الدباغة tanning عامة هي مجموعة العمليات التي تخضع لها الجلود الخام (الفروة hide) الهادفة إلى تثبيت الكولاجين في بنية الجلد، وذلك بمعالجة المركبات غير الكولاجينية فيه وجعل هذا الكولاجين مقاوماً لتغيرات العوامل الفيزيائية والكيميائية والحيوية.
 
لمحة تاريخية
 
تعد الدباغة من أقدم الحرف التي مارسها الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ، وقد تم الاعتماد في البداية على التجربة والاستفادة من الأخطاء ونقل الخبرات المكتسبة في دباغة الجلود عبر الأجيال بعيداً عن الأسس العلمية لها، ولكنها اليوم علم متطور أوجد في الأسواق أنواعاً وأشكالاً من الجلود المدبوغة المستخدمة في صنع الألبسة الراقية والمضاهية بروعتها ونعومتها أغلى أنواع الأقمشة أو الألبسة والأحذية المقاومة لأقسى أنواع شروط العمل الجوية والفيزيائية[ر. الجلـود (صنـاعة -)].
 
مراحل دباغة الجلود
 
تمر الجلود الخام في أثناء دباغتها بعدة مراحل أهمها:
 
ـ سلخ الجلود flaying وحفظها curing:
 
يعد الجلد المسلوخ عن الحيوان المذبوح انعكاساً لحياته فإذا كان يعيش حياة قاسية فإن آثار الجروح والخدوش والدمامل والأمراض ستظهر على الجلد الخام وبالتالي ستؤثر في نوعية المنتج النهائي. ولحفظ الجلود الخام من التفسخ والتعفن قبل نقلها إلى المدابغ يتم اللجوء إلى عدد من الطرائق، منها التجفيف، إذ إن الفروة الجافة لا تتعفن ويمكن لها أن تعود إلى حالتها الطبيعية بعد النقع بالماء. ولكن الطريقة الأكثر شيوعاً هي طريقة التمليح التي تقسم إلى نوعين: التمليح الرطب wet-salting والتمليح الجاف dry salting.
 
ـ العمليات التحضيرية ما قبل الدباغة وتشمل:
 
أ ـ النقع soaking: أول العمليات التحضيرية التي تجري في المدبغة هي نقع الفروة بالماء النقي والنظيف، وذلك للتخلص من الأملاح والدم والأوساخ ولإعادة الماء الذي فقده الجلد في أثناء التمليح والحفظ. يُنقع الجلد مدة تراوح بحسب الحاجة ونوع الجلد مابين ساعتين وسبعة أيام. وهنا يجب أن لا يكون الماء عسراً أو ملوثاً بالبكتيريا وإلا وجبت إزالة عسرته وتعقيمه.
 
ب ـ التكليس liming ونزع الشعر unhairing: تحضن الفروات في أوعية تحوي الكلس CaO المضاف إليه كبريت الصوديوم Na2S وذلك لجعل الوسط قلوياً، وتُضعف هذه المواد بصلات الشعر التي تنزع وكذلك تُضعف ارتباط الشحوم بالأدمة والسطح الداخلي للفروة، وفي الوقت نفسه يكتسب السطح الخارجي للجلد graine نعومة ولدانة وانتفاخاً. يزال الشعر المتبقي يدوياً باستخدام سكاكين خاصة.
 
ج ـ التلحيم heshing: وهي عملية نزع اللحم الزائد والشحوم من السطح الداخلي للجلد بقشطها يدوياً بسكاكين خاصة أو باستخدم آلات ذات سكاكين حادة تعطي الجلد سماكة متجانسة حسب الطلب في المنتج النهائي.
 
د ـ نزع الكلس deliming والتحميض pickling: تنقع الجلود في الماء النقي أولاً للتأكد من زوال شوارد الكلسيوم ثم تنقع في وسط حمضي (حمض الكبريت أو حمض كلور الماء) وذلك لجعل حموضة الجلد ملائمة لعمليات الدباغة التالية.
 
هـ ـ المعالجة الأنزيمية bating: تعالج معظم أنواع الجلود بأنزيمات البروتياز protease التي تفكك البروتينات غير الكولاجينية كالكيراتين والبروتينات الكروية globulproteines من الأدمة. إن استخدام البروتياز يعطي الجلود طراوة وليونة وسطحها الحبيبي نعومة. يراوح زمن استخدام هذه الأنزيمات بحسب أنواع الجلود، بين عدم استخدامها على الإطلاق إلى الاستخدام مدة طويلة كما في الجلود المستخدمة لصنع القفازات.
 
عمليات الدباغة
 
لكل نوع من الجلود عدة طرائق للدباغة، ويتم اختيار الطريقة بحسب الهدف من استخدام المنتج النهائي.
 
الدباغة النباتية vegetable tans بالعفص النباتي: يستخرج من أوراق النباتات ولحاء الأشجار وجذورها والثمار وغيرها. يحتوي العفص على جزيئات متعددة الفينول مع عدد من الزمر الحمضية ويتمتع ببعض الوظائف الثانوية (ثنائية القطب والروابط الهدروجينية). ترتبط الزمر الحمضية فيه مع الزمر الأساسية في بروتينات الجلد مزاحمة ماء التميه فيها. وبالتالي فالدباغة النباتية هي إبدال جزيئات الماء بجزيئات العفص. تزيد الحموضة العالية للوسط من تثبيت العفص وذلك لأنها تساعد على تشرد الزمر الأساسية للبروتين. يكون الجلد الناتج متيناً وكثيفاً نسبياً وذا لون بني باهت ومعتم في ضوء النهار. يُزال العفص الزائد عن الحاجة بالغسل بالماء وببطء شديد جداً. يستخدم الجلد الناتج لصناعة نعال الأحذية والتنجيد وصناعة الحقائب وتبطين الأحذية وتجليد الكتب وصناعة الأحزمة.
 
الدباغة الاصطناعية synthetic tans بالعفص الاصطناعي: يمكن أن يكون لمواد الدباغة الصنعية تركيبات كيميائية متعددة، ولكن الصفة العامة لها جميعاً أنها تعطي محاليل مائية مع زمرة السلفون الحمضية والمتشردة كلياً وذات الميل الشديد للزمر الأساسية في بروتينات الجلد وبالتالي لها فعالية كبيرة في نزع ماء التميُّه. ويزيد ارتفاع الحموضة من سرعة وزيادة درجة تثبيت الدباغ. وتختلف سماكة الجلد الناتج ومرونته ولونه حسب كمية الوظائف الثانوية والوظائف السلفونية في مادة الدباغة. يكون لون الجلد الناتج أكثر شحوباً من الدباغة النباتية ويبدو قاتماً في ضوء النهار، غير قابل للغسل بالماء ويستخدم في حالات خاصة.
 
الدباغة المعدنية mineral tannage: تتفاعل أملاح الكروم والزركونيوم والألمنيوم الأساسية بطرائق مختلفة، ولكن تأثيرها الأولي يكون على الزمر الحمضية في بروتين الجلد، حيث تحل جزئياً محل جزيئات ماء الإماهة. ولكن هذه الأملاح يمكن أن تشكل روابط متصالبة بين الزمر الحمضية المتجاورة والتي تثبت بنية الجلد الرطب المميه. إن قدرة أملاح الدباغة هذه على نزع الرطوبة وعلى نوعية التثبيت أقل من مواد الدباغة النباتية، ولهذا يكون الجلد أكثر انكماشاً وقساوة عند التجفيف، ولهذا تضاف بعض أنواع الزيوت إلى الجلود قبل التجفيف، والتي يكون تأثيرها في نعومة الجلد الجاف أعلى من تأثيرها في الجلد المعالج بالدباغة النباتية. ينتج من هذه الدباغة جلد شديد النعومة، أبيض اللون عند استخدام الدباغة بالألمنيوم والزركونيوم، وأخضر باهت أو أزرق عند الدباغة الكرومية وقليلاً ما يتغير بضوء النهار. لا تحتاج الدباغة الكرومية إلى الغسل اللاحق بينما يتم الغسل اللاحق في حالة الدباغة بالألمنيوم. تستخدم منتجات الدباغة الكرومية لتصنيع السطح العلوي للأحذية والقفازات والملابس الجلدية والأحزمة وبعض النعال، أما الدباغة بالشب - الألمنيوم فلصنع القفازات والجلد الفرو.
 
الدباغة الألدهيدية aldehyde tannage: يتحد الفورم ألدهيد والغلوتير ألدهيد أو الألدهيدات المستخدمة لدباغة الشاموا مع الزمر الأساسية لبروتين الجلد، كما تشكل روابط متصالبة مع الزمر الأساسية للجزيئات المتجاورة في البروتينات الرطبة، إن كميات قليلة من الألدهيدات قادرة على إعطاء الفعالية المطلوبة. تخفض زيادة الحموضة من فعالية التثبيت. ويكون الجلد الناتج أبيض اللون ويزداد ابيضاضاً في ضوء الشمس. ولا يحتاج الجلد إلى غسل لاحق لأنه يمتز الماء. ويستخدم لصنع القفازات والملابس القابلة للغسيل.
 
الدباغة الزيتية oil tannage: طريقة قديمة جداً، غالباً ما يستخدم فيها زيت كبد الحوت، تعطي الجلد الخام كثيراً من الخواص الهامة المميزة للجلد المدبوغ. فالجلد المعالج بالزيت خفيف وناعم ومنفذ للهواء ومقاوم للغسيل. لا تتأثر عملية الدباغة بحموضة الوسط، ويكون الجلد الناتج ذا لون أصفر كامد يزداد ابيضاضاً بأشعة الشمس. يستخدم كجلد قابل للغسيل وصناعة القفازات القابلة للغسيل.
 
طرائق نزع الرطوبة: هي وسائل تجعل الجلد يكتسب النعومة عند الجفاف ولا تعد دباغة حقيقية، ويزول التأثير إذا ما أعيد ترطيب الجلد الخام. فإذا عولج الجلد الخام بمحاليل ملحية مركزة يتم نزع ماء التميُّه من بروتيناته ويصبح بعد التجفيف التام أبيض وناعماً وله مظهر الجلد المدبوغ. يمكن استخدام محاليل نازعة للماء كالأسيتون، ينقع فيها الجلد الخام، وهي تستخدم للحصول على الجلد الأبيض. كما يمكن نزع الماء بالتجميد، وذلك بتعريض الجلد الرطب إلى درجة التجمد ثم تصعيد الماء على شكل بخار ودون المرور بالحالة السائلة بتأثير الضغط المنخفض.
 
طرائق الدباغة المتصالبة: من الطرائق الشائعة في الدباغة تداخل طريقتين أو أكثر للدباغة، فعند معالجة الجلد المدبوغ بالكروم بمواد الدباغة النباتية يحسن من امتلائه ومتانة جوانبه الرقيقة وسطحه الخارجي. كما أن استخدام مواد الدباغة الصناعية مع غيرها من الطرائق تعطي جلداً أكثر بياضاً ويزيد من سرعة الدبغ.
 
أما الطريقة نصفية الكروم semi-chrome فتميز الدباغة النباتية الكاملة والمتبوعة بإعادة الدباغة الكرومية.
 
وأما الإعادة الكرومية chrome retan فهي الدباغة الكرومية التامة والمتبوعة بالدباغة النباتية أو الاصطناعية.
 
عمليات ما بعد الدباغة
 
وتشمل عدة مراحل بحسب الاستخدام الذي يعد له المنتج النهائي وهي:
 
التزييت والتلوين lubrication and dyeing: يعرض الجلد المدبوغ نباتياً والمجهز لإنتاج نعل الأحذية، لعملية قصر لونه ثم يعالج بكبريتات المغنزيوم وبالزيت ثم يزلق بمستحلب الصابون أو الشحم وأحياناً الشمع. ثم يصقل تحت دولاب معدني ثقيل يحدد ثقله السماكة والصلابة المطلوبة في المنتج. يقشط الجلد المدبوغ بالكروم والمعد لإنتاج وجه الأحذية حسب السماكة المطلوبة ويعالج بمحاليل عدد من المركبات الملونة في برميل دوار لتلوينه باللون المطلوب ويوجد في الأسواق أكثر من مئة نوع من ملونات الجلد المختلفة، ومن المهم أن يتم تشرب مادة التلوين ضمن شبكة الكولاجين في الجلد. يتم قبل تلوين الجلد أو بعد ذلك معالجته بمستحلبات زيتية أو شحمية. تجفف الجلود بعد تزييتها وتلوينها لتكون جاهزة للإنهاء.
 
الإنهاء finishing: إن إنهاء الجلد بعد الدباغة وتحويله إلى جلد مدبوغ leather هي من أعقد العمليات. إنها عملية فنية أكثر منها علماً. وهي ليست ببساطة صبغ سطح الجلد لتغطية العيوب في المراحل السابقة أو لتحسين المنتج عن طريق إملاء الخدوش فيه. إنها عملية تمس المتانة وجمال الجلد وتؤدي دوراً مهماً في نوعية المنتج ويجب أن تكون جزءاً من عملية الدباغة بكاملها.
 
يتطلب إنهاء الجلد ثبات الصبغ المستخدم ومرونته، وذلك لأن مادة الإنهاء التي لا تملك التصاقاً كافياً ومرونة كاملة سوف تتقشر وتتكسر. كما يجب أن تكون قادرة على التأقلم مع تغيرات الحرارة أو الرطوبة والجفاف إضافة إلى تقبلها عمليات التلميع العادي في أثناء الاستعمال. تتم عملية طلي الصبغ وفق أربعة أنظمة أساسية هي:
 
ـ نظام الطلي بالورنيش lacqure، نظام الزيوت الجفوفة drying oil، نظام التكاثف condensation، نظام اللاتكس latex.
 
ـ التشريب impregnation: يمكن تقوية الجلود الضعيفة عن طريق ملء الفراغات بين الألياف غير المتحزمة في بنيتها بوساطة الراتنجات. وقد استخدمت هذه الطريقة بتشريب الجلود باليوريثان منخفض الوزن الجزيئي قبل البلمرة ويسمح انخفاض وزن هذه الجزيئات بنفوذها إلى داخل الجلد بشكل فعال وللعمق المطلوب.
 
أحمد مالو 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث