العمل والاستمرار فيه، يعني الانحراف لهذه الجهة من ضروب الكسب دون غيرها.
تتنوع الحِرَف بتنوع ضروب الكسب وكانت نشأة الحِرَف حين بدأ الإنسان يعي ضرورة توفير حاجاته بصنع أدواته وما يلزمه من لباس وغذاء وسكن، وكان أول أمره يجمع الثمار ويأكلها بدافع غريزة الجوع شأنه شأن الحيوانات، وتطورت حاجاته بعد ذلك فأصبح يصيد السمك والحيوانات ويزرع بعض الثمار لغذائه ويصنع بيده أدوات من حجر تزيد في قدرته على كسب عيشه وحماية نفسه من غوائل الطبيعة.
ومع اكتشافه النار، استخدمها في توفير الدفء والدفاع عن النفس من الحيوانات المفترسة، ومع اكتشاف المعادن والحديد راح يصنع الأدوات المختلفة منها، واستعملها في فلاحة الأرض وبناء السكن وتوظيف نتاج الحيوانات من صوف وجلد وغيرها لستر جسده وصنع لباس يقيه البرد، فنشأت حرفة الغزل والنسيج والحياكة والحدادة وصنع الفخار والأدوات المنزلية، وتعددت الأعمال والمهن وازدادت تخصصاً، وأصبح كل فرد يعمل فيما يناسبه ويميل إليه من الأعمال.
إن تطور المجتمعات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الحرف فيها وبتطور الأدوات والآلات والمكِنات التي تساعد الإنسان في إنتاجه، بعد دخول الكهرباء والإلكترونيات عالم العمل، ارتقت المجتمعات اقتصادياً وصناعياً واجتماعياً وحققت استثماراً أفضل، ومردوداً أعلى لمواردها من الخامات الكامنة في أرضها وبحارها ومن الزراعة بأشكالها المختلفة.
ليس مستغرباً أن تهتم الدول بالتعليم الحرفي والتقني في مدارسها ومراكز التدريب والمعاهد المختلفة لتأهيل الأطر المزودة بمهارات عملية ومعارف نظرية وعلمية لزيادة الإنتاجية وزيادة المردود في قطاعات الاقتصاد المختلفة.
تقسيم الحرف
تقسم الحرف إلى ثلاث مجموعات رئيسية، صناعية وزراعية وتجارية، ويمكن أن يضاف إلى كل منها حرف الخدمات والمهن الملحقة بها، أو عدّها مجموعة رابعة.
أما الحرف الصناعية فكثيرة ويصعب حصرها وأهمها الحرف الميكانيكية، والحرف الكهربائية والحرف الإلكترونية وحرف البناء المختلفة.
1- الحرف الميكانيكية: وهي التي تشتمل على عمليات معالجة المعادن وتشكيلها وعادة ما تكون متكاملة ومترابطة فيما بينها، ويمكن ربطها بحواسيب تسيّرها برامج معينة منها:
ـ حرفة الخراطة: حيث يقوم الحرفي بتشغيل القطع المعدنية المختلفة على المخرطة وغالباً ما يكون مقطعها دائرياً كالأعمدة والمحاور الصغيرة والجذوع الأسطوانية وغيرها وتشمل عمليات التشغيل الميكانيكية كذلك أعمال خرط السطوح الأسطوانية داخلياً وخارجياً، وصنع اللوالب ونقب المجاري وجلخ السطوح المستوية والتثقيب والتخويش والبرغلة، ويستعمل عامل المخرطة عدد القطع المختلفة من أقلام خراطة وريش ثقب وبراغل وذكور اللوالب وغيرها. أما مكِنات هذه الحرفة فهي المخارط العادية والبرجية والهدروليكية والمبرمجة وغيرها.
ـ حرفة التسوية: وفيها يقوم الحرفي بتسوية سطوح المشغولات المعدنية وتفريزها لصنع أقنية أو فتحات ذات شكل معين، وكذلك مواءمة القطع بعضها مع بعض وصنع المسننات المختلفة والدحاريج. أما آلات هذه الحرفة فكثيرة وأهمها المقاشط، وآلات التفريز والمثاقب الكهربائية وآلات التجليخ والتنعيم.
ـ حرفة السباكة والسحب وسكب المعادن: وفيها يقوم الحرفي بصهر خلائط المعادن بنسب مختلفة تتفق والهدف الذي تقتضيه المشغولة، وسكب المادة المصهورة في قالب رملي أو قالب معدني أو قشري لإنتاج المسبوكات المطلوبة.
وتتم هذه الأعمال في أفران صهر خاصة صغيرة وكبيرة، وعادة ما يلحق بالمشغل الذي تتم فيه هذه الأعمال مجموعة آلات لطحن المواد وسحقها ومناخل ومجففات وغير ذلك.
ـ حرفة النماذج: عادة ما يسبق سكب المشغولات، صنع نموذج خشبي لقالب الرمل أو القالب المعدني عند السباكة، ويستخدم الحرفي في ورشة النماذج أدوات يدوية وآلات كهربائية.
ـ حرفة الحدادة والتصفيح واللحام الكهربائي واللحام بالغاز: وفيها يقوم الحرفي بأعمال ربط القطع بعضها ببعض باللحام بالغاز أو بالقوس الكهربائية أو بالغاز الخامل أو بغاز ثاني أكسيد الفحم أو بالبلازما أو بالموجات الصوتية العالية التردد، كما يقوم بتشكيل بعض القطع بأعمال الحدادة، ويلحق بهذه الأعمال آلات الثني والحني، وآلات التشكيل بالكبس، وآلات قطع المعادن بحرارة الغازات المحترقة أو القوس الكهربائية والليزر، وهي كلها من آلات الحدادة والتشكيل.
وتؤلف ضروب الحرف المذكورة أنفاً منظومة ورش ومشاغل متكاملة تجري فيها العمليات التقنية المختلفة التي تنضوي تحت اسم هندسة التصميم والإنتاج وهي من الهندسات المهمة في إقامة صناعة متطورة.
كما يمكن إلحاق حِرَف الغزل والنسيج والصباغة وما يتعلق بها إلى حرف الإنتاج الميكانيكي المختلفة لما لها من صلة وثيقة بها وهي حرف شهيرة في بلاد الشام تاريخياً.
ـ حرف ميكانيك المحركات والسيارات والآليات الزراعية: وفيها يقوم الحرفي بصيانة المحركات العاملة على الوقود وإصلاحها، وكذلك صيانة السيارات والمعدات الهندسية والآلات الزراعية وإصلاحها وضبط أدائها.
ويمكن أن يلحق بهذه الحرف حرفة صيانة كهرباء السيارات والمدخرات، وحرف التجليس والدهان وغيرها.
2- الحرف الكهربائية والإلكترونية: وتضم مجموعة حرف تهتم بأعمال التمديدات الكهربائية وشبكات الإنارة وتغذية الآلات المختلفة بالطاقة الكهربائية، وكذلك تمديد شبكات نقل الطاقة الكهربائية للمدن ومواقع العمل، وأعمال صيانة وإصلاح المحركات الكهربائية وورش لف المحركات بأنواعها، وصيانة الأجهزة الإلكترونية وإصلاحها وتجميعها للبث الإذاعي واستقباله، وأجهزة التلفزة وتوابعها وكل ما يتعلق بصيانة الحواسيب. ويمكن أن يلحق بهذه الحرف أعمال التبريد والتكييف والتدفئة وغيرها.
3- حرف البناء: وفيها يعمل الحرفيون في الأعمال المتعلقة بالبناء وهي كثيرة أهمها:
ـ حرفة النجارة وتشكيل القوالب الخشبية.
ـ حرفة نحت الحجارة وتقطيعها، ونحت الأعمدة وتيجانها وحجارة العقود وهي حرف قديمة في بلاد الشام.
ـ حرف الزخرفة الخشبية ونجارة السقوف والجدران الخشبية والأبواب والأقواس المختلفة وأعمال الزخرفة الداخلية (الديكور) والخارجية وفن الخيط العربي وأعمال الفسيفساء هي حرف عريقة في بلاد الشام والبلاد العربية والإسلامية.
الحرف الزراعية : هي الحرف التي تشتمل على عمليات الإنتاج الزراعي من شق الأرض وحراثتها وبذر البذور وزرع النباتات وريها وخدمتها واستنبات محاصيل متنوعة من حبوب وبقول وخضراوات وثمار ونباتات ورقية وغيرها لتلبية حاجات الناس من الغذاء والكساء ولتلبية متطلبات الصناعة الإنتاجية. وتضم حرف الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني ومنها:
زراعة الحبوب والبقول بأنواعها وزراعة الخضراوات وزراعة الأشجار والبساتين المشجرة وزراعة الورود والأزهار بأصنافها، وزراعة الغابات، وتربية الحيوانات الداجنة والطيور والأسماك.
ويلحق بالحرف الزراعية صناعات كثيرة لاحصر لها كأعمال الحصاد والقطاف والتسميد وصناعة السماد والمخصبات والصناعات الغذائية وغيرها.
الحرف التجارية: هي ممارسة البيع والشراء والمبادلة والتجارة عموماً بقصد الربح، والتاجر كل من يمارس الأعمال التجارية على وجه الاحتراف.
والأصل في التجارة البيع والشراء، ولكن مع تطور أدوات الإنتاج وتطور الصناعة والزراعة ودخول الآلة والكهرباء في العصر الحديث تطور الإنتاج، وتطورت تبعاً لذلك عمليات البيع والشراء وانتقل المجتمع من التبادل السلعي إلى التبادل بالنقد بيعاً وشراءً، واقتضى ذلك تطوراً في العمليات التجارية وعمليات الحسابات التي تلحق بها كالمصارف والصرافة والمضاربات المالية والبورصة وأسواق المال.
ويمكن تقسيم أعمال التجارة وحرفها إلى:
ـ أعمال المحاسبة ومسك الدفاتر.
ـ أعمال التسويق marketing وترويج السلع والمنتجات من مواد أولية وخامات وغيرها.
ـ السكرتارية وإدارة الأعمال.
ـ الأعمال المصرفية المختلفة.
ـ أعمال التخطيط والإحصاء والبرمجة الاقتصادية والإنمائية.
ـ أسواق المال والبورصات.
ـ الإعلان والدعاية.
وقد لعبت الاتصالات والمواصلات البرية والبحرية والجوية والحواسيب وشبكات الإنترنت دوراً كبيراً في تطور الحرف والمهن التجارية.
العمل ضروري لتحقيق الوجود الإنساني ونمائه، بل هو الوجود الإنساني نفسه إذ يمكن القول: «أنا أعمل إذن أنا موجود» لأن العمل يقتضي التفكير بالضرورة، ففي العمل هناك فكر يخطط وإرادة تنفذ، والأمة التي تعلي قيم العمل فوق كل قيمة واعتبار هي أمة جديرة بالحياة. والأمل معقود على أن تزداد أهمية العلم التخصصي في الوطن العربي.
محمد سعيد اليعقوبي الجزائرلي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث